• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 165- طائفة روايات حاكمة تفيد عدم امكان استحباب الولاية من قبل الجائر .

165- طائفة روايات حاكمة تفيد عدم امكان استحباب الولاية من قبل الجائر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(165)

 

طائفة رابعة حاكمة على الطائفة الثالثة([1])

كما يدل على عدم وجود طائفة (ثالثة) من الروايات دالة على الاستحباب، روايات أخرى حاكمة عليها([2]) تفيد ان الولاية من قبل الجائر حرام ولا تخرج منه إلا صورة الضرورة والتي تكون واجبة حينئذٍ لا محالة([3])، أو تفيد ما يشترك مع تلك في الثمرة.

وسنقتصر على روايتين أولاهما حجة لدى المكاسب والثانية حجة لدى الجواهر.

 

رواية تحف العقول

الرواية الأولى: رواية تحف العقول ((وَأَمَّا وَجْهُ الْحَرَامِ مِنَ الْوِلَايَةِ فَوِلَايَةُ الْوَالِي الْجَائِرِ وَوِلَايَةُ وُلَاتِهِ الرَّئِيسِ مِنْهُمْ وَأَتْبَاعِ الْوَالِي فَمَنْ دُونَهُ مِنْ وُلَاةِ الْوُلَاةِ إِلَى أَدْنَاهُمْ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَنْ هُوَ وَالٍ عَلَيْهِ، وَالْعَمَلُ لَهُمْ وَالْكَسْبُ مَعَهُمْ بِجِهَةِ الْوِلَايَةِ لَهُمْ حَرَامٌ وَمُحَرَّمٌ مُعَذَّبٌ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى قَلِيلٍ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيءٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعُونَةِ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ فِي وِلَايَةِ الْوَالِي الْجَائِرِ دُرُوسَ الْحَقِّ كُلِّهِ وَإِحْيَاءَ الْبَاطِلِ كُلِّهِ وَإِظْهَارَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ وَالْفَسَادِ وَإِبْطَالَ الْكُتُبِ وَقَتْلَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَهَدْمَ الْمَسَاجِدِ وَتَبْدِيلَ سُنَّةِ اللَّهِ وَشَرَائِعِهِ، فَلِذَلِكَ حَرَمٌ الْعَمَلُ مَعَهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ وَالْكَسْبُ مَعَهُمْ إِلَّا بِجِهَةِ الضَّرُورَةِ نَظِيرِ الضَّرُورَةِ إِلَى الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ))([4]) فان هذا اللسان آب عن التخصيص باستحباب الولاية لأجل القيام بشؤون المؤمنين المستحبة، كما هو ظاهر في حصر الولاية في المحرمة في غير الضرورة والواجبة لدى الضرورة فان مادة الضرورة تقتضي ذلك، فتدبر؛ أترى ان قوله ((مُعَذَّبٌ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى قَلِيلٍ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ كَثِيرٍ لِأَنَّ كُلَّ شَيءٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعُونَةِ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ)) قابل للتخصيص؟ سلّمنا لكن التعليل الآتي لا يقبل التخصيص قطعاً ((وَذَلِكَ أَنَّ فِي وِلَايَةِ الْوَالِي الْجَائِرِ دُرُوسَ الْحَقِّ كُلِّهِ وَإِحْيَاءَ الْبَاطِلِ كُلِّهِ وَإِظْهَارَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ وَالْفَسَادِ وَإِبْطَالَ الْكُتُبِ وَقَتْلَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَهَدْمَ الْمَسَاجِدِ وَتَبْدِيلَ سُنَّةِ اللَّهِ وَشَرَائِعِهِ)) وهل يعقل استحباب الولاية من قبل الجائر، مع ان فيها دُوُوسَ الحق كله وإحياء الباطل كله وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد..؟

 

فالولاية دائرة بين الوجوب والحرمة

نعم من المتعقل استثناء الضرورة كما هو صريح ذيل الرواية فتجب حينئذٍ، ومن البديهي ان المستحب بذاته أو لكونه طريقاً لمستحب ليس من الضرورة أبداً.

والحاصل ان أمر الولاية من قبل الجائر، حسب المستفاد عرفاً من هذه الرواية دائر بين الحرمة والوجوب ولا يعقل كونها مستحبة حينئذٍ أبداً لأنها إما من المستثنى منه فحرام قطعاً أو من المستثنى فواجبة قطعاً.

وبعبارة أخرى: هذه الرواية، كالرواية الآتية، حاكمة على الطائفة الثالثة من الروايات التي استفيد منها الاستحباب، وقد سبق بانها ظاهرة في الوجوب ويحتمل انها مجملة أو ظاهرة في الأعم أو ظاهرة في الاستحباب، اما الرابع فان رواية تحف العقول حاكمة على الخبر المدعى انه ظاهر في الاستحباب إذ لا يبقى معها مجال له لأنها نص وهو ظاهر بل هي ناظرة، واما الثالث فصارفة له إلى أحد فرديه وهو الواجب واما الثاني فرافعة لإجماله معيِّنة لإرادة الفرد الواجب منه.

وملاك الحكومة متحقق في المقام سواء ءإعتبرناه الشارحية، (إذ انهما لو اقترنا لوجد العرف شرح هذا لذاك وتخصيصه له لا للاخصية إذ قد تكون النسبة من وجه، بل لأنه شارح) أو اعتبرنا كون اللسان لسان المسالمة فان رواية تحف العقول لسانها لسان المسالمة مع الروايات المدعى إفادتها الاستحباب لا المصادمة، أو كون هذا مهيمناً على ذلك عرفاً، فراجع ما فصلناه في كتاب (الحكومة والورود) حول ذلك وتأمل في انطباقه على المقام.

 

رواية (إِلَّا أَصَابُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ)

الرواية الثانية: وهي كما في الجواهر (قال : أبو بصير في الحسن كالصحيح ((سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ أَعْمَالِهِمْ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَا وَلَا مَدَّةً بِقَلَمٍ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئاً إِلَّا أَصَابُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ أَوْ حَتَّى يُصِيبُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ الْوَهْم))‏([5]))([6])

فان العموم في كلام الإمام قوي وهو تشخيص للواقع الخارجي على نحو الاستغراق، وإذا كان ذلك كذلك أي ان كل داخل في ولاية الجائر يصاب من دينه فانه لا يعقل تجويز الولاية إلا لفعل واجب ولا يعقل تجويزها لفعل مستحب كما لا يعقل كونها مستحبة حينئذٍ حتى لو وقعت طريقاً لواجب، بل هي اما محرمة أو واجبة فانها تكون واجبة إذا زاحم جهة حرمتها (ومفسدته) جهة وجوب الأمر بالمعروف ومصلحته بان كان أهم فتجب حينئذٍ ولا معنى لاستحبابها.

اللهم إلا ان يجاب بانها، تكون كالتقية، منقسمة إلى الأحكام الخمسة، وكما سبق أيضاً، وفيه:

أولاً: ان الطرفين – الشيخ والجواهر – بنيا فعلاً على ان الباب باب التعارض وعليه يدور الأمر بين الوجوب والحرمة.

وثانياً: انه حتى على التزاحم فان الأمر دائر بين الوجوب والحرمة حسب المستفاد عرفاً من لسان هذه الرواية وسابقتها، إذ كيف يكون ما يصيب من دين الإنسان مستحباً؟ بل اما واجب، لو زوحم بالأهم، أو حرام إذا لا، ولكن لا يخفى التأمل فيه. فتأمل

 

الجمع بين وجوب الشيء واستحبابه مبني على كفاية تعدد الجهة

ثم انه قد يؤيد جمع المكاسب بين الوجوب والاستحباب بقوله: (ومن المعلوم المقرّر في غير مقام أنّ دليل استحباب الشيء الذي قد يكون مقدمة لواجب لا يُعارض أدلّة وجوب ذلك الواجب، فلا وجه لجعله شاهداً على الخروج عن مقتضاها؛ لأنّ دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشيء في نفسه، مع قطع النظر عن الملزِمات العرضية، كصيرورته مقدمة لواجب أو مأموراً به لمن يجب إطاعته، أو منذوراً وشبهه)([7]) بان ذلك نظير باب اجتماع الأمر والنهي، وهذا باب اجتماع الوجوب والاستحباب، والحكم في البابين واحد، فانه لو قيل بإمكان اجتماع الأمر والنهي والوجوب والحرمة استناداً إلى كفاية تعدد الجهة في صحة تعلقهما بالشيء الواحد، وان الحيثيتين تقييديتان وان الواسطة واسطة في العروض لا الثبوت، صحّ مثل ذلك في المقام؛ إذ يقال بان الأمر بالمعروف من حيث ذاته واجب ومن حيث كونه متوقفاً على الولاية مستحب، وإن لم نقل بكفاية تعدد الجهة وان الأمر والنهي إنما هو للتحريك والزجر فكيف يأمره مريداً تحريكه نحو الفعل ويزجره مريداً إيقافه عن فعله، بإرادتين جديتين مع انه لا يمكنه إلا الفعل أو الترك؟ فاحدهما لغو أو غير مراد جداً أو شبه ذلك، فكذلك المقام إذ الوجوب متفصل بفصل المنع من الترك والاستحباب متفصل بفصل جواز الترك فكيف يجتمعان؟

فالمسألة مبنية على المبنى العام في المسألة الأصولية: من كفاية تعدد الجهة، رغم كون الشيء واحداً ومن إمكان تعلق حكمين متضادين بالشيء الواحد وعدمه. وقد يناقش في ذلك بما سيأتي فأنتظر.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ: التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالرِّضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَأَرْكَانُ الْكُفْرِ أَرْبَعَةٌ: الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ وَالْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ‏‏)) (تحف العقول: ص223).

 

 

---------------------------------------------------

([1]) حسب المكاسب والجواهر هي كذلك.

([2]) أي على دلالتها (المدعاة) على الاستحباب.

([3]) إضافة إلى انه ليس فعل المستحب من الضرورة، فلا تصحح مقدمية الولاية للإحسان المستحب، استحبابها.

([4]) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1404هـ، ص332.

([5]) الشيخ الطوسي، التهذيب، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج6 ص331.

([6]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط/7، ج22 ص159.

([7]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، ط / تراث الشيخ الأعظم، ج2 ص83.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3407
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 22 جمادى الاولى 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16