• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 88- الجواب النقيض والحلي عن الاشكال السابق .

88- الجواب النقيض والحلي عن الاشكال السابق

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 
كان البحث يدور حول الاشكال على الاحتياط وانه بالمآل لابد ان يعود الى الاجتهاد او التقليد , توضيح الاشكال: انه وان اثبتنا من حيث المقتضي ان الاحتياط غير موقوف على الاجتهاد او التقليد لأن المقتضي لجوازه هو حكم العقل او استقلال العقل بنحو المقتضي بجوازه ولكن المشكلة هي ان المعلول وهو الحكم بالجواز موقوف على تمامية اجزاء العلة ومن اجزاء العلة عدم المانع وحيث ان ردع الشارع عن الطرق العقلائية مانع كما حدث في القياس لذا فان مسألة جواز مختلف الطرق العقلائية ومنها الاحتياط موقوف على احراز عدم الردع الشرعي وهذا الاحراز لا يكون ولا يتم الا بالاجتهاد او التقليد ,هذا ما مضى 
وفي مقام الرد هنا جوابان حلي ونقضي : 
اما النقضي : فأن هذا الاشكال مشترك الورود على الاحتياط وعلى قسيميه ايضا فأن الشبهة بعينها جارية في الاجتهاد والتقليد , وتوضيحه في الاجتهاد الذي هو اقوى الفردين(القسيمين) ان نقول: ان استقلال العقل بجواز الاجتهاد او بطريقيته لا يكفي للحكم بجوازه اذ ان العقل يستقل باقتضاء الاجتهاد للاجزاء وكون المأتي به على ضوء الاجتهاد ممتَثلا به ، وانه حجة و جائز فالعقل لا يقضي باكثر من ذلك لأن حجية الاجتهاد ظنية وليست ذاتية فالعقل يقضي بهذا المقدار فقط , اذن يتوقف الحكم باجزاء الاجتهاد وصحته وجوازه على عدم المانع ايضا والمانع هو ردع الشارع عنه فلابد لترتب المعلول من احراز عدم المانع ولا يتم ذلك الا بالاجتهاد فيجب ان يجتهد في معرفة ان لا ردع للشارع ، وبعبارة اجمل وادق(ومع الشك في جوازه "الاجتهاد" كيف يستند اليه"الاجتهاد" في جوازه "الاجتهاد"؟ ) وقد اوضحنا سابقا (الدور) بانه كيف يستند في جواز الكلى الطبيعي للاجتهاد مثلا على جواز هذا المصداق من الاجتهاد (و هو الاجتهاد في احراز عدم الردع) المتوقف جوازه على احراز جواز الكلي الطبيعي للاجتهاد وتقدم تفصيله, اذن فالاشكال مشترك الورود . 
ولكن يمكن ان يجاب عن هذا الاشكال بأن يقال : ان (الاجتهاد الحدسي) سجوازه او اجزاؤه او صحته متوقف على (الاجتهاد الحسي) ونعني به (المعرفة الحسية) فلا دور ولا توقف للشيء على ما يتوقف عليه (فإذا توقف الكلي الطبيعي للاجتهاد الحدسي على مصداق اجتهاد حدسي لزم الدور) لكن لو توقف الكلي الطبيعي الحدسي على المصداق الحسي فلا دور ، وتوضيح ذلك: ان الذي يراد اثباته هو ان الاجتهاد الحدسي (الاجتهاد المتعارف) حجة بالفعل والمقتضي لذلك موجود وهو استقلال العقل بحجيته الاقتضائية لكن قلنا ان حجيته الاقتضائية موقوفة على احراز عدم الردع الشرعي وهذا يحتاج الى اجتهاد , فنقول في الجواب ان احراز عدم الردع الشرعي لا يتوقف على الاجتهاد الحدسي بل هو موقوف على المعرفة الحسية والاجتهاد الحسي بعدم ردع الشارع ، وهذا المحرز لأننا نرى عدم الردع من الشارع بوضوح والحاصل انه : اذا كان هناك ردع شارعي حسي عن الاجتهاد لما كان حجة وان لم يكن –وهو مما يحرز بالحس - فعدم الردع هو طريق للامضاء ، فالقياس مثلا طريق عقلائي في الجملة لكن الردع الشرعي عنه كان حسيا واضحا ولذا نجد ان الروايات في الردع عن القياس كثيرة وواضحة في التحريم وان (السنة اذا قيست محق الدين) وان (اول من قاس ابليس) وهي بالعشرات اذن احراز الردع لا يحتاج الى اعمال الرأي واجالة الفكر والتدبر بل يكفي فيه صرف النظرة السطحية الساذجة للروايات لنرى انها نهت ام لا؟ فاذا كان الامر كذلك فالدور مرتفع والحجية الاقتضائية للاجتهاد والتقليد والاحتياط تحولت الى حجية فعلية ببركة متمّم حسي لا حدسي اذ لا نرى ردعا حسيا لهذه الثلاثة ولم يبلغنا ردع حسي ظاهر 
ولكن قد يورد عليه :ان احراز عدم الردع في الثلاثة حدسي وليس حسيا ( نعم هو في القياس حسي ) والا لكان واضحا ولا خلاف فيه وادل دليل على حدسيته ان الاخباريين حرموا الاجتهاد والتقليد واستندوا الى ايات وروايات وادلة عقلية من قبيل (من دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس) فهذه الرواية تحتاج الى توجيه وانها موجهة مثلا للعامة اي الاجتهاد في قبال النص لا الاجتهاد في اطار النص وهذا كله يحتاج الى اجالة الفكر والتدبر وهو حدسي . 
وبتعبير اخر مثل حجية الظواهر وخبر الثقة فان حجيتها مركبة من حدسيين : مقتضي حدسي وعدم مانع حدسي ، فالمانع هو الايات المانعة من اتباع الظن (ان الظن لا يغني من الحق شيئا) وخبر الثقة ظني فيحتاج في الجواب الى (الاجتهاد)واعمال الفكر والاستنباط وان الاية ما المقصود منها , فهل الاية خاصة باصول الدين؟ وهذا جواب ، او انها خرج منها الظن المعتبر والظن النوعي خروجا موضوعيا؟ وهذا جواب اخر ،او انها مخصصة وهذا جواب ثالث ، وهذه الاجوبة فيها نقاش واخذ ورد ويحتاج كل ذلك الى اعمال نظر وفكر ، اذن فعدم المانع هنا حدسي 
اذن لم ينفعنا الجواب النقضي لاثبات عدم الرادعية فنحتاج جوابا حليا لأن المشكلة اضحت عامة للطرق الثلاث ولم تعد مختصة بالاحتياط ؟ 
وسنذكر جوابين حليين : الاول: ان يقال ان الطرق التي كان على اتباعها بناء العقلاء والتي جرت سيرة العقلاء عليها , هي مما لا يكفي في الردع عنها الا الحسي لأن الاكتفاء بالردع الحدسي عنها مع العلم بشدة رسوخها في النفوس حتى اضحت كالطبيعة الاولية للناس لما نرى من ان الانسان يسير وراء خبر الثقة والظواهر ، ويتبع رأي الخبراء ، ويجتهد ويبنى عليه ويحتاط في الجملة ، وذلك لدى مختلف الاعراف و الاديان وكافة العقلاء , فما جرت عليه سيرة العقلاء بهذه الصورة سيكون من الاغراء بالجهل ان لا يردع الشارع عنها بردع حسي واضح فلو اكتفى الشارع بالردع الحدسي (وهو قابل للاخذ والرد وليس بتلك الدرجة من الوضوح) لكان اغراءا بالجهل! 
وبتعبير اخر: ينبغي ان يكون هناك تكافؤ بين ما جرت عليه سيرة العقلاء من القوة والرسوخ وبين قوة الرادع عنه حتى يمكن زحزحته ، كما وجدنا ذلك في القياس فلكونه متمكنا في النفوس كانت الروايات الرادعة عنه واضحة وصريحة وكانت من الكثرة بحيث تكفي للردع عنه ، اما ما نحن فيه فلا نجد بالنسبة للاجتهاد والتقليد والاحتياط المتمكنة في النفوس وعليها سيرة العقلاء ، لا نجد ردعا حسيا واذا وجد شيء حدسي فهو مناقش فيه ، وليس من الصحيح ان يتكل الشارع عليه ويعتمد عليه في ازالة ما استمكن في النفوس , اذن هذا الجواب يعود الى بحث مبنائي وهو (مقتضى الحكمة) فان الشارع او اي حكيم اخر لو راى عبيده يسيرون على طريق خاطئ فاذا نصب لهم شيئا مشكوكا في حجيته لديهم لكان لهم ان يعتذروا بان بقاءهم على طريقتهم كان ، لانه هذه الحجة والطريقة التي هم عليها لم يقم على خلافها رادع حسي واضح . 
ومما يؤكد ما ذكرناه : انه في الطرفين المتقابلين كان الشارع صريحا وواضحا جدا في القياس نهياً ، وفي العقود امضاءا فالعقود جرت عليها سيرة العقلاء، كالقياس ، لكن الشارع حيث اراد امضاء العقود امضاها بعبارات صريحة (اوفوا بالعقود) (احل الله البيع وحرم الربا) فان الشارع حيث اراد امضاء سيرة عقلائية امضاها بواضح الكلام ، وحيث اراد الردع ردع بصريح القول كما في القياس ، و لا نجد في المقام صريحَ ردعٍ عن الاجتهاد والتقليد والاحتياط في الروايات ولو وردت بعض الروايات القابلة للنقاش فنقول هذه الروايات غير كافية لاقتلاع سيرة العقلاء وبنائهم , وهذا الكلام بطوله يعد ردا للاخباري ايضا وان الروايات والايات التى استند اليها في بيان منع الاجتهاد والتقليد لم تكن رادعة عنها ولذا نجد ان جمهور الفقهاء اعتبروها جائزة بل واجبة وكذا الحال في الردع عن الاحتياط حيث انه لم يتضح ردع عنه فانه من الاغراء بالجهل ان يكتفي الشارع بها . 
ان قلت: فما بال الرمل والاسطرلاب والتنجيم والكهانة والطيرة وما اشبه؟ فان هذه عليها سيرة العقلاء وبناؤهم ولا نرى من الشارع ردعا واضحا بينا كما في القياس ، اذن هذا اشكال على كبرانا الكلية وانه ليس بالضرورة لو استقرت سيرة العقلاء على شيء ان يكون الردع عنها بمستوى وضوحها وقوتها حتى يكون صالحا لاقتلاعها؟ 
قلنا : نجيب بثلاث اجوبة: الاول: انها ليست طرقا عقلائية فالكهانة مثلا خاصة بافراد معدودة ومن يسير خلفهم ويتبعهم هم الشذاذ او هم طيف خاص فقط وليس بناء العقل عليها وكذلك الطيرة فان الانسان العاقل لا يتطير وانما هي مرض نفسي او جهل فالانسان السوي قوي الاعصاب لا يتطير ولا يتشائم ويرى ان الاسباب ومسبباتها كلها بيد الله جل وعلا ثم انها تستبع الاسباب الطبيعية , هذا اولا 
وثانيا: انها ليست من الشيوع كالقياس 
وثالثا : وهو عمدة الجواب وسيأتي الكلام عنه ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=348
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 12 ربيع الثاني 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23