بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
كان البحث يدور حول المسألة (63) من مسائل العروة وانه في احتياطات الاعلم اذا لم تكن له فتوى اي لم يكن هذا الاحتياط مسبوقا او ملحوقا بالفتوى (ولو كان كذلك فحكمه سيجئ في المسألة اللاحقة) فالمكلف مخير .
بين العمل بها او الرجوع الى المفضول , وقد مضى بعض الحديث عن ذلك الى ان وصل الكلام ان السيد العم في بيان الفقه يقول : ان الصور ثلاثة وليست صورة واحدة او اثنتين كما قد توهم العبارة , وتقدم الكلام الى في الصورة الاولى وانه لو كانت للاعلم فتوى بالاحتياط ومثلنا بامثلة ونضيف مثالا آخر : كما لو كان رأي الاعلم منجزية العلم الاجمالي في موارد الاقل والاكثر الارتباطيين -كما في الصلاة- وهي مسألة خلافية وهل المجرى عند الشك البراءة او الاحتياط فلو ان الاعلم كانت له فتوى بالاحتياط لو ترددت الصلاة بين عشرة اجزاء بلا جلسة الاستراحة ام احد عشر جزءا معها فاذا رأى الاعلم منجزية العلم الاجمالي فانه يفتي بلزوم الاتيان بجلسة الاستراحة او يفتي بلزوم اتيان التسبيحات الثلاث احتياطا، كما تقدمت امثله اخرى وانه لو كان رأيه منجزية العلم الاجمالي في التدريجيات او كان رأيه منجزية العلم الاجمالي حتى لو كان احد الطرفين خارجا عن مورد الابتلاء او خرج عن مورد الابتلاء وهناك فرق بين خروجه من الاول او خروجه لاحقا فاذا خرج لاحقا فان الرأي المنصور هو ان العلم الاجمالي يبقى على منجزيته هذا ما تقدم مع بعض الاضافة
ولتأكيد المطلب وتقوية كلام البيان نقول: لماذا لا يجوز في هذه الصورة الرجوع لغير الاعلم مع ان الاعلم احتاط وجوبا ولم يفتِ؟
ان السبب في ذلك هو لأنه يخطّئ غيره ومع تخطئته لغيره (المفضول ) فلا مجال للرجوع اليه
وببيان اخر : لأن حكم الواقعة لديه معلوم وليس مجهولا اذ صحيح انه احتاط لكن هذا الاحتياط مرجعه الى الفتوى اذ هو يرى ان العلم الاجمالي منجز في التدريجيات والنتيجة ستكون قهرا : احتط ، او ان العلم الاجمالي في موارد دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين منجز فيتعين الاحتياط بالتبع، اذن حكم الواقعة معلوم عنده وعنده فتوى بالاحتياط لا عدم فتوى , وهذان بيانان لتقريب الصورة الاولى وتوضيحها
ونضيف ان هذا البحث ينفع في الاجابة عن شبهة قد تتردد لدى الكثير من الاذهان وهي:ان الاحتياطات كثيرة في كتب الاستدلال والرسائل العملية لا وجه لها وهي لغو لأنا نسأل الفقيه: هل قامت لديك الحجة الشرعية على الحكم ام لا؟ فان قامت (من علم او علمي) فافتِ ولا معنى للاحتياط وان لم تقم عندك الحجة على الحكم الشرعي (اي لا علم ولا علمي) فلماذا تقول احتط بل قل لا اعلم فلا مجال للاحتياط كبرزخ بين الفتوى وبين الجهل بالحكم ؟ وهذا البحث ينفع في الجواب عن هذه الشبهة فانه في عملية الاجتهاد سوف يبتلي الفقيه بالاحتياطات فتوضيح هذا الامر مهم والجواب بحسب الصورة الاولى واضح لأن الاحتياط فيها ليس برزخا فهي فتوى والحجة لديه تامة لأن فتواه مثلا هي منجزية العلم الاجمالي لو دار الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين فلا تحير له واذا افتى بمنجزية العلم الاجمالي في الامثلة الاربعة المتقدمة فينتج من ذلك ان يقول : احتط في التدريجيات ،
اذن الصورة الاولى في الواقع ليست من مواطن البرزخ (الاحتياط الوجوبي) وانما هي من صغريات الفتوى الا ان متعلق الفتوى يختلف فمتعلقه هنا هو الاحتياط كما ان المتعلق احيانا يكون الصلاة او الزكاة
وبكلمة نلخص الفرق ان : (وجوب الاحتياط )متعلّقا ،غير (الوجوب الاحتياطي) صفةً او (الوجوب احتياطا) حالا اي ان وجوب الاحتياط هو كوجوب الصلاة وهذا يعني ان الاحتياط مثل الحقائق الاخرى كالصلاة والصيام قد يكون متعلقا للوجوب فهنا فتوى في موارد العلم الاجمالي يفتي بالاحتياط اي يجب الاحتياط كما يقول تجب الصلاة
اما القسم الثاني (الوجوب الاحتياطا) فهذه صفة وفرق بين الصفة والمضاف اليه وهذا القسم الثاني هو البرزخ وسوف نجيب عنه لاحقا باذن الله
اذن قسم كبير من الاحتياطات خرجناها من دائرة الشبهة (لماذا يحتاط الاعلم) ففي الصورة الاولى هو يعلم ويفتي ان عليك ان تحتاط كما ان عليك ان تصلي
والحاصل : ان الفارق بين الامرين هو فارق بين كون الاحتياط متعلقا للوجوب وصفة للوجوب , هذه هي الصورة الاولى لكلام بيان الفقه مع بعض التوضيح
الصورة الثانية: وهي ما لو لم يفتِ الاعلم (لعدم احراز الحجة الشرعية لديه)فاحتاط لأن الحجج لم تتم عنده فيجوز تقليد المفضول لفرض ان الموضوع منتفي اذ الاعلم ليست لديه فتوى عندئذ حتى اقلده فيها لكونها في رتبة سابقة على تقليد المفضول اذ لا فتوى للاعلم في المسألة وبتعبير البيان (ليست من مصاديق العدول من الحي الى الحي) وانما هي من مصاديق تقليد الحي المفضول في مسألة لا فتوى للاعلم فيها فالعدول لم يتحقق موضوعا )
وهنا مبحث دقيق ومهم في تحليل الصورة الثانية وهو ان عدم احراز الحجة الشرعية منشؤه امور ثلاث: الاول: عدم الفحص الكامل اما لمرض او ضيق وقت او تغير في المبنى اذ قد يتغير مبنى الفقيه ولعل حكم كثير من المسائل يتغير تبعا لذلك ويحتاج الى البحث في الادلة وهذا قد يستغرق شهورا وفي هذه الفترة يحتاط الفقيه كما حصل وتغير مبنى السيد الخوئي في وثاقة رجال كامل الزيارات وتغيّر مبناه مما يحدث عند الكثير من الفقهاء مما يوجب تغير الفتوى فمثلا المشهور بلوغ الفتاة باكمال تسع سنين لكن القليل من الفقهاء تبعا لبعض الروايات يرى ان البلوغ يتحقق باكمال السنة الثانية عشرة والدخول في الثالثة عشرة فلو تغير مبنى هذا البعض رجاليا مثل اسناد كامل الزيارات واحتمل كونه معتمدة رواية انحصر توثيقها بهذا الطريق مما احوجه الى اعادة البحث في سند الروايات التي اعتمد عليها في فتواه فهو يحتاط وجوبا في مدة البحث بالقول بان على الفتاة ان تلتزم بكافة التكاليف باكمالها تسع سنين
وهذه مسألة واقعية تنبع من ان الفقيه بشر ولا يستطيع في ليلة وضحاها ان يدرس القضية بكافة ابعادها ويخرج بنتيجة تطمئن لها النفس ولعله يحتاج الى ايام او اسابيع وخلال هذه الفترة يحتاط ويفتي لمقلديه بالاحتياط وهذه ليست فتوى بالاحتياط بل هي احتياط في الفتوى .
الصورة الثانية في منشأ عدم تمامية الحجة لدى الفقيه وهي عامة البلوى: وهي ما لو كان عدم احرازه الحجة الشرعية لعدم وضوح الرؤية لديه ذلك كما لو تحير في روايات الكر فان الاقوال في مقدار الكر اربعة ولكل قول طائفة من الروايات عدا القول بان الكر (33)شبرا فان الظاهر ان مستنده رواية واحدة وقد استنبط منها المحقق العراقي بأن الكر ما كان مكعبه(33)شبرا ، فلو لم تتضح الرؤية لدى الفقيه لتعدد طوائف الروايات فانه يحتاط بالاكثر لأنه هو المعتصم قطعا، وهذه الصورة الثانية على اقسام: فان عدم اتضاح الرؤية اما في المبنى او البناء او لوجود مانع .
اما القسم الثالث وهو وجود مانع وهو اوضحها وذلك كما لو عارضت الشهرة استظهار الفقيه (ومباني الفقهاء امام الشهرة مختلفة1) فلو ان هذا الفقيه كان يرى ان الشهرة كاسرة وجابرة حتى الشهرة الفتوائية –للمتن والدلالة- فانه حتى لو كانت الادلة عنده ظاهرة لكنه من جهة ثانية حيث رأى ان مشهور اعاظم الفقهاء لم يستظهروا ذلك او استظهروا خلافه ، فانه حيث يرى ان الشهرة كاسرة وجابر ، كالوالد رحمه الله لبنائه على ان الشهرة في بناء العقلاء معتد بها اما كدليل او مؤيد وحيث رأى يرون ان الشهرة لو كانت عظيمة فانها توجب التحير ؟ فانه ههنا يتوقف ويحتاط لما يلاحظه من ان الفقهاء قد اطلعوا على الادلة واستظهروا غير ما استظهر مما يوجب لديه الوهن في استظهاره فاذا راى رَأي المشهور موافقا للاحتياط فيحتاط ، كما حصل ذلك للسيد الحكيم حيث افتى في الطبعة السابعة عشرة من رسالته بطهارة اهل الكتاب ولكنه في الطبعة الثامنة عشرة عدل واحتاط بنجاسة الكتابي موافقة للمشهور كما ان الوالد كان يرى –صناعة طهارة اهل الكتاب ، كما حرره في الفقه قبل عقود ، الا انه لم يفتِ بذلك حينذاك نظرا لكونه مخالفا للمشهور .
وعموما فان مبحث اسباب الاحتياط و وجوبه وتقسيماته بحث مهم وغير منقح فيبنغي من معرفة وجوهه و انواعه وللكلام تتمة تأتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.....
الهوامش ....................................
1) المحتملات في الشهرة أربعة:اما ان تكون الشهرة كاسرة وجابرة اي كاسرة ومضعفة للرواية المعتبرة فلو اعرض عنها المشهور لم يستدل بها الفقيه ولعله يجعلها مؤيدا وجابرة بمعنى ان الرواية الضعيفة التي عمل بها المشهور مقوية لها وجابرة لضعفها وموجبة للعمل والاستدلال بها
الموقف الثاني انها لا كاسرة ولا جابرة بالمعنى المتقدم
الموقف الثالث انها كاسرة غير جابرة
الموقف الرابع انها جابرة غير كاسرة
وكل ذلك بالنسبة للسند مرة وللمتن مرة أخرى – المقرر |