عدم حجية برهان السنخية مستنداً للحكم الشرعي الكذب إنموذجا[1].
اعداد: الشيخ محمد علي الفدائي
قد يقال بحرمة الشيء استنادًا لسنخيته مع الباطل، وذلك كما في الكذب مثلاً لتجانسه وسنخيته مع الباطل، وكذا في اثبات الوجوب لسنخية الشيء مع الإيمان.
ويمكن الاستشهاد لذلك برواية الكافي عن يونس عن أبي جعفر (عليهما السلام) حيث تمسك الإمام (عليه السلام) ببرهان السنخية لاثبات حكم الغناء، وذلك في قوله: "... اذا ميز الله بين الحق والباطل فأنى يكون الغناء؟" فقال: مع الباطل، فقال (عليه السلام): "قد حكمت" [2].
فكذلك يمكن القول في الكذب بأنه: إذا ميز الله بين الحق والباطل، فالكذب يكون في دائرة الباطل، وفي قباله الصدق حيث يكون في دائرة الحق، فاستناداً إلى برهان السنخية يمكن القول بحرمة الكذب لسنخيها مع الباطل، وكذلك سنخية الصدق للحق والإيمان يكون مقتضياً لوجوبه.
رد البرهان المذكور بوجوه ثلاث:
الأول: اشكال كبروي
ومقتضاه: اعمية السنخية من الحكم الإلزامي، حيث يعلم عدم وجوب مثل الصدق في الجملة -حيث يمكن السكوت- مع كونه مسانخاً للإيمان الواجب، كما أن الإيمان مسانخ مع كل من العدل والإحسان، مع ان الإحسان مستحب، كذلك تكون السنخية أعم من الحرمة أيضاً، فإن بعض مسانخات الباطل تكون محرمة، وبعضها الآخر مكروهة كبعض الرذائل الاخلاقية في نفسها.
الثاني: اشكال كبروي ايضا، لكنه بعد التنزل عن الإشكال الأول
فإنه يقال: وإن سلمنا باقتضاء السنخية للحرمة، لكن ذلك ليس على إطلاقه، لأن السنخية على نوعين، فمنها ما إذا كان الشيء مسانخاً مع أصل الإيمان كالعدل فانها تقتضي الوجوب، بخلاف ما لو كان مسانخاً مع كمال الإيمان ودرجاتها العليا كالإحسان فلا يمكن القول بوجوبه ببرهان السنخية حينئذٍ، كذلك في الباطل واللاإيمان فما هو مسانخٌ لعدم الإيمان من أصله يكون محرماً، أما ما يدفع كمال الإيمان فلا يكون محرماً، فالسنخية تارة تقتضي الإلزام، وذلك فيما كانت المسانخة مع أصل الإيمان أو الكفر والباطل، وتارة لا تقتضي ذلك فيما لو كانت المسانخة مع كمال الإيمان ودرجاته.
فعلى ذلك لا يمكن اثبات حرمة مطلق الكذب استناداً إلى برهان السنخية لاحتمال كونه مما يدفع ويزيل كمال الإيمان لا أصله.
الثالث: وهو اشكال صغروي يرد بعد التنزل عمّا سبق ومحصله: هو انكار كون مطلق الكذب بجميع انواعه من سنخ الباطل، كالقصص المخترعة الهادفة التربوية فإنها قد يُدعى فيها مسانختها للإيمان لما فيها من مصلحة تربوية، وكالكذب لاصلاح ذات البين فإنه لا يكون من سنخ الباطل، لما دل على تجويزه من الروايات.
النتيجة: برهان السنخية لا يكون دليلا شرعيا على وجوب شيء او حرمته.
----------
[1] اقتباس من كتاب "حرمة الكذب ومستثنياته" لسماحة السيد مرتضى الشيرازي : ص٤٥ - ص٤٨
[2] الكافي: ج٦ ص ٤٣٥ باب الغناء
|