• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 154- مناقشات مع المكاسب 1- الجواهر رأى التعارض مبدئياً 2- اذا كان العقل مستقلا بوجوب الامر فهو المرجع اولاً 3- الاصل لدى تعارض العامين من وجه هو: التخيير او... .

154- مناقشات مع المكاسب 1- الجواهر رأى التعارض مبدئياً 2- اذا كان العقل مستقلا بوجوب الامر فهو المرجع اولاً 3- الاصل لدى تعارض العامين من وجه هو: التخيير او...

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(154)

 

نقد المكاسب للجواهر: الحكم في التعارض من وجه، التوقف

سبق إشكال المكاسب على الجواهر بـ(وفيه: أنّ الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقّف والرجوع إلى الأُصول لا التخيير، كما قرّر في محلّه، ومقتضاها إباحة الولاية؛ للأصل، ووجوب الأمر بالمعروف؛ لاستقلال العقل به كما ثبت في بابه)([1]).

 

المناقشات:

أقول: ربما يشكل عليه بوجوه ثلاثة:

 

1- ظاهر الجواهر الجمع الدلالي، لا التعارض المستقر

الأول: ان الجواهر ذهب – فيما يظهر بالتدبر في كلامه – إلى ان التعارض بين دليلي حرمة الولاية ووجوب الأمر بالمعروف هو تعارض بدوي غير مستقر لذلك جمع بينهما فيما رآه هو جمعاً عرفياً أو جمعاً عليه شاهد من الروايات، وإنما يصح الإشكال عليه بما ذكره الشيخ لو كان مفاد كلام الجواهر التعارض المستقر فيقال حينئذٍ ان (الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقّف والرجوع إلى الأُصول لا التخيير، كما قرّر في محلّه).

والذي أوقع الشيخ في الوهم صدرُ عبارة الجواهر حيث تفيد، ظاهراً، ان التعارض مستقر إذ قال: (ويمكن توجيه عدم الوجوب بتعارض ما دل على وجوب الامر بالمعروف وما دل على حرمة الولاية عن الجائر بناء على حرمتها في ذاتها، والنسبة عموم من وجه)([2]) لكن التدبر في كل كلامه يظهر انه يرى ان التعارض غير مستقر لذا التزم بالجمع بينهما إذ مع استقرار التعارض لا يمكن الجمع بينهما وإلا لكان خلفاً، فلاحظ قوله: (فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب، وقيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة) أي انه يرفع اليد عن ظهور كل منهما في عدم جواز تركه، بقرينة الآخر، بل يدل على انه لا يرى التعارض مستقراً (ليكون مشمولاً لأدلة التعارض الظاهرة في التعارض المستقر) تصريحه لاحقاً بـ(الذي هو أيضاً شاهد للجمع).

والحاصل: ان أحكام التعارض (من الترجيح فان عدمت المرجّحات فالتخيير أو التوقف) إنما هي للمتعارضين تعارضاً مستقراً اما المتعارضان تعارضاً بدوياً فانه يجمع بينهما بلا كلام ولا يُعدّان مشمولين بروايات (يأتي عنكم الخبران المختلفان) نظير العام والخاص([3]) وقد تصرف صاحب الجواهر في ظاهر كلا الدليلين بمعونة الآخر فرفع التعارض بذلك أي انه اعتبره – لدى الدقة – من السالبة بانتفاء الموضوع، وقوله بالتخيير يراد به التخيير الناتج عن هذا الجمع الدلالي بصريح كلامه: (فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعاً لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب، وقيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة) لا التخيير الناتج عن التعارض مع فقد المرجح.

نعم غاية الأمر ان يشكل عليه بان هذا الجمع تبرعي (سواء أصح هذا الإشكال أم لا؛ لرواية محمد بن إسماعيل التي عدّها شاهد جمع) لا ان يشكل عليه بان الروايتين متعارضتان في مادة الاجتماع ومقتضى القاعدة التوقف لا التخيير؛ إذ الجواهر حلّ التعارض بوجه الجمع الذي ذكره فخرج المقام عن باب التعارض الذي أوهمه صدر حديثه. فتدبر جيداً.

 

2- استقلال العقل بوجوب الأمر بالمعروف، يقيّد دليل تحريم الولاية

الثاني: ما ذكره الميرزا التبريزي من: (أقول: لو كان العقل مستقلاً بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في الفرض، لكان قرينة قطعية على جواز التولي وتقييد إطلاق دليل التحريم، ولم تصل النوبة في إثبات الجواز إلى أصالة الحلّ)([4]).

 

وحكم العقل سابق على الأدلة النقلية

وبعبارة أخرى: حكم العقل (أو إدراكه) سابق رتبة على الأدلة النقلية فانه إذا استقل بحرمة الظلم كفى وكان النقل الوارد بحرمته إرشادياً حسب المشهور، أي انه مجرد مشير إليه وإن كان يمكن ان يكون مولوياً حسب المنصور إلا انه عليه أيضاً فالعقل دليل وليس أصلاً وهو إن لم يكن أسبق رتبة من النقل؛ لأنه أساسه ولأنه قطعي من كل الجهات عكس النقل، فلا أقل من انه في عرضه وليس في طوله مع ان الشيخ جعله في طوله إذ التفت أولاً للأدلة النقلية على وجوب الأمر بالمعروف وحرمة الولاية من قبل الجائر ثم إذ رآهما متعارضين في مادة الاجتماع حكم بالتوقف ثم اللجوء إلى حكم العقل المستقل بوجوب الأمر بالمعروف كما هو شأن الأصول العملية أو الأدلة الثانوية مع ان حكم العقل دليل أولي قطعي ينظر إليه في عرض الأدلة النقلية إن لم يكن قبلها لتكون هي في طوله لا العكس.

 

بل هو قرينة لبّية حافّة تمنع الإطلاق

بعبارة أخرى: ان حكم العقل القطعي بوجوب الأمر بالمعروف مطلقاً قرينة لبّية حافّة بأدلة حرمة الولاية، تمنع انعقاد إطلاقها (لا مجرد ما قاله التبريزي من انها تقيد إطلاق دليل التحريم([5])) أو – على الأقل – تصرفه إلى غير صورة كون الولاية جسراً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اللهم إلا ان يجاب بان الشيخ لا يرى استقلال العقل بوجوب الأمر بالمعروف إلا في الجملة، لكنه خلاف ظاهر عبارته، أو يرى بانه لا يستقل بوجوبه في مورد التعارض أي مورد الاجتماع مع حرمة الولاية، لكنه خلاف مبناه هنا إذ أرجع إلى حكم العقل لدى التعارض وجعله الحاكم. فتدبر

 

المحتملات الأربع في المتعارضين بالعموم من وجه

الثالث: ان المحتملات في المتعارضين بالعموم من وجه (بناء على انه مستقر وعلى رفع اليد عما ذكرناه والبناء على ما فهمه الشيخ من ان الجواهر يريد التعارض المستقر) هي أربعة:

 

1-2- التخيير أو التوقف

أولها: ما بنى عليه الجواهر من التخيير.

ثانيها: ما بنى عليه المكاسب من التوقف.

وقد التزم جمع كثير من الفقهاء بمبنى الجواهر، فغاية الأمر ان إشكال الشيخ عليه مبنوي، لا ما لعله يشم من عبارة المكاسب من ان الجواهر غفل عن ذلك وتوهّم ان حكم المتعارضين بالعموم من وجه هو التخيير فان ظاهر عبارة الشيخ (وفيه: ان الحكم في التعارض بالعموم من وجه التوقف...) ان هذا أمر مسلّم لذا يشكل به على الجواهر مع انه مختلف فيه بشدة وقد التزم الكثير من الفقهاء في الكثير من المسائل الفقهية بالتخيير لدى تعارض العامين من وجه.

 

ووجه التخيير أمران

ثم ان الوجه في الحكم بالتخيير لدى تعارض العامين من وجه هو أحد أمرين:

الأول: ما صرنا إليه، خلافاً للمشهور، من ان الأصل الأولي في المتعارضين هو التخيير، وذلك في المتباينين مطلقاً فكيف في العامين من وجه؛ لأن الحق لا يعدوهما فهو مخيّر بينهما ولا معنى للتوقف والرجوع إلى أصل آخر قد يكون مخالفاً لهما([6])؛ والعمدة: اننا نستظهر ان بناء العقلاء على التخيير كلما تعارض الطريقان (لا التوقف والرجوع إلى الأصل) ألا ترى ان الخبيرين – المسلم كونهما خبيرين – لو اختلفا في الصحراء في الطريق المنجية أهي إلى الأمام أم إلى اليمين ولم يكن مرجع من دليل آخر، حَكَم العقلاء بالتخيير فإذا أصاب فمنجز وإلا فمعذر ولا يلتزم العقلاء بانهما يسقطان ويكونان كلا شيء وبلزوم البحث عن أصل عملي أو غيره!

 

شمول أدلة التراجيح فالتخيير للعامين من وجه

الثاني: ما صار إليه جمع من الفقهاء (ومنهم من كان بانياً على العدم ثم عدل إليه، كالسيد صادق الروحاني في فقه الصادق([7]) عليه السلام) من ان أدلة التراجيح فالتخيير تشمل العامين من وجه فيجب الترجيح بها فان عدمت فالتخيير، ولعل هذا مبنى الجواهر، وعلى أي فلو كان هذا مبناه لورد عليه انه حين تعارض دليل حرمة الولاية ووجوب الأمر فعليه ان يرجع للمرجّحات أولاً ويحرز انها مفقودة فيقول: فحينئذٍ نحكم بالتخيير، لا ان يذهب للتخيير مباشرة كما هو ظاهر كلامه (وهذا كله مبنيٌّ على التنزل عن الجواب الأول في توجيه كلام الجواهر، فتدبر).

نعم قد يقال ان المرجّحات في المقام مفقودة (وإن غفل عن ذكر ذلك الجواهر) لكن فيه ان الظاهر وجودها إذ روايات الأمر بالمعروف متواترة، وهي أكثر عدداً وأقوى سنداً من روايات حرمة الولاية للجائر. فتأمل وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال نبي الله عيسى عليه السلام: ((أشقى الناس من هو معروف عند الناس بعلمه مجهول بعمله‏))

(عدة الداعي، 78).

 

 

-------------------------------------------------------------------------

([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، ط / تراث الشيخ الأعظم، ج2 ص82.

([2]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ج22 ص164.

([3]) إذ ليسا مشمولين بأدلة التعارض.

([4]) الميرزا جواد التبريزي، إرشاد الطالب في شرح المكاسب، دار الصديقة الشهيدة – قم، 1431هـ، ج2 ص78.

([5]) إن أراد التقييد بعد الانعقاد.

([6]) أو حتى موافقاً لهما، فتدبر.

([7]) فقه الصادق ج21 ص389 قال: (فان المختار اخيراً تعين الرجوع إلى الاخبار العلاجية في موارد التعارض بالعموم من وجه مطلقا).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3367
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 30 ربيع الثاني 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18