• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 236- تتمة البحث السابق والوجه المقترح للحل .

236- تتمة البحث السابق والوجه المقترح للحل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(236)

 

اتصاف كل من الثلاثة (جواز قلع العَذق) بالضرري أو نقيضه

ويمكن بيان انطباق قوله عليه السلام (لا ضرر ولا ضرار) على مورد رواية سمرة بالنحو الآتي وهو: ان كلّاً من الأمور الثلاثة في شبه جملة (جواز قلعِ العَذق) مما يصلح هو أو نقيضه بان يوصف بالضرري وغير الضرري بل بالضار والنافع أيضاً؛ إذ يمكن وصف عدم جواز قلعها بالضرري ووصف جواز القلع بانه رافع للضرر، والجواز والحرمة تشريعيان، كما يمكن وصف القلع بانه رافع للضرر أو نافع وعدمه بانه ضرري، والقلع وعدمه تكوينيان، كما يمكن وصف وجود العَذق وعدمه بالضرري وعدمه فوجوده ضرري وعدمه غير ضرري أو رافع أو دافع للضررعليه السلام

وبذلك يتضح ان (القلع) صغرى رافع الضرر تكويناً وان تجويزه صغرى رافع الضرر تشريعاً، فيصح تعليل (إقلعها) بـ(فانه لا ضرر ولا ضرار) إذ به يرفع الضرر سواء أفسرنا (إقلعها) بـ: (أجيز لك قلعها) أم بـ(أسلِّطك على قلعها)([1]) والأول تكليفي والثاني وضعيعليه السلام

 

قلع النخلة أقل ضرراً من إعدامها

والحاصل: انه حيث وقع كل من وجود العَذق وعدم قلعه وعدم جواز إعدامه أو قلعه، في سلسلة العلّل الطولية الإعدادية للضرر، صح نسبة الضرر إليه، فشمله التعليل بلا ضرر فيصح إعدامه، وقلعه، لكن الثاني أقل إضراراً بالمالك وبه يندفع ضرره واعتداؤه على الانصاري لذا جاز القلع ولم يجز إعدام الشجرة بإحراقها مثلاًعليه السلام

وبعبارة أخرى (عدم جواز قلع العذق) ضرري، لأنه واقع في سلسلة العلّة المعدة للضرر، فيرفعه لا ضرر فيجوز القلععليه السلام

 

هل حرمة القلع ضرري أو عدم جوازه؟

لا يقال: ذلك أكلٌ من القفا؛ إذ الأسلس ان يقال (حرمة قلع العذق) ضرري، فيرفعها لا ضرر، والحرمة أمر وجودي عكس (عدم جواز قلع العَذق) فلا يتم الاستدلال بالرواية على شمول لا ضرر لأعدام الأحكامعليه السلام

إذ يقال: ذلك وإن صح لكن ظاهر الرواية بل نصّها تعليل (إقلعها) بـ(فانه لا ضرر ولا ضرار) وظاهر ذلك انه صلى الله عليه واله وسلم سلَّطه على قلعها معلّلاً بلا ضرر فلا ضرر انشأت للانصاري سلطنة على القلع لأن عدم سلطنته عليه ضرر، ومن هذا الحكم الوضعي ينتزع الحكم التكليفي وهو جواز القلع بالبداهةعليه السلام

والحاصل: ان ظاهر (إقلعها) ليس رفعتُ الحرمة عن القلع ببركة لا ضرر كي يقال ان لا ضرر أفاد رفع الحكم الوجودي، بل ظاهره جعلت لك سلطة قلعها أو غاية الأمر جعلت لك جواز قلعها فان عدمهما ضرري ولا ضرر ولا ضرارعليه السلام  فتأمل([2])عليه السلام

 

الوجود ليس سبب الوجود لكن العدم سبب العدم

ثم انه إن سلّمنا ان وجود العَذق وبقائه ليس ضررياً أي ليس وجوده سبب الضرر (بل دخول سمرة بلا استئذان سببه فلا يصح تعليل جواز قلعه بلا ضرر) ولكن عدمه سبب عدم الضرر فيصح الحكم بعدم إبقائه أي بإزالته لأنه رافع للضرر ويصح تعليل تجويز عدم إبقاء العَذق وإزالته بلا ضررعليه السلام

توضيحه: ان الوجود قد لا يكون علّة للوجود، لكن العدم يكون علّة العدم، إذ وجود بعض أجزاء العلّة ليس علّة الوجود (بل جزء علّته فإذا لم تتوفر سائر الأجزاء لم يتحقق المعلول) لكن عدم أي جزء من أجزاء العلّة (الأجزاء العرضية والطولية) علّة لعدم تحقق المعلول؛ فان وجود المعلول يتوقف على سدّ كافة أبواب العدم (وقد تكون مائة أو ألف) لكن عدمه يكفي فيه فتح أحد أبواب العدم، ويوضحه المثال التالي: فان وجود الكتاب لدى زيد ليس علّة تامة لدراسته له إذ قد يكون له الكتاب ولكن من غير ان يدرسه، ولكنّ عدم الكتاب علّة لعدم قدرته على دراسته، وكذلك وجود رأس المال لدى زيد ليس علّة تامة للاسترباح به لكن عدم وجوده علّة تامة لعدم إمكان الاسترباح به، فكذلك المقام: بقاء النخلة قد نسلم بانه ليس علّة للضرر لأنه لا تلازم بين وجودها والضرر (لكن ذلك مبني على دعوى ان العلّة منحصرة في التامة لا الناقصة ومنها المعدّة) لكن عدم بقائها علّة تامة لعدم الضرر، وحيث انه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فيجوز قلعها (الذي به يتحقق عدم بقائها) ليرتفع الضررعليه السلام

 

3- تقيد سلطنة سمرة على العَذق بعدم كونه مضاراً

الجواب الثالث: ما نضيفه صناعياً وهو أسبق رتبة من سابقيه لأن هذا في مرحلة المقتضي وذانِك في مرحلة الرافع، وهو نفي تمامية المقتضي لسلطنة سمرة على إبقاء نخلته في حائط الانصاري، بدعوى ان سلطنته محددة ثبوتاً بعدم كونه مضاراً فإذا صار مضاراً فلا سلطنة له على إبقائها مكانها ولذا جاز للانصاري قلعها فقول صلى الله عليه واله وسلم (إقلعها) لأنه لا سلطة له عليها مادام مضاراً و(فانه لا ضرر ولا ضرار) يفيد نفي سلطنته عليها فيجوز للغير قلعهاعليه السلام

وتحليله: انه لا يخلو حال العَذق من ان يكون سمرة قد اشتراه من الانصاري أو ممن سبقه في الملك (كأبيه أو كالبائع له) أو يكون هو قد باع البستان للانصاري مستثنياً منه النخلة، وفي كلتا الصورتين فان الشرط الارتكازي لسلطنته على إبقاء نخلته حيث هي، هو ان لا يكون مضاراً فهو قيد ثبوتي وكأنه لما اشترى (على الأول) فقد اشتراه مشروطةً سلطنته على إبقائه بان لا يكون مضاراً، وعندما باع واستثنى ملكه للنخلة وسلطنته على إبقائها، فان استثناؤه كان مشروطاً، في ارتكاز العقلاء، بعدم كونه مضاراًعليه السلام

والحاصل: ان مِلكه للنخلة ليس هو الضرري، لذا وجب تسليمها له بعد القلع، بل الضرري هو إبقاؤها في مكانها فلذا جاز قلعهاعليه السلام

لكن هذا المبنى خلاف المشهور ولعله غريب وقد شيدناه في كتاب (حق الخلو) وأوضحنا هناك ان الأملاك التي تقع في الشارع، غصباً على أربابها، قد يفسر([3]) جواز الاستطراق منها بذلك، وكذلك الأراضي والمدارس والبيوت المغصوبة التي وقعت بين الحرمين، فراجع وتدبر وتأمل فانه مشكل ولعله يأتي مزيد توضيحعليه السلام

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: ((مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ الْمُؤْمِنُ فِي حَاجَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سَاقَهَا إِلَيْهِ فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَصَلَهُ بِوَلَايَتِنَا وَ هُوَ مَوْصُولٌ بِوَلَايَةِ اللَّه‏)) (الكافي: ج2 ص196)عليه السلام

 

 

----------------------------------------------------------------------------

([1]) أي سواء أكان (إقلعها) مبنياً على التجويز أو على التسليط.

([2]) لأنه تسليم للإشكال، وحل للمعضل بوجه آخر.

([3]) إضافة إلى تخريج ذلك بان الجواز إنما هو لإذن الفقيه بعد القول بولايته، أو بان الاستطراق جائز لأن العلم الإجمالي غير منجز لخروج الأطراف عن مورد الابتلاء، وفيه: انه يقتضي التفصيل لا إطلاق الجواز.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3628
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 17 محرم 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19