• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 214- الأدلة التسعة على حجية السيرة. .

214- الأدلة التسعة على حجية السيرة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(214)

 

السيرة على الجامع والسيرة على النوع

كما قيل بان السيرة تنقسم بوجه آخر إلى السيرة على النوع والسيرة على الجنس، أو فقل السيرة الخاصة والسيرة العامة والمراد منهما ليس الخصوص والعموم بلحاظ الأفراد – كما في التقسيم السابق – بل الخصوص والعموم بلحاظ المتعلَّق وانه نوع من أنواع السِّيَر أو الجامع بينها، وأنواع السيرة مثل: السيرة على إتباع خبر الثقة والسيرة على إتباع قول الخبير والسيرة على إتباع الظواهر وعلى حجيتها([1]) كلها وعلى حجية الإقرار والبيّنة وغيرها.

ولكن الحق ان السيرة موضوعاً لا يمكن ان تنقسم إلى ذلك لاستحالة وجود الجامع الخارجي بين أنواع السِّير، لأن السيرة عمل والعمل لا يتعلق إلا بالجزئي إذ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد، وأنواع السيرة لا جامع خارجياً بينها (وقيدنا بالخارجي لأن السيرة عمل لا تتعلق إلا بأمر خارجي وإلا كان خلفاً) فأي جامع خارجي بين – مثلاً – خبر الثقة وقول الخبير والأول مبني على الحس والثاني مبني على الحدس؟

 

هل يوجد إمضاء للجامع الاعتباري او العنواني للسِّيَر؟

وعليه: فلا بد من التقسيم بوجه آخر وهو الانتقال من الموضوع إلى المحمول أو الحكم، أي الانتقال من نفس السيرة إلى إمضائها فيقال الإمضاء تارة يتعلق بنوع خاص من أنواع السيرة كإمضاء حجية خبر الثقة ولو بعدم الردع، وقد يتعلق بالجامع الاعتباري بل يكفي حتى الجامع العنواني بين السِّير([2]) كما لو فرض قوله عليه السلام (السيرة حجة) أو (سِيَر العقلاء حجة).

والحاصل: انه حيث لا يوجد جامع خارجي بين أنواع السّير لذلك لا يمكن ان يقع عليه([3]) العمل، وحيث أمكن ان يوجد جامع اعتباري أو عنواني بينها لذا أمكن ان يقع عليه الإمضاء.

وقد يقال: انه لا يوجد دليل على حجية السيرة العامة أي الكلية أي الجنسية.

 

الأدلة العشرة على إمضاء الشارع لسيرة العقلاء أو المتشرعة

ولكن قد يجاب: بان هناك أدلة قد يستفاد منها ذلك، وحسب التتبع والتفكير فان ما يمكن ان يستدل به على حجية السِّير بقول مطلق (كما يستدل به على كل واحد واحد منها أو على بعضها، وقد يستدل أيضاً ببعض هذه الأدلة على لزوم كون الرادع عن السيرة بقوة المردوع عنه – وهو المبحث الذي فصّلنا الكلام عنه مع مناقشته في مبحث المكاسب) بعشر أدلة، تصلح بعضها دليلاً على حجية سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة معاً، ويصلح بعضها الآخر دليلاً على احداهما فقط:

الدليل الأول: قوله تعالى: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبيلِ الْمُؤْمِنينَ)([4]) وقد استدل بها الشافعي على حجية الإجماع، وقد يستدل بها على حجية السيرة – وهي إجماع عملي – ولكن هل يصح الاستدلال بها؟ قد يقال: كلا، لأن المراد بـ(سَبيلِ الْمُؤْمِنينَ) سبيل الأئمة المعصومين عليهم السلام كما في الروايات؛ ولأن الآية تشهد بان الأمر فيما يتعلق بمخالفة الرسول صلى الله عليه واله وسلم فلاحظ تمام الآية (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‏ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبيلِ الْمُؤْمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصيراً) وسيأتي بحث هذا الدليل وسائر الأدلة ومناقشتها بعد شهر رمضان بإذن الله تعالى عدا ما بحثناه من الأدلة في (المكاسب).

الدليل الثاني: قوله تعالى: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ)([5]) و(وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ)([6]) استناداً إلى انه لو جرت السيرة على أمر أو أمور وكانت منكرة لدى الشارع لوجب عليه البلاغ المبين والردع، وحيث لم يردع كشف ذلك عن رضا الشارع بالسيرة، وقد جرى البحث عن هذا الدليل في المكاسب بمناسبة دعوى ان الرادع عن السيرة هل يجب ان يكون بمستواها أم لا؟ فراجعه هنالك.

الدليل الثالث: قول أمير المؤمنين عليه السلام ((وَلَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَلَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ))([7]) لكن الرواية مقيدة بقيود أربعة فهي أخص من المدعى.

الدليل الرابع: لا ضرر، حسبما سيأتي تفصيله بإذن الله تعالى.

الدليل الخامس: أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن استشكل على الاستدلال بها بانها لا تجري مع الغفلة والجهل، فمع فرض جريان سيرة العقلاء على باطل وغفلتهم عن كونه منكراً شرعاً، فانه لا يجب على الرسول او الإمام عليه السلام النهي عن المنكر، لعدم تنجز التكليف بسبب الغفلة، ولكن: لنا نقاش في المبنى وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان حتى مع غفلة المكلف أو جهله قصوراً فكيف بما لو كان تقصيراً.

الدليل السادس: أدلة وجوب إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل، فانه حيث اشترط المشهور في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العلم والالتفات، اضطروا للاستناد إلى هذا المدعى (وجوب إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل) واستدلوا عليه بأدلة، ونحن في غنى عنها لأننا نرى أدلة الأمر والنهي بنفسها وافية بالمقصود كما سيأتي بإذن الله تعالى.

السابع: أدلة وجوب دفع المنكر، وقد فصّلنا البحث عنها في المكاسب، سواء السيرة المعاصرة أم المستحدثة، وقد يعدّ النهي عن المنكر نوعاً من الدفع لأنه دفع تشريعي أو لأنه جزء العلل المعدة. فتأمل

الثامن: دليل اللطف، بدعوى ان اللطف، وهو المقرِّب للطاعة والمبعِّد عن المعصية، يفيد التزام المولى بالردع عن السيرة العقلائية لو كانت على الباطل، فلو لم يردع دلّ على انها ليست على باطل، وقد فصّلنا البحث عن هذا ولاحقه في المكاسب وفي (فقه التعاون على البر والتقوى).

التاسع: دليل الغرض والحكمة.

العاشر: الظهور الحالي لصاحب الشريعة صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عند سكوتهم على سيرةٍ، في رضاهم بها، ولا يقلّ هذا الظهور في الحجية عن الظهور اللفظي.

وفي كل تلك الأدلة مباحث مضى بعضها وسيأتي بعضها الآخر بإذن الله تعالى في هذا البحث أو في المكاسب بالمناسبة.

 

 

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنِّي يَحْكُمُ بِحُكُومَةِ آلِ دَاوُدَ، وَلَا يَسْأَلُ بَيِّنَةً، يُعْطِي كُلَّ نَفْسٍ حَقَّهَا‏)) (الكافي: ج1 ص397).

 

 

----------------------------------------------------------------

([1]) السيرة على الحجية بمعنى (الإتباع نظراً للّزوم)، وبناء العقلاء على الحجية بمعنى الكاشفية.

([2]) كما ذكره الآخوند في موضع آخر.

([3]) أي على الجامع.

([4]) سورة النساء: آية 115.

([5]) سورة النحل: آية 35.

([6]) سورة النور: آية 54.

([7]) نهج البلاغة: كتاب 53.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3543
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 24 شعبان 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28