• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 101- وجه جواز الرجوع لإحتياطات أو فتوى مفضول المفضول، ووجه العدم -هل إستحباب الاحتياط المقترن بالفتوى عقلي او شرعي؟ .

101- وجه جواز الرجوع لإحتياطات أو فتوى مفضول المفضول، ووجه العدم -هل إستحباب الاحتياط المقترن بالفتوى عقلي او شرعي؟

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم 
كان الكلام في مسائل الاحتياط وبقيت هنا مسائل منها:ان الاعلم لو احتاط فقد سبق انه يجوز عندئذ الرجوع الى احتياط المفضول ، لكن لو ان المفضول ايضا احتاط باحتياط مخالف لاحتياط الاعلم فهل يجوز الرجوع لمفضول المفضول ام لا؟ولو فرض انه ايضا احتاط باحتياط مخالف للاحتياطين السابقين فهل يمكن الرجوع لرابع؟ وهكذا... 
ولكن قبل ذلك نتسائل عن امكان تصوير ذلك اي كيف يتصور الاحتياط متخالفا في الطرفين بل كيف تكون ثلاثة احتياطات متخالفة؟ مثلا لو دار الامر بين تسبيحة واحدة وثلاث تسبيحات فالاحتاط باتيان الثلاث لكن التسبيحة الواحدة ليست احتياطا؟ 
والجواب:انه يمكن تصوير ذلك في الاحتياطات النسبية بل يمكن تصويره في الاحتياطات غير النسبية ايضا. 
أما في الاحتياطات النسبية فذلك كما لو احتاط الاعلم بكون الكر هو ما كان مكعبه 43شبرا الا ثمن شبر واحتاط المفضول بكون الكر هو 36شبرا واحتاط مفضول المفضول بكونه 33شبرا كما هو رأي الشيخ العراقي مع احتمال كون الكر ما كان مكعبه 27 شبرا, فهنا ثلاث احتياطات لكنها نسبية لأن احتياط الاعلم هو بالنسبة لما هو اقل منه وهو36شبرا واحتياط المفضول هو بالنسبة لما هو اقل منه وهو 33شبرا ، لا لما هو الاكثر منه اذن فتصويره في الاحتياطات النسبية واضح ، اما في غير الاحتياطات النسبية فالظاهر انه يمكن ايضا وذلك كما لو تعارض الاقرار بالجرم مع البينة على الخلاف ، كما لو اقر انه سرق -بشرائط السرقة- فاستحق اقامة الحد ثم قامت بينة على ان السارق غيره فاحتاط الاعلم بتقديم الاقرار على البينة لارجحيتها لقوله تعالى (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره)فهو الاعرف بنفسه وما فَعَلَت، واحتاط المفضول بتقديم البينة على الاقرار لأنه المطابق للضابطة القانونية التي شرعها النبي الاكرم صلى الله عليه واله(انما اقضي بينكم بالايمان والبينات) ولان البينة العادلة ابعد عن احتمال الكذب والخطأ لان المقر قد يكذب لتبرءة السارق الحقيقي كما لو كان ابنه او اباه مثلا اما البينة فتقوم على وجود شاهدين عدلين فهي ابعد عن احتمال الكذب والخطأ ، اما مفضول المفضول فاحتاط بالرجوع الى الاحكام اللاحقة واسقاط الحد لأن الحدود تدرا بالشبهات فلا تقطع يده (ولو استجمعت الشرائط ال(44) والتي يندر اجتماعها) فاحتاط بسقوط الحد والرجوع الى التعزير ,وكما لو اقر بانه قاتل وقامت بينة على ان غيره هو القاتل واحتاط مفضول المفضول بسقوط القصاص والرجوع الى الدية وذلك مع قطع النظر عن وجود رواية صحيحة خاصة بمورد القتل مفادها اجمالا التخيير ، اذن يمكن تصوير ذلك على كلا النحوين . 
وقد اوضحنا سابقا ان الحكم على القاعدة وانه يجوز العدول من احتياط الاعلم لا الى المفضول فحسب بل الى احتياط مفضول المفضول . 
اللهم الا ان يقال: بان الظن الحاصل من احتياط الاعلم المعتضد باحتياط المفضول اقوى من الظن الحاصل من احتياط المفضول المخالف لاحتياط المفضول الاخر فلا يصح الرجوع اليه ، بل ان هذا الاشكال يسري الى المبحث السابق وان الاعلم لو احتاط ووجد مفضولان متساويان وتخالفا في الفتوى فقد ذكرنا سابقا بانه يجوز الرجوع الى اي منهما (على القول بالتخيير لا التساقط) فان هذا الاشكال يسري الى ذلك المبحث اذ يقال :ان احتياط الاعلم معتضد بفتوى احد المفضوليين فلا تخيير بل يتعين الرجوع الى فتوى المفضول المعتضدة فتواه باحتياط الاعلم المطابق له وبتعبير اخر قد يدعى:انه عندما توكل هذه القضية الى العرف بل الى بناء العقلاء فانهم يرون ان فتوى هذا المساوي يطابقها احتياط الاعلم فتركن انفسهم اليه ويكون الظن النوعي الحاصل من قول هذا المفضول اقوى من الحاصل من قول المساوي المخالف له بالفتوى , فهل هذا الاستدراك في محله؟ ولو بنينا عليه سوف يختلف الحكم عما تقدم بيانه في تلك المسألة وفي هذه المسألة،الظاهر انه يمكن المناقشة فيه من جهتين: 
الجهة الاولى :تبتني على مبحث مبنائي وهو هل نتعدى من المرجحات المنصوصة الى غيرها ام لا؟ 
الشيخ الانصاري في مبحث تعارض الخبرين ارتأى التعدي من المرجحات المنصوصة في الروايات الى مطلق ذي المزية , لكن العديد من الاعلام رفضوا هذا التعدي وان هذا قياس وان الملاكات الواقعية للاحكام الشرعية والحجج الشارعية ليست بايدينا فلا يصح التعدي. 
إذن الاشكال الاول مبنائي فاذا لم نقل بالتعدي عن المرجحات المنصوصة الى غيرها هناك فلا مجال لتعديتها هنا لأن مورد النص هو الروايتين المتعارضتين والمقام تعارض الفتويين المعتضدة احداهما باحتياط الاعلم . 
الجهة الثانية :تبتني على اشكال بنائي فقد يقال كما قيل:انه عند الرجوع الى العرف بل الى بناء العقلاء فاننا نجد ان ذا المزية ارجح لكن لا الى حد المنع من النقيض كما نقول ذلك في كل مبحث تخالفت فيه فتويان الاعلم وغير الاعلم اذ لا شك بان رأي الاعلم ارجح لكنه ليس بدرجة المنع من النقيض فان بناء العقلاء في مختلف العلوم على الرجوع الى غير الاعلم كالرجوع اليه الا لو فقدت الثقة بالكامل بالمفضول ، لكنهم في الحالات العادية يرجحون الذهاب للاعلم من دون منع من الرجوع الى غيره ، والمقام كذلك فلو تعاضدت فتوى احد المتساويين باحتياط الاعلم فهو مرجح لكنه مرجح ندبي وليس وجوبيا اي ليس مانعا من النقيض ، وخلاف ذلك عهدته على مدعيه ، وهذا بحث يحتاج للتأمل لأنه يعود الى المبحث الكلي وهو وجوب تقليد الاعلم ، وان ذا المزية هل يلزم عقلا او شرعا الرجوع اليه ؟ وهل ذلك موجب لتعين الاعلم ام لا؟سيأتي تحقيقه في محله ... 
المسـألة64من العروة ( الاحتياط المذكور في الرسالة اما استحبابي وهو ما اذا كان مسبوقا او ملحوقا بالفتوى ) اي ان ان الاعلم او غيره لو افتى فاحتاط ، او انه احتاط فافتى اي كلما كان الاحتياط مسبوقا او ملحوقا بالفتوى ، فهو احتياط استحبابي وهذه المسألة واضحة ومعروفة لكن تحليلها يحتاج للتدبر وانه ما معنى هذا الكلام وانه ماذا يعني الاحتياط الاستحبابي ؟ وذلك كما لو افتى المرجع بان خمس عشرة رضعة محرمة لكنه احتاط بمحرمية عشر رضعات فهذا الاحتياط هو استحبابي لكن ماذا يعني استحباب هذا الاحتياط ؟ اي هل ان هذا الاستحباب هو استحباب عقلي ام شرعي ؟ وما وجه كل منهما ؟ ثم ما هو الفارق بينهما؟ 
السيد العم في (بيان الفقه) تطرق لهذه المسألة ونحن بتوضيح واضافة وتغير نذكر ما هو المختار في المقام وسندمج الجواب عن السؤالين فنقول : الاحتمال الاول ان يكون هذا الاستحباب شرعيا وذلك لاحد وجوه ثلاثة فان تمت فالاستحباب شرعي والا فهو عقلي . 
والفرق بين الاستحباب الشرعي والعقلي امران: 
الاول:ان الحاكم بها ان كان هو الشارع فالاستحباب شرعي والا كان عقليا نظير البراءة العقلية والشرعية فان كان مدرك البراءة (قبح العقاب بلا بيان) فهي عقلية وان كان مستندها ومدركها (رفع ما لا يعلمون)فالبراءة شرعية هذا هو الفرق الاول في المنشأ والمدرك . 
وفي المقام : ما هو مدرك الاحتياط الاستحبابي ؟ قد يقال ان المدرك هو الشرع بدعوى ان عمومات ادلة الاحتياط تشمل كل هذه الصغريات كقوله عليه السلام(ارى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتاخذ بالحائطة لدينك )على تفصيل ونقاش في الاستدلال بهذه الرواية يترك لمحله او الرواية المعروفة(اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت) والجامع ان ذلك موقوف على اثبات الصغرى والكبرى اما اثبات الصغرى فبالقول بان الاوامر الواردة في شأن الاحتياط هي مولوية (بأن نستظهر منها ذلك) . 
واما اثبات الكبرى فقد تقدم منا ان ما صدر من المولى بما هو مولى معملا مقام مولويته فهو مولوي سواء اكان ندبا او وجوبا فاذا قبلنا هذا الكبرى واستظهرنا ان (اخوك دينك فاحتط لدينك)صادر من الامام عليه السلام بما هو مولى لا بما هو ناصح فالوجه الاول يتم والا فلا هذا هو الوجه الاول وعليه فان احتياطات الاعلم وغيره يستحب العمل بها شرعا لصدور الامر بها من الشارع فتكون مثل استحباب صلاة الليل فهي مستحب شرعي وليس عقلي ، وبهذا يظهر وجه اخر للفرق وهو: 
الفارق الثاني بين الاستحباب العقلي والشرعي: ان على امتثال الاستحباب الشرعي يترتب الثواب اما امتثال الاستحباب العقلي فلا ثواب في امتثاله اذ العقل يلزم او يحبذ الاحتياط لما فيه من ادراك المصلحة الملزمة او تجنب المفسدة لكنه لا يثيب ولا يعاقب ، اما المولى بما هو مولى فانه اذا الزم سيثيب على الاطاعة ويعاقب على المخالفة ، هذا هو الوجه الاول لكون استحباب الاحتياط شرعيا اي مولويا ويأتي الكلام في بقية الوجوه ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .... 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=361
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 2 جمادي الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23