• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 424- محتملات معنى (بينكم) وردّ الخروج التخصصي .

424- محتملات معنى (بينكم) وردّ الخروج التخصصي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(424)

 

مناقشات مع الاصفهاني في فقه قوله (بَيْنَكُمْ)

ولكن قد يورد على ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني من (إنَّ مورد الآية المعاملات المعاوضية بقرينة قوله تعالى: (أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ))([1]) وما أوضحناه به من (أقول: توضيح الوجه الذي استند إليه المحقق الاصفهاني في تخصيصه المراد من الآية الكريمة بـ(المعاملات المعاوضية) مع ان الآية ظاهراً أعم، هو ظهور (بينكم) في الطرفينية والأخذ والرد الاثنيني)([2]) بوجوه:

 

1- (بَيْنَكُمْ) غير خاص بالطرفيني

الأول: إنكار ان (بَيْنَكُمْ) ظاهر في الطرفينية والأخذ والرد الاثنيني ودعوى شموله لما كان من طرف واحد، فانه وإن قُوِّي بمثل (بَيْني‏ وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ)([3]) الظاهر في الطرفينية لا ان البعد من طرف واحد فقط، وبمثل (بيني وبينك هذا النهر) أو (هذه العصا) أو (الحَكَم بيني وبينك زيد) أو (بيني وبينك سرّ) وهكذا، لكن (بيني وبينك) و(بينكم) تستعمل أيضاً فيما كان من طرف واحد كقولك (بيني وبينك ثأر) فان الثأر من طرف واحد لا من طرفين عادة، ولكن قد يجاب بانه استعمال وهو أعم من الحقيقة، وقد يردّ بانه بلا عناية، وقد يدفع([4]) بانه بعناية بل انه مبني على الاثنينية إذ الظاهر ان المراد منه انه حيث صدر منه قتل ولده مثلاً فانه يثأر منه فـ(بيني وبينك ثأر) كأنه مستبطن لـ: بيني فعل ورد فعل وجرم وردّ له. فتأمل

 

2- (بَيْنَكُمْ) ظرف متعلق بـ(أَمْوالَكُمْ) لا بـ(تَأْكُلُوا)

الثاني: ان الظاهر ان (بَيْنَكُمْ) ظرف متعلق بـ(أَمْوالَكُمْ) أو فقل هو قيد له وليس ظرفاً متعلقاً بـ(تَأْكُلُوا) وقيداً له ليفيد ما قاله من ان الأكل اثنيني وانه تواكل (أي أكل من هذا أو أكل من ذاك) أي انه يفيد المعاملة المعاوضية إذ أفاد الأكل التعاوضي، والمراد (أموالكم الكائنة بينكم) أو (أموالكم حالة كونها بينكم)([5]) فعلى هذا: المراد ان أموالكم التي هي بينكم لا تأكلوها، وأكل هكذا أموال أعم من الأكل الطرفيني ومن الأكل من طرف واحد.

والمستظهر هو هذا المعنى وان الوجه في إضافة (بين) هو عدم حصر دلالة الآية في صِرف أكل أموال النفس بالباطل، توضيحه: ان الشخص تارة يأكل أموال نفسه بالباطل وأخرى يأكل أموال غيره بالباطل.

فالأول: نظير أكل أمواله إسرافاً أو تبذيراً أو أكل المحرمات من أمواله كأكل التراب أو المتنجس أو النجس أو المحرّم اللحم كالأرنب أو الهرة مثلاً أو أكل ما يضر به ضرراً بالغاً.

والثاني قسمان: أكل مال الغير الطرفيني كالمعاملة الربوية أو الكالي بالكالي، وأكل مال الغير من طرف واحد كسرقة مال الغير وأكله أو غصبه أو ما أشبه، فلو كانت الآية الكريمة (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ) مجردة من (بَيْنَكُمْ) لكان ظاهرها المعنى الأول أي أكل مال النفس بالباطل أي لا يأكل كلٌّ مالَ نفسه بالباطل، ولكن حيث أضيفت (بَيْنَكُمْ) أفادت المعنى الثاني فان أكل الشخص مال نفسه لا يصدق عليه([6]) انه (تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ) سواء اعتبرنا (بَيْنَكُمْ) قيداً للأموال أم للأكل، فتدبر جيداً.

وعلى أي فالمراد، على الاحتمال الثاني، ان أموالكم التي هي بينكم لا تأكلوها وهذا أعم من الأكل من طرف واحد أو من الطرفين متقابلاً، فليست الآية خاصة بالأكل الطرفيني وبالمعاوضة الطرفينية، وعليه: لا يكون خروج الوقف وسائر الإيقاعات عنها بالتخصّص بل بالتخصيص فيرد إشكال لزوم استثناء الأكثر من كون الاستثناء متصلاً.

 

3- سلّمنا، لكن الأكل طرفيني بلحاظ المجموع

الثالث: سلّمنا ان بينكم ليس قيداً لأموالكم، وانه قيد لـ(تَأْكُلُوا) لكن كونه قيداً لـ(تَأْكُلُوا) (أي لا تأكلوا أكلاً بينكم أموالكم) أعم مما صار إليه الاصفهاني ومن احتمال ثانٍ سنشير له الآن، ولا دليل على ما ذهب إليه فتبقى الآية مجملة مرددة بين الوجهين ومعه لا يحرز كون الخروج تخصصياً (وان المراد خصوص المعاملات المعاوضية) ليدفع إشكال خروج الأكثر، بذلك.

واما المحتمل الثاني فيتضح بعد ملاحظة: أن (أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) تارة تلاحظ انحلالية فيراد كل شخص وكل مال له، فيكون معنى (تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) أكل كلٍّ مال الآخر قبال أكل الآخر ماله (كما استظهره الاصفهاني) وتارة تلاحظ مجموعية بمعنى ان الشارع لاحظ مجموع الأفراد ومجموع الأموال فقال: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ) فكل من أكل مالاً من أي شخص فانه يصدق عليه انه أكل ماله هو (أي مال نفسه) لفرض اعتبارهم وحدة واحدة اعتبارية، ويشهد لهذا قوله (أَمْوالَكُمْ) مع ان المراد (أموالهم) أو المراد الأعم، فانه لو لوحظ المجموع مالاً ولوحظ المجموع شخصاً فكل أكل لمال الغير فهو أكل لمال النفس ولذا صح لا تأكلوا أموالكم مع ان المقصود لا تأكلوا أموالهم (مع أو بدون أموالكم الدقّية).

وعليه: فإذا لوحظت مجموعية فان زيداً إذا أكل مال عمرو وأكل عمرو مال بكر وأكل بكر مال خالد وأكل خالد مال زيد، صدق لا تأكلوا أموالكم إذ الطرفينية متحققة مادام لوحظ المجموع كأمر واحد، إذ لو لوحظ كلٌّ منفرداً لما كان من كل شخص إلا أكل من طرفٍ واحد ولم يكن أكلاً طرفينياً.

وعليه: يدخل الأكل من طرف واحد في المستثنى منه فيدخل مثل الوقف فيكون حصر الجائز من المعاملات بالتجارة حصراً طارداً للأكثر. فتدبر جيداً يا من رعاك الله وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((أَرْبَعَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَوَالِدٌ لِوَلَدِهِ، وَالرَّجُلُ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَالْمَظْلُومُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْتَصِرَنَّ لَكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ)) (من لا يحضره الفقيه: ج4 ص352).

 

 

-----------------------------------------------------------------------

([1]) الشيخ محمد حسين الاصفهاني، حاشية كتاب المكاسب، دار المصطفى صلى الله عليه واله وسلم لإحياء التراث: ج1 ص142.

([2]) الدرس (423).

([3]) سورة الزخرف: آية 38.

([4]) الردّ.

([5]) على الوصف، أو على الحال، واللف والنشر مرتب.

([6]) إلا على وجه آت، وهو الوجه الثالث، وهو يقوي مدعانا.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3671
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 19 ربيع الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28