• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 158- التخيير الأصولي والفقهي - التخيير الابتدائي والاستمراري - النائيني: التخيير في صور الدروان تكويني لا واقعي ولا ظاهري. .

158- التخيير الأصولي والفقهي - التخيير الابتدائي والاستمراري - النائيني: التخيير في صور الدروان تكويني لا واقعي ولا ظاهري.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(158)

 

التخيير الأصولي والفقهي

الأمر الثاني: ان التخيير اما أصولي واما فقهي، والأصولي مصبّه الحجتان والفقهي مصبّه الفعلان أو التركان أو الفعل والترك، توضيحه: ان موضوع علم الأصول هو (الحجة المشتركة القريبة في الفقه) على المنصور أو (الأدلة الأربعة بذواتها، أو من حيث الدليلية) على الخلاف بين الفصول والقوانين أو شبه ذلك، وعلى أيٍّ فمدار الأصول على مباحث الحجج على التكليف كخبر الثقة والظواهر أو على الوظيفة كالأصول العملية، واما موضوع علم الفقه فهو:

(موضوعه فعل مكلفينا                   غايته الفوز بعليينا)

فإذا دار الأمر بين فعل هذا أو ذاك أو فعل هذا وترك ذاك كان التخيير([1]) في المسألة الفقهية، وإذا دار الأمر بين حجية هذا الخبر أو ذاك فان التخيير بالأخذ بأحدهما هو تخيير في المسألة الأصولية، وقد اختلف الأعلام في مفاد أدلة التخيير انه تخيير في الأخذ بهذه الحجة أو الأخذ بالأخرى، أو انه تخيير بين هذا العمل (الذي هو مؤدى الحجة الأولى) وذاك العمل (الذي هو مؤدى الحجة الثانية).

 

هل التخيير في مادة اجتماع العامين من وجه أصولي أو فقهي؟

والبحث جارٍ في المقام والاحتمالان قائمان فيه، وهو ان (التخيير) في مادة الاجتماع لدى تعارض العامين من وجه – على فرض القول به – هل هو تخيير في المسألة الأصولية أو هو تخيير في المسألة الفقهية؟ والأخير هو ظاهر صاحب الجواهر والأول هو مبنى الشيخ على حسب أحد تفسيري كلامه – كما سيأتي – أي هل انه مخيّر بين أن يتولى الحكم ويأمر بالمعروف وبين ان يترك الولاية ولا يأمر بالمعروف (لتوقفه فرضاً عليها) فهذا تخيير فقهي، أو انه مخيّر بين أن يأخذ بأخبار وجوب الأمر بالمعروف ويعتبرها الحجة في مادة الاجتماع وبين ان يأخذ بأخبار حرمة الولاية ويعتبرها لازمة الإتباع والحجة والمنجز أو المعذّر أو الكاشف في مادة الاجتماع، فهذا هو التخيير الأصولي.

والثمرة بين النوعين متعددة، ومنها: ما قيل بان مفاد التخيير الأصولي التخيير الابتدائي فحسب، وان مفاد التخيير الفقهي التخيير الاستمراري، على كلام وأخذ وردّ يوكل لمظانّه وستأتي الإشارة إلى النوعين بقدر اقتضاء المقام.

 

التخيير الابتدائي والاستمراري

الأمر الثالث: ان التخيير ينقسم بوجه آخر إلى تخيير ابتدائي وتخيير استمراري، فانه قد يقال بان مفاد أدلة التخيير هو التخيير في ابتداء الأمر (في ان يأخذ مثلاً بأدلة وجوب صلاة الجمعة زمن الغيبة أو بأدلة حرمتها أو أن يأخذ بوجوبها أو حرمتها، أو أن يأخذ بأدلة الأمر بالمعروف أو بأدلة حرمة الولاية، أو بهما، في مادة الاجتماع) فإذا اختار هذه الحجة (أو هذا العمل) لزمه دائماً.

وقيل: بان التخيير استمراري فله في كل آن ان يختار هذا أو ذاك ولا يلزمه الاستمرار على ما أختاره أولاً فله ان يلتزم هذا الأسبوع بحرمة صلاة الجمعة (أو يتمسك بأدلة حرمتها) فلا يصليها ثم يتمسك في الأسبوع القادم بأدلة وجوبها أو بوجوبها فيجب عليه صلاتها.. وهكذا كل أسبوع له ان يغيّر ما اختاره، وقد استدل لكل من الطرفين بأدلة ليس هذا موضع بحثها، وإنما ذكرنا هذا الأمر لأن عبارة الشيخ يحتمل ان تفسر بالتخيير الابتدائي دون الاستمراري كما سيأني.

 

النائيني: التخيير لدى الدوران تكويني لا واقعي ولا ظاهري

الأمر الرابع: ان الشيخ أشكل على الجواهر بان التخيير – على فرض القول به – لدى تعارض العامين من وجه في مادة الاجتماع هو التخيير الظاهري لا التخيير الواقعي الذي هو مبنى الجواهر.. ولكن سيأتي ان الحق مع الجواهر خاصة مع إرجاعنا كلامه إلى التزاحم وانه قد توهم الشيخ ان الجواهر بناه على التعارض وإن كان ظاهر عبارته([2]) أولاً كذلك – كما سبق بيانه – بل سيأتي ان الأصح قول الجواهر حتى مع إبقاء كلامه على ما فهمه الشيخ منه وهو التعارض المستقر.

ولكن قبل ان نتطرق لذلك نقول ان بعض الأعلام كالميرزا النائيني زاد على الشيخ والتزم – في بحث مبنوي في أصوله – بان التخيير في دوران الأمر بين المحذورين([3]) لا هو واقعي([4]) ولا هو ظاهري([5]) بل هو تكويني محض فقط.. وعليه فاللازم إذا أردنا إثبات كلام الجواهر من التخيير الواقعي ردّ دعوى النائيني من التخيير التكويني ثم رد دعوى الشيخ من التخيير الظاهري.

قال في الفوائد: (إذا عرفت ذلك فاعلم: أن في موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن جعل التخيير الشرعي الواقعي ولا جعل التخيير الظاهري – كالتخيير في باب تعارض الطرق والأمارات – فان التخيير بين فعل الشيء وتركه حاصل بنفسه تكويناً، فلا يمكن جعل ما هو الحاصل بنفسه، سواء كان جعلاً واقعياً أو جعلا ظاهرياً؛ فما قيل: من أن الأصل في دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير، ليس على ما ينبغي إن كان المراد منه الأصل العملي المجعول وظيفة في حال الشك، لما عرفت: من أنه لا يمكن جعل الوظيفة في باب دوران الأمر بين المحذورين؛ من غير فرق بين الوظيفة الشرعية والعقلية)([6]).

وقال قبل ذلك: (وعلى كل حال: يعتبر في تأثير العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال صالحاً لتشريعه كذلك، أي على ما هو عليه من الإجمال.

فان كان المعلوم بالإجمال غير صالح لتشريعه كذلك وكان قاصراً عن أن يكون داعياً ومحرّكاً لإرادة العبد، فالعلم الإجمالي المتعلق به لا يقتضي التأثير والتنجيز وكان وجوده كعدمه، كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين، فان التكليف المردد بين وجوب الشيء أو حرمته قاصر عن أن يكون داعياً ومحركاً نحو فعل الشيء أو تركه، لأن الشخص بحسب خلقته التكوينية لا يخلو عن الفعل أو الترك، فلا يصح تشريع التكليف على هذا الوجه، لأن تشريع التكليف على هذا الوجه لا أثر له ولا يزيد على ما يكون المكلف عليه تكويناً، فإنه إما أن يفعل وإما أن لا يفعل؛ فهو غير قابل لتحريك عضلات العبد وغير صالح للداعوية والباعثية؛ فإذا كان متعلق العلم الإجمالي وجوب الفعل أو حرمته، فالعلم لا يقتضي تنجيز متعلقه وكان وجوده كعدمه)([7]).

والحاصل: ان القول بوجوب تخيير شرعي ظاهري أو واقعي يستلزم محذورين.

أولاً: لزوم اللغوية من تشريع التخيير لأن التشريع إنما هو لإيجاد الداعي للعبد للانبعاث والفرض ان العبد في دوران الأمرين المحذورين اما فاعل أو تارك فتخييره بين ان يفعل أو يترك لغو لا فائدة فيه ولا محركية له لأحد الطرفين خاصة ولا إلى كليهما بدلاً لأنه حاصل تكويناً.

ثانياً: لزوم تحصيل الحاصل لأنه بالفعل اما فاعل أو تارك وبالتخيير يراد ان يكون اما فاعلاً أو تاركاً وهو حاصل من قبل، وستأتي مناقشة ذلك بإذن الله تعالى فانتظر.        

 

 

    وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((إِنَّ الْحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ وَالْوَيْلَ كُلَّهُ لِمَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا أَبْصَرَهُ وَلَمْ يَدْرِ مَا الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ مُقِيمٌ أَنَفْعٌ لَهُ أَمْ ضَرٌّ قُلْتُ لَهُ: فَبِمَ يُعْرَفُ النَّاجِي مِنْ هَؤُلَاءِ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: مَنْ كَانَ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقاً فَأُثْبِتَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالنَّجَاةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقاً فَإِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَوْدَعٌ‏)) (الكافي: ج2 ص420).

 

 

 

-----------------------------------------------

([1]) على القول به في موارده

([2]) الجواهر.

([3]) ومنه المقام.

([4]) كرأي الجواهر.

([5]) كرأي الشيخ.

([6]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج3 ص444.

([7]) المصدر نفسه: ص443.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3378
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 6 جمادى الاولى 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19