• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 334- من فقه الحديث (عدة المؤمن أخاه نذرٌ ...) .

334- من فقه الحديث (عدة المؤمن أخاه نذرٌ ...)

من فقه الحديث: (عدة المؤمن أخاه نذرٌ)[1]
اعداد: الشيخ محمد علي الفدائي

ورد في الكافي الشريف، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام  بن سالم أنه قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (عِدةُ المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرَّض، وذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾[2][3].

والظاهر منها وجوب الوفاء بالوعد؛ وذلك لوجوه ثلاثة:
الأول: أن الإمام (عليه السلام) قد عدّ عِدةَ المؤمن نذراً، والوفاء بالنذر واجب، فكلام الإمام صريح في تشخيص صغرى هذه الكبرى، وهذا ما يؤكده تفريعه (عليه السلام) الجزاء الشديد عليه.

وعليه: فظاهر الرواية هو وجوب الوفاء بالوعد.
الثاني: إضافة إلى أن الإمام (عليه السلام) استثنى الكفارة، والاستثناء يؤكد الأصل، فتثبت أحكام النذر للعدة والوعد باستثناء الحكم الوضعي وهو الكفارة.
وهنا لفتة لطيفة وهي: أن قوله (عليه السلام): (لا كفارة له) هل هي تشديد أو تخفيف؟ أحتمل بعضٌ كونها للتشديد، أي أنه نذر ولكنه لجسامة الجريرة والذنب فلا يكفره شيء، بينما احتمل بعض آخر التخفيف، أي إنه نذر خفف الله تعالى عن المكلف الكفارة فيه، لأنه بالذات أخفّ من خلف سائر أنواع النذر، لكن المتفاهم عرفاً منه هو التخفيف.

الثالث: قوله (عليه السلام): (فمن أخلف ... ولمقته تعرَّض) ظاهر في الحرمة؛ فإن الكراهة لا توجب المقت، فلو أن أحدهم أكل الجبن بلا جوز فلا يقال له: (إنه بمخالفة الله بدأ، ولمقته تعرض)، ولو قيل في موردٍ ذلك فهو مجاز يحتاج إلى قرينته.

شمول قوله (عليه السلام): (عدة المؤمن نذر) لصور ست.
إن عبارة الإمام (عليه السلام): (عدة المؤمن نذر) عبارة مطلقة تشمل عدداً من صور الوعد المختلف فيها، فتفيد وجوب الوفاء سواء أضمر الوفاء أم لم يُضمِر شيئاً ولم يعزم، أم أضمر الخلف؛ وهذه صور ثلاث، ولم يقيد الإمام (عليه السلام) بواحدة منها دون أخرى، فهذا هو التعميم الأول.
إضافةً إلى أنها مطلقة من جهة أخرى أيضاً، وهي جهة علمه بالوفاء وعلمه بعدم الوفاء وعدم العلم، أي سواء أعلمَ بأنه سيفي أم علم بأنه لا يفي أم لم يعلم أصلاً؛ وهذه ثلاث صور أخرى، فيكون المتحصل ستّ صور: ثلاث صور تتعلق بالعزم وهذه ثبوتية، وثلاث صور أخرى تتعلق بالعلم وهذه اثباتية.
وإلى بعض هذه الصور أشار الشيخ علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره إذ قال: (مخاطبة لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين وعدوه أن ينصروه ولا يخالفوا أمره ولا ينقضوا عهده في أمير المؤمنين (عليه السلام) فعلم الله أنهم لا يَفُون بما يقولون فقال: (لم تقولون ما لا تفعلون)[4] ولعل ظاهر تفسيره: إنه رواية؛ إذ إنه يذكر في تفسيره شأن نزول الآيات، فكلامه دليل على ذلك، أو مؤيد.
إذن: فما ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله) من حمله لقوله تعالى:﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾[5] على خصوص الوعد مع اضمار عدم الوفاء به[6]  ليس بتام ظاهراً؛ استناداً إلى إطلاق هذه الرواية فإن الإمام (عليه السلام) قد أطلق كون عدة المؤمن أخاه نذراً، وارجع إلى الآيات المباركات ولم يقيّد بكونه قد أضمر عدم الوفاء، بل واستناداً إلى إطلاق الرواية التي نقلها الشيخ بنفسه: (لَا يَعِدَنّ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِيَ لَهُ)[7]، نعم لو كان كلام الشيخ (رحمه الله) عن خصوص عدم صدق الكذب إلا على ما ذكره من اضمار عدم الوفاء، لما ورد عليه هذا الجواب؛ إذ الرواية عن العِدة وخلفها، لا عن صدق الكذب عليها.
والحاصل: إن الشيخ (رحمه الله) لو أراد خروج مورد الوعد مع اضمار الوفاء عن الكذب موضوعاً بحمله للرواية على الوعد مع اضمار عدم الوفاء لما ورد عليه هذا الجواب، وهذا هو ما ترقى إليه بقوله لاحقاً: (بل الظاهر عدم كونه كذباً حقيقياً) فما سبقه يؤول في جوهره إلى دعوى الانصراف ولا وجه له إلا عدم حكم المشهور على طبق هذه الروايات أو فقل (فهمهم) الانصراف فتأمل.

الصورة السابعة
إن الصور الست المذكورة تندرج كلها في دائرة المستقبل (أي في وجوب الوفاء المستقبلي)، ويقع الكلام أيضاً في شمول الرواية وعدمه للزمن الحاضر والماضي، فلو قال شخص لآخر: (صلّ) ولم يصلِّ هو، فإن هذه الصورة ترتبط بالحاضر، أي بحالته هو حين أمره بالمعروف، وهي عدم كونه حين أمره بالصلاة مصلياً، وهكذا لو قال: (آمنوا) وهو مؤمن بظاهره ولكنه لم يؤمن بقلبه.
ولكن هذه الرواية لا تشمل هذه الصورة السابعة؛ إذ لا يطلق عليه أنه وعد فلا ترتبط بحاله الحاضرة، ولكنها مشمولة للآية الكريمة: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾[8]، والدليل عليه: صحة الحمل وعدم صحة السلب، فلو قال شخص: (صلوا) وهو لم يصلِّ، فيصح أن يقال له: (لم تقولون ما لا تفعلون)، كما أنه لو وعد ولم يفِ بصوره السّت صح أن يخاطب بـ(لم تقولون ما لا تفعلون).
والمتحصل: أن الإطلاق في الآية الشريفة شامل للحاضر والمستقبل، وللوعد بأقسامه الستة، ولحالة النفاق، ومطلق أن يأمر بما لا يفعل به، ولا استبعاد عرفي لذلك، بل قد يدعى أن كل ذلك مما يجد العرف انطباق الآية عليه، بل إنهم يستعملون مثل هذه الجملة في كل تلك الموارد السبعة، فتأمل.


----------
[1] اقتباس من كتاب "حرمة الكذب ومستثنياته" لسماحة السيد مرتضى الشيرازي:ص٢٩٢ -٢٩٥.
[2] سورة الصف: آية ٢-٣.
[3] الكافي الشريف: ج٢ ص٣٦٢.
[4] تفسير القمي: ج٢ ص٣٦٥.
[5] سورة الصف: آية ٣.
[6] المكاسب: ج٢ ص١٤-١٥.
[7] الأمالي للصدوق: ٤١٩.
[8] سورة الصف: آية ٣.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3468
  • تاريخ إضافة الموضوع : 29 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16