• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 78- تحقيق القول في (الحكومة) واقسامها الاربعة .

78- تحقيق القول في (الحكومة) واقسامها الاربعة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ,ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 
كان البحث يدور حول النسبة بين ادلة الاجتهاد والتقليد من جهة وادلة الاحتياط من جهة اخرى وهي ان النسبة على رأي هي الطولية فأن ادلة الاجتهاد والتقليد متقدمة رتبة (بحسب هذا الرأي ) وقد صورنا ذلك بوجوه عديدة منها الورود وقد تقدم جوابه ومنها الحكومة وهو محل بحثنا اليوم فهل ادلة الاجتهاد والتقليد حاكمة على ادلة الاحتياط أم لا؟ وتحقيق ذلك يتوقف على بيان معنى الحكومة لنرى هل ينطبق على المقام او لا؟ وهذا بحث مفتاحي ولعله مستعصي على بعض الطلبة وانه ما الفرق بين الورود والحكومة ومواردها ,فنقول: 
الحكومة :تعني ناظرية ونظارة احد الدليلين على الاخر بحيث يكون الدليل الحاكم شارحا ومفسرا ومبينا للدليل المحكوم فلسان الحاكم لسان الاشراف على المحكوم وملاحظته وشرحه مثل الملاحق الموضحة والشارحة للدساتير في الوقت الحاضر , واضاف البعض قيدا توضيحيا هو : (بحيث لو لا دليل المحكوم لما كان للحاكم معنى ) أي يكون وجود الدليل الحاكم لغوا , 
هذا معنى الحكومة , واما اقسامها فهي اربع وان اقتصر الشيخ الانصاري على ذكر قسم واحد فقط (وهنا نشير اشارة مهمة حول اصل بحث الحكومة والورود وهي :ان الحكومة والورود ليس اصطلاحا شرعيا بل هو مخترع للفقهاء ولعل اول من ذكره صاحب الجواهر ونقحه الشيخ الاعظم ثم من جاء بعده فصله اكثر فقد يتسائل انهما ليسا اصطلاحان شرعيان فلماذا ندور مدارهما في الاصول ؟ والجواب بايجاز:السبب في ذلك ان هذا التحقيق الدقيق يرجع الى امرعقلي عرفي ويرجع الى تنقيح بناء العقلاء في المواطن المختلفة , مثلا في اعراف الدول ان اللاجئ ليس مواطنا لكنه اذا بقي في بعض الدول مدة خمس سنين مثلا والتزم بقوانين تلك الدولة فانها تمنحه الجنسية ويصبح مواطن من تلك الدولة أي منزل بمنزلة مواطنيها أي ان من بيده الاعتبار يجعله مواطنا بان يتصرف من بيده الاعتبار في توسعة دائرة الاعتبار اما في القانون الاسلامي فالمعنى اوسع فان أي شخص يسكن تلك الدولة يصبح مواطنا له كافة الحقوق وهذاالبحث من اهم الابتكارات العلمية الانسانية الحقوقية لفقهائنا في تحقيق انواع الاعتبارات). 
والاقسام هي اربعة لأن الناظرية والشارحية هي اما الى عقد الوضع (المبتدأ=المسند اليه) أو الى عقد الحمل (المحمول= المسند)وكل منهما اما بالتوسعة او بالتضييق فالصور اربعة.توضيح ذلك: 
الصورة الاولى:ان تكون الناظرية الى عقد الوضع بنحو التوسعة فيه وتنزيل ما ليس موضوعا حقيقة بمنزلة الموضوع تعبدا مثل قوله عليه السلام (الطواف بالبيت صلاة ) فالطواف ليس بصلاة حقيقة لكن الشارع نزل الطواف الذي هو حقيقة تكوينية مباينة للصلاة بمنزلة الصلاة فوسع في دائرة موضوع الصلاة وقال ان موضوع الصلاة له فردان حقيقي وتنزيلي فوسع في عقد الوضع وتترتب على ذلك الثمرة , فنقول الصلاة يجب فيها الطهارة (الموضوع (الصلاة) والمحمول( يجب الوضوء او الغسل) وقد ورد (الطواف بالبيت صلاة) مما ادخل الطواف في دائرة الموضوع فيترتب عليه المحمول مما يدل على اشتراط الطهارة في الطواف فحتى لو لم يكن دليل على وجوب الطهارة في الطواف فهذا التنزيل يكفي دليلا . 
القسم الثاني من اقسام الحكومة: هو التصرف في دائرة الموضوع (عقد الوضع) بالتضييق على عكس القسم الاول مثل قوله عليه السلام (لا شك لكثير الشك) أي ان الشارع انزله منزلة اللا شاك والا فهو وجدانا شاك فأخرجه من دائرة الشاك وبذلك ضيق الموضوع واخرج منه بعض الافراد وهو كثير الشك ,ومثاله في الشاك العادي ان من شك بين الثلاث والاربع يبني على الاربع ويأتي بركعة الاحتياط اما كثير الشك فيقال له لا تعتنِ بشكك وابنِ على الصحة ولا ترتب الاثر المعهود من البناء على الاربعة والاحتياط بركعة وكذا لو شك كثير الشك انه ركع ام لا ؟ نقول له لا تعتنِ وابنِ على الصحيح وهكذا (لاشك في النافلة) و (لاشك بعد الفراغ) و ( لاشك للامام مع حفظ المأموم) , ففي كل هذه الموارد هو شاك حقيقة بالوجدان لكن الشارع اعتبر هذا الشك كلا شك أي اخرجه من دائرة الشاك بتضييق دائرة الموضوع , والشيخ الانصاري ذكر هذا القسم فقط وهو التضييق في دائرة الموضوع وهذا التصرف موجود في بناء العقلاء ومعاملاتهم لكنهم لم يؤطروها وينقحوها كما فعل الفقهاء. 
القسم الثالث من الحكومة : هو التصرف في عقد الحمل بالتوسعة بان يوسع دائرة المحمول مثل قوله عليه السلاة (لا صلاة الا بطهور)فالموضوع الصلاة والمحمول الطهارة فالشارع تارة يتصرف في الموضوع وتارة يتصرف في الطهور ويوسع دائرته فيقول(التيمم احد الطهورين)فنزل التيمم منزلة الطهارة فوسع دائرة المحمول وهو الطهور فجعلة يشمل التيمم والا فهو وجدانا لو لا هذه التوسعة ليس بطهور(انزلنا من السماء ماءا طهورا) وكذلك قاعدة الطهارة توسع من عقد الحمل حتى على كونه اصلا . 
القسم الرابع من الحكومة : هو التصرف في عقد الحمل بالتضييق عكس القسم الثالث وامثلته القواعد الفقهية المشهورة مثل(لا ضرر ولا ضرار)وكذلك (ما جعل عليكم في الدين من حرج) فالمشهور ان ادلة نفي الضرر والحرج حاكمة على الادلة الاولية أي مضيقة لدائرة عقد الحمل فعندما يقول الشارع (الصوم واجب)فالمحمول هو (واجب) ولكن قاعدة لا ضرر تقول الصوم الضرري ليس بواجب فتتصرف في دائرة المحمول (الحكم) بالتضييق وكذا لو كان في غسل الجنابة حرج شديد فانه يسقط وجوبه لما يشترط فيه الطهارة فقاعدة لا حرج ضيقت دائرة وجوب الغسل فقالت من يقع في حرج جراء الغسل فغسل الجنابة غير واجب لما يشترط فيه الطهارة وينتقل الى التيمم 
وهنا لفتة دقيقة:انه في لا ضرر احتمالان : 
الاول:وهو هذا الذي ذكرناه وان لا ضر ولا حرج تتصرف في عقد الحمل فتقول هذا الصوم الحرجي انا اسقط وجوبه وان كان هو صوما , فضيقت دائرة الوجوب . 
الثاني: ان لا ضرر ولا حرج تتصرف في عقد الوضع بالتضييق بأن تقول لا ضرر أي الصوم الضرري لا اعتبره صوما لا ان الصوم الضرري غير واجب أي تنفي كون الصوم الضرري صوما تعبدا والحاصل ان لاضرر تنفى الحكم او تنفى الموضوع ؟ 
اذن هذه الاقسام الاربعة في الحكومة وهنا سؤال عن قاعدة الالزام وانها من أي الاقسام بالنسبة للادلة الاولية ؟ اذ انها تقول لا يقع الطلاق الا بشاهدين عدلين وقاعدة الالزام تقول يقع الطلاق( ) من المخالف حتى بدون شاهدين عدلين فهنا توجد ناظرية وشارحية لكن هل تصرفت في عقد الوضع ام في عقد الحمل وهل بالتوسعة ام بالتضييق ؟ 
والجواب : ان قاعدة الالزام مصاديقها مختلفة فتارة ترفع الموضوع وتكون مضيقة لعقد الوضع وتارة تضع الموضوع فتكون موسعة في عقد الوضع فعندما يقول الشارع طلاق المخالف بلا شاهدين اَلزِمهُ به أي انه نزّله منزلة الطلاق الصحيح فهذه توسعة في دائرة الطلاق الصحيح , وتارة تضيق في دائرة الموضوع فتخرج بعض المصاديق على حسب التزام ذاك الطرف مثلا النكاح بلا اشهاد او بلا اشهار(لهم في ذلك رأيان) باطل عند المخالف وصحيح عندنا وحيث انه لا يعتبره نكاحا فالشارع يقول انا ايضا لا اعتبره نكاحا الزاما له فقد نزل هذا النكاح الصحيح منزلة لا نكاح مما ضيق دائرة الموضوع اذا قاعدة الالزام تارة تضيق وتارة توسع بحسب الملزم به , وهل تجري ايضا في عقد الحمل ام لا ؟تحتاج للتأمل. 
سؤال تطبيقي : في دول الغرب اذا ارتكب شخص جرما وثبت طبيا انه مصاب بمرض نفسي (او حتى لو احتمل احيانا) فترتفع عنه الاحكام القانونية فهذه ناظرية للادلة الاولية فهل هو رفع ام وضع ؟ في الموضوع ام في المحمول ؟ 
وعند مراجعة العرف نجد ان هذه المفاهيم متداولة عندهم لكن لم يؤطروها بهذه الصورة المتكاملة المتبلورة و ذلك مثل علم المنطق فانه فطري لكن من يدرسه و لم يؤطره ويمنهجه ويراعي قواعدة عند التفكير يقع في الخطأ فعلى الرغم من ان الناس بالارتكاز –ولو في الجملة- يطبقون القواعد المنطقية وان لم يعرفوا كيف يعبرون عنها لكنهم يقعون في الخطأ بدون المعرفة العلمية الشاملة بالمنطق وكذا القواعد الاصولية تحتاج لمراعاتها وتأطيرها في قالب صحيح وبذلك يمكن تطوير الكثير من العلوم . وللحديث صلة باذن الله . وصلى الله علي محمد واله... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=338
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 28 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23