• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 407- 4- من باب الإعانة على الاثم ووجه جديد في ذلك .

407- 4- من باب الإعانة على الاثم ووجه جديد في ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(407)

 

4- ان التحريم، لكونها إعانة على الإثم

الوجه الرابع: ان يقال: ان وجه تحريم بعض الفقهاء لبيع السلاح لعامة الناس في فترة خاصة أو مطلقاً، أو التذاكر لمن يسافر إلى بلدٍ كفار حربيين([1]) أو من يسافر للدراسة في جامعة يغلب على الظن (أو حتى يحتمل عقلائياً) فيها انحرافه([2])، أو من يبني أو يبيع (لشخصٍ السينما يعرض فيها دائماً أو غالباً أو كثيراً ما، برامج مفسدة أخلاقياً أو عقائدياً، قد يكون كونه من الإعانة على الإثم، وقد سبق البحث مفصلاً حول حرمته والأدلة عليه والمناقشات والأجوبة([3]) فبناء على قبول كبرى ان الإعانة على الإثم حرام، يكون ذلك من وجوه تحريم تلك الأمور وأشباهها، وقد سبق ان مثل بيع العنب ممن يعمله خمراً وكذلك نظائر المقام، على أقسام: ان يبيعه بشرط ان يتوصل به إلى الحرام كـ(ان يعمله خمراً ليشربه) وان يبيعه بقصد ان يعمل به الحرام، وكلاهما حرام بلا خلاف ولا إشكال كما قال الشيخ قدس سره في المكاسب.

والصورة الثالثة: ان يبيعه ممن يعلم انه يعمله خمراً (لا بشرط ان يعمله ولا بقصد ان يعمله) فهذا هو مورد الكلام، ونضيف أيضاً: ان يبيعه ممن يظن ظناً معتبراً انه يعمله خمراً وأيضاً: ان يبيعه ممن يظن ظناً راجحاً بل وأيضاً: ان يبيعه ممن يحتمل احتمالاً عقلائياً انه يعمله خمراً (أو يتخذ السينما وسيلة للإفساد، أو السلاح للجرح، أو السفر للفساد والإفساد) فقد ذهب الأكثر، كما قال الشيخ، إلى عدم حرمة ان يبيعه ممن يعلم ان يعمله خمراً (أقول: فكيف([4]) بمن يظن ظناً غير معتبر؟ ثم كيف بمن يحتمل فقط انه يستعمل في الحرام؟).

 

وجه عدم الحرمة ان المقدمة مشتركة، والروايات

ووجه عدم الحرمة: ان المقدمة مشتركة بين المعصية وغيرها وان الروايات المستفيضة تدل على عدم الحرمة، قال الشيخ: (أمّا لو لم يقصد ذلك، فالأكثر على عدم التحريم، للأخبار المستفيضة، منها: خبر ابن أُذينة، قال: ((كَتَبْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ كَرْمٌ أَيَبِيعُ الْعِنَبَ وَالتَّمْرَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَمْراً أَوْ سَكَراً؟ فَقَالَ عليه السلام: إِنَّمَا بَاعَهُ حَلَالًا فِي الْإِبَّانِ الَّذِي يَحِلُّ شُرْبُهُ أَوْ أَكْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ))([5]) ورواية أبي كَهْمَس، قال: ((سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْعَصِيرِ فَقَالَ: لِي كَرْمٌ وَأَنَا أَعْصِرُهُ كُلَّ سَنَةٍ وَأَجْعَلُهُ فِي الدِّنَانِ وَأَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَغْلِيَ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ غَلَى فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ ثُمَّ قَالَ: هُوَ ذَا نَحْنُ نَبِيعُ تَمْرَنَا مِمَّنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَصْنَعُهُ خَمْراً))([6]) إلى غير ذلك ممّا هو دونهما في الظهور)([7]).

 

وجوه التحريم

ولكن قد يقال بالحرمة([8]) لاحدى الوجوه التالية:

 

إذا كانت المقدمة منحصرة

أولاً: ما لو كانت المقدمة منحصرة في الأداء للمحرم، وهي الصورة التي ذكرها الشيخ بقوله: (ثمّ إنّه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليه بين ما ينحصر فائدته ومنفعته عرفاً في المشروط المحرّم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب أحد، فإنّ ملكه للانتفاع بها في هذا الزمان ينحصر فائدته عرفاً في الضرب وكذا من استعار كأساً ليشرب الخمر فيه.

وبين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمّار للعنب، فإنّ منفعة التمليك وفائدته غير منحصرة عرفاً في الخمر حتّى عند الخمّار فيعدّ الأوّل عرفاً إعانة على المشروط المحرّم، بخلاف الثاني)([9]).

فلو كان مبنى الفقيه ذلك فانه لا يحرم إلا خصوص السينما أو السفر الذي تنحصر مضرته عرفاً في المشروط المحرَّم.

 

إذا كانت غالبية الإيصال

ثانياً: ما نضيفه وهو: ما لو كانت هذه المقدمة غالبية الإيصال لتلك المفسدة أو المضرة، والمستند: انه مع غالبية الإيصال يصدق عنوان الإعانة على الإثم، بل لو صدق مع أقلّية الإيصال حرم، وإنما يخرج مورد الروايات بها (أي بالدليل الخاص) مع عدم عمومٍ فيها – كما سيأتي غداً بإذن الله تعالى.

 

إذا كانت عِلّة إعدادية نوعاً عرفاً

ثالثاً: ما نضيفه أيضاً – قسيماً للوجه الثاني أو معه، فتدبر – ما لو كان هذا العنوان (كالسفر، أو بيع السلاح، أو بناء السينما و....) مما يعد عرفاً عِلّة إعدادية لذلك العنوان المحرم أو فقل: إذا كان إعانة عرفاً على ذلك العنوان الآخر الأعم من كونه سبباً له أو عِلّة إعدادية، وذلك كبيع السلاح لأعداء الدين فان عنوان (بيع السلاح لأعداء الدين) يعد عرفاً (إعانة على الإثم) أو فقل يعد عرفاً سبباً.

 

فروق الوجوه الثلاثة

والفرق بين الثاني والثالث: ان الثاني يشترط أغلبية الإيصال، اما هذا الوجه فلا يشترط أغلبية الإيصال بل مجرد العِلّية الإعدادية لأحد العنوانين للآخر، فيشمل حتى ما لو كان أقليَّ الإيصال أو متساويه، والسبب ان قوة المادة قد تعوّض في أذهان العرف عن النسبة الكمية، ويتضح ذلك بمثال آخر فان الأب لو وضع ابنته في متجر أو محل أو مدرسة يحتمل فيه الزنا بها والعياذ بالله حتى بنسبة ثلاثين في المائة فان العرف يجدونه سبباً في زناها مع انه ليس إلا عِلّة إعدادية ومع ان الاحتمال 30% مثلاً.

وفرق هذا الوجه عن وجه الشيخ انه قيّد بالمنحصرة اما هذا الوجه فهو أعم ويشمل الغالبية الإيصال بل والأقلية مادام العرف يرى الترابط بين العنوانين، ويظهر الفرق في انه قدس سره قال (ولعلّ من جعل بيع السلاح من أعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة على المحرّم وجوّز بيع العنب ممّن يعمله خمراً كالفاضلين في الشرائع والتذكرة وغيرهما نظر إلى ذلك)([10]) فقيّده بحال الحرب، اما على الوجه الثالث فيحرم بيع السلاح مطلقاً من الكافر الحربي، كإسرائيل مثلاً، حتى إذا لم تكن حالة قيام الحرب، بل حتى لو كان احتمالها ضئيلاً جداً، فيما إذا عدّ عرفاً إعانة على الإثم.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((مَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَيْهِ حَيَّيْنِ وَمَيِّتَيْنِ يُصَلِّيَ عَنْهُمَا وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُمَا وَيَحُجَّ عَنْهُمَا وَيَصُومَ عَنْهُمَا فَيَكُونَ الَّذِي صَنَعَ لَهُمَا وَلَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَيَزِيدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبِرِّهِ وَصِلَتِهِ خَيْراً كَثِيراً)) (الكافي: ج2 ص159).

 

 

-----------------------------------------------------------

([1]) إسرائيل مثلاً.

([2]) كجامعة السوربون مثلاً.

([3]) ومنها ان من الأدلة قوله تعالى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى‏ وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) وذكرنا أجوبة خمسة عن إشكال عن الإعانة غير التعاون فراجع.

([4]) أي عند هؤلاء.

([5]) الكافي: ج5 ص231.

([6]) الكافي: ج5 ص232.

([7]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، الناشر: نشر آرموس (اسماعيليان): ج1 ص47.

([8]) إلا في خصوص مورد الرواية، بل على بعض الوجوه الآتية، في بعض صور موردها أيضاً، فتدبر.

([9]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، الناشر: نشر آرموس (اسماعيليان): ج1 ص52.

([10]) المصدر نفسه.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3597
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 2 ذي القعدة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16