• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 185- الاستدلال بالملاك على وجوب دفع المنكر .

185- الاستدلال بالملاك على وجوب دفع المنكر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(185)

 

إشكال: احتمال مزاحمة ملاك وجوب دفع المنكر بمصلحةٍ كالتسهيل

ولكن قد يستشكل على الاستدلال بالملاك بانه وإن كان ذلك لكذلك، لكنه لا يعلم كونه الملاك التام للحكم إذ يحتمل وجود مزاحم مساوٍ أو أهم للملاك فلا يوجب وجوده في دفع المنكر، الأمر به إيجاباً من قبل الشارع، وذلك كمصلحة التسهيل؛ إذ انه وإن كانت مصلحة دفع مفسدة المنكر متحققة في دفعه والتعجيز عنه كما هي متحققة في النهي عنه، لكن الشارع لعله إذ أوجب النهي عن المنكر لم يوجب دفعه تسهيلاً على العباد.

لا يقال: فلم أوجب النهي عن المنكر مع وجود مصلحة التسهيل فيه ولم يوجب دفع المنكر (إذا كان في إيجابهما معاً مشقة بالغة؟).

إذ يقال: لعله رجّح الأمر بالنهي عن المنكر دون الأمر بدفعه لأنه رأى بعلمه المحيط أكثرية الخطأ في التشخيص في الثاني أو أكثرية إصابة الأول فان المنكر المرئي تشخيصه سهل وهو واضح عادة اما المنكر المستقبلي الذي يراد دفعه الآن بتعجيز صاحبه عنه من الآن، فلأنه مستقبلي فان الوهم كثيراً ما يسري إليه أي إلى أصل تحققه لاحقاً بان يتوهم انه سيفعل المنكر([1]) ثم يظهر بانه لم يكن ليفعله، فكان تعجيزه محرماً لأنه تصرف في الغير دون رضاه ومن دون كونه مقدمة موصلة، بل نقول: انه حتى لو قطع فانه قد يكون جهلاً مركباً.

بعبارة أخرى: قد يقال بأرجحية إيجاب النهي عن المنكر دون دفعه، لو دار الأمر بينهما بل مطلقاً، إذ كثيراً ما لا يقع المنكر المستقبلي منه فهذا حال دفعه، واما النهي عن المنكر فلأنه حالي مشاهد فان استمراره للآن اللاحق (كنهيه عن النظر إليها أي عن الاستمرار؛ لوضوح ان النهي عن ما هو واقع حالاً غير ممكن) عادة معلوم يقلّ فيه الوقوع في الخطأ، حسب قرائن الحال، لذا أوجب الشارع النهي دون الدفع إذا رأى في الجمع بين الإيجابين مشقة على المكلفين.

والعمدة انه مادام قد صدر من الشارع أمر بالنهي عن المنكر ولم يصدر منه أمر بدفع المنكر (حسب الفرض من ان الدليل الملاك فقط) فان الملاك التام غير محرز، وتكفي الاحتمالات السابقة ليكون المناط ظنياً.

 

تصحيح عبادية المهم بالترتّب، لا يكفي مصححاً لوجود الأمر بدفع المنكر

لا يقال: يمكن تصحيحه بما صحح به الآخوند عبادية الترتب، بان يقال انه بناء على امتناع الترتب (لكونه مثلاً من طلب الضدين إذ الأمر بالأهم لا يزول بعصيانه فان العصيان ليس مسقطاً للأمر بل الامتثال مسقط، فإذا عصاه وقلنا بتعلق الأمر بالمهم لزم طلب الضدين (عَرَضاً)([2]) وإن أجيب ذلك بان المحال طلب الجمع بين الضدين لا طلب الضدين كما أجيب بغيره مما سبق تفصيل الكلام عنه) فانه لا يوجد أمر بالمهم عند عصيانه الأهم، فإذا كان الأهم مثلاً إنقاذ مؤمن من القتل وتزاحم مع الصوم أو الصلاة في ذلك الوقت، وعصى أمر الإنقاذ وصلى أو صام فهل صلاته صحيحة؟ (بعد الفراغ عن استحقاقه العقاب بترك إنقاذ المؤمن) فقد يقال: لا؛ لأنها غير مأمور بها بناء على امتناع الترتب، فأجاب الآخوند: بانه يمكن تصحيحها عبر الملاك بان يقال: ان الصلاة المزاحَمة بأمر الإنقاذ وغير المزاحمة، لا شك في انهما سيّان من حيث واجدية المصلحة والملاك؛ لفرض ان المشكلة خارجية نشأت لا من ضعف مصلحة الصلاة واقتضائها لأن تُوجَب، بل من وجود مزاحم أهم، وعليه: فالصلاة أو الصوم واجد كل منهما للمصلحة الذاتية فهو محبوب للمولى ذاتاً وهذا يكفي مصححاً لعبادية العبادة إذ عباديتها اما بالإتيان بها بداعي أمرها أو بالإتيان بها بداعي محبوبيتها للمولى نظراً لمصلحتها الذاتية والفرض ان مصلحتها الذاتية باقية بحالها بعد التزاحم والعصيان كما كانت قبلهما.

ولا يخفى ان ذلك مبني على ان اقتضاء الأمر بالشيء (كالأهم) لا يقتضي النهي عن ضده الخاص (كالصوم والصلاة) وإلا لما كانت محبوبة حينئذٍ للمولى فلم تكن مقربة وعبادة، وإن كان يمكن دفعه بانه حتى بناء على الاقتضاء فانه يمكن تصحيح المحبوبية بناء على إمكان اجتماع الأمر والنهي نظراً لتعدد الجهة وكون الحيثية تقييدية، فتدبر.

لكن هذا التخريج وإن فرض تسليمنا به في الترتب لكنه غير مجدٍ في المقام وذلك لأن المطلوب في الترتب هو مصحح العبادية وان المحبوبية الذاتية نظراً للمصلحة الذاتية مصحّحة لها وانه لا حاجة معها لوجود الأمر، واما في المقام فالأمر متوقف على وجود الأمر مع انه ليس الملاك دليلاً عليه، إذ الفرض انه لا أمر بدفع المنكر وانه يراد – في هذا الدليل السادس الاستدلال بالملاك خاصة، فنقول: سلمنا ان الملاك في الدفع والنهي واحد لكن مرادكم هو إثبات وجوب الدفع ولا يكون واجباً إلا بوجود الأمر به، والفرض انه لا أمر صريحاً في المقام([3]) وان بان هذا الملاك حيث زوحم بمصلحة كمصلحة التسهيل أو بمفسدة ككثرة احتمال الخطأ، فانه لا يكون كاشفاً عن وجود الأمر، فتدبر جيداً.

والحاصل: اننا لا نريد، في المقام تصحيح عبادية دفع المنكر كي يصح تنظير المقام بالترتب بل نريد إثبات وجوبه والأمر به وهذا مما لا يتكفل به الملاك.

ثم ان هنالك تتمتين للبحث السابق:

 

وهمٌ: ههنا محرمان: شرب الخمر وشربها المستند إليَّ

الأولى: انه قد يستدل على وجوب ترك بيع العنب ممن سيعمله خمراً (بعد الفراغ عن حرمة بيعه له لأنه مقدمة موصلة حينئذٍ، عكس ترك البيع إذ فرض مقدمة غير موصلة لأن المشتري كان سيشتريه من الغير) بوجه آخر وهو: ان ههنا محرمين: الأول: شرب المشتري للخمر والثاني: شربه الخمر مستنداً إليَّ (أي إلى بيعي العنب له)، وهما محرّمان إذ المحرم الأول([4]) لا يرتبط ببائع العنب والثاني هو وجه ربط الأمر ببائع العنب وتعلق الحرمة به، فإذا لم ابعه كنت بذلك مُعدِماً لتحقق الحرام الثاني([5]) وإن تحقق منه الحرام الأول أو فقل وإن تحقق منه الحرام البدلي أي شربه الخمر المستند إلى بيع البائع الثاني العنب له، فحيث كنت بترك بيع العنب له معدماً للحرام الثاني (أي هذا الفرد من الحرام وهو شرب الخمر المستند إلى بيعي له) كان ترك بيع العنب واجباً.

 

الدفع: إنما هما محرم واحد ومصداقه

وفيه: ان هذا ليس حراماً ثانياً بل هو نفس الحرام الأول متمصدقاً فإذا كان المشتري بحيث إذا تركت بيع العنب له، اشتراه من بائع آخر فشرب الخمر، فانه لا يكون ترك بيعي العنب له واجباً (وإن كان البيع له محرماً كما سبق) إذ انني أُعدِم بذلك ما لم يكن سبباً لترك شرب الخمر الكلي، واما شرب الخمر المتمصدق في المستند إليَّ فليس بحرام مستقل بل حرمته منشعبة من الكلي فإذا تحقق الكلي في ضمن فرد آخر وأثِم المشتري بذلك، لم يكن دفعي للفرد من شرب الخمر غير المتمصدق فيه ذلك الكلي (المشروب) واجباً فتدبر جيداً.                               

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَمَفَاتِيحُهُ السُّؤَالُ، فَاسْأَلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ أَرْبَعَةٌ: السَّائِلُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُسْتَمِعُ وَالْمُحِبُّ لَهُمْ)) (تحف العقول: ص41).

 

 

-----------------------------------------

([1]) بان يتوهم بانه سيشرب الخمر بعد شهر أو سيمتنع عن الإنفاق عليها بعد سنة.

([2]) أي التضاد عرضي لعدم قدرة المكلف على الجمع بينهما.

([3]) بناء على عدم تمامية الأدلة الخمسة السابقة.

([4]) شرب المشتري للخمر.

([5]) أي حائلاً دون تحققه.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3459
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 24 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19