• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 172- تتمات - انصراف النهي عن المستقبلي والجواب .

172- تتمات - انصراف النهي عن المستقبلي والجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(172)

النسبة بين النهي عن المنكر ودفعه
والنسبة بين النهي عن المنكر ودفع المنكر هي العموم والخصوص من وجه، وليس التباين كما هو ظاهر كلامه، إذ يجتمعان في النهي عن المنكر المستقبلي فانه دفع أيضاً لما سبق من ان الدفع أعم من ما كان بالعِلّة التامة لعدم المعلول أو بالعلّة المعدّة لعدمه ومن العلّة المعدّة القريبة أو البعيدة ومن السبب التوليدي أو الإعدادي ويفترق النهي عن المنكر عن الدفع في النهي عن المنكر الحالي، ويفترق الدفع عن النهي عن المنكر فيما لو أغلق عليه الباب أو أمسك يده مثلاً كي لا يفعل الحرام فانه دفع وليس نهياً عن المنكر إلا بتجوّز وتكلف.

الاستدلال ببعض العلل في أدلة النهي عن المنكر، وليس بصدقه([1])
ثانياً: ان استدلالنا ببعض أدلة النهي عن المنكر على وجوب دفعه أيضاً ليس بصدق عنوان النهي عن المنكر عليه([2]) فانهما وإن اجتمعا وصدق النهي عليه في مادة الاجتماع، لكنه لا يُستدل بأحد العامين من وجه على الآخر، وثبوت الحكم في مادة الاجتماع إنما هو لصدق عنوانه عليه لا لصدق عنوان العام الآخر، بل بالعلل المذكورة في بعض روايات النهي عن المنكر والتي سبق ذكرها بالتفصيل([3]) وهي (إقامة الفرائض، أمن المذاهب....) حيث ان النهي عن المنكر (وكذا الأمر بالمعروف) إنما وجب لأجلها فيجب الدفع لأجلها أيضاً مادام، كالنهي، مقدمة لها وهي واجبة. هذا.

محتملات حِلِّ المكاسب وعمران الأرض واستقامة الأمر
وقد سبق (ثم انه لا يضر بما ذكر كون (حل المكاسب) و(عمران الأرض) و(استقامة الأمر) أعم من الواجب والمستحب بل لا يضر فرض انصرافها للمستحب؛ إذ يكفي كون سائر الغايات واجبة ليجب دفع المنكر الذي بدفعه يحصل أمن المذاهب وإقامة الفرائض و... كما يحصل بالنهي عنه. فتدبر)([4])
ونضيف: ان المحتملات في (تحل المكاسب) و(تعمر الأرض) و(يستقيم الأمر) ثلاثة:
1- انصرافها إلى المستحب خاصة.
2- اختصاصها بالواجب خاصة.
3- عمومها للقسمين، وهو الأظهر؛ فان (عمران الأرض) بين واجب ومستحب إذ ما توقفت عليه معايش العباد فواجب والأكثر منه مستحب([5]) و(استقامة الأمر) كذلك إذ يطلق على الأمر المستحب والواجب إلا ان يدعى انصرافه للواجب، و(تحل المكاسب) كذلك إذ الواجب من المكاسب، كالمتوقف عليه معايش العباد، طلبه من حِلّه واجب فالأمر به واجب وطلبه من غير حلّه حرام والنهي عنه واجب، والمستحب من المكاسب يستحب الأمر به والمكروه يستحب النهي عنه.
نعم قد يقال: ان حل المكاسب مقابل حرمتها فإذا حرم منها شيء كان ضده الحلال واجب الطلب وواجباً الأمر به وحراماً النهي عنه. فتأمل

رد دعوى انصراف النهي عن المنكر، عن المنكر المستقبلي
ثم انه قد يدعى انصراف النهي عن المنكر عن النهي عن المنكر المستقبلي؟
ولكنه غير تام، فانه وإن لم يمكن ان يناقش في الانصراف نفسه إذ هو أمر وجدانيٌ، ذاتيٌ، قائمٌ بذهن مدعي الانصراف، وعكسه في من يرى العكس، فلا يمكن الأخذ والرد والاستدلال مادام قد وصل الأمر إلى دعوى الانصراف، فانها كدعوى التبادر وصحة السلب أو دعوى عدمهما، تُقبل أو تُرفض ولا مجال للاستدلال، إلا ان الأصوليين وجدوا مخرجاً للمناقشة والأخذ والرد في مثل ذلك، وذلك عبر البحث عن مناشئ الانصراف([6])، وهي سبعة كما حققناها سابقاً، ويكفي طرح اثنين منها ههنا:
أ- فان الانصراف المدعى إن كان منشؤه كثرة الوجود ففيه ان النهي عن المنكر المستقبلي ليس قليلاً بل هو سيرة العقلاء والمتشرعة، اللهم إلا المستقبلي البعيد جداً وقد سبق استثناؤه، على ان القلة ليست منشأ الانصراف بل الندرة بل ليست الأخيرة منشأ أيضاً على التحقيق إلا لو اندرجت في الأمر الثاني الآتي، وكذلك المنكر فان المستقبلي منه ليس بأقل من الحالي بل كل منكر حالي فقد كان مستقبلياً فقد تطابقا، فتدبر.
ب- وإن كان لكثرة الاستعمال الموجب للأُنس الذهني بالحصة الخاصة، الموجب لإيجاد وِجهةً للفظ عرفاً بحيث يكون ظاهراً بنفسه ببركة هذا النوع الخاص من كثرة الاستعمال (أي الموجب لأنس الذهن الموجب لصناعة وجهة للفظ عرفاً – فلاحظ القيود) فانه وإن صح كبرى انه يوجب الانصراف لكنه صغرى غير متحقق في المقام؛ لبداهة ان المنكر يطلق على المستقبلي كالحالي وكذا النهي عن المستقبلي فانه يطلق عليه عرفاً نهي عن المنكر في العرف كثيراً دون مسامحة أو عناية.. والسر: ما سبق من ان مصبّ (النهي عن المنكر) هو المنكر ككلي طبيعي والقضية حقيقية فصدقها على المنكر المستقبلي والحالي والماضوي على نحو واحد.

وقد يستدل على بطلان الانصراف ببناء العقلاء على التسوية (أي بين المنكر الحالي والمستقبلي وبين الدفع والرفع، في المنكرات)؟

وفيه: ان بناء العقلاء دليل مستقل لكنه أجنبي عن دعوى الانصراف لأن الانصراف قائم بوجود وِجهةٍ للفظ نابعةٍ من أنس الذهن المتولدِ من كثرة الاستعمال فهو قائم باللفظ واما بناء العقلاء فقائم بالحكم فأعميته لا تستوجب أعمية دلالة اللفظ؛ ألا ترى انه لو قال الرجل لابنه وقد سأله مسألة شرعية: (اسأل العالم) انصرف للعالم الشيعي العادل، دون العالم الكافر أو العالم السني أو حتى العالم الفاسق، مع انه في بناء العقلاء لا فرق في صحة السؤال بين السؤال من الشيعي أو الكافر مادام ليس تقليداً ومادام الكافر ثقة. فتدبر.   

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: ((أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى سِلَاحٍ يُنْجِيكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَيُدِرُّ أَرْزَاقَكُمْ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: تَدْعُونَ رَبَّكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنَّ سِلَاحَ الْمُؤْمِنِ الدُّعَاءُ)) (الكافي: ج2 ص468).


------------
([1]) أي ليس الاستدلال بصدق النهي عن المنكر على دفع المنكر.
([2]) على الدفع.
([3]) في الدرس (170-171).
([4]) الدرس (171).
([5]) إلا ما وقع طريقاً لمحرّم أو واجب.
([6]) أو التبادر أو غيره.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3424
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 5 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18