بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
كان البحث يدورحول المسألة (63) من مسائل (العروة) وان احتياطات الاعلم على انحاء بحسب تقسيم (بيان الفقه): الاول: ان تكون له فتوى بالاحتياط ،وهنا لا يجوز فيها الرجوع الى المفضول لأنها صغرى كبرى الفتوى الثاني: ان لايفتي بل يحتاط وفي هذه الصورة يجوز الرجوع الى المفضول , وذكرنا الوجه والعلة لذلك وانه لم الاعلم لا يفتي ومع ذلك يحتاط ؟ و ان ذلك منشؤه قد يكون عدم احرازه الحجة الشرعية، واضفنا على كلام بيان الفقه : ان عدم الاحراز للحجة الشرعية وعدم الفتوي له اسباب : السبب الاول : ان لا يفتي لعدم الفحص اما لضيق الوقت او لمرض او لتغير مبنى او غيرها
السبب الثاني: ان يفحص الاعلم في الادلة والمدارك لكنه لم تتضح له الرؤية فلم يستظهر بل بقي متردداً، وتقدم ان مرجع ذلك اما لتردده مبنى او لتردده بناءا، وثالثة لوجود مانع، واشرنا في ما مضى لوجود المانع كالشهرة – على فرض كونها كاسرة لديه-.اما تردده في المبنى او البناء فتوضيحه: انه تارة تكون بعض القواعد او الاصول غير واضحة او منقحة، لديه وتارة تكون الاسس واضحة ومعلومة لديه لكن يكون تطبيق الكبريات على الصغريات غير واضح فيحتاط، ومثال ذلك:اما التردد في المبنى فكما لو تردد الفقيه في ما لو تعارض العام والمطلق فايهما يقدم ؟ فالمشهور ان العام اقوى دلالة من المطلق فيقدم لأن العام دلالته بالوضع اما المطلق فدلالته بمقدمات الحكمة وهو اول رأيي الاخوند في مباحث الالفاظ من الكفاية(1) لكن هناك رأياً اخر صار اليه الاخوند في اخر الكفاية(2) في مبحث التعادل والترجيح حيث لم يرجح العام على المطلق بقول مطلق بل ارجع الامر الى الاستظهار العرفي فقد يقدم العام وقد يقدم المطلق, فلو تعارض العام والمطلق، وهو لم يصل الى راي مبنائي ولا ضابطة نوعية ولا قاعدة قانونية اسمها العموم في قبال المطلق فتكون غير متضحة للفقيه فيحتاط , وهذا مثال للتردد في المبنى والامثلة على ذلك كثيرة؛ كما في مطلق مباحث تعارض الاصول مثل دوران الامر بين الاشتراك والنقل،و كما لو شك الفقيه في ان القدر المتيقن في مقام الخطاب هل هو مضر بالاطلاق ام لا؟ فان رأي الاخوند انه مضر ولكن مشهور من تأخر عنه يرى انه غير مضر، فاذا اتضح للفقيه انه غير مضر فيتمسك بالاطلاق واذا اتضح انه مضر فلا يتمسك بالاطلاق اما اذا شك فهنا يحتاط 3
اما اذا كان المبنى واضحا عنده، وكان الشك مصداقياً صغروياً، كما لو تردد ان هذا اللفظ هل المولى فيه في مقام البيان من هذه الجهة او لا؟
فتارة؛ يحرز ان المولى ليس في مقام البيان من هذه الجهة كما في قوله تعالى(فكلوا مما امسكن عليكم ) فاحرز الفقيه ان المولى في مقام حلية ما يصطاده الكلب وليس في مقام البيان من ناحية طهارة موضع العظة فيجب التطهير، وتارة؛ لا يحرز كون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ؛كقوله تعالى(احل الله البيع) فلو لم يحرز الفقيه ان الايه في مقام البيان من ناحية التعليق والتنجيز وغيرها من الشروط, فيتحير فيحتاط بالتنجيز او باشتراط الماضوية، وكذلك لو لم يتضح لدى الفقيه الاطلاق في الاية وانها في مقام البيان من جهة ركني المعاملة (الثمن والمثمن) وهل يصح كونهما نسيئة ومؤجلين ام لا؟ فاذا احرز الاطلاق فيحق له الافتاء بجواز كافة اقسام البيع الاربعة ومنها بيع الكالئ بالكالئ4 واما اذا لم يحرز ذلك وتحير فيحتاط بعدم صحة البيع الرابع .
وقد تقدم ذكر النوع الثالث من هذا القسم وان تردده قد يكون بسبب وجود مانع كالشهرة ,والفرق بينها ان في النوع الثالث المقتضي موجود لكن تردد لوجود مانع كالشهرة اما فيهما فان تردده لعدم وجود المقتضي اما مبنا او بناءا , فلو انه استظهر ولكنه راى الشهرة منعقدة على خلاف استظهاره وكان يرى ان الشهرة كاسرة حتى للمتن، اوجابرة، وان استظهارهم حجة في بناء العقلاء فتردد فلم يفتي فاحتاط على طبق ما كان ينبغي ان يفتي به ولكنه لم يفت بل احتاط؛ لأن المشهور استظهروا خلافه، واذا احتاط فانه يعني انه قد فتح الباب لمقلديه لكي يرجعوا في هذه المسألة الى المفضول هذه هي الصورة الثانية باقسامها الثلاث.
الصورة الثالثة بحسب بيان الفقه: واعيد صياغتها بصورة اخرى (وهي ما لو ان الاعلم لم يفت اثباتا لكنه افتى ثبوتا) ففي مقام الاثبات (احتاط) لكنه في مقام الثبوت كانت له فتوى في المقام – وقد علمت بها- ولكن لسبب او اخر صاغها بقالب الاحتياط فهل يجوز لي والحال هذه ان ارجع الى المفضول ؟ الجواب كلا5 . وهذه الصورة امثلتها كثيرة والسيد العم في بيان الفقه مثل بالورع فبعض الفقهاء الورعين يحتاط بالفتوى لا لعدم اتضاح الرؤية لديه بل لشدة ورعه لكي لا يجعل رقبته جسرا للناس، وذلك كما لو كان يرى حجية قول العدل الواحد في الموضوعات وهي مسألة خلافية والبعض من الفقهاء لا يرى الحجية؛ لأنها من باب الشهادة فينبغي ان يشهد شاهدان عدلان، فهنا لو علمت ان الاعلم فتواه (حجية قول العدل الواحد في الموضوعت) لكنه احتاط وقال (الاحوط ان قول العدل الواحد في الموضوعات حجة ) فهل يجوز للمقلد ان يرجع الى المفضول الذي يقول بعدم حجية العدل الواحد باعتبار ان الاعلم احتاط؟ والجواب كلا لأن الفرض ان فتوى الاعلم هي الحجية وانه يخطئ المفضول في فتواه,ومثاله :ما لو قامت عند المكلف شهادة عدل واحد بانه ارتضع مع هذه المرأة خمس عشرة رضعة وكانت فتوى المفضول بعدم كفاية شهادة العدل الواحد اما الاعلم فقد احتاط لكني اعلم ان للاعلم فتوى صاغها بقالب الاحتياط لسبب او اخر فهل يجوز ترك الاحتياط والاخذ بفتوى المفضول والتزوج بهذه المرأة ؟ والجواب كلا, اذن الثمرة ظاهرة في مواطن كثيرة(6) اذاً الفقيه قد لا يفتي؛ لا لأن الصورة غير واضحة لديه، بل ورعا وهذه الصورة ذكرها السيد العم، ونشير الى انه يمكن ان نعمم لصور اخرى فانه قد لا يفتي لعوامل اخرى لا ترتبط بالاستظهار و الدليل اما: أ: ورعا كما تقدم، او ب: للتقية مثلا كما هو كثير في فتاوى الائمة عليهم السلام والعلماء، فلو علمت انه احتاط ولم يفت تقية من الجائر ، او ورعاً فان تلك الفتوى الواقعية لا يجوز العدول عنها للمفضول – بناءاً على وجوب تقليد الاعلم- ج: وكذلك قد لا يفتي لا ورعا ولا تقية وانما خوفا من كلام الناس ومن باب (رحم الله من جب الغيبة عن نفسه) وكان راي المشهور موافقا للاحتياط، و لم يكن ممن يرى ان الشهرة كاسرة او جابرة، لكنه راي انه لو افتى بما يخالف المشهور فسيكون معرضا لقدح الناس فيحتاط (اي: فيما لو كان احتياطه موافقا للاحتياط اضافة لموافقته للمشهور، لا فيما كان احتياطه مخالفا للاحتياط والا لما حق له ذلك وان وافق المشهور7 )، د: وهناك محاذير اخرى كالخوف من حصول البلبلة والفتنة والفوضى في المجتمع او لوجود توالي فاسدة اخرى بنحو القضية الخارجية؛ وذلك كما لو ان الفقيه كان يرى جواز ان تتزوج البكر الرشيدة بلا اذن الولي (دواما او انقطاعا) حتى مع الدخول وهو خلاف رأي المشهور ولكنه رغم كون رايه الجواز الا انه حيث يرى انه لو افتى بذلك لحصلت بلبلة وهرج وتفسخ في المجتمع وتفكك في العوائل فلا يفتي برايه ولا بخلاف رايه بل يقول: (الاحوط وجوبا ان تستأذن الولي) طبقا للمشهور لأن البعض قد يسيء استغلال هذا الفتوى وقد يحصل بسببها اختلال في النظام العام وقيل: ان السيد الكلبايكاني قدس سره كان يفتي بالجواز اولا ثم عدل الى الاحتياط بالعدم، وان فتواه وعدوله حسب القاعدة فهو افتى لأن ما استظهره كان هو الجواز ثم انه عدل الى الاحتياط -لعله- لأجل العناوين الثانوية – كالاخلال بالنظام العام والفوضى وشبهها-اذن الفقيه لأجل العنوان الثانوي قد لا يفتي رغم وجود فتوى لديه ويحتاط لوجود محاذير خارجية عديدة؛ كالورع او التقية ونحو ذلك، نعم ( بل الانسان على نفسه بصيرة) ولا بد من ان يكون عدم الفتوى او الفتوى او الاحتياط، مما يمتلك الاجابة عن وجهها الشرعي امام الله تعالى. وللحديث صلة تأتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .......
الهوامش................................................
(1)كفاية الاصول الاخوند الخرساني المجلد الاول
(2)كفاية الاصول الاخوند الخرساني المجلد الثاني- مبحث التعادل والترجيح
(3) ولا يخفى ان ذلك وغيره مما سيأتي، فيما لم تكن هناك اصول يرجع اليها لدى الشك او كانت متعارضة في نظره ومتساقطة عنده، او غير ذلك فتامل.
(4) مع قطع النظر عن ورود دليل خاص
(5) هذا اذا علم بوجود فتوى ولكن من اين للمكلف ان يعلم؟ نعم في موارد التقية قد يعلم اعتبارا بواقع الحال؟ - المقرر- . الجواب: لا يتعذر العلم بذلك بل ولا يتعسر اذا عرف شان الفقيه وانه ( يتورع) كثيراً، او اذا عرف وجود عناوين ثانوية، او شبه ذلك – مع لحاظه تغير الفتوى الى الاحتياط.
(6) تعليق ذكره السيد (دام ظله) جوابا عن سؤال بعض الطلبة لماذا يحتاط الفقيه ؟ اذكره لفائدته العلمية والاخلاقية : الفقيه له ان يحتاط كي لا يتحمل المسؤولية امام الله ، ولذا نجد ان البعض من كبار الفقهاء لم يتصد للفتيا لأنه واجب كفائي، وقد قام به من فيه الكفاية، نعم اذا اصبح وجوبا عينيا فلا مناص له من التصدي، وعلى المرء قدر المستطاع ان لا يجعل رقبته جسرا للناس ، فاذا كان قادرا على تحمل المسؤولية وقادرا على الوقوف امام اغراءات الشيطان فليتصدّ، واما لو علم او حتى شك بانه غير قادر فعليه ان يبتعد و ان لا يتحمل المسؤولية، هذا اذا كان واجبا كفائيا اما اذا اصبح عينيا فهو ابتلاء رباني فليتحمله وليستعن بالله تعالى، وهكذا الحال في الامور الاخرى كالقضاء فان القاضي على شفير جهنم فليحتط الانسان بعدم التصدي للقضاء الا اذا لم يقم من به الكفاية، وكذلك الحال في المسؤوليات الاخرى سياسية كانت او اقتصادية او غيرها فالانسان الورع يحاول احراز رضى رضا الله تعالى حتماً، فاذا كان الامر موسعا فلا يقتحم الطريق الصعب الذي تكثر فيه مزال الاقدام والذي يخشى منه على دينه، وليمارس تكليفه الديني او الاجتماعي في مجال بعيد عن شبهة السقوط في نار جهنم
اذن فبعض الفقهاء يحتاط واحتياطه لا اشكال فيه مثلا الجد رحمه الله لما رأى ان المرجعية تكاد تؤول اليه بعد السيد البروجردي توسل عند ضريح الامام الحسين عليه السلام ان يموت قبله وتوفاه الله قبل السيد البرجردي باربعين يوما – توفي السيد في اواخر شعبان 1380 والسيد البروجردي توفي في 13 شوال 1380 هجري-, فبعض الفقهاء يرى المسؤولية كبيرة فلا يتحملها و هو مستعد للموت قبل ان يتحملها .
7: اللهم الا على القول بجواز الارجاع للغير بل والرجوع له رغم وجود فتوى لديه، كما حررناه في (شورى الفقهاء) وغيره، لكن هذا القول نادر. |