• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 356- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (7) .

356- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (7)

الفوائد الأصولية
(الترتب)

اعداد وجمع: الشيخ عطاء شاهين

الفائدة السابعة: يمكن حل مشكلة الترتب بأن يقال: لا أمر حقيقة إلا بالأهم والأمر بالمهم  فهو إرشادي؛ أو التخلي عن الأهم لأجل إدراك ملاك المهم بعد العلم بعدم تنفيذ الأهم ؛ أو ثبوت كلا الأمرين؛ لأن المحال الجمع بين الضدين لا الجمع بين الطلبين؛  أو أن كلا الأمرين مأمور به ولا مانعة جمع بينهما؛ لمغايرة الطلب النفسي للقانوني؛ وعند اجتماعهما لا تضاد بينهما؛ إذ لا تضاد بين الأشياء الاعتبارية الملقاة بالعهدة ؛ فلا تكاذب بينهما؛ إذ المضادة بينهما إنما هي في مرحلة الطلب الفعلي ؛ لذا فكلاهما مأمور به بالأمر الـمُنشِئ للطلب القانوني ؛ والطلب الفعلي إنما هو للمهم فقط؛ المصحح لعباديته هو الأمر القانوني لا الملاك ؛ لذا فلا توجد عقوبتين في حال مخالفتهما معاً؛ إذ أن الذي في العهدة إنما هو المهم فقط ، وأما الأمر القانوني فلا عقوبة لمخالفته؛ إذ لا طلب له فلا عقاب على تركه ؛ والنتيجة : حيث إن الأمر تعلِّق فقط بالمهم عند اليأس أو بالأهم فقط قبله؛ فقد ستحق عقوبة واحدة بالمخالفة ؛ وعلى هذا تبين أن الترتّب لا يندرج في باب التعارض؛ إذ  في التعارض تكاذب سندي وصدوري ، وهذا عكس المقام؛  حيث الصدور ثابت والإرادة الاستعمالية ثابتة ، وكذا الحال في  الطلب القانوني ، وأما على ثالث الأقوال فالأمر واضح؛  لأنه مبني على إمكان الترتب وصحة طلب الضدين معاً ؛  فكلاهما صادر مراد بالإرادة الاستعمالية والجدية والطلب قانوني وفعلي ، وأما على القولين الأولين فالأمر كذلك؛ إذ كلاهما مبني أيضاً على تسليم الصدور فيهما وعلى انعقاد الإرادة الاستعمالية لهما دون  الجدية لأحدهما بعد تمامية ملاكهما؛ فلا طلب فعلياً لأحدهما ؛ فثبت بذلك الترتب.

تفصيل الفائدة:
وصفوة القول: أن الترتّب وهو: الأمر بالمهم على تقدير عصيان ضده الأهم أو على تقدير العزم عليه أو لدى اليأس عن إطاعة العبد كما سبق، وذلك فيما لو تعلق بكل من الأهم والمهم أمر، فلو كان قادراً على الجمع بينهما فلا كلام ، ولكن لو كان المكلف عاجزاً عن امتثالهما معاً فإنه يقع حينئذٍ التضاد عرضاً في مقام الامتثال بين أمر الأهم وأمر المهم، فكيف يأمره بالمهم مترتباً على عصيان الأهم؟ ويمكن حل معضلته بإحدى الوجوه الآتية[1]:
الأول:  التخلي عن مولوية أمر المهم ودعوى كونه إرشادياً؛ فلا أمر به حقيقةً، بل الأمر بالأهم فقط.
الثاني: التخلي عن أمر الأهم [2] لكن حين يأس المولى عن إطاعة العبد له؛ إذ لا يمكنه بعثه إليه فكيف يأمره به؟ فيأمره بالمهم كي لا يفوِّت - بعدم أمره عبدَه به- ملاكه.
والحاصل: أن العبد إذا ضيع ملاك الأهم بسوء اختياره، فإنه لا يبرر ذلك للمولى أن يضيع ملاك المهم بعدم أمره به ،وذلك إذا علم المولى أنه إذا لم يأمره بالمهم -حين عصيانه الأهم- فإنه لا يمتثل المهم أيضاً فيخسر المولى كلا الملاكين.
ثالثاً: الالتزام بثبوت كلا الأمرين؛ بدعوى أن المحال هو طلب الجمع بين الضدين لا الجمع بين الطلبين.
كلاهما مأمور به بالطلب القانوني دون الفعلي
وخطر بالبال وجه رابع، لو رفعنا اليد عن الوجه الثاني ولم نقل بالوجه الأول لوضوح بطلانه ولا بالثالث بدعوى أن طلب الضدين -أي الجمع بين طلبهما- أيضاً محال، وهو:
رابعاً: أن كليهما مأمور به ولا مانعة جمع بينهما لا لما ذكر في الوجه الثالث ، بل مع فرض استحالة حتى طلب الضدين[3] ، بل لوجه آخر مبني على تحقيق الحال في الأمر والتكليف وأنه: تتحقق في كل أمر وتكليف أمور ست، بين ما يسبقه وما يكون به أو يلحقه، وذلك التحقيق مبني على تحقيق آخر وهو تعريف التكليف والإنشاء ؛ وتوضيحه:

تعريف المشهور وغيرهم للتكليف والإنشاء
إن المشهور ذهبوا إلى أن التكليف هو: الطلب وبعث العبد نحو العمل أو الترك، وأما الإنشاء فهو: إيجاد هذا الطلب.
وأما غيرهم فذهب إلى: أن التكليف هو اعتبار كون الفعل في ذمّة المكلف أو فقل جعله وإيقاعه بعهدته، وأما الإنشاء فهو: إبراز هذا الاعتبار بمبرِز أو الاعتبار النفساني المبرَز بلفظ أو غيره.

الأمور الست في كل أمر:
لكن مقتضى التحقيق هو: أنه لا مانعة جمع بين الأمور الأربعة ولا تضاد بين المبنيين، بل أن كلاً منها يبين جانباً من الحقيقة بل لم يُحِط القولان بها، فإن الحق هو أنه يوجد لدى كل أمر أو نهي ستة أمور:
الطلب النفسي ،وإبرازه
الأول: الطلب النفسي، وهو من مقولة الكيف النفساني إن لم نقل بانه من مقولة الفعل، وهو من العلل الـمُعدّة للإنشاء.
الثاني: إبرازه، وهو أعم من أن يكون بالإنشاء أو الإخبار ، فإن كلاً منها نوع إبراز له.
الطلب القانوني، وإيجاده
الثالث: الطلب القانوني.
الرابع: إيجاده بالأمر ، أو الإخبار المفيد مفاده.
والطلب القانوني يعني وضعه بعهدته وربطه به بنوع ربط من دون بعث فعلي  ولا كونه بداعي الانبعاث فعلاً.
فهو نظير الواجب المعلق
ويوضحه: الواجب المعلَّق؛ فإنه قبل الزوال وإن لم يكن وجوب كما لا واجب لكن ليست صفحة الاعتبار بيضاء خالية من كل شيء ، بل هناك جعل بالعهدة واعتبار شرطي في الذمّة؛ فإنه إذا قال: (صلِّ إذا زالت الشمس) فإنه لا شك في أنه قد أحدث شيئاً وأوجده بأمره هذا؛ لوضوح أنه يختلف حاله حتى قبل زوال الشمس - بالنسبة للصلاة المأمور بها إذا زالت- عن حاله بالنسبة إلى التدريس مثلاً الذي لم يأمر به على تقدير زوالها، فهذا الشيء المحدث قبل الزوال عند قوله: (صلِّ إذا زالت الشمس) هو أمر موجَد بالعهدة من غير بعث فهو نظير المقام إن لم يكن منه[4].
مثال آخر: الحكم الوضعي غير الفعلي أو التعليقي ، فإنه كذلك مجرد وجود اعتباري بالعهدة من غير أثر عملي ولا طلب مترتب عليه، ويمكن التمثيل له بالقضاء: فإن القاضي المنصوب من الشارع بنصب عام  له المنصب وله الاعتبار، لكنه لا يتفعل ولا يثمر قبل رجوع المتخاصمين إليه، وفيه تأمل.
ونظير قاضي التحكيم
ولذا الأولى التمثيل بقاضي التحكيم عند المشهور الذين اشترطوا فيه جمعه لشرائط القضاء إلا النصب في زمان الحضور[5]؛ فإنه إذا راجعه الخصمان ثبت له القضاء[6] لكنّ غير جامع الشرائط ليس القضاء ثابتاً له[7].
والحاصل: أن قاضي التحكيم قبل رجوع المتخاصمين إليه هو أمر متوسط بين غير الجامع للشرائط حيث إنه لا يوجد له هذا الاعتبار[8]، وبين قاضي التحكيم الذي راجعه الخصمان بالفعل، فهو شبيه بالمقام من حيث وجود الاعتبار دون فعليته[9].
نعم ، الفرق أن الاعتبار في القاضي هو له ، والاعتبار في الواجب هو عليه ، أي بعهدته عليه.
والدليل على مغايرة الطلب النفسي للقانوني، هو الانفكاك من الطرفين فإنه قد لا يكون له طلب نفسي مع تحقق طلبه القانوني بالإنشاء كما في المكرَه على إنشاء عقد أو إيقاع مع مبغوضيته له، وكذلك المتقي، وأوضح منه الآمر أمراً امتحانياً، فتأمل.
كما أنه قد يكون له طلب نفسي ولكن من دون أن ينشئ لمانع أو مزاحم أو لعدم قابلية القابل، وذلك كزمن تدرج نزول الأحكام.
والحاصل: أنه مع أنه مطلوب له لا يقال له إنه طلبه منه.
الطلب الفعلي ، وإيجاده
الخامس: الطلب والبعث الفعلي.
السادس: إيجاده بنفس الإنشاء الموجِد للقانوني - إذ قد يوجدان بموجِد واحد- أو بغيره.

الثمرة
والنتيجة في المقام: هو أنه في الأهم والمهم اجتمع الطلبان القانونيان، وهما مما لا تضاد بينهما إذ لا تضاد بين الأشياء الاعتبارية الملقاة بالعهدة إذا لم تكون مبعوثاً إليها أو منهياً عنها، فلا وجه للقول بالترتّب بينها وانه على تقدير عصيان الأهم فالمهم مأمور به، بل كلاهما مأمور به بالأمر الـمُنشِئ للطلب القانوني، وعليه فلا تكاذب بينهما فهما من باب التزاحم لا التعارض فالمرجع مرجحات باب الأول دون الثاني، وأما الطلب الفعلي فهو للمهم فقط.

هل القدرة شرط في التكليف؟
ويتضح عمق البحث أكثر بالتدبر في مبحث اشتراط القدرة في التكليف؛ فإن المعروف هو أن القدرة هي من الشرائط العامة للتكليف، لكن مقتضى التدقيق يقودنا إلى أنها شرط في التكليف إذا أريد به الطلب الفعلي والبعث فيستحيل بدونها وليست شرطاً إذا أريد به الطلب القانوني فيمكن بدونها، وتوضيحه:

القدرة شرط في التكليف الفعلي لا القانوني
إن الانبعاث إذا استحال أو تعذر استحال البعث أو تعذر للتلازم بين إمكانهما أو تعذرهما لأنهما من مقولة الفعل والانفعال فهما كالكسر والانكسار بل هما كالمتضايفين[10] وهما متكافئان قوة وفعلاً، فإذا لم يكن العبد قادراً على الامتثال استحال انبعاثه فاستحال بعثه إليه اللهم إلا صورياً مجازياً.
وعليه: فقدرة العبد على الفعل شرط في صحة تكليفه بمعنى بعثه فلا يصح الأمر بمعنى الطلب إذا لم يكن المأمور به قادراً عليه، لكن قدرته ليست شرطاً في صحة تكليفه بمعنى اعتباره في ذمته أو إلقائه في عهدته فإن جعله في ذمته هو مجرد اعتبارٍ ومادام لا يراد به انبعاثه عنه فلا معنى لاشتراط قدرته على الانبعاث عنه وقدرته على الفعل بل لا يعقل لأن الاعتبار في رتبة سابقة والقدرة هي في رتبة لاحقة إذ هي في رتبة الفعل، وعلى أي فمجرد اعتبارِ أمرٍ في ذمة العاجز عن فعله بدون بعث له لا إشكال فيه إذ لا يراد به فعله.
نعم، قد يتوهم لزوم لغويته إذ أية فائدة فيه حينئذٍ؟ وجوابه سهل لتعدد الحِكَم المتصورة من ذلك ولعله يأتي، وعلى أي فهذا إشكال آخر بلحاظ الحكمة لا الاستحالة الذاتية.

الحل الرابع لمشكلة طلب الضدين والترتّب
وحينئذٍ نقول: إن حل مشكلة طلب الضدين - بل والترتّب[11] - تكون بالتفصيل بين مرتبتي الطلب القانوني والطلب الفعلي، استناداً إلى أنه لا مضادة بين أمره بالأهم والمهم معاً في مرحلة الطلب القانوني إذ لا ضدية بينهما في مرحلة الاعتبار والالقاء في العهدة، بينما تكون بينهما المضادة في مرحلة الطلب الفعلي؛ إذ كيف يبعث نحو المتضادين؟ (وهذا مع قطع النظر عن الجواب السابق المبني على صحة طلب الضدين وان المحال هو طلب الجمع بينهما).
فكل من الأهم والمهم مأمور به في مرحلة الطلب القانوني بمعنى ان كليهما ملقى بعهدته؛ إذ لا وجه لرفع المولى اليدَ عن جعله بالعهدة وعن إلقاء المسؤولية بعاتقه لمجرد أنه عزم على العصيان أو لمجرد كونه عاصياً مع عدم وجود مانع من هذا الجعل (بالعهدة)، لكن الأهم غير مأمور به في مرحلة الطلب الفعلي مع اليأس عن امتثال العبد للأهم،(على ما اخترناه من انه المعلق عليه وجوب المهم والبعث نحوه) إذ كيف يبعثه إليه مع أن المولى الانبعاث غير واقع أبداً - ليأسه عنه- فكيف يبعثه نحوه بعثاً حقيقياً وهو عالم بأنه لا ينبعث أبداً؟ فليس الأهم حينئذٍ مأموراً به للعجز عن الأمر به بمعنى البعث نحوه، بل المهم هو المأمور به أي المبعوث نحوه لما سبق من : أن العبد إذا ضيع ملاك الأهم بسوء اختياره، فإنه لا يبرر ذلك للمولى أن يضيع ملاك المهم بعدم أمره به وذلك إذا علم المولى انه إذا لم يأمره بالمهم (حين عصيانه الأهم) فانه لا يمتثل المهم أيضاً فيخسر المولى كلا الملاكين[12].
إذن فالأهم مأمور به وليس بمأمور به ؛ مأمور به بمعنى كونه في العهدة وطلبه قانوناً منه؛ وغير مأمور به بمعنى مبعوثيته إليه وطلبه منه، أما المهم فهو فقبل عصيان الأهم لا هو بالعهدة ولا هو مبعوث إليه فإذا عصى - أو عزم أو يأس منه المولى-  فهو بالعهدة كما هو مبعوث إليه. وسيأتي بإذن الله تعالى تصوير عكس ما ذكر[13] فانتظر.

تتمة مناقشة مصباح الأصول
سبق: (الصورة الثالثة مستحيلة كالثانية، فلا وجه للتفصيل بينهما
رابعاً: ان حكم الصورة الثالثة كحكم الصورة الثانية تماماً، إذ كلتا الصورتين[14] من التقارن فإذا استحالت الصورة الثانية كما صرح به بقوله: (ولا ينبغي الشك في استحالته) استحالت الصورة الثالثة فكيف حكم بإمكانها بقوله: (ولا محذور فيه)؟
والحاصل: انه في كلتا الصورتين يكون من طلب الضدين ومن الجمع بين الطلبين وقد صرح في المقامين بهما ففي الصورة الثانية قال: (فيلزم طلب الضدين ولا ينبغي الشك في استحالته) وفي الصورة الثالثة قال: (بل جمع بين الطلبين) وهو عين (طلب الضدين) فإذا استحال هذا استحال ذاك أو أمكن أمكن، نعم (طلب الجمع بين الضدين) هو المحال كما صرح به لكنه لا شيء من الصورتين كذلك ولذا لم يلتزم بكون الصورة الثانية منه (من طلب الجمع بين الضدين).
ويؤكد ذلك كله تصريحه في المصباح باستحالة طلب الجمع بين الضدين وإمكان الجمع بين الطلبين مع وضوح ان (طلب الضدين) هو نفس (الجمع بين الطلبين) فكيف يصفه تارة بالاستحالة وأخرى بالإمكان؟ كما سيأتي فانتظر)[15].
المحال (طلب الجمع بين الضدين) دون (جمع الطلبين) أو (طلب الضدين)

وتوضيحه يتوقف على بيان مقدمة وهي: ان ههنا أمرين لا أمور ثلاثة:
الأمر الأول: (طلب الجمع بين الضدين) وهو محال حسبما صرح به الميرزا النائيني ثم السيد الخوئي.
الأمر الثاني: هو (الجمع بين الطلبين) وهو ممكن حسبما صرحا به أيضاً.
قال في الفوائد: (المقدمة الأولى: لا اشكال في أن الذي يوجب وقوع المكلف في مضيقة المحال واستلزام التكليف بما لا يطاق، انما هو ايجاب الجمع بين الضدين، إذ لولا ايجاب الجمع على المكلف لم يقع المكلف في مضيقة المحال. فالمحذور كل المحذور انما ينشأ من ايجاب الجمع بين الضدين)[16]
وقال في مصباح الأصول: (وبعبارة أخرى: معنى القول بالترتّب هو الجمع بين الطلبين لا طلب الجمع بين الضدين، والمحال هو الثاني دون الأول، فإنّ الجمع بين الطلبين بل الطلبات بمكان من الإمكان، فالجمع عارض للطلب[17] لا أنّ الطلب عارض للجمع[18]، وحيث إنّه لا طلب للجمع بين الضدين بل جمع بين الطلبين، بمعنى أنّ هناك طلباً متعلّقاً بالأهم وطلباً متعلّقاً بالمهم على تقدير عصيان طلب الأهم، وعلى فرض تركه فلا استحالة فيه أصلاً)[19].
ثم إن (طلب الضدين) ليس أمراً ثالثاً بل هو بعينه (الجمع بين الطلبين)، بل لا يمكن تصور أمر ثالث فإنه إذ قال (افعل هذا وأفعل هذا) بالواو أي بكونه بنحو بشرط شيء كان من طلب الجمع بين الضدين،  أما إذا قال (أفعل هذا. أفعل هذا) بدون الواو وبنحو اللابشرط كان من طلب الضدين وهو جمع بين الطلبين بنفسه فلا يعقل القول تارة بأن طلب الضدين محال وأخرى بان الجمع بين الطلبين ممكن.
بعبارة أخرى: هناك طلب وهناك مطلوب فالجمع بين الضدين إذا كان هو المطلوب استحال، أما تعدد الطلب وتعدد المطلوب فممكن عند من يرى عدم المضادة بينهما وهو المسمى بطلب الضدين أو الجمع بين الطلبين.

وجه التناقض في كلامي مصباح الأصول
ويظهر مما مضى التناقض في التزامه (قدس سره) باستحالة طلب الضدين تارة والتزامه بإمكان الجمع بين الطلبين تارة أخرى[20] فإن طلب الضدين والجمع بين طلبهما متلازمان لا يعقل انفكاك أحدهما عن الآخر بل هما تعبيران عن أمر واحد[21].
وعليه: فإذا التزم باستحالة الصورة الثانية لأنه يلزم منها طلب الضدين كما قال، كان لا بد من الالتزام باستحالة الصورة الثالثة لأنه يلزم منها الجمع بين الطلبين كما قال[22] أيضاً، لا الالتزام بإمكانها.
لا يقال: إنه اشترط في الصورة الثالثة (كون أحدهما مشروطاً بعصيان الآخر).
إذ يقال: لقد اشترط ذلك في الصورة الثانية أيضاً، بل مبنى كل البحث والصور الثلاث هو ذلك.
والحاصل: أنه يرى في كلتا الصورتين الأمر بالمهم فعلياً مترتّباً على العصيان كالأمر بالأهم فإنه فعلي أيضاً حينئذٍ؛ فقد صرح في الصورة الثانية بـ(أن يكون عصيان الأمر الأول آناً مّا موجباً لفعليّة الأمر الثاني حدوثاً وبقاءاً، أي يكون عصيان الأمر الأول آناً مّا كافياً في فعليّة الأمر الثاني في جميع أزمنة امتثاله مع بقاء فعليّة الأمر الأول...)[23] ، وفي الصورة الثالثة صرّح بـ: (جمع بين الطلبين) أي الأهم والمهم فكلاهما فعلي إذاً، كما صرح في (بعبارة أخرى) في تفسيره للجمع بين الطلبين بـ: (بل جمع بين الطلبين، بمعنى أنّ هناك طلباً متعلّقاً بالأهم وطلباً متعلّقاً بالمهم على تقدير عصيان طلب الأهم، وعلى فرض تركه فلا استحالة فيه أصلاً)[24]، فإذا استحال ذلك استحالت الصورتان وإلا أمكنتا جميعاً فراجع وتدبر.

مناقشتنا للاخوند في حصره لحل المعضلة بوجهين وعدم التفاته للحل الثالث
ثم إنه قد توهم البعض بأن الحل الذي توصلنا إليه وهو الحل الرابع لمشكلة طلب الضدين ليس بأمر جديد، وأن كلام الآخوند طارد له أو أنه ليس من الترتّب فهو أجنبي عن كلامه، ولكنه توهم ضعيف، بل هو حل رابع وكلام الآخوند لا ينفيه بل هذا الحل الرابع يبين وجه الضعف في كلامه (قدس سره)، بل أنه يصوِّر الترتّب بوجه آخر لا مناص – ظاهراً - من قبول حتى المخالف له.
وتوضيحه: أنه إذا أمر بمتعلَّقين وقعت المضادة بينهما لعجز المكلف عن الجمع بينهما[25] (في صورة المضادة العرضية في العامين من وجه، ومنها يعرف حال غيرها بالتدبر) كالإزالة والصلاة، فإنه - عند العصيان أو العزم عليه أو عند يأسه من امتثال العبد له-  إما أن يقال بأن المولى رفع يده عن طلب الأهم فلا أمر به حينئذٍ ، وإما أن يقال بأنه لا أمر بالمهم ، وإما أن يقال بأن الأمر بهما ثابت وطلب الضدين ممكن[26]، وهذا الثالث هو الذي نفاه الآخوند ورأى انه مع نفيه لا بد من  الالتزام بأحد الوجهين الأولين، مع أن نفيه يستلزم إما أحد الوجهين الأولين أو وجهاً ثالثاً[27] .
قال في الكفاية: إن قلت: فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين في العرفيات؟ قلت: لا يخلو إما أن يكون الأمر بغير الأهم بعد التجاوز عن الامر به[28] وطلبه حقيقة، وإما أن يكون الأمر به[29] ارشادا إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة وأن الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة، فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهم، لا أنه أمر مولوي فعلى كالأمر به- فافهم و تأمل جيدا)[30].
وقال السيد الوالد في الوصول : إن قلت إذا منعتم الترتب فما الحيلة فيما وقع كذلك على نحو الترتب من طلب الضدين بيان لما وقع في العرفيات حتى ادعى أنه فوق حد الاحصاء، كما يقول المولى حج وإن لم تفعل فزر، و نحو ذلك؟.
قلت: ما يتراءى أنه من قبيل الترتب يلزم صرفه عن ظاهره بعد قيام الدليل العقلي على استحالته ؛فإن الظاهر يدفع بالقاطع، فحينئذ لا يخلو...)[31] .
وقال: فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه لا أمر بالضدين على نحو الأمر المولوي، لقبح أن يقول المولى : أزل النجاسة وإن لم تزل فصل، و حينئذ فلا بد من التزام وجود أمر واحد في البين: إما الأمر بالأهم فقط و ان لم يسقط المهم عن المحبوبية، و إما الأمر بالمهم مع سقوط الامر بالأهم)[32].

صورتان غفل عنهما الآخوند وبهما تنحل معضلة الترتّب
ويرد عليه: أن الأمر ليس منحصراً في الصور الثلاث حتى إذا استحال الترتب بقيت الصورتان اللتان ذكرهما فقط، بل هناك صورتان أخريان مبنيتان على الحل الرابع.
الأول: أن يقال: ان الأمر والطلب بمرتبتيه[33] تعلق بالمهم بعد التجاوز عن الأمر بالأهم في مرحلة طلبه الفعلي من دون أن نتخلى عن الأمر بالأهم في مرحلة طلبه القانوني، فهو- كلاحقه-  تفصيل فيما يجب أن يتخلى عنه من مرتبتي الأمر وما لا يجب بل لا يصح، وذلك لأن التضاد إنما هو بين الأمرين[34] في مرحلة الطلب الفعلي والبعث ، ولا تضاد بينهما في مرتبتي الطلب القانوني فلا وجه لرفع اليد عن كون الأمر القانوني متعلقاً بالأهم إذ لا يضاده البعث نحو المهم؛ فإن مفاد الأمر والطلب القانوني كونه بالعهدة وبذمة المكلف وإن لم يكن هناك بعث نحوه.
الثانية: وهي عكس الأولى: بأن يقال بأن الأمر والطلب متعلق بالأهم باق عليه - رغم العصيان أو العزم عليه- وأما المهم فلا طلب فعلياً فيه، بل هو مطلوب قانوناً فقط، أي أنه بالعهدة وبذمة المكلف ولكنه من غير بعث إليه.
فائدة حلنا الجديد: أن مصحح عبادية المهم هو الأمر القانوني لا الملاك
ويتضح أكثر وجه أهمية هذا التفصيل في أن الآخوند حيث لم يلاحظه اضطر للقول بـ(وإما أن يكون الأمر به ارشاداً الى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة) ، وصحح العبادة المضادة للأهم بناءّ على ذلك بالملاك ؛ فقال: (فقد ظهر أنه لا وجه لصحة العبادة مع مضادتها لما هو أهم منها الا ملاك الأمر) [35].
فحيث رأى الدوران بين القول بثبوت أمر الأهم فقط - فلا بد عليه من الشق الثاني وهو إرشادية أمر المهم - والذي ينتج أن عباديته إنما تكون بقصد الملاك أو القول بثبوت أمر المهم، فاختار الأول، ولكن حلّنا يقدم وجهاً آخر لتصحيح عبادية المهم وهو الالتزام بأن الأمر بمرتبتية - القانوني والطلبي - متعلِّق بالأهم ، أما المهم فالأمر القانوني به - وهو الإلقاء بالعهدة- ثابت دون الأمر الطلبي فيصح حينئذٍ قصده لتصحيح العبادية، وليس أنه لا يبقى لتصحيح العبادة مع مضادتها لما هو أهم منها إلا ملاك الأمر، بل على حلنا فوجه التصحيح هو قصد الأمر نفسه لبقائه بمرتبة إنشائه وقانونيته.
وبعبارة جامعة: فإنه على الوجه الرابع فإن الأمر بمرتبته القانونية ثابت للأهم والمهم معاً ؛ فكلاهما في الذمة والعهدة إذ لا تضاد بينهما، وإنما يكون الترتّب في الأمر بمرتبته الفعلية ، أي بمرتبة طلبه وأنه ههنا يجب التخلي عن طلب أحدهما[36]، وحيث علّقنا سابقاً سقوط الطلب للأهم على اليأس عن امتثال العبد له فيكون :
الحاصل: أنه كلما يأس المولى من انبعاث عبده للأهم جعل المهم في عهدته وبعثه إليه، أما الأهم فإنه يرفع اليد فقط عن بعثه إذ لا يمكنه بعثه وهو يائس عن انبعاثه[37] لكنه لا يرفع اليد عن كونه بعهدته ولذا يستحق العقاب بالمخالفة[38].  

الثمرة الثانية: عدم تعدد العقاب بمخالفة الأهم والمهم
وتظهر الثمرة الثانية للحل الرابع الذي ذكرناها: في رد إشكال الآخوند على الترتّب؛ فإنه لا يلزم على تصويرنا له [39]؛ حيث إنه أشكل على القول بالترتّب باستلزامه استحقاق عقوبتين لو خالفهما، فلجأ لذلك إلى أن الحل إما برفع اليد عن الأمر بالأهم وإما برفعها عن الأمر بالمهم.
قال: (ثم إنّه لا أظن أن يلتزم القائل بالترتب، بما هو لازمه من الاستحقاق في صورة مخالفة الأمرين لعقوبتين، ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدّر عليه العبد، ولذا كان سيدنا الأستاذ (قدس سره)[40] لا يلتزم به ـ على ما هو ببالي ـ وكنا نورد به على الترتب، وكان بصدد تصحيحه)[41] [42].
أقول: لكن هذا الإشكال لا يرد على الحل الرابع الذي ذكرناه ؛ إذ مبناه ما سبق: وبعبارة جامعة: فإنه على الوجه الرابع فان الأمر بمرتبته القانونية ثابت للأهم والمهم معاً فكلاهما في الذمة والعهدة إذ لا تضاد بينهما، وإنما يكون الترتّب في الأمر بمرتبته الفعلية أي بمرتبة طلبه وبعثه أو زجره، وأنه ههنا يجب التخلي عن طلب أحدهما[43]، وحيث علّقنا سابقاً سقوط الطلب للأهم على اليأس عن امتثال العبد له فيكون الحاصل: أنه كلما يأس المولى من انبعاث عبده للأهم جعل المهم في عهدته وبعثه إليه، أما الأهم فإنه يرفع اليد فقط عن بعثه ؛ إذ لا يمكنه بعثه وهو يائس عن انبعاثه ، لكنه لا يرفع اليد عن كونه بعهدته ؛ ولذا يستحق العقاب بالمخالفة)[44].
وأما العقوبة فإنها على مخالفة الأمر الفعلي أي الطلب والبعث، وحيث التزمنا بأنه متعلِّق بالمهم فقط عند اليأس، وبالأهم فقط قبله، فيستحق عقوبة واحدة بالمخالفة.
وأما كونهما معاً بعهدته وتعلق الطلب القانوني بهما فإن مخالفته لا توجب عقوبة؛ إذ لا عقوبة على مخالفة الأمر القانوني، كما في زمن التدرج، إذ لا طلب فيه فكيف يعاقب على الترك؟

إيضاح وجه التأمل في عبارات الآخوند
فإذا اتضح ذلك اتضح وجه التأمل في كل كلام الآخوند الناشئ عن عدم الالتفات للحل الرابع ؛ فلاحظ قوله: (قلت: ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد، آت في طلبهما كذلك[45] [46]).
أقول: لا مانع من طلبهما الإنشائي القانوني ولا استحالة ؛ إذ لا تدافع بين ما في الذمم كما سبق، وعليه فيمكن طلب الضدين في عرض واحد أيضاً، طلباً قانونياً.
وقوله: (بداهة فعلية الأمر بالأهم في هذه المرتبة، وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص أو العزم عليها، مع فعلية الأمر بغيره أيضاً، لتحقق ما هو شرط فعليته فرضاً)[47] إذ اتضح أن الطلب الفعلي لأحدهما ساقط دون الإنشائي.
وبعبارة أخرى: إما أن نقول بأن البعث نحو الأهم يسقط  باليأس دون المسؤولية وكونه بالذمة ، وإما أن نقول بأنه لا بعث نحو المهم[48] مع كونه بالعهدة، كما فصلناه.
وقوله: (قلت: ليت شعري كيف لا يطارده الأمر بغير الأهم؟ وهل يكون طرده له إلّا من جهة فعليته، ومضادة متعلقه للأهم؟ والمفروض فعليته، ومضادة متعلقه له)[49].
أقول: المضادة إنما هي في مرحلة البعث - والفعلية كما قال-  فلا مضادة في مرحلة الإنشاء القانوني؛ وعليه: يجب أن نرفع اليد عن فعليته فقط لا عن قانونيته فانه بلا وجهٍ، نظير من يرفع اليد عن أصل الدليل مع كون التعارض مثلاً في مرحلة الإطلاق لا الأصل. هذا.
إضافة إلى ما أجبنا به سابقاً من أن الأمر بالمهم لا يطارد الأهم أبداً ؛ لأن سنخه ولسانه هو : افعلني ولا تتركني إلا للأهم ؛ فهو في ذاته ملائم للأهم داع إليه، وذلك كالواجب التخييري في متساويي الأهمية ؛ فإن كل واحد من الواجبين تخييراً هو كذلك أي يقول: أفعلني ولا تتركني إلا إلى صاحبي [50]، لكن في الترتّب هذا جارٍ من قبل المهم تجاه الأهم لا العكس، فتدبر.
وقوله: (مع إنّه يكفي الطرد من طرف الأمر بالأهم، فإنّه على هذا الحال يكون طاردا لطلب الضد)[51] فإنه إنما يطرد الطلب البعثي للضد لا الطلب القانوني.

خاتمة المناقشات مع الآخوند
ثم إن ما ذكرناه من تصحيح العبادية بقصد الأمر الانشائي القانوني، أولى مما سلكه في الموسَّع المزاحَم بالأهم في بعض الوقت ؛ إذ التزم بصحته بالإتيان بقصد الأمر بالطبيعة وإن لم يكن الفرد المزاحَم مصداقاً لها بما هي مأمور به، أو بقصد الفرد الآخر فإنه وإن سلمنا صحته فرضاً لكنه غريب، والأسهل منه والأقرب للوجدان هو ما ذكرناه فراجع كلامه بدءً من قوله:  نعم فيما اذا كانت موسعة وكانت مزاحمة بالأهم في بعض الوقت لا في تمامه يمكن أن يقال: إنه حيث كان الأمر بها[52]على حاله وإن صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها، أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الامر)[53] إلى آخر ما وجّهه به، ووصولاً إلى قوله: (هذا على القول بكون الأوامر متعلقة بالطبائع وأما بناءً على تعلقها بالأفراد فكذلك، وأنّ كان جريانّه عليه أخفى، كما لا يخفى، فتأمل)[54] .
وقال السيد الوالد قد سره في الوصول [55]: ثم إن (هذا) الذي ذكرناه من جواز الإتيان بالفرد المزاحم بداعي الأمر (على القول بكون الأوامر متعلقة بالطبائع) في كمال الظهور ، (و أما بناء على تعلقها بالأفراد فكذلك) ظاهر، لأن هذا الفرد الأول مشترك مع سائر الافراد في تحصيل الغرض و الاشتمال على المصلحة، فلا يمتنع عقلا أن يأتي بهذا الفرد بداعي الأمر المتعلق بسائر الأفراد (و إن كان جريانه عليه أخفى) ؛ لأن الأفراد حيث كانت متبايية فداعوية الأمر به لفرد آخر أخفى من داعوية الأمر بالطبيعة للفرد (كما لا يخفى) للمتأمل (فتأمل)؛ يمكن أن يكون إشارة إلى ما تقدم من أن وجود الملاك في الفرد الخارج عن تحت الأمر لا يصحح الإتيان بذاك الفرد بداعي الأمر المتعلق بالطبيعة أو بفرد آخر، و ليس هذا إلّا من قبيل الإتيان بصلاة الصبح بداعي الأمر المتوجه الى صلاة الظهر- مثلا- لوجود الملاك و هو المعراجية مثلا)[56].

ملخص الثمرة في الترتّب: عدم عوده للتعارض على الأقوال الأربع
والحاصل من جميع ما ذكر: أن الترتّب لا يندرج في باب التعارض على كافة الأقوال الأربعة فيه:
أما على رابعها ؛ فلأنه مبني على تسليم صدور الخبرين -المتضمنين للأمر بالضدين الأهم والمهم-  وتسليم دلالتهما على الإنشاء والطلب القانوني مع رفع اليد فقط عن الطلب الفعلي لأحدهما لا لنقص أو قصور في ملاكه بل لعجز المكلف عنه، فالإرادة الجدية فيه - في هذه المرتبة-  منثلمة مع فرض اشتمالها على الملاك، أما التعارض فهو التكاذب السندي والصدوري بينهما بحيث يكذب أحدهما الآخر في صدوره أصلاً عكس المقام؛  حيث الصدور ثابت والإرادة الاستعمالية ثابتة ، وكذا الطلب القانوني.
وأما على ثالثها ، فالأمر واضح؛  لأنه مبني على إمكان الترتب وصحة طلب الضدين معاً ؛ [57] فكلاهما صادر مراد بالإرادة الاستعمالية والجدية والطلب قانوني وفعلي.
وأما على القولين الأولين اللذين انتهى إليها القائلون بالاستحالة - وهو إما رفع اليد عن الأهم أو رفع اليد عن المهم، كما قال الآخوند: (إن قلت: فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين في العرفيات؟ قلت: لا يخلو إما أن يكون الأمر بغير الأهم بعد التجاوز عن الأمر به[58] وطلبه حقيقة، وإما أن يكون الأمر به[59] ارشاداً إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة)[60] -  فالأمر كذلك ؛ إذ كلاهما مبني أيضاً على تسليم الصدور فيهما وعلى انعقاد الإرادة الاستعمالية لهما دون الإرادة الجدية لأحدهما بعد تمامية ملاكهما فلا طلب فعلياً[61] لأحدهما[62].

بحث تطبيقي:
وهنا نأتي ببعض الفروع الفقهية :
الفرع الأول : قال العروة : إذا نهى الزوج زوجته عن الوضوء في سعة الوقت وكان مفوّتاً لحقه يشكل الحكم بالصحة [63].
وقال في التنقيح: الصحيح الحكم بالصحة لأن المحرم على الزوجة حينئذٍ تفويت حق زوجها وأما عملها فهو مملوك لها، ولا يحرم من جهة استلزامه التفويت، لأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، بل هذه العبادة ضد عبادي محكوم بالصحة بالترتب [64].

وجوه تصحيح وضوئها
أقول: يمكن تصحيح وضوءها إضافة إلى الترتّب الذي ذكره، بثلاث وجوه أخرى هي ما سبقت:
الوجه الأول: التصحيح بالملاك.
الوجه الثاني: ما اخترناه في الحل الرابع من التصحيح بقصد الأمر الإنشائي والقانوني؛ تبعاً لما فصلناه من إمكان إجتماع الأمر بالضدين في مرحلة الطلب القانوني وإن لم يمكن ذلك في مرحلة الطلب الفعلي والبعث، فهذا الوجه مصحح للوضوء والعبادة حتى بناء على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده.
الوجه الثالث: ما هو رتبة مقدم على الترتّب بل هو فوقه من الالتزام بصحة طلب الضدين - دون طلب الجمع بينهما-  ابتداءً.
وتوضيحه: أن من التزم بصحة الترتّب لا مناص له من الالتزام بما ذكرناه[65]؛ وذلك لأن الترتّب يتضمن تقارن الطلبين فإن أمكن بقاءً ومعلقاً على حدوث أمر أمكن حدوثاً.
وبعبارة أخرى: أن الترتّب هو الأمر بالمهم على تقدير عصيان الأهم أو الأمر بالموسّع على تقدير عصيان المضيق، ففي حين العصيان فإنه يكون مأموراً بالمهم أو الموسّع كما هو مأمور بالأهم لأن أمره لا يسقط بالعصيان، وحينئذٍ فإن الأمر بالأهم يطارد الأمر بالمهم كما قاله الآخوند، فإذا صح الجمع بين الطلبين وطلب الضدين مترتباً على العصيان، صح الجمع بينهما ابتداءً بان يوجه المولى الأمر بالمضيق والموسّع المتضادين نظراً للعجز عن الجمع أو بالأهم والمهم في وقت واحد، ابتداءً؛ إذ محذور الترتّب إن كان هو طلب الضدين وصححناه فالمحذور نفسه في الابتداء بتوجيه الأمر إليهما، فإذا قيل بأنه ممكن فهو ممكن حدوثاً كما هو ممكن بقاءً ومعلقاً على العصيان، هذا.

ملاحظتان حول كلام التنقيح
ولكن يبقى أن تعليقة التنقيح لا تتطابق مع كلام العروة ؛ إذ أن كلام العروة حول نهي الزوج زوجته عن الوضوء ولذا أشكل فيه، وأما التنقيح فنقل الكلام إلى صورة أخرى وهي ما لو أمرها بالاستفراش - لا أنها : نهاها عن الوضوء - فعلّله بأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده وهو صحيح لكنه لا ربط له بجهة استشكال العروة ؛ إذ كلام العروة عن نهيه لها وإن النهي في العبادة مقتضٍ للفساد؛ فكان لا بد من الإجابة على هذا الإشكال بوجه آخر؛ إما بإنكار المبنى وأن النهي عنها غير مقتضٍ للفساد، وإما بادعاء التفصيل وأن نهى المولى الحقيقي مقتضٍ للفساد، أي من بيده التشريع وليس الزوج كذلك، وإما بالقول بتفصيل آخر ؛ وهو : أن نهي الزوج مقدمي؛ إذ ليس له أن ينهاها عن أي فعل بما هو فعل لها إلا من جهة تضييعه حق الاستفراش ، فيندرج في بحث تزاحم الواجب النفسي مع المحرم المقدمي ، وقد ذهب البعض إلى أن النهي المقدمي لا يقتضي الفساد ، ولعل تحقيق ذلك يأتي لاحقاً إذا شاء الله.
ثم إن لكي يتم كلام التنقيح لا بد من فرض أنه افترض الماء أيضاً والمكان كذلك ملكاً لها؛ إذ لا يكفي مجرد كون عملها ملكاً لها ؛ إذ لا فرق في بطلان الوضوء بين كون العمل نفسه مغصوباً أو الماء أو المكان أي ما يسجد عليه بل الفضاء الذي يشغله في قيامه وقعوده[66]، فتدبر.

لو صلى النافلة وقت تضيّق الفريضة
الفرع الثاني: قال السيد الأخ الأكبر (قدس سره) : (لو صلى النافلة في وقت تضيّق الفريضة فالظاهر الصحة، وإن كان آثماً بتفويت الفريضة، ويمكن بناء الحكم فيه على الترتّب، ونظير ذلك ما لو صلى النافلة وعليه قضاء فائتة – بناءً على المضايقة في القضاء – فإن الأمر به لا يمنع الأمر بها على نحو الترتّب.
قال في التنقيح: لو التزمنا بالضيق في الفوائت وقلنا بالضيق التحقيقي العقلي المنافي للاشتغال بالنافلة ونحوها لم يترتب على ذلك عدم مشروعية النافلة أبداً، فليكن المقام من باب التزاحم، فإذا عصى الأمر بالفورية في القضاء جاز له التنفل ويحكم بصحته بالترتّب، وإن كان قد عصى بتأخير القضاء)[67].
والتصحيحات الثلاثة الأخر جارية ههنا أيضاً.

معنى أن اللاإقتضائي لا يزاحم الإقتضائي
ولا يتوهم أن اللاإقتضائي لا يزاحم الإقتضائي، والنافلة مستحبة وليست بواجبة فكيف زاحمت الواجب؟
إذ يجاب: بأن النافلة لا تزاحم الواجب، كما أن الواجب المهم لا يزاحم الواجب الأهم؛ فإن كليهما مرجوح بالنسبة للأهم، لكنهما مع ذلك متزاحمان إذ لكليهما ملاك ولكليهما أمر ترتبي أو إنشائي قانوني – على ما ذكرناه فيقدم الأهم إذاً وهو الواجب كما هو واضح.
ويوضحه أكثر: أن الواجب الأهم واجد مثلاً لمائة درجة من المصلحة، وأما المهم فواجد لتسعين درجة منها ، وأما المستحب فواجد لستين درجة؛ فالأهم راجح على أي تقدير وليس لواجب آخر أن يزاحمه كما ليس للنافلة أن تزاحمه، إلا أن معنى التزاحم هو وجدانهما للملاك فإن رجح أحدهما على الآخر فالأمر موجه له ، فإن عصاه فالأمر وجوباً أو استحباباً يتوجه للآخر مهماً كان أم مستحباً، وهذا هو معنى التزاحم، ومنشأ التوهم الخلط بين التزاحم اللغوي والاصطلاحي؛ إذ الأول هو المراد عندما يقال لا يزاحَم الإقتضائي باللاإقتضائي أي لا يدفعه ولا يتغلب عليه، أما الثاني فهو المراد بكونهما من باب التزاحم ، أي لكليهما ملاك مع تضيق القدرة عن امتثالهما معاً، فإذا كان أحدهما أهم فالأمر موجه له فقط[68]، فإن عصاه أو يئس وجّه الأمر للمرجوح الواجب أو للمرجوح المستحب، فتدبر جيد[69].

صحة الاعتكاف بدون اذن المستأجِر
الفرع الثالث: قال السيد الأخ (قدس سره) : يشترط في صحة الاعتكاف اذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاص ،كما ذهب إليه صاحب العروة (قدس سره).
قال في المستند: - ضمن كلام له -  من كان أجيراً لعمل معين كالسفر في وقت خاص فخالف واشتغل بالاعتكاف فالظاهر هو الصحة وإن كان آثماً في المخالفة، لوضوح أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، فيمكن تصحيح العبادة بالخطاب الترتبي، بأن يؤمر أولاً بالوفاء بعقد الإيجار، ثم على تقدير العصيان يؤمر بالاعتكاف)[70] [71].
إشكالات على حكم المستند بصحة الاعتكاف
أقول: ولكن قد يستشكل على الحكم بالصحة استناداً إلى تصحيح العبادة بالخطاب الترتّبي، بأمور:

التفصيل بين ما لو كان العمل هو المستأجَر أو الوقت
الأول: أنه ينبغي التفصيل بين ما لو كان( العمل) هو المستأجر، وما لو كان (الوقت)[72] هو المستأجر؛ فإنه تارة يستأجر عمله بأن يبذل له الأجرة مقابل خياطة ثوب؛ فإن المملوك للمستأجِر حينئذٍ هو خياطة الثوب، وأما وقت الخياط فهو ملكه غاية الأمر أنه ظرف للعمل، وتارة يستأجر وقته بأن يبذل له الأجرة مقابل أن يكون وقته من الثامنة صباحاً إلى الثامنة مساءً –مثلاً-  له، وإنما يستأجر وقته لغرض عقلائي مثل أن يكون له أن يكلفه بأي عمل كان وإن لم يكلفه بشيء، عكس ما لو استأجره لعمل مخصوص -كالخياطة - فإنه لا يمكنه تكليفه بالنجارة أو الزراعة، ومثاله الآن المساعد أو السكرتير أو المعاون.
لا يقال: بأنه استأجر الجامع بين الأعمال؟
إذ يقال: أولاً: المدار هو مصب العقد وما وقع عليه، وكلاهما ممكن وواقع، وثانياً: يمكن تصوير استئجاره الوقت خاصة لغرضٍ له، كما لو أراد استئجار وقته كي لا يحق له التصرف فيه وشغله بما شاء لكونه يخشى أن يصرفه في الحرام مثلاً.
وحينئذٍ: فلو استأجر عمله خاصة [73] فالأمر كما قاله المستند مع إضافة المصححات الثلاث السابقة إضافة لتصحيحه بالترتب، ولو أستأجر وقته[74] فقد يشكل الحكم بصحة صومه فيه ؛ إذ الوقت مملوك للغير فكيف يصوم فيه؟
فهو كمن يتوضأ بماء مغصوب أو يصلي في فضاء مغصوب؛ فإنه مادام الفضاء مملوكاً للغير فالصلاة فيه باطلة؛ لأن الحيّز مقوم للركوع  والسجود والقيام والعقود،  فكذلك الوقت -وهو اليوم-  مقوم للصوم ، كما أن الزوال مقوم للصلاة، فإذا كان مملوكاً للغير فكيف يصح صومه؟.

مناقشة: الوقت لا يُملك؟
وقد يناقش: بأن الوقت لا يملك؟
وقد يجاب: بأنها معاملة عقلائية ولا حقيقة شرعية في المعاملات أو في نوع المبيع، بل المقوم كونه ذا مالية وقيمة ومما يرغب العقلاء فيه، والوقت الآن كذلك[75].
سلمنا ، لكن للمستأجِر حق الاختصاص في هذا الوقت؛ فله السلطنة عليه .
ولو نوقش في إجارته فلا نقاش في المصالحة عليه، فكيف يصوم بما صار حقاً مختصاً للغير بالصلح مثلاً!
وقد يشكل على فتوى السيد الخوئي في المقام بما سبق من تعليله صحة وضوء من نهاها زوجها عنه[76] (أو طلب الاستفراش)[77]: بأن عملها - وهو الوضوء -مملوك لها؛ ولذا لا يبطل وضوؤها بنهيه؟
فإذا كان المصحح لوضوء ما والمفسد له ملكها لعملها وعدمه، فكذلك المصحح لما قوامه الوقت هو كونه طلقاً أو لا.
نظائر المقام: لو قصد المستأجر الحيازة لنفسه
وللمسألة نظائر قد تجلي الحال في المقام.
منها: ما لو استأجره ليحوز له الأسماك أو الطيور فإنّ عمله مستأجر له، وهنا يجري البحث في أنه لو حازه لنفسه فمن المالك؟
فقد يقال: لا أحد منهما؛ أما أنه لا يدخل في ملك المستأجِر فلأن قوام الحيازة بالقصد وقد قصده لنفسه فكيف يصير ملكاً للمستأجر؟
وأما لأنه يدخل في ملك المستأجَر – أي الحائز-  فلأن عمله ملك لغيره فكيف يكون هذا العمل مملِّكاً له؟
وقد يقال: بالتشريك بينهما ، ويرد عليه الإشكالان معاً.
وذهب نادر إلى أن مثل الحيازة غير قابل للاستئجار أصلاً فالإجارة باطلة، وإن ما حاز فهو له ،وسنذكر لاحقاً كلام بعض الفقهاء بإذن الله تعالى.
والأشكل من ذلك ما لو استأجر وقته فحاز فيه لنفسه.
ومن النظائر: نذر الوقت، أو حبسه، بل أو وقفه، فتأمل[78].

الترتّب لا يصحح الأحكام الوضعية ولا يغيّرها
الثاني[79]: أن الترتّب – بناء عليه – إنما يصحح الأحكام التكليفية الطولية، ولا يصحح الأحكام الوضعية، بل لا معنى لتصحيحه لها.
فمثلاً: لو كان له مال يكفي إما لتسديد دينه أو لشراء ماء به للوضوء أو للغُسل، فيقال له: سدِّد به الدين[80] فإن عصيت فاشتر به ماء وتوضأ، فهكذا يصحح الحكم التكليفي للمهم أو لما له البدل بالترتّب.

وأما الحكم الوضعي فلا يمكن أبداً تصحيحه بالترتّب.
لا يقال: الترتّب إنما هو في الحكم الوضعي ؛إذ الصحة حكم وضعي؟
إذ يقال: ليس الكلام عن الحكم الوضعي الناشئ من وجود الأمر كمصحح للعمل، بل عن الحكم الوضعي غير الناشئ منه كالغصب، أي ليس الكلام عن الصحة من حيث وجود الأمر بالمتعلَّق وعدمه بل عنها بأسبابها الخاصة الأخرى، فمثلاً لو كان الماء مغصوباً فالخطاب هو أرجعه لمالكه، ولا يصح قوله: ارجعه لمالكه فإن عصيت فتوضأ به! وذلك لأن التوضئ لا يصح بالماء المغصوب، وعصيان الأمر الأول لا يغيّر الحكم الوضعي ليكون الماء غير مغصوب؛ فالوضوء به باطل ؛ إذ لا مصحح لجهة غصبيته، أي لا مصحح لحكمه الوضعي.
مثال آخر: المشهور أن الخمس يتعلق بالعين لا بالذمة، ولا يصحح الخطابُ الترتبي ملكيته بأن يقال مثلاً: ادفع الخمس للإمام والسادة فإن لم تفعل فسدد به دينك ؛ إذ تسديد الدين موضوعه هو (ماله) والخطاب الترتّبي ليس ممِّلكاً.
والمقام من هذا القبيل[81]؛ فإنه لو دخل الوقت في ملك المستأجِر بالإجارة أو صار له به حق الاختصاص فإن الخطاب الترتّبي لا يصححه ؛ إي لا يسقطه عن ملكية المستأجر له أو حقه فيه، فلا يصح أن يخاطب هكذا: فرِّغ وقتك للمستأجر أو لما استأجرت له، فإن لم تفعل فصُم فيه؛ إذ قوام الصوم بالوقت غير المسلط عليه الغير، فهل الأمر كذلك؟[82].


-------------
[1] على المباني.
[2] وذلك ما استظهرناه.
[3] لا مجرد استحالة طلب الجمع بين الضدين.
[4] والظاهر أنهما صنفان لنوع واحد، فتدبر.
[5] هذا القيد على أحد تصويري قاضي التحكيم؛ فإن فيه خلافاً فراجع الجواهر ثم الفقه، وتدبر.
[6] أي صحة أن يقضي، وأيضاً ثبت له نفوذ حكمه على رأي.
[7] أي صحة أن يقضي ونفوذ قضائه.
[8] اعتبار كونه قاضي تحكيم تعليقياً.
[9] هنا من دون نفوذ وحكم وهناك من دون بعث وطلب.
[10] وليسا متضايفين بناء على تعريفهما بالنسبة المتكررة إذ البعث ليس نسبة، فليس مضافاً حقيقياً ولا مشهورياً.
[11] إذ تارة نقول بان هذا الحل قسيم للترتّب وأخرى نقول بانه نوع من أنواعه، فتدبر جداً.
[12] راجع الدرس (17).
[13] بان يدعى ان الأهم مأمور به (بمعنى كونه بالعهدة وكونه مبعوثاً إليه) والمهم مأمور به بالمعنى الأول فقط (كونه بالعهدة) وان ذلك مصحح لعباديته بقصد هذا الأمر.
[14] الثانية والثالثة إذا كانت الثالثة بنحو الشرط المتأخر أو المقارن.
[15] راجع الدرس (16).
[16]  فوائد الأصول:  ج1 ص336-337.
[17] تقول: (الطلبان مجتمعان أو قد اجتمعا).
[18] ولا تقول: (الجمع مطلوب) أو (الجمع قد طلب).
[19] مصباح الأصول، الناشر:  ج1 ق2 ص17-18.
[20] قال: (2- أن يكون طلب أحد الضدين مترتّباً على عصيان الأمر بالضد الآخر آناً مّا مع عدم سقوطه بالعصيان، بأن يكون عصيان الأمر الأول آناً مّا موجباً لفعليّة الأمر الثاني حدوثاً وبقاءاً، أي يكون عصيان الأمر الأول آناً مّا كافياً في فعليّة الأمر الثاني في جميع أزمنة امتثاله مع بقاء فعليّة الأمر الأول، بحيث لو أتى بهما على فرض المحال لوقع كلاهما على صفة المطلوبية.
والظاهر أنّ هذا الفرض هو محلّ كلام القائل بامتناع الترتّب، كما يظهر من بعض عبارات الكفاية، وما ذكروه من استحالة الترتّب حق في هذا الفرض، إذ بعد تحقّق عصيان الأمر بالأهم آناً مّا كان الأمر بالمهم فعليّاً لحصول شرطه مع بقاء فعليّة الأمر بالأهم، فيلزم طلب الضدين، ولا ينبغي الشك في استحالته...)

(3- أن يكون طلب أحد الضدين دائراً مدار عصيان الأمر بالضد الآخر حدوثاً وبقاءاً، بأن يكون التكليف بالمهم فعليّاً في ظرف عصيان الأمر بالأهم ومنتفياً على تقدير امتثاله، بحيث لو فرض الاتيان بهما على فرض المحال لم يقع المهم على صفة المطلوبية كما تقدم ، وهذا الفرض هو محل كلام القائل بإمكان الترتّب ولا محذور فيه، إذ لا طلب للجمع بين الضدين بل جمع بين الطلبين مع كون أحدهما مشروطاً بعصيان الآخر)، مصباح الأصول : ج1 ق2 ص20.
[21] الأدق: أنه ينتزع من طلب الضدين، الجمع بين الطلبين.
[22] أي قال بـأنه يلزم من الصورة الثالثة الجمع بين الطلبين.
[23] مصباح الأصول: ج1 ق2 ص19.
[24] مصباح الأصول: ج1 ق2 ص17-18.
[25]  بينما تكون بينهما المضادة في مرحلة الطلب الفعلي.
[26] وقد سبق ذلك بعبارة أخرى إذ مضى (وصفوة القول: أن الترتّب وهو: الأمر بالمهم على تقدير عصيان ضده الأهم أو على تقدير العزم عليه أو لدى اليأس عن إطاعة العبد ....الخ .
3- الالتزام بثبوت كلا الأمرين؛ بدعوى أن المحال هو طلب الجمع بين الضدين لا الجمع بين الطلبين، راجع الدرس: (17).

[27] وهو الذي ذكرناه في الحل الرابع وهو الذي لم يلتفت إليه الآخوند فتصور المنفصلة دائرة بين شقين غفلةً عن وجود هذا الشق الثالث  ، وهو الحل الرابع.
[28] أي الأهم.
[29] أي المهم (غير الأهم حسب تعبيره).
[30] كفاية الأصول: ج1 ص135.
[31] الوصول إلى كفاية الأصول: ج2 ص248.
[32] الوصول إلى كفاية الأصول: ج2 ص248.
[33] الإنشائي القانوني والفعلي البعثي.
[34] بالأهم وبالمهم.
[35] الوصول إلى كفاية الأصول: ج2 ص250.
[36] الأهم أو المهم.
[37] لتلازمهما كما سبق.
[38] وللبحث تتمة ومزيد إيضاح.
[39] في الحل الرابع.
[40] هو المجدد الشيرازي الكبير السيد محمد حسن بن السيد ميرزا محمود الحسيني الشيرازي ولد في ١٥ ج ١٢٣٠، حضر درس المحقق السيد حسن المدرس والمحقق الكلباسي، قصد العراق عام ١٢٥٩، حضر الاندية العلمية، اختصّ في التلمذة والحضور بأبحاث المحقق الأنصاري، عين مرجعاً بعده، حج سنة ١٢٨٨، وهاجر إلى سامراء شعبان سنة ١٢٩١ ثم تبعه تلاميذه، أخذ منه كثير من فحول العلماء، منهم: آقا رضا الهمداني والشيخ فضل الله النوري والآخوند الخراساني، توفي ليلة الأربعاء ٢٤ شعبان ١٣١٢هـ.
[41] كفاية الأصول: ج1 ص134.
[42] أقول وأما قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فإنها أجنبية عن المقام ؛ إذ تفيد اختيارية الشيء بالواسطة ، وأنه لو أوقع نفسه بسوء اختياره في ما لا يمكنه إلا الفعل أو الترك معه، فإنه لا يسقط بذلك عن كونه مختاراً فيما توصل إليه، والكلام عن استحالة طلب المولى للضدين من العبد وإن أوقع العبد نفسه بسوء اختياره في الورطة.
[43] الأهم أو المهم.
[44] راجع الدرس (19).
[45] أي بنحو الترتّب.
[46]  كفاية الأصول: ج1 ص134.
[47] المصدر نفسه.
[48] حين العزم على العصيان أو حينه.
[49]  كفاية الأصول: ج1 ص135.
[50] أي قسيمي.
[51] المصدر نفسه.
[52] بالعبادة أي بطبيعيّها.
[53]  كفاية الأصول: ج1 ص136.
[54] المصدر نفسه: ص137.
[55] ممزوجاً مع الكفاية.
[56] الوصول إلى كفاية الأصول : ج2 ص254.
[57] أي في صورة عصيان الأهم أو العزم عليه.
[58] الأهم.
[59] المهم.
[60] كفاية الأصول: ج1 ص135.
[61] وبالأولى لا طلب قانونياً.
[62] بحث التزاحم: الدرس: 18، 19، 20، 21.
[63] العروة الوثقى: ج1 ص444.
[64] الترتب: ص184-185.
[65] من صحة طلب الضدين.
[66] على الخلاف في الفضاء.
[67]  الترتب: ص187-188.
[68] أو لهما على مبنى طلب الضدين ، وأنه لا فرق بين الحدوث والبقاء.
[69] بحث التزاحم: الدرس : 26.
[70] المستند في شرح العروة الوثقى : ج12 ص374.
[71]  الترتّب: ص190.
[72] أو الشخص هو المستأجر، كما سيأتي.
[73] بأن أراد من استئجاره للسفر: حركته ونفس مسافرته.
[74] أو: فقل لو استأجره هو ،  كما سيأتي.
[75] سيأتي مسلّمية صحة استئجار الشخص.
[76] وهذا مورد كلام صاحب العروة.
[77] وهذا مورد كلامه ، كما سبق.
[78] لأنه حبس الأصل وتسبيل المنفعة، والوقت لا يمكن حبسه إذ لا يبقى، وفيه كلام.
[79] من الأمور التي قد يستشكل على الحكم بالصحة استناداً إلى تصحيح العبادة بالخطاب الترتّبي.
[80] لأنه أهم ؛ لأنه من حقوق الناس والوضوء من حقوق الله، على مبنىً، وعلى مبنى آخر: لأن للوضوء بدلاً وليس لأداء الدين بدل وما لا بدل له مقدم مطلقاً.
[81] ولا يخفى ان هذا الإشكال مبني على الإشكال السابق.
[82] بحث التزاحم : الدرس: 27.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3636
  • تاريخ إضافة الموضوع : 22 محرم الحرام 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28