بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم
كان البحث يدور حول الاشكال على الاحتياط وانه بالمآل لابد ان يعود الى الاجتهاد او التقليد حيث تتوقف حجيته و صحته وجوازه على احراز عدم الردع عنه من الشارع (وان قلنا بان العقل يستقل بنحو المقتضي بجوازه وصحته واجزائه) وبالعكس اذ ان احراز عدم الردع موقوف على الاجتهاد ابه يحرز عدم وجود الرادع وعدم رادعية الموجود , فلزم توقف الشيء على ما يتوقف عليه .
واجبنا اولا بالنقض بالاجتهاد والتقليد فان العقل يستقل باجزائهما وجوازهما الا انه حيث كان هذا الاستقلال بنحو المقتضي فهو يتوقف على احراز عدم الردع وهذا الاحراز يتوقف على الاجتهاد فيلزم الدور .
واجبنا عن الدور : بان الاجتهاد الحدسي حجيته وجوازه ليس متوقفا على الاجتهاد الحدسي بعدم وجود رادع بل هو موقوف على اجتهاد حسي او قريب من الحس بعدم وجود رادع.
ولكن استشكلنا على هذا الكلام بالقيافة والكهانة والتنجيم وما اشبه ذلك فرغم كونها طرقا يسلكها العقلاء (حسب المدعى) الا ان الردع عنها ليس حسيا و لا قريبا من الحس ، بل هو حدسي اجتهادي فلا تتم الكبرى التي ادعيناها وانه كلما كان الطريق عقلائيا لزم في الردع عنه ان يكون الردع حسيا او قريبا من الحس والمقصود من الحس ما يكون بدرجة من الوضوح بحيث لا يحتاج الى اعمال نظر وتأمل وتدبر بل يظهر المراد بمجرد النظرة السطحية الساذجة الاولية . قدوتقدم جوابين عن هذا النقض :الاول: انها ليست طرقا عقلائية الثاني :انها ليست من الشهرة والشيوع كالاجتهاد والتقليد والاحتياط .
اما الجواب الثالث وهو العمدة: بان نقول ان ملاحظة سيرة الشارع في امثال هذه الامور تدلنا على ان الشارع التزم بالردع الحسي او القريب من الحس في الحمرمات من هذه العناوين كما والتزم بالتصريح حسا او بمنزلة الحس بالعفو او اجازة ما لم يحرمه,وهذا جواب مفتاحي ينفع في كثير من البحوث وسنشير اللآن الى كيفية تعامل الشارع مع هكذا عناوين فهي اضافة الى كونها في صلب الموضوع فانها في محالها مسائل حيوية جوهرية , فنقول : ان ملاحظة حال الشارع في هذه العناوين وامثالها يكشف عن العكس المدعى فان الشارع في اي طريق عقلائي او ما توهم انه طريق عقلائي .. اذا كان مبغوضا لديه فانه قد ردع عنه بالحسي الواضح او بمنزلة الحسي الصريح الذي يقطع العذر على المتخلف والمخالف
واما ما نقض بها من عناوين فاما (الطيرة) وهي من الامور الشائعة عند الكثير من الناس فنجد ان الشارع قد صرح بواضح العبارة بعدم حرمته وبأنه قد عفا عنها في حديث الرفع المشهور( رفع عن امتي تسع ...الحسد والطيرة...) والروايات غيرها كثير مثل(اذا تطيرت فامضِ) فعنوان الطيرة حيث لم يرد الشارع تحريمه اوضح ذلك بصريح العبارة ولذا انعقد الاجماع على عدم حرمته لأن الادلة حسية او قريبة من الحس
اما عنوان (الكهانة) فانه ايضا عليه الاجماع بالحرمة لذا قال في رياض المسائل )الكهانة حرام بلا خلاف ) وما ذلك الا لصراحة ووضوح الردع الشرعي عنها ومن الروايات عنه عليه السلام(المنجم ملعون والكاهن ملعون والساحر ملعون والمغنية ملعونة ومن آواها ملعون وآكل كسبها ملعون ) فالكهانة لا كلام في حرمتها ولا خلاف .
واما (التنجيم) فقد اورد العلامة المجلسي نصوصا كثيرة على حرمته ولذا ذهب المشهور الى حرمته . نعم المراد بالتنجيم احتمالات:الاول :ان يعتقد بتأثير النجوم في اوضاع البشر و العالم السفلي بنحو مستقل وهذا كفر ولا كلام في حرمته ، الثاني:ان يعتقد بتأثير النجوم في اوضاع العالم السفلي بالاشتراك مع الله وهذا شرك لا كلام في حرمته ، الثالث: وهو ما عليه المشهور وينشعب الى صور :الاولى: ان لا يعتقد بتأثير النجوم لا بالاستقلال ولا بالاشتراك مع الله جل وعلا بل يعتبرها مجرد علامة على حسن او سوء الطالع .
الصورة الثانية: ان يعتقد بأن لها تأثيرا لكن لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الاشتراك بل بنحو الآلية كالامور الآلية في هذا العالم
ذكر السيد الوالد في موسوعة الفقه ما ملخصه (التنجيم قد يكون كفرا كما لو اعتقد باستقلال النجوم بالتأثير أو بمشاركتها لله تعالى وقد يكون حراما كما لو لم يعتقد بالامرين السابقين بل يخبر عن النجوم بصلاح الطالع وسوءه مثلا ) وقد تقدم ان القسم الاخير يتصور على نحوين ، بنحو العلامة او بنحو الالية وقد دلت الروايات العديدة على الحرمة ومنها ما جاء في نهج البلاغة (اياكم وتعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر او بحر فانها تدعو الى الكهانة , المنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار ، سيروا على اسم الله ) اذن بالنسبة للعنوانين الاولين للتنجيم لا خلاف في حرمتهما ، اما المعنى الثالث والرابع (العلامية والالية) فالمشهور على الحرمة والروايات واضحة وصريحة حسب المتفاهم العرفي منها .
اما (القيافة) وهي الحاق الناس بعضهم ببعض على خلاف الموازين الشرعية في الالحاق من ان الولد للفراش بل يعتمدون على بعض الخصائص والعلامات الخارجية , فان اريد بها ترتيب الاثار الشرعية خارجا فهي حرام بلا كلام لأنه سوف يستلزم التوريث وعدمه وحلية وحرمة الزواج من المحارم ثبوتا او غيرهن مع ان هذا الالحاق خلاف موازين الشارع ، وان اريد مجرد عقد القلب على ذلك وان هذا ابن فلان بدون ترتيب الاثار ففيه بحث ، وقال في فقه الصادق : (القيافة حرام على المشهور ونسبه صاحب الحدائق الى الاصحاب وعن المنتهى دعوى الاجماع عليه) والروايات عديدة في هذا العنوان . والضابط العام ان (القيافة) من الظنون غير المنضبطة فان الظنون قسمان ظن معتبر وغير معتبر والفرق بينهما ان المعتبرة منضبطة نوعيا كخبر الثقة والظواهر اما غير المعتبرة فغير منضبطة نوعا كالقيافة فهي من الظن غير المعتبر اضافة الى ان ملاكات الشارع ليست بايدينا فلابد من امضاء او عدم الردع عن الطرق اليها , وهذ بحث طويل الذيل ونافع ويحتاج الى اشهر ليس في شرح المفردات فقط وانما في البحث الفقهي وفي التحليل الاجتماعي والنفسي لهذه المعاني وليس محل بحثه الان ولكن نكتفي بهذه الكلمة: ان الشارع في ما كان طريقا عقلائيا او توهم انه عقلائي يتدخل بوضوح وصراحة في الامضاء او المنع وذلك مما لا نجده في الاحتياط او التقليد او الاحتياط بل نجد عكسه كما سبق وسيأتي ايضا
ونضيف بان الاجماع او الشهرة العظيمة انعقدت على حرمة ما ذكر من العناوين واشباهها كالقياس وذلك مما يكشف عن يكشف ان الحجة كانت تامة وان الرادعية كانت كافية ووافية والا لما انعقد الاجماع او الشهرة العظيمة على حرمتها او على وفقها في الاجتهاد وقسيميه
لا يقال: ان البعض قد خالف في بعض تلك العناوين؟ فانه يقال: ان مخالفة الاقلية او الشاذ لا تقدح في تمامية الحجة ولا تضر بما كان مقتضى القاعدة على الحكيم ان يقوم به من الردع الواضح الصريح
ان قلت :هذا مدعى فاين الدليل؟ قلت: ان اتمام الحجة يراد به عقلا اتمام الحجة النوعي ولا يلزم في الحجج ان تكون تامة على كل شخص بما هو شخص وآية ذلك ان المستقلات العقلية حجج بلا شك بل وفوق ذلك نقول ان من اوضح البديهيات هي احكام العقل الفطرية كوحدانية الله وعدله ومع ذلك نجد في كافة اقسام البديهيات الستة مخالفا فطائفة لا ترى الله واحدا وطائفة لا تراه عادلا كالاشعري.
اذن الحجة لا¬¬ يشترط في تماميتها ان تكون فعلية في حق كل شخص شخص بحيث لو انه لو خالف البعض لقدح في حجيتها بل ان تكون الحجة تامة نوعا بحيث لو ان الشخص خلى وطبعه وتلك الحجة ولم يكن هناك مانع من هوى او عصبية او تربية فاسدة او غير ذلك لرى البرهان تاما . اذن فلا يستشكل بوجود بعض المخالفين في حرمة التنجيم او القيافة في بعض مراتبها لأن هذا الخلاف لا يضر والا فان الخلاف موجود حتى في البديهيات او الحسيات او في المتواترات كما انكر بعض المسلمين بعض معاجز النبي صلى الله عليه واله وسلم كانشقاق القمر وهو من المتواترات
بل ان الامضاء في الاجتهاد والتقليد والاحتياط كان من الوضوح بدرجة انه لم تنعقد الشهرة العظيمة فقط على جوازها واجزائها بل وجوبها التخييري بل انعقد الاجماع عليها حتى من الاخباري فان الاخباري ايضا يقول بحجية الاجتهاد والتقليد الا ان الاختلاف في الاصطلاح لا غير فان المتأمل في الخلاف مع الاخباري يراه انه خلافا لفظيا فقط ، فان الاخباري يحرم العمل بالرأي والاصولي كذلك ، وهو لم يخالف في الاجتهاد المصطلح بل خالف في الاجتهاد المساوق للعمل بالرأي المنهي عنه في زمن الائمة عليهم السلام لأنه غير منضبط وغير ممضى شرعا ولا سيرة للعقلاء على اتباعه بل هو كالقياس والاستحسان ونحوها اما الاجتهاد المنضبط فلا يحرمه الاخباري وآية ذلك ان المجتهد الاخباري يكتب الفتاوى لمقلديه ولكنه لا يسميه اجتهادا بل يسميه نقلا لكلام المعصوم عليه السلام لكنه في الواقع نظر في الروايات وجمع بينها جمعا دلاليا او حمل بعضها على التقية وطرح ما خالف كتاب الله منها او مطلقا ملا حجية له بنظره وقام بكل ما يقوم به المجتهد الاصولي ، والتسمية لا تهم ، وان كتب المجتهدين من الاخباريين موجودة والمقلدين لهم يرجعون اليها , اذن الاجماع القطعي من الاخباري والاصولي على حجية الاجتهاد والتقليد بل لزومه التخيري آية على امضاء الشارع لها بهذه الصورة الواضحة حتى انعقد الاجماع ، وسيأتي تتمة الايضاح واضافة على ذلك باذن الله تعالى . وهذا هو الجواب الحلي الاول,اما الجواب الحلي الثاني سيأتي الكلام عنه ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين |