• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 237- نقد تقييد السلطنه بعدم كونه مضاراً - روايات اخرى صريحه في جعل الضرر للحكم الوجودي .

237- نقد تقييد السلطنه بعدم كونه مضاراً - روايات اخرى صريحه في جعل الضرر للحكم الوجودي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(237)

سبق: (الجواب الثالث: ما نضيفه صناعياً وهو أسبق رتبة من سابقيه لأن هذا في مرحلة المقتضي وذانِك في مرحلة الرافع، وهو نفي تمامية المقتضي لسلطنة سمرة على إبقاء نخلته في حائط الانصاري، بدعوى ان سلطنته محددة ثبوتاً بعدم كونه مضاراً فإذا صار مضاراً فلا سلطنة له على إبقائها مكانها ولذا جاز للانصاري قلعها فقوله صلى الله عليه واله وسلم (إقلعها) لأنه لا سلطة له عليها مادام مضاراً و(فانه لا ضرر ولا ضرار) يفيد نفي سلطنته عليها فيجوز للغير قلعها)([1]).

 

التحقيق: الفرق بين الداعي والشرط والقيد

لكن التحقيق: ان الصور الثلاثة: فقد يكون (عدم الإضرار بالغير) أو (عدم المضارّية) مأخوذاً في ضمن عقد البيع ومطلق المعاملة، بنحو الشرط، وقد يكون مأخوذاً بنحو القيد وقد يكون مأخوذاً بنحو الداعي، فإن كان مأخوذاً بنحو الشرط كان الإخلال به موجباً للخيار (في موارده) وإن كان مأخوذاً على نحو الداعي لم يكن مضراً بالمعاملة بوجه، ولو كان مأخوذاً على نحو القيد بطلت المعاملة حيث صبّت على المقيد بما هو مقيد.

فالصحة مثلاً مأخوذ في ارتكاز العقلاء بنحو الشرط الضمني، لذا يكون له الخيار لو ظهر ما اشتراه (من البيض مثلاً) فاسداً ولا يبطل البيع به لأنه ليس بقيد.

ولكنه لو اشترى المحل أو البستان متوقعاً ارتفاع الأسعار ليبيعه بسعر أغلى، فصار أرخص، لم يكن له الفسخ، لأن مثل ذلك في ارتكاز العقلاء إنما هو بنحو الداعي ولا يخل تخلف الداعي بالعقد ولا بلزومه، نعم لو اشترط([2]) كان له الخيار.

ومن ذلك ما لو تزوجها بداعي ان تقوم بأعمال البيت من طبخ وكنس وغيرهما، فلم تقم بها لأنه ليس واجباً عليها، فانه ليس له الفسخ كما هو واضح كما ليس له إلزامها به، فانه داع لا أكثر، نعم لو اشترط في ضمن العقد قيامها بتلك المهام كان له إلزامها به.

وفي المقام: فانه لو فرض ان الانصاري كان قد باع النخلة لسمرة من بين كل بستانه([3])، فان (عدم مضارّة سمرة له، بدخوله بلا استئذان وشبهه) اما ان يكون قد أخذه بنحو الداعي أو الشرط أو القيد، أو يكون في ارتكاز العرف كذلك، فان كان الأخير بطلت المعاملة بمضارته له، أو الأوسط صحت وله الخيار في الفسخ، أو الأول فلا شيء له من حيث المعاملة، لكنّ له الشكوى لدى الحاكم من حيث إضرار سمرة به، وللحاكم إعمال ولايته حينئذٍ مستنداً إلى لا ضرر ونحوه، لا إلى انه شرط ونحوه.

وقد يقال: بان الاعراف مختلفة فبعضها يرى عدم المضارة قيداً وبعضها يراها شرطاً وبعضها يراها داعياً، فإذا كان كذلك كان لكل عرف حكمه.

 

دفع مضارّة سمرة بوجوه ثلاثة، ووجه ترجيحه صلى الله عليه واله وسلم احدها

ثم ان دفع مضارّة سمرة للانصاري كان يتصور بأحد وجوه ثلاثة:

1- ان يُمنع من الدخول بلا استئذان.

2- ان تُقلع نخلته وترمى إليه، كما فعل صلى الله عليه واله وسلم.

3- ان تُتلف نخلته بإحراقٍ ونحوه، لكن الأخير ضرر أكبر، ولا وجه لتسويغه مع اندفاع إضرار سمرة بالانصاري بالإضرار الأقل به (أي بسمرة المالك للنخلة).

بعبارة أخرى: ان سلطنة المالك (كسمرة) على نخلته لا يرفع اليد عنها إلا بأقل قدر من رفع سلطنته مما يندفع به إضراره فالزائد عنه لا وجه له، وحيث اندفع ضرره بالأقل من إتلاف نخلته لم يجز إتلافها. بعبارة أخرى: لا يرفع اليد عن دليل الملك إلا بأقل ما يمكن مما يرفع الضرر به.

إنما الكلام في انه قد يقال ان منعه من الدخول كان أقل ضرراً من قلع عَذقه ورميه في وجهه فكان اللازم ذلك، وفيه ان العكس هو الصحيح، إذ انه في ظرف عِناده([4]) فان ضرر قلع نخلته وإعطائها له لكي يغرسها أي مكان شاء أقل بلا شك من ضرر منعه من الدخول لأن الأخير يحرمه من منافعها بالمرة (أو غالباً) عكس سابقه. وسيأتي إشكال وجواب حول ذلك فأنتظر.

 

الأدلة الخاصة على منشأية الضرر للضمان

ثم انه قد يستدل على شمول لا ضرر لأعدام الأحكام وعلى منشأيته للأحكام الوجودية، بالروايات الخاصة الواردة في المقام وهي كثيرة نذكر منها:

صحيحة أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: ((مَنْ أَضَرَّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ))([5])

وما روي في موجبات الضمان من كتاب الديات من المستدرك، عن دعائم الإسلام عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام انه قال: ((مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ أَوْ سُوقٍ فِي غَيْرِ حَقِّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِأَيِّ شَيْ‏ءٍ أَصَابَتْ))([6]).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ((سَأَلْتُهُ عَنِ الشَّيْ‏ءِ يُوضَعُ عَلَى الطَّرِيقِ فَتَمُرُّ الدَّابَّةُ فَتَنْفِرُ بِصَاحِبِهَا فَتَعْقِرُهُ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَيْ‏ءٍ يُضِرُّ بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ لِمَا يُصِيبُهُ))([7]).

ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((مَنْ أَخْرَجَ مِيزَاباً أَوْ كَنِيفاً، أَوْ أَوْتَدَ وَتِداً، أَوْ أَوْثَقَ دَابَّةً، أَوْ حَفَرَ بِئْراً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَ شَيْئاً فَعَطِبَ، فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ))([8])

وصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ حَفَرَ بِئْراً فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ فَوَقَعَ فِيهَا، قَالَ: فَقَالَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَفَرَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ))([9])

وموثق سماعة وفيه: ((سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَحْفِرُ الْبِئْرَ فِي دَارِهِ أَوْ فِي أَرْضِهِ، فَقَالَ: أَمَّا مَا حَفَرَ فِي مِلْكِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، وَأَمَّا مَا حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي غَيْرِ مَا يَمْلِكُهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا يَسْقُطُ فِيهِ))([10])

والروايات كما ترى بين صحيحة ومعتبرة وهناك غيرها هي كثيرة مستفيضة.

 

إشارة إلى فقه الحديث

وعمدة الكلام في فقه الحديث فانه إن تمّ كانت هذه الروايات هي المستند لإنشاء لا ضرر للضمان الذي هو من الأحكام الوجودية، وكانت هي النافية لأعدام الأحكام، والنفي لها مفيد لإثبات أضدادها([11]) فتصلح دليلاً على ما أسسناه صناعياً من ان الجاني يضمن، إضافة للدية، أجور علاج المجني عليه كما يضمن ما يخسره شهرياً من خسارته لعمله على أثر الجناية ويضمن أيضاً نقصان القيمة السوقية لشركته مثلاً الحاصلة بجنايته عليه، ولم نحتج مع تمامية دلالة الروايات هذه إلى التمسك بذيل رواية (لا ضرر ولا ضرار) والأخذ والرد الطويل فيها وانها كيف تثبت الأحكام الوجودية مع ان لسانها النفي؟؛ وذلك لصراحة هذه الروايات الخاصة في ان الضرر موجب للضمان.

إنما عمدة الإشكال في عمومها وذلك نظراً لتقيدها بالإضرار بالطريق أو ما ليس ملكه، وقد ذهب صاحب الجواهر إلى إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط القطعي، (قال في الجواهر بعد ذكر روايات الضمان في الطريق ونحوه: "إلى غير ذلك من النصوص... المعلوم عدم خصوصية الطريق فيها، كمعلومية عدم خصوصية لما ذكر فيها من الأفراد.."([12]))([13])وسيأتي الكلام حول ذلك وغيره فأنتظر.                                

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الرضا عليه السلام: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الْعَافِيَةُ فِيهِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي اعْتِزَالِ النَّاسِ وَوَاحِدٌ فِي الصَّمْتِ‏)) (تحف العقول: ص446).

 

 

----------------------------------------------------------------

([1]) الدرس (236).

([2]) اشترط الخيار إن لم ترتفع قيمته، أو اشترط ان ترتفع قيمة العقار بعد شرائه منه، أو اشترط تيسّر بيعه بسعر أعلى. فتأمل

([3]) وهي احدى الصورتين السابقتين. فلاحظ.

([4]) بعزمه على الدخول بلا استئذان.

([5]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج7 ص350.

([6]) المحدث النوري، مستدرك الوسائل، مؤسسة أهل البيت ـ قم: ج18 ص317، ودعائم الإسلام، دار المعارف ـ مصر: ج2 ص419.

([7]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج7 ص349.

([8]) المصدر نفسه: ج7 ص350.

([9]) المصدر نفسه.

([10]) المصدر نفسه: ج7 ص349.

([11]) فتأمل إذ هذا الأخير مفاد (لا ضرر) لو تمّ، وليس لسان هذه الروايات.

([12]) جواهر الكلام: ج37، ص47ـ48.

([13]) السيد صادق الحسيني الشيرازي، بيان الأصول، مركز التوزيع: دار الانصار ـ قم، ج5 ص190.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3630
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 18 محرم 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20