• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 173- الايرواني: رفع المنكر دفع، وجوابان -الخوئي: (تعاونوا...) غير (أعينوا) والأجوبة .

173- الايرواني: رفع المنكر دفع، وجوابان -الخوئي: (تعاونوا...) غير (أعينوا) والأجوبة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(173)

4- الايرواني: كل نهي فهو دفع، فدفع المنكر واجب
الدليل الرابع: على وجوب دفع المنكر وانه كرفعه([1]) وعلى وجوب النهي عن المنكر المستقبلي وانه كالنهي عن المنكر الحالي، ما استدل به المحقق الايرواني([2]) قدس سره من ان كل نهي عن المنكر فهو دفع إذ ان المنكر الحاصل في الحال الحاضر لا يمكن تغييره بما انه حاصل في الحال الحاضر؛ إذ الحاضر لا ينقلب عما وقع عليه، إنما الممكن هو تغيير اللحظة القادمة لا غير، والنهي عنه فيها نهي عن أمر مستقبلي ودفعٌ له لا رفع الموجود إذ الموجود حاصلٌ لا يمكن قلبه في حال وجوده عما هو عليه.
بعبارة أخرى: المنكر الفعلي في مرحلة علّته المبقية يمكن الحيلولة دونه تكويناً أو إيجاد الداعي في فاعله ليمتنع عنه، لكنه في أ- ما مضى منه ب- وفيما هو حاصل بالفعل لا يمكن دفعه تكويناً كما لا يمكن إيجاد الداعي للامتناع عنه، فانه حاصل بالفعل فلا يتغير (أي في نفس آن حدوثه لا في الآن اللاحق) وكما يستحيل تغيير أصله يستحيل تغيير خصوصياته.
فإذا كان كل نهي عن المنكر فإنما هو نهي عن المنكر المستقبلي (أي ما سيحصل في الآن اللاحق) وكان كل دفعٍ للمنكر الحالي فهو لدى الدقة دفع عن المنكر الاستقبالي فقد ثبت عكس ما هو المشهور أي ثبت ان الدفع هو الواجب والرفع ليس بواجب بل هو محال.

مناقشتان:
ولكن يرد عليه أمران:

1- الرفع دفع دقةً لا عرفاً
الأول: ان الرفع وإن كان حسب الدقة هو الدفع وان النهي عن المنكر الحالي هو نهي عن المنكر الاستقبالي حسب الدقة العقلية، لكن المرجع في مفاهيم الألفاظ هو العرف لا العقل، والعرف يراه نهياً عن المنكر الحالي ورفعاً لا دفعاً.
لا يقال: انه من الخطأ في التطبيق لأن العرف اخطأ حيث طبّق مفهوم الدفع على ما هو رفع أي على مصداق الرفع والعرف مرجع في الألفاظ ومفاهيمها دون التطبيقات؟.
والتوسعة، عرفاً، في المفهوم وليس تسامحاً في التطبيق
إذ يقال: كلا، بل هو من التوسعة في المفهوم إذ العرف يرى هذا الذي هو لدى الدقة دفعاً يراه رفعاً أي انه يطلق عليه لفظ الرفع ويقول رفعنا المنكر الحالي ونهينا عن المنكر الحالي، وليس انه يقول انه ليس رفعاً لكنني اتسامح في تطبيق مفهوم الرفع عليه.

المدار صدق النهي عن المنكر لا عنوان الدفع والرفع

ثم ان التحقيق: عدم صحة الدوران مدار صدق عنوان الدفع أو الرفع أو انطباقهما وعدمه؛ إذ لم ترد ظاهراً هاتان الكلمتان في الروايات في موضع البحث فلا وجه للدوران مدار صدقهما، اللهم إلا في الأحكام العقلية لو أنصب بعضها على الدفع أو الرفع، بل المدار على صدق عنوان (النهي عن المنكر) فينبغي ان يجري النقاش عليه وانه هل يعقل النهي عن المنكر الحالي بالدقة العقلية أو النهي إنما هو عن المنكر الاستقبالي دوماً أي عن القيام بالفعل في الآن اللاحق لزمن صدور المنكر من العاصي ولزمن صدور النهي من الناهي، فههنا للايرواني ان يقول: كل نهي عن المنكر فهو لدى الدقة نهي عن منكر مستقبلي، فيجاب بانه عرفاً نهي عن منكر حالي وانه من التوسعة في المفهوم وليس من التسامح في التطبيق.. الخ فتدبر جيداً.

2- سلمنا لكنه قاس لدفع الأمر المنفصل على المتصل
الثاني: سلّمنا ان كل رفع فهو دفع (ولنفرض انه عرفاً كذلك) وان كل نهي عن منكر حالي فهو نهي عن منكر استقبالي، لكنه غير مجدٍ في المقام لأنه من القياس المقطوع، بيانه: ان مورد البحث والنقاش في النهي عن المنكر المستقبلي أو عن دفعه، إنما هو عن المستقبل المنفصل، وما ذكره الايرواني غايته انه المستقبل المتصل فكيف يسرى حكم هذا لذاك؟
بعبارة أخرى: مورد النقاش مع المشهور إذ أوجبوا النهي عن المنكر الحالي دون الاستقبالي وإذ أوجبوا دفع المنكر الحالي دون الاستقبالي) هو دفع المنكر في المستقبل الآتي (أي المنفصل) كالمنكر الذي سيحصل بعد شهر أو أسبوع أو يوم أو حتى ساعة، وليس عن المنكر في الآن الثاني الدقي، فلنفرض ان كليهما لدى الدقة دفعٌ ولكن من أين تسريه حكم دفع المنكر الذي سيحصل في الآن المتصل بزمان وقوعه أي الملاصق لزمن النهي دقةً، إلى دفع المنكر المنفصل غير الملاصق؟ وهو ليس إلا تنقيح مناط ظني على انه يعلم الفرق، إذ، وكما سبق، قد يكون عدم إيجاب دفع المنكر المنفصل زمناً لأجل مصلحة التسهيل مثلاً.

5- قوله (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ...) شامل للصور الأربع
الوجه الخامس: الاستدلال بقوله تعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى‏ وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)([3]) بدعوى ان كل نهي عن المنكر حالياً كان أو استقبالياً فهو تعاون على البر([4]) كما انه برّ أو تقوى، وكذا حال دفع المنكر الحالي والمستقبلي فتجب الأربعة لأنها من التعاون على البر والتقوى أو من التعاون على دفع الإثم والعدوان.

الإشكال بان الإعانة غير التعاون
ولكن عمدة ما يورد على هذا الوجه هو الخلط بين (التعاون) و(الإعانة) وليست النسبة بينهما التساوي إذ ليس كل إعانة تعاوناً، فإذا سلّمنا ان التعاون على الإثم حرام والتعاون على البر واجب بحسب مفاد الآية الكريمة لكن من أين ان الإعانة على الإثم المستقبلي حرام وان الإعانة على دفعه واجب؟ ومن أين ان الإعانة على المعروف المستقبلي والإعانة على تحققه واجب إذا لم يكن في ضمن (تعاون اثنين أو أكثر على ذلك)
قال السيد الخوئي في مصباح الفقاهة: (1- قوله تعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى‏ وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)، فان ظاهرها حرمة المعاونة على الإثم والعدوان مطلقا.
وفيه: ان التعاون عبارة عن اجتماع عدة من الأشخاص لإيجاد أمر من الخير أو الشر ليكون صادراً من جميعهم، كنهب الأموال وقتل النفوس، وبناء المساجد والقناطر، وهذا بخلاف الاعانة، فانها من الإِفعال وهي عبارة عن تهيئة مقدمات فعل الغير مع استقلال ذلك الغير في فعله.
وعليه فالنهي عن المعاونة على الإثم لا يستلزم النهي عن الاعانة على الإثم، فلو عصى أحد فأعانه الآخر فانه لا يصدق عليه التعاون بوجه، فإن باب التفاعل يقتضي صدور المادة من كلا الشخصين، ومن الظاهر عدم تحقق ذلك في محل الكلام.
نعم قد عرفت فيما سبق حرمة التسبيب إلى الحرام وجعل الداعي إليه، لكن حرمة ذلك لا تستلزم الحرمة في المقام)([5]).

الأجوبة:
لكن هذا الإشكال غير تام لوجوه أربعة:
أ- صدق التعاون بلحاظ مجموع المجتمع
أولها: ما ذهب إليه السيد السبزواري وقد ذكرناه في فقه التعاون على البر والتقوى بقولنا: (الوجه الثالث: ما ذهب إليه المحقق السيد السبزواري قدس سره – على ما نقل عنه – من أن (تعاونوا) شامل لـ (أعينوا)؛ نظراً لكون تعاونوا خطاباً للمجموع، فلو أعان ذاك هذا في قضية، وأعان هذا ذاك، في قضية أخرى، صدق (تعاونوا)، فهو غير ناظر إلى التعاون في خصوص القضية الواحدة، بل لمجموع الأشخاص في مجموع القضايا. أو إن شئت قلت: هو غير مختص به.
وبعبارة أخرى: (تعاونوا) يندرج تحته صنفان:
تعاون زيد مع عمرو في قضية شخصية معينة، وتعاون المجموع مع المجموع في مجموع القضايا، فلو أعان زيد عمروا على بناء داره، وأعانه عمرو على بيع بضاعته، صدق عليهما أنهما (تعاونا) فكل (إعانة) على هذا، هي (تعاون) أيضاً لوقوع مقابلها في المجموع)([6]) وستأتي بإذن الله تعالى مناقشة وجواب وتطوير لهذا الوجه فأنتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق عليه السلام: ((اجْعَلْ قَلْبَكَ قَرِيناً تُزَاوِلُهُ وَاجْعَلْ عِلْمَكَ وَالِداً تَتَّبِعُهُ وَاجْعَلْ نَفْسَكَ عَدُوّاً تُجَاهِدُهُ وَاجْعَلْ مَالَكَ كَعَارِيَّةٍ تَرُدُّهَا‏‏‏))
(من لا يحضره الفقيه: ج4 ص410).


------------
([1]) أي في الوجوب.
([2]) بتصرف وإضافة منا.
([3]) سورة المائدة: آية 2.
([4]) وهو ترك المنكر.
([5]) السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الفقاهة، الناشر: مكتبة الداوري – قم، ج1 ص292-293.
([6]) السيد مرتضى الشيرازي، فقه التعاون على البر والتقوى، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر – بيروت، 1430هـ، ص446 – 447.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3427
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 6 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29