• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 163- موجز عن انقلاب النسبة وتفصيل الشيخ بين ثلاث صور .

163- موجز عن انقلاب النسبة وتفصيل الشيخ بين ثلاث صور

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(163)

 

انقلاب النسبة:

سبق: (وتوضيح الكبرى أولاً ثم بيان انطباقها على المقام: انه وقع الخلاف بين الأعلام فيما لو وقع التعارض بين أكثر من دليلين وانه هل يجب ان تلاحظ الظهورات الأولية لها جميعاً أو تلاحظ الظهورات الثانوية المستقرة؟ بعبارة أخرى: هل تلاحظ الظهورات في عرض واحد أو في طول بعضها البعض([1])؟ بمعنى ان نلاحظ اثنين منها أولاً ونعالج التعارض بينها ثم نلاحظ النسبة بين الدليل المعالَج مع الثالث، فإذا كانت النسبة بين دليلين العموم من وجه وكان الدليل الثالث أخص مطلقاً من الأول فبناء على الطولية يُجمع بين الأول والثالث ثم يُلاحظ الحاصل منهما([2]) مع الدليل الثاني فقد تنقلب النسبة بين الأول والثاني من العموم من وجه إلى العموم المطلق، واما على العرضية فلا يصح ذلك بل يلزم ملاحظتها جميعاً في عرض واحد فيبقى العام الأول مع العام الثاني على حسب نسبته السابقة وهي انهما من وجه فيتعارضان في مادة الاجتماع، وسياتي وجه القولين غداً بإذن الله تعالى)([3]).

 

لأن المدار على (الحجة) فيجب لحاظ الظهور المستقر

والوجه فيه: هو ان المدار على الحجة فانها هي اللازمة الإتباع وعلى العبد ان يدور مدارها، والحجة على المراد الجدي للمولى هو الظهور المستقر لا الظهور البدوي الذي وجب رفع اليد عنه بدليل آخر وإن كان منفصلاً.

بعبارة أخرى: المراد الجدي للمولى هو الذي تحرم مخالفته ويستحق عليه العقاب دون المراد الاستعمالي، فإذا ورد عام وخاص مثلاً فان العام في غير مورد الخاص يجب إتباعه لأنه المراد الجدي للمولى ولا يجوز إتباعه في مورد الخاص إذ عرف ان مراده الجدي من العام لم يكن موارد الخاص بل كان صِرف مراد استعمالي، وعليه فلا بد من تخصيص العام بالخاص ثم ملاحظة نسبته (أي العام بعد التخصيص) مع الدليل الثالث (الذي نسبته مع العام هي من وجه مثلاً).

بعبارة أخرى: قوله ((يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَانِ...))([4]) لا ينطبق على العام والخاص إذ هما متوافقان فيجب ملاحظة نسبة هذا العام بعد تخصيصه، مع العام الآخر وانه معارض له (فيما إذا بقيت النسبة من وجه) أو لا (فيما إذا انقلبت النسبة إلى العموم والخصوص المطلق).

ويتضح ذلك أكثر بالمثال: فانه إذا ورد (يستحب إكرام العلماء) وورد (يحرم إكرام الفساق) وورد (يجب إكرام العلماء العدول) فان النسبة بين الأولين هي العموم من وجه فيتعارضان في مادة الاجتماع، لكن حيث ان النسبة بين الأول والثالث هي العموم المطلق فان الثالث يخصِّص الأول فيكون مفاد العام (الأول) بعد التخصيص بالخاص (الثالث) هو: يستحب إكرام العلماء الفساق (إذ العلماء العدول وجب إكرامهم) ونسبة هذا مع الدليل الثاني (وهو: يحرم إكرام الفساق) هي انه أخص منه مطلقاً فيتقدم عليه ويكون الحاصل: انه يستحب إكرام العالم الفاسق، ويحرم (فقط) إكرام الجاهل الفاسق.

فهكذا نجد انه انقلبت النسبة بين الأول والثاني من العموم من وجه (قبل ملاحظة تخصيص الأول بالثالث) إلى العموم والخصوص المطلق (بعد تخصيص الأول بالثالث).

 

المقام: عامان من وجه مع أخص من الأول

والمقام من هذا القبيل حسبما أشكل به الشيخ على الجواهر إذ قال: ((ثمّ دليل الاستحباب أخصّ لا محالة من أدلّة التحريم، فتخصّص به، فلا ينظر بعد ذلك في أدلّة التحريم، بل لا بدّ بعد ذلك من ملاحظة النسبة بينه و بين أدلّة وجوب الأمر بالمعروف)([5]) ومزيد توضيحه: ان العام الأول: حرمة الولاية من قبل الجائر مطلقاً، والعام الثاني: وجوب الأمر بالمعروف مطلقاً، والخاص الثالث: استحباب الولاية من قبل الجائر إذا كانت لقضاء ديون الاخوان وإصلاح أمر المسلمين وتفريج كربهم وشبه ذلك فيخصِّص هذا الثالث الدليلَ الأول فيكون الأول بعد تخصيصه بالثالث أخص مطلقاً من الثاني وتكون النتيجة: يجب الأمر بالمعروف مطلقاً إلا إذا كان في ضمن الولاية عن الجائر فانه يستحب حينئذٍ. (وقد مضى كيفية جمع الشيخ بين الوجوب الاستحباب).

 

دعوى مناقضة الشيخ ههنا لمبناه في الأصول

لكن قد يورد على الشيخ: انه بقوله بانقلاب النسبة ههنا ناقض مبناه في الأصول إذ انه قال هناك بعدم انقلاب النسبة حسب نقل مصباح الأصول عنه.

قال في مصباح الأصول: (أما إذا وقع التعارض بين أكثر من دليلين، فهل تلاحظ الظهورات الأولية، أو لابد من ملاحظة الاثنين منها، وعلاج التعارض بينهما، ثم تلاحظ النسبة بين أحدهما والثالث المعارض له، فقد تنقلب النسبة من العموم من وجه إلى العموم المطلق، أو بالعكس على ما سيذكر إن شاء الله تعالى؟ اختار الشيخ وصاحب الكفاية قدس سره عدم انقلاب النسبة، وأنه يلاحظ التعارض باعتبار الظهورات الأولية، بدعوى أنه لا وجه لسبق ملاحظة أحد الدليلين مع الاخر على الثالث. ولكن الصحيح هو انقلاب النسبة. وتحقيق هذا البحث يقتضي ذكر مقدمتين...)([6])

 

التحقيق: الشيخ فصّل بين ثلاث صور

لكن الصحيح عدم صحة هذه النسبة للشيخ إذ الشيخ مفصّل بين صور التعارض وهو يقول بانقلاب النسبة في هذه الصورة خاصة، فانه قدس سره قسّم الصور إلى ثلاثة:

 

لا تنقلب النسبة إذا كانت نسبة الأدلة كلها من وجه

الأولى: ما لو كانت النسبة بين الأدلة الثلاثة جميعاً هي من وجه، فهنا لا وجه لانقلاب النسبة أي لا وجه لأن يلاحظ أحدهما مع الآخر أولاً ثم يلاحظ المحصّل مع الثالث.

 

وكذا في العام والخاصين

الثاني: ما لو ورد عام وخاصان، فهنا أيضاً كذلك أي يجب ان يخصص العام بهما دفعةً واحدة (ولو لزم محذور من تخصيصه بهما معاً تعارضاً ونلجأ للمرجّحات بينهما) ولا وجه لأن يخصص بأحدهما أولاً ثم ملاحظة نسبة العام المخصص بأحدهما مع الآخر والتي قد تكون حينئذٍ منقلبة.

 

وتنقلب إذا ورد عامان وثالث أخص من أحدهما

الثالث: ما لو ورد عامان من وجه وثالث أخص من أولهما، فهنا قد تنقلب النسبة (والمقام من هذه الصورة) وقد لا تنقلب.

قال قدس سره في الرسائل: (إن النسبة بين المتعارضات المذكورة: إن كانت نسبةً واحدة فحكمها حكم المتعارضين:

أ-([7]) فإن كانت النسبة العموم من وجه وجب الرجوع إلى المرجّحات، مثل قوله: "يجب إكرام العلماء" و"يحرم إكرام الفسّاق" و"يستحبّ إكرام الشعراء" فيتعارض الكلّ في مادة الاجتماع.

ب- وإن كانت النسبة عموما مطلقاً، فإن لم يلزم محذورٌ من تخصيص العام بهما خُصِّص بهما، مثل المثال الآتي. وإن لزم محذور، مثل قوله: "يجب إكرام العلماء" و"يحرم إكرام فسّاق العلماء" و"يكره إكرام عدول العلماء" فإن اللازم من تخصيص العام بهما بقاؤه بلا موردٍ، فحكم ذلك كالمتباينين، لأن مجموع الخاصّين مباينٌ للعام)([8]).

و(ولا أظنه يلتزم بذلك فيما إذا كان الخاصان دليلين لفظيين، إذ لا وجه لسبق ملاحظة العام مع أحدهما على ملاحظته مع الآخر. وإنما يتوهم...)([9]) فقد حصر الشيخ عدم وجهٍ للسبق في هذه الصورة بينما توهم مصباح الأصول انه أطلق.

وقال: (ج- وإن كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة، فإن كان فيها ما يُقدَّم على بعض آخر منها، إمّا لأجل الدلالة كما في النص والظاهر أو الظاهر والأظهر، وإما لأجل مرجِّحٍ آخر، قُدّم ما حقّه التقديم، ثم لوحظ النسبة مع باقي المعارضات.

1- فقد تنقلب النسبة وقد يحدث الترجيح، كما إذا ورد: "أكرم العلماء" و"لا تكرم فسّاقهم" و"يستحب إكرام العدول" فإنّه إذا خُصّ العلماء بعدولهم يصير أخصّ مطلقاً من العدول، فيخصّص العدول بغير علمائهم، والسرّ في ذلك واضح؛ إذ لولا الترتيب في العلاج لزم إلغاء النصّ أو طرح الظاهر المنافي له رأساً، وكلاهما باطل.

2- وقد لا تنقلب النسبة فيحدث الترجيح في المتعارضات بنسبة واحدة...)([10])

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أبو عبد الله عليه السلام: ((مَا يَقْدَمُ الْمُؤْمِنُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِعَمَلٍ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَسَعَ النَّاسَ بِخُلُقِهِ‏‏)) (الكافي: ج2 ص100).

 

 

-----------------------------------------------------

([1]) لو كان بعضها أظهر من الآخر.

([2]) أي الأول بعد تخصيصه بالثالث.

([3]) الدرس (162).

([4]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج4 ص133.

([5]) الشيخ مرتضى الانصاري، ط / تراث الشيخ الأعظم، ج2 ص82-83.

([6]) السيد محمد الواعظ الحسيني البهسودي، تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول، منشورات مكتبة الداوري – قم، ج3 ص386.

([7]) هذه الترقيمات منا.

([8]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، إعداد وتحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم – قم، ج4 ص102-103.

([9]) المصدر نفسه: ص103.

([10]) المصدر نفسه: ص111.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3402
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 20 جمادى الاولى 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28