• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 180- الشيخ: تعجيز فاعل المنكر ليس بواجب ، وترك الفعل اذا لم يؤدّ الى ترك المنكر ليس بواجب .

180- الشيخ: تعجيز فاعل المنكر ليس بواجب ، وترك الفعل اذا لم يؤدّ الى ترك المنكر ليس بواجب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(180)

 

فعل ما يؤدي إلى دفع المنكر، واجب

فرع آخر: ثم انه بناء على ان دفع المنكر واجب([1]) فانه قد يقال بان فعل ما يؤدي إلى دفعه واجب، لكونه مقدمة له، وكذلك ترك ما يؤدي إليه (إلى دفعه) واجب، كما ان ترك ما يؤدي إلى الترك (ترك الدفع)([2]) حرام، وقد يستدل على ذلك بالوجدان وبانه من المستقلات العقلية؛ ألا ترى مثلاً ان ترك ذلك الجاني غصب القرط من ابنة الإمام الحسين عليه السلام، واجب وإن فعله حرام وانه لا يصح له التعليل بانني إن لم أغصبه غصبه غيري فتركي لا يؤدي إلى ترك الغصب فليس تركي بواجب!

 

ولكن ما حكم بيع العنب ممن يعمله خمراً؟

وقد طرح الفقهاء هذه الكبرى الكلية بمناسبة البحث عن حكم بيع العنب مثلاً لمن يعلم انه يصنعه خمراً فقد استدل البعض كالمحقق الاردبيلي (على حرمة بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي عن الإعانة بأدلّة النهي عن المنكر)([3]) و يشهد لهذا...)([4]) وقد أجازه البعض لتوسط الفاعل المختار وان دفع المنكر ليس بواجب، وبانه وإن قلنا بكونه واجباً إلا انه لا يندفع المنكر بتركي بيعه فليس الترك بواجب، والحق جواز بيع العنب لمن يعلم انه يعمله  خمراً (لا ليعمله خمراً – كما سبق) للروايات الخاصة الواردة في المسألة، لا لأن دفع المنكر ليس بواجب أو انه وإن وجب ولكن عدمه (عدم بيعه) ليس عِلّة لعدم المنكر وهو تخميره وشربه.

 

تفصيل الشيخ: ترك بيعه العنب واجب إذا لم تتحقق المعصية، بذلك

وقال الشيخ: (نعم، يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشيء ممّن يعلم أنّه يصرف المبيع في الحرام، بأنّ دفع المنكر كرفعه واجب، و لا يتمّ إلّا بترك البيع، فيجب)([5]) ثم انه فصّل بقوله: (ثمّ إنّ الاستدلال المذكور إنّما يحسن مع علم البائع بأنّه لو لم يبعه لم يحصل المعصية؛ لأنّه حينئذٍ قادر على الردع، أمّا لو لم يعلم ذلك، أو علم بأنّه يحصل منه المعصية بفعل الغير، فلا يتحقّق الارتداع بترك البيع، كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر)([6]).

وبعبارة أخرى: ان مقدمة الحرام حرام إذا كانت مقدمة منحصرة دون ما لو كان لها بديل وكان الغير يوفر ذلك البديل للعاصي أو لتحقق المعصية.

بعبارة أدق: ان المقدمة الموصلة محرمة دون المقدمة غير الموصلة وإن كان شيء فإنما هو التجري ولو قيل بحرمته فالعقوبة عليه لا على الفعل، فإذا كان ترك زيد لبيع العنب لخالد مقارناً أو ملحوقاً ببيع عمرو له (لخالد) فترك زيد بيع العنب لخالد لا ينتج تركه التخمير وشرب الخمر فما وجه وجوبه([7]) إذ الفرض انه كان مقدمة غير موصلة، نعم لو كان الجميع ممتنعاً عن بيع العنب لخالد أو عاجزين عن البيع له أو فاقدين للعنب وانحصرت قدرة خالد على التخمير وشرب الخمر بشراء العنب من زيد وجب على زيد ترك بيعه له إذ تركه البيع له سبب لعدم وقوع المعصية ومقدمة لها فيجب.

 

إشكال: الحرمة انحلالية

ولكن أشكل الشيخ على ذلك بإشكال ثم أجاب عنه بقوله (و توهّم أنّ البيع حرام على كلّ أحد فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذراً بأنّه لو تركه لفعله غيره، مدفوع بأنّ ذلك في ما كان محرّماً على كلّ واحد على سبيل الاستقلال، فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بأنّ هذا الفعل واقع لا محالة و لو من غيري، فلا ينفع تركي له.

 

الجواب: كلا بل الحرام أمر واحد فترك المجموع سبب لعدمه

أمّا إذا وجب على جماعة شيء واحد كحمل ثقيل مثلًا بحيث يراد منهم الاجتماع عليه، فإذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به و الاتّفاق معه في إيجاد الفعل كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغواً، فلا يجب، و ما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنّ عدم تحقّق المعصية من مشتري العنب موقوف على تحقّق ترك البيع من كلّ بائع، فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية، كما أنّ بيع واحد منهم على البدل شرط لتحقّقها، فإذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب و المفروض أنّ قيامه منفرداً لغو سقط وجوبه)([8])

 

الفرق بين تعلق النهي بالجميع وبين تعلقه بالمجموع

بعبارة أخرى: قد يتعلق النهي بالجميع وقد يتعلق النهي بالمجموع بما هو مجموع وذو هيئة اجتماعية خاصة: فإذا تعلق النهي بالجميع كالنهي عن الغيبة والكذب والزنا وضرب اليتيم.. الخ فان كل غيبة من أي شخص فهي حرام مستقل فالتسبيب له حرام وترك التسبيب له واجب، وإن كان فرد آخر من الغيبة يتحقق من شخص آخر بسبب شخص رابع (أو بإرادته مستقلاً) وذلك لانحلال المحرم إلى محرمات بعدد الأفراد وبعدد السرقات والغيبات فكل له مقدمته وجوداً وعدماً وحكمهما حكمه.

واما إذا تعلق النهي بالمجموع بما هو مجموع فانه إذا لم يسدّ باب العدم من كل الجهات بان فتح باب العدم ولو كان باباً من ألف باب فانه لا يتحقق المعلول وهو المجموع قهراً، فان ترك أو فعل سائر الأشخاص ليس بواجب حينئذٍ ولا حرام لأنه لا سببية له وجوداً وعدماً، كما لو نهى عن خدش هذه التحفة الاثرية لأنها لو خدشت بأدنى خدش فقدت ثمنها فخدشها عمرو، فان خدش زيد لها غير مشمول للنهي حينئذٍ أي من جهة هذا النهي خاصة وإن شمله فرضاً من جهة كونه تصرفاً في ملك الغير وأحرز عدم رضاه ولذا لو أحرز ان عدم رضاه هو فقط لجهة فقده قيمته فيجوز له خدشه إذا خدشه غيره من قبل، بل يجوز له خدشه إذا علم بانه سيخدشه غيره إذ عدم خدشه ليس مقدمة موصلة لعدم تحقق كليِّ الخدش([9]).

وقد مثّل الشيخ بمثال حمل الثقيل وهو صحيح لكن المطابق([10]) هو التمثيل بالمنهي عنه لا المأمور به وإن صح الجامع.

وسيأتي غداً بإذن الله تعالى بيان المحقق الايرواني للإشكال وجواب السيد الخوئي له انتصاراً للشيخ، ثم انتصارنا للايرواني ومناقشة كلامي الشيخ والسيد الخوئي فأنتظر.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((ثَلَاثَةٌ إِنْ يَعْلَمْهُنَّ الْمُؤْمِنُ كَانَتْ زِيَادَةً فِي عُمُرِهِ وَبَقَاءَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: تَطْوِيلُهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فِي صَلَاتِهِ وَتَطْوِيلُهُ لِجُلُوسِهِ عَلَى طَعَامِهِ إِذَا أَطْعَمَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَاصْطِنَاعُهُ الْمَعْرُوفَ إِلَى أَهْلِهِ))

(الكافي: ج4 ص49).

 

 

-----------------------------------------

([1]) وقد مضى ذكر أدلة خمسة على ذلك.

([2]) أي كل ترك يؤدي إلى فعل المنكر.

([3]) المحقق الاردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، مؤسسة النشر الإسلامي – قم،  ج8 ص49-51.

([4]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، ط / تراث الشيخ الأعظم، ج1 ص141.

([5]) المصدر نفسه.

([6]) المصدر نفسه: ص142.

([7]) وجوب تركه لبيع العنب لخالد.

([8]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، ط / تراث الشيخ الأعظم، ج1 ص142-143.

([9]) وفيه ما سيأتي.

([10]) لمثال بيع العنب.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3445
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 17 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28