• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 175- أدلة اخرى على وحدة الإعانه والتعاون .

175- أدلة اخرى على وحدة الإعانه والتعاون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(175)

 

ج- التعاون إعانة وزيادة

وقد أجبنا في (فقه التعاون على البر والتقوى) عن إشكال ان التعاون غير الإعانة فلا يدل قوله تعالى: (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) على حرمة الإعانة على العدوان لو تجرد عن إعانة مقابله بحيث يصدق (التعاون)، بـ: (ان التعاون هو الإعانة وزيادة فوجوبه متضمن في وجوبه. فلو أعان هذا ذاك وأعان ذاك هذا، كان تعاوناً، فإذا وجب التعاون وجبت الإعانة لا بالأولوية ليناقش فيها بل بحسب المتفاهم العرفي من الكلام)([1]).

 

هل ذلك قياس؟ مناقشات وردود

لا يقال: ذلك من تنقيح المناط الظني والقياس الباطل؟

إذ يقال: انه ليس من تنقيح المناط بل هو من تضمينه، والفرق: ان تنقيح المناط يعني وجود موضوع وقد صب عليه الحكم، ووجود موضوع آخر يراد تسرية حكم الموضوع الأول إليه بدعوى كشف مناط الحكم الأول ووجوده في الثاني، اما المقام فليس من ذلك في شيء إذ (الإعانة) ليست موضوعاً آخر يراد تسرية حكم التعاون إليها، بل هي من ضمن التعاون أي هي أحد ركنيه ومدلول عليها بالدلالة التضمنية فان التعاون عبارة عن إعانة هذا لذاك مقابل إعانة ذاك لهذا، فالتعاون متقوّم بهما وهما ركناه وليسا موضوعاً آخر، فوجوب التعاون منبسط، ككلِ كلٍّ وجزءٍ، على جزئيه أو ركنيه فوجوب كل منهما (الإعانة، والإعانة المقابلة) عين وجوب الكل، والإعانة كموضوع هو التعاون كموضوع أي جزؤه وليس أجنبياً عنه فهو من أنواع كليات باب ايساغوجي.

 

الفرق بين الجزء بشرط لا ولا بشرط

ولكن هذا الجواب غير تام؛ إذ لا يخرجه ذلك عن القياس إذ ان الإعانة وإن كانت جزءً لكنها غير الكل بوجهٍ إذ الكل هو الجزء بشرط شيء وهو غير الجزء بما هو هو، وقد تكون للهيئة الاجتماعية مدخلية في الحكم فتسرية حكم الكل بما له من الهيئة الاجتماعية إلى الجزء لا بلحاظ الهيئة، قياس رديء.

ويمكن ردّه: بالفرق بين الجزء بشرط لا والجزء لا بشرط؛ فان الجزء بشرط لا مغاير للكل إذ الكل عبارة عن الأجزاء بشرط شيء أي كل جزء بشرط ضميمة الآخر إليه، اما الجزء لا بشرط فانه ليس مغايراً للكل إذ اللابشرط يجتمع مع ألف شرط بل هو عينه فحكمه حكمه، فتأمل([2]).

وقد أكملنا الجواب السابق بوجه آخر هو: (لا بالأولوية ليناقش فيها بل بحسب المتفاهم العرفي من الكلام، وذلك كوجوب التناهي عن المنكر المذموم تركه بقوله تعالى: (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ)([3])([4]) وكوجوب التواصي بالحق والتواصي بالصبر، بل الاستدلال يتم حتى على القول باستحباب التواصي فتدبر؛ إما لإلغاء الخصوصية، أو لفهم العرف بأن إعانة ذاك للمعين له، لم تؤخذ قيداً، كما يفهم أن نهي ذاك هذا أيضاً، أو وصية ذاك هذا أيضاً، لم تؤخذ قيداً.

وبعبارة أخرى: ان المقصود هو انحلال (تعاونوا) إلى أوامر عديدة بنحو اللابشرط، إذ ينحلّ قوله (تعاونوا) إلى (لِيُعِنْ) هذا ذاك و(لِيُعِنْ) ذاك هذا وهكذا، فهنا مطلوبان أو أكثر وقد تعلق بهما أمران أو أكثر، وقد أوجزا أو أوجزت كلها في كلمة واحدة، فكما يفهم العرف من (تراحموا) و(تواصلوا) و(تشاوروا) و(تزاوروا) مطلوبية كل من أن يرحم هذا ذاك ويزوره وبالعكس لكن لا (بشرط شيء) بل (لا بشرط)، فكذلك (تعاونوا). )([5])

وسيأتي التأمل في كفاية دعوى اللابشرطية للالتزام بوحدة الحكم، ومع قطع النظر عن ذلك فان الجواب أعلاه مرجعه إلى فهم العرف من (تعاونوا) معنى أعم من (أعينوا) – فهو رجوع للوجه السابق لكن بعبارة أخرى:

والحاصل: ان العرف يفهم من (تعاونوا) الأعم من (أعينوا) ولذا لو قال (تعاونوا على البر والتقوى) فانطلق العبد فأعان صديقه على بناء المسجد مثلاً فقيل له لماذا تعينه؟ فأجاب ألم يقل المولى (تعاونوا على البر والتقوى)؟ فان العرف لا يخطّئه بل يرون فهمه صحيحاً أي فهم شمول تعاونوا لأعينوا، وكذلك حال تزاوروا؛ ولذا عندما يسمع الناس ذلك يجدون من الواجب على المكلف أو العبد أو الموظف (أو المستحب، حسب المستفاد من صيغة الأمر أو قرائنه) ان يزور صاحبه من غير ان يرى توقف صدق امتثاله عن ان يقابله صاحبه بالزيارة، وكذلك حال ما سبق من الأمثلة كـ(لا تحاسدوا، لا تدابروا، ولا تقاطعوا) وغيرها.

 

د- قرائن أخرى دالة على الوحدة

ويمكن التمسك بقرائن أخرى يستدل بها على وحدة التعاون مع الإعانة أو فقل أعميته منها، وهي قرائن ثلاث ذكرناها في فقه التعاون:

(أ- إما نظراً لقرينية المادة بنفسها، أي خصوص مادة (التعاون) و(الإعانة)، ومرجعه إلى أقوائية ظهور المادة في الأعم، من ظهور الهيئة في الأخص) وتوضيحه: انه جرى بين الأعلام بحث في ان المادة قد يكون لها ظهور ويكون للهيئة ظهور آخر، فإذا تعارضا فالمرجع أقوى الظهورين وإلا تساقطا، والمدَّعى ان المقام من هذا القبيل وانه وإن كان ظاهر هيئة تفاعل هو مشاركة الاثنين في مبدأ الاشتقاق فانه لا يشمل صدور الفعل من أحدهما واقعاً على الآخر، لكن مادة التعاون وهي (العون) ظاهرة في إعانة هذا لذاك فتعمم مفاد الهيئة. فتأمل

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((وَمَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ)) (تحف العقول: ص88).

 

 

 

--------------------------------------------------------------

([1]) السيد مرتضى الشيرازي، فقه التعاون على البر والتقوى، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر – بيروت، 1430هـ، ص445.

([2]) سيأتي غداً بإذن الله تعالى.

([3]) سورة المائدة: آية 79.

([4]) فتأمل.

([5]) السيد مرتضى الشيرازي، فقه التعاون على البر والتقوى، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر – بيروت، 1430هـ، ص446.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3432
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 10 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18