• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 374- الفرق بين الاكراه والاضطرار وانواع الاضطرار وما هو المشمول لــــ(بالباطل) .

374- الفرق بين الاكراه والاضطرار وانواع الاضطرار وما هو المشمول لــــ(بالباطل)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(374)

 

المرجع([1]) الأدلة وليس خصوص عنواني الإكراه والاضطرار

سبق ان المشهور ذهبوا إلى الفرق بين الإكراه والاضطرار من جهة ان المعاملة المكره عليها باطلة اما المعاملة المضطر إليها فصحيحة، وسبق إمكان القول بالتفصيل في الاضطرار بين المجحَف به وبين غيره، أو التفصيل بين الاضطرار الحاصل بفعلِ قاصدٍ متعمدٍ وبين غيره، ونضيف: ان عنواني الاضطرار والإكراه وإن وردا في الأدلة كحديث الرفع مثلاً إلا انه لا يوجد دليل لفظي على تفصيل المشهور([2]) بل الدليل هو مثل قاعدة الامتنان وان في الحكم ببطلان معاملة المكره امتناناً عليه عكس المضطر فان بطلانه خلاف الامتنان، ومن هنا([3]) فان المرجع في بطلان بعض أنواع المعاملة المضطر إليها – حسبما ادعيناه – يكون الأدلة الأخرى، فإن تمت تم التفصيل وإلا فلا.

 

دليلان: 1- ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ))

والدليل أحد أمرين:

أولهما: قوله عليه السلام: ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ))([4]) وفي الإكراه الاجوائي الآنف الذكر يمكن القول بان مستأجر سيارة الأجرة (فيما اتفق أرباب السيارات على زيادة السعر بشكل كبير) غير طيّب النفس بهذه المعاملة أو هذا السعر فتشمله الرواية، فالمعاملة باطلة ويرجع إلى أجرة المثل، وإن كان مضطراً ولم يصدق عليه المكره بالمعنى المصطلح عليه.

 

ولا فرق بين الإكراه على المعاملة أو على الثمن الغالي

لا يقال: فرق بين عدم طيب النفس بالمعاملة نفسها وبين عدم طيبها بالأجرة (وارتفاعها)؟.

إذ يقال: لا فرق لاتحادهما عرفاً؛ أو لأن الحيثية تعليلية والواسطة واسطة في الثبوت لا العروض بمعنى ان عدم طيب نفسه بالأجرة المرتفعة واسطة لثبوت عدم طيب نفسه بهذه المعاملة نظراً لتقوّمها بهذه الأجرة فان هذه المعاملة الشخصية متفصلة بهذا الفصل (فصل كون أجرته كذا) بعبارة أخرى المؤجّر بانٍ على كونها قيداً لا شرطاً والمستأجر غير طيب النفس بها، بل الثمن ركن العقد لا شرطه([5]).

ويدّلك على الاتحاد عرفاً أو كون الحيثية تعليلية، حال الإكراه فانه سواء ءَأكره على المعاملة نفسها أو أكره على الثمن المرتفع، فانه مشمول لـ((وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعُ خِصَالٍ... وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ...))([6]) والامتنان يقتضي في الصورتين الحكم بالبطلان([7])، فتأمل.

 

2- (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)

ثانيهما: كون تلك الموارد مشمولة للآية الكريمة (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) فانه حتى لو لم نقل بشمول الرواية السابقة للمكره أجوائياً بدعوى ان له طيب نفسه ثانوياً، فانه لا شك في كون أكل أصحاب سيارات الأجرة لأموالنا في تلك الصورة أكلاً للمال بالباطل عرفاً، وكذلك ما سبق من الصورتين الأخريين وهما (الاضطرار تبعاً لسنّ الدولة قوانين ظالمة) و(المعاملة بخسارة تبعاً لحجب الدولة أو الشركة للمعلومات أو لتزويرها المعلومات وإشاعتها إشاعة كاذبة).

 

الجواهر: (الاضطرار أعم من الإكراه) وقد يقال بالعكس

تنبيه: سبق ذكر فروق بين الإكراه والاضطرار وانه تبعاً لاختلافهما موضوعاً بنى الفقهاء على صحة معاملة المضطر دون المكره([8])، ولكن قد يقال بان الاضطرار أعم من الإكراه وقد يقال بالعكس وان الإكراه أعم من الاضطرار:

اما الأول فهو ظاهر كلام الجواهر([9]) حيث ذهب إلى ان الاضطرار أعم من الضرر والضرورة والتقية والإكراه، والسرّ فيه واضح لأن كل واحد من هذه الأقسام الأربعة مضطر فانه إذا كان يتضرر بعدم البيع فانه يبيع حينئذٍ ويصح ان يقول انني مضطر للبيع وكذا المتقي والمكره.

واما الثاني: فلأن كلاً من المتقي والمضطر والمبتلى بضررٍ إن لم يفعل ومن دفعته الضرورة إلى فعل، يصدق عليه انه مكره أو كاره. فتأمل([10])

 

التحقيق: هناك إطلاقان للاضطرار

ولكن التحقيق يقود إلى وجود إطلاقين في المكره والمضطر أولهما الأعم وهذا هو الذي مضى الآن، وكل منهما أعم من الآخر من وجه([11]) أو فقل هما متساويان، وثانيها الأخص وهو الذي جرى عليه عرف الفقهاء والذي ذكرنا له فروقاً وهما عليه، متباينان..

 

المرجع الأدلة لا صدق عنوان الإكراه أو الاضطرار

وحيث قد مضى ان المدار في صحة المعاملة وبطلانها هو الدليل لا صدق عنوان المضطر دون المكره وعدمه، فلا كثير جدوى([12]) في تحقيق ان هذا المصداق من الإكراه أو من الاضطرار بل المدار ان يصدق (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أو ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ)) فإذا صدق كانت المعاملة باطلة وإن سميت اضطراراً عرفاً، وإن لم يصدق كانت صحيحة وإن سميت مكرهاً عليها عرفاً.

لا يقال: فلم اصطلح الفقهاء على اللفظين بمعناهما الأخص؟

إذ يقال: يكفي في وجهه كون الاصل العام في المعاملة المكره عليها البطلان وفي المضطر إليها الصحة وإن كان لذلك استثناءات، فكيف إذا كانت لذلك فوائد أخرى فتدبر!

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام زين العابدين عليه السلام: ((الذُّنُوبُ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ: الْبَغْيُ عَلَى النَّاسِ وَالزَّوَالُ عَنِ الْعَادَةِ فِي الْخَيْرِ وَاصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ وَكُفْرَانُ النِّعَمِ وَتَرْكُ الشُّكْرِ‏))

(عدة الداعي: ص212).

 

 

------------------------------------------------------------------------

([1]) في بطلان المعاملة وعدمه.

([2]) من بطلان معاملة المكره وصحة معاملة المضطر.

([3]) عدم وجود دليل لفظي صريح بالتفريق من هذه الجهة بين المكره والمضطر.

([4]) محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليه السلام – قم، ج14 ص572.

([5]) فهو فوق القيد، إلا ان يقال ان كميته شرط؟ وفيه ما سبق أعلاه.

([6]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج2 ص462.

([7]) أو ثبوت الخيار للمشتري.

([8]) وقد يقال في الفرق بين المضطر إليه والمكره عليه انه لا يوجد رضا وطيب نفس في الأخير مع وجوده في الأول فتشمل Sبِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُR الأول دون الأخير.

([9]) قال في الجواهر: (وفيه: أن عنوان الرخصة المضطر الذي لا ريب في تحققه بغير ذلك والخبران المزبوران بعد الإغماض عن السند لا دلالة فيهما على الاختصاص وآية المخمصة مع عدم القائل بتقييد الاضطرار فيها حتى من الخصم لا تصلح لتقييد إطلاق غيرها لو سلم ظهورها في التقييد من جهة الشرطية.

ومن هنا قال المصنف بل المشهور كما في المسالك (وكذا) يتحقق الاضطرار (لو خاف المرض بالترك) بل (وكذا لو خاف (خشي خ ل) الضعف المؤدي إلى التخلف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب) بذلك (أو) إلى (ضعف) عن (الركوب) أو المشي (المؤدي إلى خوف التلف).

بل الظاهر تحققه بالخوف على نفس غيره المحترمة ، كالحامل تخاف على الجنين ، والمرضع على الطفل، وبالإكراه وبالتقية الحاصلة بالخوف على إتلاف نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو عرض محترم أو ماله أو مال محترم يجب عليه حفظه، أو غير ذلك من الضرر الذي لا يتحمل عادة، بل لو كان مريضا وخاف بترك التناول طول المرض أو عسر علاجه فهو مضطر خوفا.

ولا فرق في ذلك كله بين السفر والحضر، إذ المدار على صدق الاضطرار الظاهر تحققه بخوف الضرر الذي لا يتحمل عادة إذا كان خوفا معتدا به عند العقلاء، لا مجرد وهم فضلا عن العلم والظن، بل قد يدعى تحققه عرفا مع عدم معارضة واجب من حفظ النفس ونحوه.

وعلى كل حال متى تحقق الاضطرار عرفا (فحينئذ يحل له تناول ما يزيل به تلك الضرورة، ولا يختص ذلك نوعا من المحرمات إلا ما سنذكره) عن قريب إنشاء الله، لإطلاق الآيات والروايات وغيرهما من الأدلة السابقة على الرخصة في الجميع) (الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ج36 ص428).

([10]) إذ صدق الكاره تام في الصور الأربع اما المكره فصادق في الأولين دون الأخيرين.

([11]) متى أخذ أحدهما بالمعنى الأعم والآخر بالمعنى الأخص، وبالعكس.

([12]) أي من حيث جهة البحث وهي صحة أو بطلان المعاملة.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3465
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20