• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 103- رابعاً- موافقته لذي المزيه - معنى استحباب الاحتياط عقلاً - الثمرة بين نوعي الاستحباب .

103- رابعاً- موافقته لذي المزيه - معنى استحباب الاحتياط عقلاً - الثمرة بين نوعي الاستحباب

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 
كان الكلام حول ان الاحتياط المذكور في الرسائل العملية وغيرها قد يكون استحبابيا وهو ذلك الاحتياط المسبوق او الملحوق بالفتوى وذكرنا انه قد يكون شرعيا ويترتب عليه الثواب وقد يكون عقليا فلا ثواب اما وجه كونه شرعيا فقد سبقت وجوه ثلاثة : 
الاول: لكونه مشمولا بروايات الاحتياط مثل (اخوك دينك فاحتط لدينك) بناء على مولويتها الثاني:كونه من موارد قاعدة التسامح في ادلة السنن بناء على افادتها الاستحباب ، الثالث: كونه مطابقا لفتوى المشهور , وهذا كله قد مضى 
الوجه الرابع: وهو ما لو لاحظ الفقيه بان فتوى الافقه على خلاف ما افتى به كما لو افتى هو بالاباحة وافتى الافقه بالوجوب او الاستحباب فيفتي هو بحسب ما استظهره من الادلة ولكن يحتاط باستحباب الاتيان به وذلك مراعاة لأن الافقه او الاورع او الاصدق لهجة او الاعدل (وهي المرجحات المنصوصة في مقبولة عمر بن حنظلة) قد افتى بالاستحباب مثلا فمراعاة لذي المزية يحتاط استحبابا 
وحيث ان هذه المرجحات الاربع مذكورة في الرواية فنرجع الى مبحثنا الكلي وهو ما الضابط في المولوي والارشادي (هذه الكبرى) ومن الاستظهار بان هذه المرجحات الاخذ بها مولوي وليس ارشاديا(هذه الصغرى) فينتج الاستحباب الشرعي في مورده والوجوب شرعا في مورده كما اوضحناه سابقا 
لكن هذا الوجه الرابع موقوف على مقدمتين في بحث مبنائي : 
الاولى:ان نقول بالتعدي عن المرجحات المنصوصة في القاضي والحَكَم الى المفتي والمرجع لأن الرواية تتحدث عن صفات القاضي والحَكَم(الحُكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعهما ) الشيخ الانصاري تعدى والغى الخصوصية للقاضي واعتبرها مرجحات في الروايتين المتعارضتين ايضا ، وبناءا على هذا التعدي منه قدس سره يتعدى ايضا الى الفتويين لملاك الطريقية في (الافقه) فالافقهية والاصدقية لوحظ فيها الطريقية واي فرق بين القاضي والراوي والمفتي ، لكن العديد من الاعاظم منهم السيد الوالد والسيد الخوئي و اخرون لم يقبلوا هذا التعدي بلحاظ انه قياس وان ملاكات الترجيح الشارعية ايضا ليست محرزة لدينا وان كانت الحكمة فيها واضحة . 
المقدمة الثانية: وهي ايضا منوطة بمبحث مبنائي وهي التعدي من الطرف الثالث المخاطب بالترجيح بين القاضيين فان مورد الرواية هو وجود اطراف ثلاثة احدها سائل يستفتي وهو محكوم عليه يسأل عن تعارض حكمين وحاكمين فنتعدى عن هذا الى الفقيه نفسه الذي يلاحظ فتوى للافقه منه على خلاف ما افتى به 
والحاصل انه على مسلك الشيخ من التعدي ومن تنقيح المناط وان الطريقية المحضة لوحظت وان هذا التعدي على القاعدة فيصح والا فلا يصح ، اذن هذا الوجه الرابع يبتني على ذلك المبحث المبنائي فان تم مبنى التعدي من المنصوص الى غيره تم الاستحباب في الاحتياط بهذا الوجه والا فلا يتم ، ثم ان البعض من الاعلام وجّه كون احتياط الفقيه استحبابيا ، بكونه لاجل الخروج عن خلاف من خالفه ، لكن هذا الكلام الظاهر انه ليس بتام وان استند الى كلام (الجواهر) لأن الفقيه لو استظهر بحسب الادلة ان جلسة الاستراحة مثلا ليست واجبة ولا مستحبة فرضا لكنه راى ان غيره قد خالفه فهل هذا يسوغ الاحتياط الاستحبابي ؟ البعض قال نعم ونحن نقول كلا الا بتلك المزايا الاربعة المتقدمة في الرواية وبناءا على التعدي والا فصرف وجود مخالف من غير ان يكون ذا مزية لا يصحح له الاحتياط الاستحبابي ، اذن كلام هذا الفقيه على جلالة شأنه ليس بتام واستشهاده بكلام صاحب الجواهر ليس بتام لأن كلام الجواهر ليس دليلا له بل عليه لان صاحب الجواهر ذكر مزية الشهرة بل ما يكاد يكون اجماعا لا انه احتاط مطلقا لمجرد الخلاف وكلام الجواهر (اجمع الاصحاب الانادرا على عدم وجوب غسله"الصدغ" وظاهرهم انه لا تناله الاصبعان وفي الدروس وجامع المقاصد وعن الذكرى ان غسله احوط ولعله خروجا عن شبهة الخلاف فيكون لذلك مستحبا) فالجواهر ذكر كون الاحتياط استحبايا لكونه يقابل رأي الاجماع او ما يكاد يكون اجماعا فلكي لا يخرج الاحتياط عن سبيل المؤمنين كما في الاية او عن الشهرة فلذلك اعتبره استحبابيا لا وجوبيا ، فتامل ، اما صرف الخروج عن خلاف شخص من الفقهاء بلا مرجح فلا وجه له ، اذن هذه كانت الوجوه المحتملة لاثبات ان الاحتياط الاستحبابي شرعي (والاحتياط الشرعي معروف وهو احد الاحكام التكليفية الخمسة وهو المنصرف للاذهان) لكن ماذا يعني الاستحباب العقلي؟ وما هو وجهه ؟ 
والجواب على ذلك يتضح بمراجعة معنى الاستحباب اللغوي فنحن مأنوسين بالمعنى الاصطلاحي للاستحباب لكن معنى الاستحباب لغة لعله غير معروف ، وهو المراد هنا 
والمراد به الاستحسان فالاستحسان يرادف الاستحباب والمعنى اللغوي الاخر للاستحباب هو( استحبه اي احبه) والمعنى الثالث هو التفضيل نحو قوله تعالى(ذلك بانهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة )اي فضّلوا الحياة الدنيا على الاخرة 
والمعنى الاول (الاستحسان) يفي بالغرض فعندما يفتي الفقيه بعدم تمامية الدليل على جزئيته جلسة الاستراحة فرضا او عدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ثم يقول(الاحوط استحبابا الاتيان بها او به)فاذا قلنا ان هذا الاستحباب عقلي فاه يعني كونه مجرد استحسان عقلي وبتعبير ادق ان العقل يحكم بحسنه من غير منع من النقيض ,توضيح ذلك: 
ان العقل له نوعان من الاحكام :الاول:الحكم بالحسن مع المنع من النقيض كالعدل فالعقل يحكم بحسنه ويوجبه على كل حال 
الثاني: الحكم بالحسن مع عدم المنع من النقيض مثل (الصدق) وكذا (الاحسان) فالعقل يحكم بحسنه لكن لا يوجبه على كل حال 
وفي المقام عندما يقول الفقيه (الاحوط استحبابا كذا) فانه قد يعني ان العقل يستحسن ذلك لكن من دون المنع من النقيض 
ثم انه اذا لم تتم الوجوه الاربعة المتقدمة للاستحباب الشرعي فيكون الاستحباب عقليا وحينئذ يكون رأي الفقيه في الرسالة العملية صرف مرشد، اي انه خرج عن كونه مفتيا وانما يرشدنا الى حكم عقلي ، فقد خرج عن المسألة الشرعية الفرعية الى ارشاد عقلي الى مسألة اصولية وهي ان الاحتياط حسن عقلا وان هذه صغرى لتلك الكبرى ، وهذه نتيجة مهمة في تشخيص ان الفقيه يقول بهذا الاحتياط بما هو مرجع او بما هو مرشد ؟ ولكن ما هي الثمرة في كون الا حتياط الاستحبابي عقليا ام شرعيا؟ 
والجواب ان هناك ثلاث ثمرات : 
الاولى:ان الاحتياط لو كان شرعيا فانه يرجع فيه الى الفقيه بما هو مرجع ويستند اليه ويقلده دينه بذلك(قلدتك ديني) اما اذا كان عقليا فلا اقلده ديني في هذه المسالة ولا اتكل عليه ولا يتحمل مسؤليتي بل هو مجرد مرشد الى حكم العقل فان استقل عقلي بها فاحتاط والا فلا . 
الثانية:استحقاق الثواب وعدمه 
الثالثة:صحة الاتيان بالمشكوك كونه عبادة بعنوان العبادية وعدمه ، فاذا قلنا ان الاحتياط الاستحبابي شرعي فيجوز ان اتي ب(اشهد ان عليا نعم الوصي مثلا) في التشهد لمجرد الاستناد الى رواية ضعيفة والا فلا يجوز توضيحه اننا لو قلنا بان الاحتياط الاستحبابي شرعي لان الفقيه رأي ان قاعدة التسامح في ادلة السنن تشمل هذه الرواية الضعيفة وقلنا بان قاعدة التسامح تفيد الاستحباب بعنوان ثانوي طارئ لا مجرد الثواب فهنا يجوز للفقيه ان يفتي بصحة وجواز الشهادة الثالثة و نظائرها حتى اعتمادا على رواية ضعيفة 
لكن لو قلنا ان الاستحباب عقلي فلا يجوز ذلك لأن الاحتياط العقلي معناه انه احتمل في الواقع ان يكون هذا جزءا من الصلاة فيأتي بها لاحراز ذلك الواقع لكن المشكلة ان العبادات توقيفية ولا يجوز لك ان تضيف اي جزء بدون دليل شرعي ولا دليل شرعي في المقام اللهم الا ان يأتي بها برجاء المطلوبية 
اذن فالفرق واضح وهو انك تستطيع ان تسند للشارع وتقول ان هذا الحجتمل عباديته (كالدعاء عند رؤية الهلال او الشهادة الثالثة) على القول بان الاحتياط الاستحبابي هو شرعي عبادة ، اما على القول انه عقلي فلا يجوز الاسناد واذا اسند فهو تشريع محرم وهذا يحتاج الى تدبر وتدقيق وللحديث صلة وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=363
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 4 جمادي الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23