• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 87- تتمة البحث السابق ـالاشكال بان الاحتياط وان استقل العقل بجوازه الا انه بحاجة الى امضاء والجواب عنه .

87- تتمة البحث السابق ـالاشكال بان الاحتياط وان استقل العقل بجوازه الا انه بحاجة الى امضاء والجواب عنه

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 
كان البحث يدور حول الاحتياط وانه هل يجب فيه الاجتهاد او التقليد ام لا؟ ذكرنا ان صاحب العروة قال: (في مسألة جواز الاحتياط يلزم ان يكون مجتهدا او مقلدا لأن المسألة خلافية). 
وتقدم بعض النقاش عن هذا الكلام مدعى ودليلا , واما التتمة فهي: انه في (الفقه) اجاب عن دليل صاحب العروة بجواب دقيق وحاصله ان المقياس هو(استقلال العقل بجواز الاحتياط وعدمه وليس المقياس الخلاف والوفاق ) توضيح ذلك: ان العقل لو استقل بجواز الاحتياط ولم يضره الاتفاق على عدم جوازه بوجه لأن المستقلات العقلية حجج ذاتية فما دام العقل مستقلا بشيء فلا يضره مخالفة من خالف فلو استقل العقل بجواز الاحتياط فليس للاتفاق والاجماع على المنع ان يطرح حكم العقل المستقل ، هذا هو الشق الاول من كلامه 
اما الشق الثاني من كلامه (لو لم يستقل العقل بجواز الاحتياط او التقليد فليس الوفاق على الجواز نافعا ما دام العقل غير مستقل بالجواز فمع عدم استقلال العقل بجواز التقليد او الاحتياط فكيف ارجع الى اتفاق الفقهاء في جواز الاحتياط ؟ فانه نوع تقليد 
وهنا نقطة دقيقة في كلامه وهي : انه لم يذكر (المنفصلة) بصيغة الاستقلال بالجواز و الاستقلال بعدم الجواز ، بل ذكر صيغة الاستقلال بالجواز وعدم الاستقلال ، اي انه ذكر النقيضين وليس الضدين فلم يذكر (لو استقل العقل بعدم الجواز ) اكتفاء بذكر ما هو الاولى منها فكيف بها . 
والحاصل انه لا يكون الاتفاق نافعا لهذا الذي يستقل عقله بعدم الجواز ليجوز له الاحتياط ؟ وذلك لان عقله استقل بعدم الجواز وهذه حجة ذاتية وتلك حجة عرضية, لكن المذكور في كلامه انه لو لم يستقل العقل بالجواز فلا ينفعه (الاتفاق) على الجواز فقد يتسائل كيف ؟ اي عندما لا يستقل العقل بالجواز فان العقل ساكت والاتفاق ناطق فلم لا يحق لي الرجوع للاتفاق والحكم بالجواز ؟ 
والجواب: ان العقل حيث لم يستقل بجواز الاحتياط او التقليد فهذا يعني ان العقل لم يقل لي ان هذا(الاتفاق) مؤمن لك من العقاب فكيف استند اليه؟ نعم لو قال العقل ان الاجماع مؤمن لك من العقاب لرجع الى حكم العقل من جديد بالجواز ولو بالواسطة , اما اذا سكت العقل ولم تكن حجة ذاتية اخرى ترشد الى ان (الاتفاق) يلزم اتباعه اي (تعطيه الحجية) فليس بحجة , هذا ما ذكره (الفقه) مع بعض الاضافة والتوضح . 
واما (التنقيح) فقد ذكر كلاما اخر,: (وسره انه لو لم يقلد من يجوّز الاحتياط ولم يجتهد في جوازه بل احتاط مع احتماله عدم الجواز لم يطمئن بعدم العقاب , لفرض احتمال الحرمة و كذلك مستحقا للعقاب بارتكابه...) وهذا الكلام غير تام من جهتين: 
الاولى: النقض عليه بالاجتهاد والتقليد فأن الكلام بعينه جارٍ فيهما فلو اجتهد من يحتمل عدم جوازه فانه لا يطمئن بعدم العقاب وكذا لو قلد من يحتمل عدم جوازه فلا مؤمن له من العقاب فلا فرق اذن بين الاحتياط وقسيميه من هذه الجهة ، هذا نقضا 
اما الجهة (الثانية) فحلا: ما مضى من الكلام مع اضافة فنقول: لا مجال لاحتمال العقاب مع وجود المؤمن وهو استقلال العقل بجواز الاحتياط بل بحسنه اذن انا مطمئن بعدم العقاب حينئذ 
ان قلت: بالوجدان يوجد شك بعدم جواز الاحتياط وحسب نص عبارته هكذا(بل احتاط مع احتماله عدم الجواز) فيحتمل وجدانا انه ليس جائز 
قلنا: هذا الاحتمال ملغى مع وجود الدليل فكما ان الظواهر نحتمل فيها الخلاف لكن هذا الاحتمال الشخصي ملغى مع وجود الظن النوعي وكذلك خبر الثقة –بل بشكل اولى-, لو استقل العقل بشيء لكن نفسه كانت شكاكة اي انه رغم استقلال عقله بجواز الاحتياط الا انه يشك في الجواز ، فان شكه هذا ملغى ولا اعتبار له اذ المؤمن النوعي كاف . 
اما عبارة صاحب العروة في المسألة الخامسة التي تقدم نقلها(في مسألة جواز الاحتياط يلزم ان يكون مجتهدا او مقلدا لأن المسألة خلافية) 
نقول : هذا التعليل كما تقدم غير تام ، وكان ينبغي ان يعلل هكذا (لأن العبد بحاجة الى مؤمن من العقاب والمؤمن اما الاجتهاد او التقليد)وهذا تعليل مناسب لولا الجواب عنه ، ان الاحتياط ايضا مؤمن وبهذه الطريقة كان التعليل تاما الا انه لا ينطبق على المعلل له لأنه كما ان الاجتهاد والتقليد مؤمنان من العقاب فكذلك الاحتياط مؤمن 
وهنا استدراك جديد عن ما مضى ولو تم فأنه سيثبت ان جواز الاحتياط متوقف على الاجتهاد او التقليد وبالتالي سيهدم ثمرة كل ما تقدم من اجوبة على الطولية, والاستدراك هو ان يقال بدل التعليل السابق الذي ذكره صاحب العروة (لان المسألة خلافية ) فنبدله بهذا التعليل(لأن جواز الاحتياط مما يحتمل فيه ان يكون غير ممضى شرعا فلابد لاحراز الامضاء من الاجتهاد او التقليد) وهذا الوجه يبدو قويا بدوا, توضيح ذلك: ان ما اثبتناه حتى الان هو الاحتياط مما يستقل العقل بكونه طريقا للحفاظ على اغراض المولى الملزمة كالاجتهاد والتقليد وفي عرض واحد ولكن توجد هنا مشكلة اساسية وهي ان العقل وان استقل بأن الاحتياط طريق لأغراض المولى ولكن ذلك يتوقف على امضاء الشارع او عدم الردع عنه ، لأن استقلال العقل بطريقيته انما هو بنحو المقتضي وليس بنحو العلة التامة اذ لا يمتنع في حكم العقل ان يقيد الشارع هذا الطريق بقيود ذلك كالعقود العقلائية التي تحتاج لامضاء الشارع او تتوقف على عدم الردع ، فالعقل عندما يقول ان الاحتياط طريق عقلائي لا يعني الا ان طريقيته بنحو الاقتضاء ولا يحكم بأن طريقيته ذاتية له , ولا يمتنع ان يأخذ الشارع فيه قيودا كأن يقول اشترط قصد القربة او اشترط قصد الوجه او قصد الامر او قصد الجزم , نعم اشتراطهما مما نفيناه في عالم الاثبات بالادلة ، لكن في عالم الثبوت تبقى ممكنة وان للمولى ان يقول اريدك ان تطيع اوامري جازما بنسبة الممتثل به الي ولا يكفيك الاحتمال (ولو بنحو المصلحة السلوكية ), اذن صرف استقلال العقل بطريقية الاحتياط لا يكفي بل يحتاج الى الامضاء او عدم الردع او يعتبر عدم الردع طريقا للامضاء . 
والحاصل الاحتياط هو طريق لكن لو ردع الشارع عنه فلا يعتد به كالقياس فهو طريق عقلائي الا ان العقل لا يقول ان القياس حجيته ذاتية بل يقول انه طريق ظني فللشارع ان يقول انا لا امضيه لأنه طريق غير موصل للواقع غالبا او في الجملة ويخطئ العقلاء في تصورهم انه موصل للواقع لأن ملاكات الشارع ليست بيدهم وهم لا يعرفونها اذن للشارع ان يرد طرق العقلاء ويردع عنها . 
فأذا تم ذلك احتاج الاحتياط الى الاجتهاد او التقليد من جديد لاثبات امضاء الشارع(1) او لنفي رادعية الشارع له ؟اي لابد ان اجتهد او اقلد لاثبات امضاء الشارع او نفي رادعية الشارع له ، فهل الاشكال تام ام يوجد عنه جواب ؟و المعضلة انه لو بقي اشكال واحد لما حصل المقصود والثمرة وهي اثبات كون طريقية الاحتياط هي في عرض الاجتهاد والتقليد , فعلينا اذن اغلاق جميع ابواب العدم فان جواز الاحتياط معلول لوجود المقتضي وعدم المانع اي معلول لاستقلال العقل بجواز الاحتياط وعدم ردع الشارع عنه فهذا المجموع ينتج جواز الاحتياط فلو رجعنا الى الاجتهاد او التقليد في نفي الرادعية لكان الاحتياط بالتالي في طول الاجتهاد والتقليد غاية الامر انا اثبتنا المقتضي بالعقل لكن نفي المانع نرجع فيه مرة اخرى للاجتهاد او التقليد 
وهنا جوابان: الاول نقضي والثاني حلي وهو جواب دقيق وفيه ثمرة كبيرة . اما الجواب النقضي: فننقض بالتقليد والاجتهاد اذ ان عين هذا الكلام يجري فيهما فما يقال فيهما يقال في الاحتياط لأن العقل يستقل بجواز التقليد والاجتهاد ولكن بنحو المقتضي لا العلة التامة(2) فيمكن للشارع ان يردع عنهما كما ردع عن التقليد في اصول الدين على رأي المشهور , و للشارع ان يردع عن الاجتهاد فيقول لك: لا تستطيع ان تتمسك الا بالتواتر مثلا . 
والحاصل : ان الحجية ليست ذاتية لا للاجتهاد ولا للتقليد انما الحجية ذاتية للقطع فقط(3) فاذا استقل العقل بجواز الاجتهاد او التقليد ولكن من اين لي ان الشارع لم يردع عنهما فيجب ان اجتهد او اقلد لاثبات عدم الردع فاذا قلدت فيه يلزم اشكال الدور السابق(صحة التقليد توقفت على صحة التقليد) او التسلسل ، وكذلك الامر في الاجتهاد , ولكن هذا الدور المتقدم له جواب دقيق سيأتي في البحث القادم بيانه ان شاء الله تعالى 
الهوامش .................................... 
(1) ورد اشكال من بعض الطلبة: ان الاحتياط قد امضاه الشارع وتقدم ذكر الايات والروايات فلماذا نحتاج الى الامضاء؟ 
واجاب دام ظله : هذا الامضاء من الايات او الروايات لا يتم ولايحرز الا بالاجتهاد او التقليد وهذا تثبيت للاشكال 
(2) فائدة ذكرها السيد الاستاذ دام ظله توضيحا لبعض الطلبة في هذا الموضع نذكرها لأهميتها: المستقلات العقلية قسمان فان العقل يستقل بحسن العدل وكذلك يستقل بحسن الصدق ولكن هناك فرقا بينهما اذيستقل بحسن العدل بنحو اللزوم الذاتي فلا يمكن للشرع ان يردع عن العدل كما انه يستقل بقبح الظلم بنحو العلية التامة وبنحو اللزوم الذاتي فلا يمكن للشرع ان يجوّز الظلم ، اما الصدق فيستقل العقل بحسنه ولكن بنحو المقتضي لا بنحو العلة التامة ولذا للشرع ان يقول هذا الصدق لأن ضرره اكبر فهو مذموم وذاك الكذب في الاصلاح جائز بل مستحب بل قد يكون واجبا ، ومثال اخر فالعقود امور عقلائية لكن الشارع قد يمنع بعض العقود مثل بيع الكالئ بالكالئ(البيوع اربعة البيع بالنقد والنسيئة والسلم والكالئ بالكالئ) مع انه عقلائي وعليه معاملات الكثير من الناس لكن الشارع لا يجيزه , وفيه كلام طويل نتركه لمحله وما نحن فيه من هذا القبيل 
(3)هذا على رأي المشهور اما رأي السيد دام ظله فهو ان الحجية ذاتية للعلم فقط 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=347
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 11 ربيع الثاني 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23