• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 395- تتمة البحث السابق ومناقشة الاحتمالات .

395- تتمة البحث السابق ومناقشة الاحتمالات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(395)

 

سبق الكلام عن بعض المحتملات في (الباطل) في قوله تعالى (بِالْباطِلِ) وسنجد انها تصل إلى أربعة عشر محتملاً مع ما نضيفه إليها لاحقاً – ومزيد توضيحها والاستدلال لها والمناقشة، كما سيأتي:

 

الدليل على إرادة الباطل الواقعي والردّ

(1- ان المراد به الباطل الواقعي؛ استناداً إلى كون الأصل في الأسماء انها موضوعة لمسمّياتها الثبوتية)([1]) وذلك على كلا مبنيي أ- الأسماء موضوعة للأعيان الخارجية مباشرةً بان يكون وضعها كوضع الأعلام الشخصية إذ يوضع لنفس هذا المولود اسم زيد – مثلاً – دون توسط وضعه لصورة ذهنية ثم دلالتها عليه، ب- ومبنى انها موضوعة للمفاهيم أو الكليات الطبيعية كمرائي للحقائق الخارجية وان الواضع تصوّر معنى للفظ الإنسان وهو الحيوان الناطق مثلاً فوضع لفظ الإنسان له لكن لا بما هو هو بل بما هو مرآة للأفراد الخارجية، عكس المبنى الأول الذي لا ينكر ان الواضع تصور المعاني والكليات الطبيعية لكنه يقول انه إذ تصورها وضع اللفظ لما بازائها من الأفراد الخارجية لا لها كمرائي لها([2]).

بعبارة أخرى: هل وَضَعَ الواضعُ الأسماء للأمور الخارجية المنكشفة لنا بمفاهيمها في أذهاننا أو وضعه لمفاهيمها الكاشفة عنها؟ والثمرة تظهر في مواطن عديدة كما فصّل في محله.

وعلى أي فانه على كلا المبنيين فان المراد من (الباطل) وسائر الألفاظ (الواقعي) اما مباشرةً أو بواسطة مفهومها.

وقد يشكل على ذلك بانه إحالة إلى المجهول إذ نهى الله تعالى – على هذا – عن أكل المال بالباطل الواقعي والباطل الواقعي لا نعلمه! ولكنه مردود بانه معلوم بوجهِهِ وهو العرف، أو فقل ان مرآة الواقع هو العرف.

وعمدة المناقشة على هذه الدعوى، قوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ)([3]) ولسان القوم هو المعنى العرفي لا المعنى الواقعي، بعبارة أخرى: قومه – وسائر الناس – يريدون بالألفاظ ما يفهم منها عرفاً أي معانيها العرفية باعتبارها جسراً إلى المعاني الواقعية لا معانيها الواقعية مباشرة، بعبارة أخرى: الواضع يضع الألفاظ لمعانيها الواقعية، اما السامع فانه يفهم منها معانيها العرفية بل وكذا حال المستعمِل. فتأمل([4]).

 

الدليل على إرادة الباطل الشرعي والجواب

كما سبق: (2- ان المراد الباطل الشرعي؛ لأنه مما لا يعلم كونه باطلاً من عدمه إلا من قبله)([5]) لأن الإسلام دين جديد غيّر الكثير جداً من المعادلات والأحكام بل غيّر قسماً من البديهيات لدى قريش كالبنوة بالتبني وغير ذلك، فكل مصطلح ولفظ يلفظه فلا بد ان يراد به الشرعي منه إلى ان يثبت خلافه.

والجواب: ان الظاهر عدم ثبوت حقيقة شرعية للباطل بل لم يقل بذلك أحد، والقاعدة ان كل لفظ ثبت تصرف الشارع فيه بنقل أو وضع جديد لأصله أو بزيادة ونقيصة فيه، كلفظ الصلاة مثلاً، فهو المرجع فيه، والمراد والمعنى يؤخذ منه، وإلا فان الأصل استعمال الشارع الألفاظ كما يستعملها العرف ويدل عليه تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ).

 

الدليل على إرادة الباطل اللغوي والمناقشة

(3- ان المراد الباطل اللغوي؛ لأنهم أهل الخبرة)([6]) فكما ان المرجع في كل شأن من الشؤون هم أهل الخبرة، كالرجوع في المسائل الطبية والهندسية والكيماوية وغيرها للطبيب والمهندس والكيماوي وهكذا، فكذلك المرجع في معاني الألفاظ هم أهل الخبرة بها وهم اللغويون.

وفيه: ان كلام اللغوي حجة على الجاهل بها وعلى الشاك وليس حجة على أهل اللغة بأنفسهم فيما عرفوه بتلقيهم إياه عن جيلهم عن الجيل السابق عن الأسبق وهكذا يداً بيد.

توضيحه: ان آحاد الناس – من أبناء تلك اللغة – هم أهل خبرة في معاني الألفاظ إذ ان كل واحد منّا منذ ان ولد إلى ان نمى وترعرع سمع والديه وأقرباءه وجيرانه وأصدقائه وشركاءه وغيرهم يستعلمون ألفاظاً في معاني بقرائن حالِيّة أو مقالِيّة وفي معاني أخرى لا بقرينةٍ، فعرف الحقائق والمجازات من ذلك، معملاً في ارتكازه قواعد التبادر وصحة الحمل وغيرها، فهو – على هذا – عالم بالمستعمل فيه والموضوع له، واما اللغوي فانه لم يزد على أن تتبَّعَ موارد الاستعمال – وهذا حسي إذ سمع ورأى – وأعمَلَ حدسه بملاحظة علائم الحقيقة الأربعة (بناءً على انه أهل خبرة بالوضع أيضاً([7]) لا بالاستعمال فحسب) فاللغوي – على هذا – مجرد كاشف عن الفهم العرفي فالمقياس العرف لا اللغة والمرجع العرف لا اللغة، وإنما يرجع إليها الجاهل بالعرف ليعرفه([8]) فالمراد بالباطل الباطل العرفي لا اللغوي إذ لا موضوعية للغة بل شأنها الطريقية المحضة لكشف المعاني العرفية.

 

الدليل على إرادة عرف قريش والمتكلّم

(4-9- المراد الباطل العرفي وفي هذا محتملات ست:)([9]) والمستظهر ان المرجع هو عرف قوم الرسول صلى الله عليه واله وسلم أي قريش وأهل مكة، لا سائر الأعراف ولا العرف العام لكل الملل في زمنه صلى الله عليه واله وسلم إلا ما كان منه مرآة لعرف قريش؛ وذلك لقوله تعالى (بِلِسانِ قَوْمِهِ) ولم يقل جل اسمه: بلسان العرف العام أو الغالب أو الأعراف الأخرى، إضافة إلى ان سيرة العقلاء على ذلك فان كل إنسان يولد في بيئةٍ فانه يتكلم بنفس ما يتكلمون به – عادةً – ولو أراد غير ذلك كان عليه إقامة القرينة.

ومن هنا استظهرنا في القراءات واللهجات، ان الأصل في القرآن الكريم قراءة أهل الحجاز وقريش خاصة، وان المرجع في الحروف، ككيفية النطق بالضاد في (الْمَغْضُوبِ) و(الضَّالِّينَ) هو لهجة أهل الحجاز لا أهل مصر أو العراق فان أهل العراق ينطقون الضاد كالظاء وأهل مصر ينطقوها زاءً وأهل الحجاز ينطقونها بين الظاء والدال) وذلك لبداهة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان ينطق بلهجة أهل الحجاز وقريش لا بلهجة أهل العراق أو مصر، فان سيرة كافة من ولد في قوم على ذلك، ولو عكَسَ عاكسٌ بانَ ونُقِل واشتهر عنه مخالفته لقومه في نطقه.

ولهجة أهل الحجاز الآن مرآة لهجتهم في الماضي، ككافة الأقوام، والتغير نادر أو قليل وهو المحتاج للدليل – وللبحث صلة بإذن الله تعالى.                            

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً)) (الكافي: ج1 ص23).

 

 

-------------------------------------------

([1]) الدرس (394).

([2]) لا للمفاهيم كمرائي للأفراد.

([3]) سورة إبراهيم: آية 4.

([4]) سيأتي وجهه بإذن الله تعالى.

([5]) الدرس (394).

([6]) الدرس (394).

([7]) كما هو المنصور.

([8]) أي العرف والمعنى العرفي.

([9]) الدرس (394).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3555
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 7 شوال 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28