• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 420- المعاني الخمس في باء(بالباطل) ومناقشته انها للسببية .

420- المعاني الخمس في باء(بالباطل) ومناقشته انها للسببية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(420)

 

البحث حول فقه (الباء) في قوله تعالى (بِالْباطِلِ) وذلك في ضمن مطالب:

 

محتملات معنى باء (بِالْباطِلِ )

المطلب الأول: ان المحتملات بدواً في الباء ههنا هي خمسة:

 

الاستعانة

الأول: ان تكون للاستعانة، كما تقول: كتبت بالقلم أي مستعيناً به، وقوله تعالى (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ) على أحد الوجوه، وهذا المعنى محتمل في الآية الشريفة بان يكون المراد: لا تأكلوا أموالكم بينكم مستعينين بالباطل أي بآلة الباطل وهو الربا أو المقامرة أو الغش مثلاً.

 

الإلصاق

الثاني: ان تكون للإلصاق، الذي رآه سيبويه الأصل من معانيها، كقولك امسكت بالقلم، فيكون المراد: لا تأكلوا أموالكم بينكم ملتصقين حين أكلها بالباطل، والالتصاق مادي ومعنوي، وذلك في مطلق المعاملات المحرمة والفاسدة.

 

المصاحبة

الثالث: ان تكون للمصاحبة كقوله تعالى: (اهْبِطْ بِسَلامٍ)([1]) وقوله (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ)([2]) على تفسيرٍ، فيكون معنى الآية مصاحبين للباطل، كسابقه.

 

المقابلة

الرابع: ان تكون للمقابلة كقولك: اشتريته بألف، وكافأت إحسانه بضعف، وقوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)([3]) وقيل انها للسببية، والمقابلة أعم من السببية، فيكون معنى الآية لا تأكلوا أموالكم بينكم مقابل الباطل، فانه لو باع الخمر أو الخنزير مثلاً فانه يأكل ثمنه مقابل الباطل وكذا لو قامر أو رابى فانه يأكله مقابل عملٍ باطلٍ.

 

السببية

الخامس: السببية، كقوله تعالى (فَبِما نَقْضِهِمْ ميثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ)([4]) و(إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ)([5]) و(فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ)([6]) فيكون معنى الآية الكريمة على هذا: لا تأكلوا أموالكم بينكم بسببِ انه باطل أو بسبب من الأسباب فانه باطل، أو فانه باطل، أي ان تشريع تحريم أكله معلول كونه باطلاً، فهذه كلها محتملات الآية حسب معاني الباء المذكورة في النحو.

 

هل الباء تقييدية أو تعليلية؟

المطلب الثاني: انه اختلف أعلام الفقه من محشي المكاسب في معنى الباء في الآية الكريمة فذهب المشهور إلى ما يظهر منهم انها (تقييدية)([7]) وهو ما ينطبق على المعاني الأربعة الأولى، ولعل أظهرها في الآية الكريمة الأول.

وذهب بعض، كالسيد الخوئي، إلى ان الباء (تعليلية) أو سببية، كما سيأتي.

 

الاستثناء منقطع على التقييدية

المطلب الثالث: انه بناء على كونها تقييدية فان الاستثناء في قوله تعالى (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) منقطع؛ لأن المستثنى منه صار، على هذا، حصةً خاصة هو (أكل المال بالباطل) أو (أكل المال المقيّد بكونه باطلاً) و(تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) قسيم له، فهو منقطع لأنه لم يكن داخلاً في المستثنى منه ليخرج بل كان خارجاً تخصّصاً من البداية، فالاستثناء منقطع فتكون (إِلاَّ) بمعنى بل أو ولكن، أي: بل كُلُوه بالتجارة عن تراضٍ.

 

ومتصل على التعليلية

واما بناء على كونها تعليلية فان الاستثناء متصل وذلك لأن العلة ليست جزء المعلّل له، فـ(بالباطل) ليس جزء المستثنى منه بل علة له (أي علة للاتأكلوا) فيكون المستثنى منه هو (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) وهو أعم من كونه بالحق أو بالباطل وعليه فيكون (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) مُخرَجاً منه بعد دخوله فالاستثناء متصل.

وهذا ما ذهب إليه السيد الخوئي إذ قال: (ولا يفرق في صحة الاستدلال بالآية بين أن يكون الاستثناء متصلاً كما هو الظاهر بأن يكون الباطل علّة فيكون معنى الآية لا تتملّكوا أموال الناس بسبب من الأسباب فإنّه باطل إلا أن يكون تجارة عن تراضٍ، وبين أن يكون منقطعاً بأن يكون "بالباطل" قيداً)([8]).

 

إشكالات على القول بان الباء تعليلية

ولكن قد يورد على هذا الرأي وجوه:

 

1ـ خلاف ظاهر الباء

الأول: ان ظاهر الباء الإلصاق أو الاستعانة، عموماً، وهو أظهر في خصوص الآية الكريمة، بل ان كونها تعليلية غريب لا يخلو من تكلف زائد.

 

(التعليلية) باطلة على المسالك

الثاني: بل ان كونها تعليلية لا يصح بوجه من الوجوه، وذلك لأن ما سبقها وهو (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) لا يخلو، ثبوتاً من ان يكون مطلقاً أو مقيداً مراداً به حصة خاصة أو مهملاً:

أـ فإن كان مطلقاً بان أريد به: (لا تأكلوا أموالكم بينكم مطلقاً أي بحق أو بباطل أي بأي سبب من الأسباب حقاً كان أو باطلاً) فانه لا يصح تعليله بـ(فانه باطل) لبداهة انه بين حق وباطل، والحق منه لا يعلّل بـ(فانه باطل).

ب ـ وإن كان مقيداً (بان أريد به حصة خاصة أي (لا تأكلوا أموالكم بينكم أكلاً بباطل) فانه وإن صح تعليله بـ(فانه باطل)، والتعليل بأمر ارتكازي صحيح ولا يلزم التكرار فتدبر، إلا انه يناقض التزامه بكون الاستثناء متصلاً، إذ على هذا يكون، واقعاً، منفصلاً لأن الفرض ان المستثنى منه أريد به حصة خاصة (ليصح تعليلها بـ"فانه باطل") فلا يجتمع التزامه بهذا مع التزامه بذاك.

ج ـ وإن كان مهملاً، ورد عليه أولاً: انه لا يعقل الإهمال الثبوتي، وإن أمكن فلا يعقل في الباري تعالى. فتأمل، ثانياً: ان المهملة في قوة الجزئية فليس لها إطلاق ليكون (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) داخلاً فيخرج، فلا يمكن على هذا، القولُ بكون الاستثناء متصلاً كما هو مبناه إذ قال: (أن يكون الاستثناء متصلاً كما هو الظاهر بأن يكون الباطل علّة). وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((لَا تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلًا وَيَقِينَكُمْ شَكّاً إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا وَإِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا)) (نهج البلاغة: حكمة 274).

 

 

------------------------------------------------------------------

([1]) سورة هود: آية 48.

([2]) سورة المائدة: آية 61.

([3]) سورة النحل: آية 32.

([4]) سورة المائدة: آية 13.

([5]) سورة البقرة: آية 54.

([6]) سورة العنكبوت: آية 40.

([7]) والاصطلاح منّا.

([8]) الشيخ ميرزا علي الغروي تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي: ج36 ص106.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3660
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 12 ربيع الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19