بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم
البحث يدور الاحتياطات المذكورة في الرسائل العملية والكتب الفقهية وهي على انواع كما تقدم
السيد الوالد رحمه الله في الفقه له تفصيل جديد وهو التفرقة بين الاحتياط المطلق الذي هو قسيم للاجتهاد والتقليد وبين الاحتياطات المبثوثة في الرسائل العملية والكتب الفقهية من اولها الى اخرها وبتعبير اخر فصل بين الكلي والمصاديق فاعتبر الكلي(كلي الاحتياط)قسيما اما مصاديق الاحتياط المنتشرة في الكتب الفقهية فاعتبرها قسما من التقليد وليست قسيما
اذن فالاحتياط على رأيه على قسمين:
الاول: ما اسماه الاحتياط المطلق الثاني:ما اسميناه بالاحتياط المُفتى به
وهذا التقسيم له ثمرة عملية كبيرة تمتد على مساحة الاحتياطات كلها, قبلنا به او لم نقبل به في كلا الجانبين سلبا وايجابا فيحتاج الى التوضيح فنقول: ان الاحتياط الذي هو مورد الاخذ والرد والنقض والابرام في كلام الاصوليين والفقهاء وهل هو في عرض الاجتهاد والتقليد اولا؟ باعتبار انه امتثال اجمالي فكيف يكون في عرض الامتثال التفصيلي ،هذا الاحتياط هو الاحتياط المطلق ويبحث فيه عن انه هل للمكلف ان يحتاط بدل ان يسلك طريقي الاجتهاد والتقليد او لا؟ وتقدم انه قد يقال كلا لأنه عبث باحكام المولى او لأنه لا قصد للانشاء فيه في المعاملات او لا يوجد قصد للامر والتمييز في العبادات ، وقد يجاب بنعم عبر التفصي عن تلك الاشكالات.
اذن هذا البحث الطويل الذي تقدم تفصيله يدور حول الكبرى الكلية للاحتياط ولا يدور حول صغريات الاحتياط في الرسائل العملية فانها صحيحة وجائزة حتى وان لم نقبل الكبرى
والخلاصة :ان الاحتياطات الصغروية في الرسائل العملية يجوز العمل بها وان كان رأي الفقيه اصوليا ان الاحتياط ليس قسيما للاجتهاد والتقليد ولا يصح العمل به مطلقا او في الجملة ، والسبب كما في (الفقه) بتوضيح واضافة :
اولا: ان العمل بالاحتياطات في الكتب الفقهية هو حقيقة تقليد وليس احتياطا بالحمل الشايع الصناعي ، فالمقلد عندما يأخذ الرسالة العملية ويجد فيها هذه المسألة مثلا (الاحوط ان يجمع بين القصر والاتمام في صورة حصول الانعراض قهرا) فاذا عمل بهذا الاحتياط فهو مقلد حقيقة وبتعبير اخر هو مقلد بالحمل الشايع الصناعي ، وهذا هو الدليل الاول وهو الصدق الحقيقي في مرحلة الثبوت
وثانيا: الصدق العرفي فهذا المكلف العامل بالاحتياطات في الرسائل العملية عرفا هو مقلد واذا سئل ماذا تعمل؟ لقال:انا اقلد في هذه المسألة المرجع الفلاني .
وثالثا: انا نجد الفقهاء الذين استشكلوا على الكلي قد ادرجوا الصغريات في رسائلهم العملية فرغم ان الفقيه لم يقبل الكبرى الكلية لكنه ادرج الصغريات في رسالته العملية وما ذلك الا لكي يعمل بها المكلف لا لتبحث صناعيا لأن الفرض انها في الرسالة العملية فكيف جمع الفقيه بين عدم صحة الكلية وبين ادراج الصغريات في الرسالة العملية ؟ لاوجه لذلك الا بالقول ان عمل المقلد باحتياطات الرسائل العملية ليس احتياطا بل هو تقليد اذن فلا تهافت بين نفي الكلية وادراج الصغريات .
وللسيد الوالد اضافة نتوقف فيها قليلا يقول:(نعم بعض ادلة حرمة الاحتياط كاخلاله بقصد الوجه ونحوه ات هنا) اي ان بعض الادلة التي علل بها بطلان التمسك بكلي الاحتياط جارية في الصغريات فهذه العبارة بظاهرها تكشف عن مشكلة تحتاج الى حل (ولعله هو ظاهر مراده) ان الاحتياطات الصغروية هي مجمع عنوانين فهي احتياط وهي تقليد فاحتياط بالحمل الاولي الذاتي وتقليد بالحمل الشايع الصناعي وقد ادرجت في الرسائل العملية لا بلحاظ حملها الذاتي الاولي بل بلحاظ حملها الشايع الصناعي ، وبذلك يندفع الاشكال الاخير وان بعض صور الاحتياطات يجري فيها بعض وجوه المنع من الكبرى ، لكن تبين ان هذا المقلد لم يستند للاحتياط في جمعه بين القصر والاتمام حتى يقال ان احتياطه باطل بل انه استند الى التقليد
اذن هذا التفريق دقيق ومفتاحي فاذا قبلناه او لم نقبله سوف يختلف الحال في كافة الصغريات ,فهل هذا التفريق تام ام هو محل اشكال وتأمل؟
السيد العم في (بيان الفقه) يستشكل على هذا التفريق بوجوه:
الاول : كيف يفرق بين الاحتياط الكبروي الذي عد قسيما للاجتهاد والتقليد وبين الاحتياطات الصغروية في كتب الفقه مع ان عمدة ادلتهم لمنع الاحتياط المطلق او بطلانه تجري في كافة الصغريات (اي في الاحتياطات المفتى بها ), وهذا الاشكال عبر عنه الوالد رحمه الله ب(نعم بعض ادلة حرمة الاحتياط كاخلاله بقصد الوجه ونحوه ات هنا) وقد اجبنا عن ذلك ضمنا ولمزيد التوضيح ونقول:الظاهر انها لا تجري في المقلد وفي عمله باحتياطات الرسالة العملية فمثلا الاشكال الاساسي في الاحتياط في المعاملات هو ان المحتاط يفتقد لقصد الانشاء لأنه لا يدري هل ان لفظة (انكحت) يقع بها الزواج ام لفظة (زوجت) فاذا قال انكحت فكيف يقصد الانشاء والانشاء ايجاب والايجاب لا يعقل فيه الترديد؟ فنقول هذا لا يجري في المقلد لأنه عندما يقلد في هذه المسألة فانه حيث يرى في الرسالة العملية : اجمع بين لفظتي (انكحت وزوجت) فانه سيقصد بكلا الصيغتين الانشاء ويجزم بالنية ولا يلتفت للخلفيات لهذا المبحث فان العالم بالخلفيات يعلم بان هذا لا يتأتى منه الانشاء فكيف ينشئ؟ اما المقلد الذي يعمل بالرسالة العملية فهو غافل عن هذه الشبهة فيقصد وقوع العقد بكلا اللفظين ، وكذلك الحال بالنسبة لقصد الوجه والتمييز فان المكلف عندما يصلي احتياطا الى جهتين اوجبهما المرجع في الرسالة العملية عند اشتباه القبلة فهو لا يلتفت الى انه كيف يقصد الامر ولايقين به ؟ بل حيث انه يتبع قول المجتهد بالجمع فانه يرى ان الصلاة الى هذه الجهة مأمور به وكذا الى تلك الجهة ولا يلتفت الى فلسفة امر الفقيه بالجمع وان الصلاة الى كلتا الجهتين لا امر قطعي فيها بل احتمال امر.
والحاصل : ان المقلد يتعامل مع الفتوى الاحتياطية معاملة قطعية ولا تردد عنده لا في قصد الوجه والتمييز ولا في قصد الانشاء ويرى كلام المرجع هو الامر وانه امر الله وانه حيث يقول له احتط ويجب عليك الجمع فان عليه ان يجمع امتثالا لهذا الامر .
وهذا الجواب بنفسه يجاب به على الفقه لأنه ذكر ان بعض ادلة المنع جارية لكن تبين انها غير جارية , وهذا هو الوجه الاول لبيان الفقه في رد ماذكره الفقه
وحاصل ذلك كله ان (الفقه) يطلق الصحة و(البيان) يطلق عدم الصحة في الصغريات ، ونحن نقول بالتفصيل:وان المقلد عندما يتصفح الرسالة العملية ويجد فيها العشرات من الاحتياطات فحاله بين امرين : فتارة يكون في احتياطاته ملتفتا لوجه الاحتياط والدليل عليه, وتارة يكون مستندا فقط الى ما مذكور في الرسالة
فان كان ملتفتا(كبعض الافاضل) فهو عندما يتمسك بالاحتياط يتمسك به كاحتياط لا كتقليد فهو عندما يقرأ في الرسالة مثلا (الاحوط الجمع بين القصر والاتمام) يعلم ان المجتهد متردد وانه يسوغ له بهذا التردد اما العمل به كاحتياط او الرجوع الى المفضول وان هذه صغرى كبرى الاحتياط فهو ملتفت لوجه الاحتياط فاذا كان ملتفتا لذلك فالاشكالات الواردة على الكبرى الكلية للاحتياط تجري عليه لأنه وجدانا لا يستطيع ان يقصد الوجه ولا التمييز في العبادات وغير قاصد للانشاء في المعاملات-على ما قيل-
اما القسم الاخر من المقلد وهو العامي المحض فهو لا يعمل بهذا الاحتياط باعتبار انه صغرى كبرى الاحتياط ، بل يعمل به –في ارتكازه- لأنه صغرى كبرى التقليد فلا تجري تلك الاشكالات في حقه فيقصد الوجه والتمييز ويكون منشئا في المعاملات
اذن التفريق بين كلي الاحتياط والاحتياط المصداقي (في القسم الثاني منه) في محله ، ولذا للفقيه ان يستشكل على الكبرى الكلية في نفس الوقت يدرج الاحتياطات في رسالته العملية لكي يعمل بها المقلد (من باب التقليد لا من باب الاحتياط) .
واذا اتضح هذا الوجه سيتضح الجواب على اشكال (بيان الفقه) على الميرزا النائيني وانه لماذا في تعليقته على المسألة الرابعة في العروة قيد بينما اطلق في تعليقته على المسألة الثالثة والستون فهذا تهافت لكن بما تقدم من كلامنا الاخير يتضح الفرق وانه لا تهافت وسيأتي توضيحه .
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .... |