• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 160- مناقشات اخرى: المنجز الدليل الواصل لا العلم الاجمالي ولا دليل التخيير .

160- مناقشات اخرى: المنجز الدليل الواصل لا العلم الاجمالي ولا دليل التخيير

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(160)

 

تأخر التخيير الظاهري عن التخيير التكويني بمراتب

تتمة: سبق (واما ان التخيير الظاهري متأخر عن التكويني بمراتب فلأن طبع الأمر هو كذلك: إذ انه إذا كان قادراً على الطرفين كان مخيراً تكويناً بينهما، ثم تأتي مرتبة جعل الشارع للحكم فإن جَعَلَه ثَبَتَ في مرتبة الإنشاء فإذا وصل بحجةٍ فانه يبلغ مرحلة الفعلية فالتنجّز...)([1]) وتفصيله([2]): انه إذا جعل الحكم وانشأه ثبوتاً، في اللوح المحفوظ أو في قلب النبي صلى الله عليه واله وسلم أو غير ذلك، فانه بعدها يُقيم عليه الحجة من كتابٍ أو سنة أو شبههما([3]) فإذا أقام الحجة فان بلغت ببلوغ نوعي كان الحكم فعلياً وإن بلغت ببلوغ شخصي كان منجزاً، ثم إن وصلت الحجة الأخرى تعارضتا.. إلى آخر ما ذكر.

 

موجز الإشكالات على النائيني

تتمة: ثم ان تطبيق ما ذكر من الإشكالات على كلامه موجزاً هو انه قال: (فان التخيير بين فعل الشيء وتركه حاصل بنفسه تكويناً، فلا يمكن جعل ما هو الحاصل بنفسه، سواء كان جعلاً واقعياً أو جعلا ظاهرياً)([4]) إذ يجاب:

اولاً: انه ليس جعلاً للحاصل بنفسه إذ الحاصل بنفسه هو الإمكان التكويني (وهو عبارة أخرى عن التخيير التكويني، بل هو الأصح في التعبير) والمجعول هو الجواز التشريعي لهذا ولذاك لأنه يمكن ان يرجّح الشارع جانب الحرمة فيحكم بحرمته كما قال به البعض، أو يرجّح جانب الوجوب فيحكم بوجوبه لكنه خيّر بينهما تشريعاً أي حكم بجواز كل منهما فكل من الأمرين الممكن كل منهما تكويناً، أباح الشارع فعله تخييراً.

ثانياً: ان التخيير رفع للحكم التعييني أي لتعيينيته وليس جعلاً لحكم فلا يصح (فلا يمكن جعل ما هو الحاصل بنفسه) إذ هو ليس بجعل بل هو ضده.

ثالثاً: ان التخيير الظاهري (والواقعي) متأخر بمراتب اربع أو خمس عن التكويني فلا يعقل ان يكون جعلُه جعلَه ليكون من تحصيل الحاصل.

 

النائيني: العلم الإجمالي بوجوب الفعل أو حرمته، قاصر عن المحركية

وقال المحقق النائيني: (وعلى كل حال: يعتبر في تأثير العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال صالحاً لتشريعه كذلك، أي على ما هو عليه من الإجمال.

فان كان المعلوم بالإجمال غير صالح لتشريعه كذلك وكان قاصراً عن أن يكون داعياً ومحرّكاً لإرادة العبد، فالعلم الإجمالي المتعلق به لا يقتضي التأثير والتنجيز وكان وجوده كعدمه، كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين، فان التكليف المردد بين وجوب الشيء أو حرمته قاصر عن أن يكون داعياً ومحركاً نحو فعل الشيء أو تركه، لأن الشخص بحسب خلقته التكوينية لا يخلو عن الفعل أو الترك، فلا يصح تشريع التكليف على هذا الوجه، لأن تشريع التكليف على هذا الوجه لا أثر له ولا يزيد على ما يكون المكلف عليه تكويناً، فإنه إما أن يفعل وإما أن لا يفعل؛ فهو غير قابل لتحريك عضلات العبد وغير صالح للداعوية والباعثية؛ فإذا كان متعلق العلم الإجمالي وجوب الفعل أو حرمته، فالعلم لا يقتضي تنجيز متعلقه وكان وجوده كعدمه)([5]).

 

الجواب: المحرك الدليلان لا العلم الإجمالي

ويرد عليه، وبملاحظة ما يلحقه من قوله (إذا عرفت ذلك...): ان ههنا أموراً ثلاثة وقد غفل  قدس سره عن الثالث كما خلط حكم الأول والثاني وتوضيحه:

انه تارة يكون العلم الإجمالي منجزاً ومحركاً للعضلات وباعثاً أو زاجراً كما لو علم بسقوط قطرة دم في أحد الإنائيين أو بوجوب أحد الفعلين.

وتارة يكون التخيير بين الأمرين هو المنجز([6]) كما لو خيّره بين ان يصلي الظهر أو الجمعة.

وثالثة يكون الدليل الواصل هو المنجز، وقد غفل الميرزا عن هذا الأخير مع انه المحور في كثير من موارد دوران الأمر بين المحذورين ومنها مثل المقام؛ فان الدليل على وجوب هذا الفعل (كالأمر بالمعروف، أو كالذهاب للجهاد) إذا وصل فانه يكون المنجز للتكليف على العبد، فإذا وصله الدليل على حرمة ذاك الفعل (كالولاية من قبل الجائر) فان يكون منجزاً كذلك، فإذا تعارضا في مورد الاجتماع وعلم([7]) إجمالاً بان هذا الفعل إما واجب؛ لغلبة دليل الأمر بالمعروف أو حرام؛ لغلبة دليل النهي عن المنكر، فالمنجّز ليس هو العلم الإجمالي بل الدليلان الواصلان، واما العلم الإجمالي فانه يورث الحيرة في تقديم أي منهما وحينئذٍ يرجع للشارع فنجده يقول (تخيّر أحدهما) فليس (التكليف المردد بين وجوب الشيء أو حرمته) في مثل هذه الموارد([8]) هو المحرّك والداعي ليقول الميرزا (انه قاصر عن ذلك لأن الشخص بحسب خلقته التكوينية لا يخلو من الفعل أو الترك) بل المحرِّك هو دليل كل منهما ثم إذ صار التكليف مردداً بينهما (نظراً لتعارضهما) حَكَم الشارع بالتخيير.

 

والتخيير رفع([9]) وليس جعلاً للحكم

وبذلك ظهر انه ليس العلم الإجمالي هو المحرّك ولا التخيير هو المحرك والباعث ليشكل بان العلم الإجمالي لا يصلح للتحريك نحو المتناقضين وبان التخيير تكويناً حاصل فكيف يخيّرنا الشارع من جديد؟

والحاصل: انه في المقام وفي مطلق دوران الأمرين بين المحذورين إذا كان لأجل تعارض الدليلين، لا نقول بان العلم الإجمالي هو المنجّز ليشكل بانه لا يصلح للحركية ولا نقول بان التخيير هو الجاعل للحكم ليشكل بانه لا يمكن جعل ما هو الحاصل بنفسه.

بل نقول: المنجّز هو الدليلان نفسهما، وليس العلم الإجمالي، وان التخيير ليس جعلاً للحكم بل هو مجرد رفع لتعيينية كل من الحكمين فلا يرد أيّ من إشكاليه.

وبذلك ظهر وجه الخلط بين العلم الإجمالي وبين التخيير([10]) في كلامه لأنه مهّد البحث عن العلم الإجمالي واستحالة محركيته لدى الدوران ليفرع عليه بقوله (إذا عرفت...) ان التخيير غير مجعول مع انه لا ربط بين الأمرين أبداً، كما ان التخيير ليس جعلاً للحكمين، فتأمل وتدبر.                             

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

عن الحجة القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف قال: ((وَلَوْ أَنَّ أَشْيَاعَنَا وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ عَلَى اجْتِمَاعٍ مِنَ الْقُلُوبِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ عَلَيْهِمْ لَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْيُمْنُ بِلِقَائِنَا وَلَتَعَجَّلَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ بِمُشَاهَدَتِنَا عَلَى حَقِّ الْمَعْرِفَةِ وَصِدْقِهَا مِنْهُمْ بِنَا فَمَا يَحْبِسُنَا عَنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكْرَهُهُ وَلَا نُؤْثِرُهُ مِنْهُم‏‏)) (التهذيب: ج2 ص498).

 

 

 

 

--------------------------------------------------

([1]) الدرس (159).

([2]) تفصيل (فان جعله...).

([3]) كالعقل أو بناء العقلاء أو المتشرعة. فتأمل

([4]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج3 ص444.

([5]) المصدر نفسه: ص443.

([6]) وليس ذلك، حسبما حققناه وسيأتي، بصحيح.

([7]) ولك ان تقول: فحيث تعارضا في مورد الاجتماع علم إجمالاً...

([8]) نعم هو كذلك، في مثل ما لو علم إجمالاً ابتداءً بوجوب هذا أو حرمته من غير سبق وصول دليل عليهما.

([9]) لتعيينية الحكم.

([10]) وهما الأمران الأولان.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3386
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 8 جمادى الاولى 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18