• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 426- (لاتأكلوا) اعم من التملك والتمليك والتصرف .

426- (لاتأكلوا) اعم من التملك والتمليك والتصرف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(426)

 

(التقامر) في نص الرواية دليل انه معاوضة

كما يرد على نقض (العِقد النضيد) على المحقق الاصفهاني بالمقامرة إذ ذهب الأخير إلى ان (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) خاص بالمعاملات المعاوضية، فنقض عليه العِقد بان الروايات تصرح بتطبيق الآية على المقامرة مع انها ليست معاوضة([1])، إضافة إلى انه قال بنقيض ذلك في موضع آخر، كما سيأتي نص عبارته بعد قليل([2]) أنّ الروايات التي استدل بها هي عليه لا له؛ وذلك لورود لفظ (التقامر) في بعض معتبراتها كرواية زياد بن عيسى: ((قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) فَقَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَامِرُ الرَّجُلَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ))([3]). والتقامر تفاعل وهو طرفيني كما هو أوضح من ان يخفى، بل حتى ما ورد فيه لفظ (القمار) فانه يراد به (التقامر).

 

التقسيم الرباعي في آلة القمار والتقامر

ويوضحه ويدل عليه: التقسيم الرباعي الذي ذكره الفقهاء للقمار فانه تارة يكون تقامر([4]) بآلة قمار فهو محرّم قطعاً، وأخرى: يكون لعب بآلة قمار كالشطرنج بدون تقامر فهو حرام كذلك، وثالثة: عكسه بان يكون تقامر بدون آلة قمار فهو حرام كذلك، ورابعة تكون مجرد مسابقة بدون آلة قمار وبدون ان يكون فيها تقامر، كالمسابقة بالسباحة أو الجري أو ما أشبه بدون رهان، فان المشهور ارتأوا حليته وأشكل عليه الشيخ بما لا نرى له وجهاً وجيهاً.

لا يقال: في القمار البذل من طرف واحد؟

إذ يقال: المقامرة والتقامر والقمار معاملة طرفينية طرفاها المتقامران والعوضان وعد هذا لذاك بان يدفع له كذا إن خسر، ووعد ذاك لهذا بالعكس، والمال المبذول ليس هو التقامر بل هو نتيجته وهو ما تقومر عليه([5])، وذلك نظير الصلح على إبراء ذمته من المال أو الصلح عند جهل مقدار ما يطلبه على كذا. فتأمل هذا

 

(لا تَأْكُلُوا) نهي عن التملّك الاختياري فخروج الوقف تخصصي

ثم ان العِقد النضيد ذكر وجهاً آخر للخروج التخصّصي (خروج الوقف والهبة والخمس وحيازة المباحات واللقطة وما يأكله المارّة و...) من المستثنى منه في الآية الكريمة، غير وجه الاصفهاني، وهو ان (لا تَأْكُلُوا) يراد به النهي عن التملك الاختياري، والوقف وشبهه (كالهبة والوصية إن قلنا بعدم حاجتها للقبول) ليس تملكاً اختيارياً، بل انه تملك قهري لأنه بالوقف الذري يدخل الوقف في ملك البطون قهراً وكذا بالهبة والوصية بناء على كونهما إيقاعاً، فهي خارجة عن موضوع الآية تخصصاً.

ويوضح المدعى (ان المراد بالآية النهي عن التملك الاختياري) ويدلّ عليه وجهان:

أولهما: ان ظاهر الأفعال القصدية، و(تَأْكُلُوا) فعل فظاهره كونه قاصداً عامداً فلو دخل في ملكه قهراً لما صدق عليه انه أكله.

وثانيها: ان (تَأْكُلُوا) وقع منهيّاً عنه ولا يمكن تعلق النهي بأمر غير اختياري لاستحالة تكليف غير المختار، فدلّ ذلك على ان (لا تَأْكُلُوا...) يراد به خصوص النهي عن الأكل الاختياري والوقف بالنسبة للموقوف عليهم أكل غير اختياري.

قال في العِقد النضيد (فان قيل أولاً: بأنّه لا يلزم تخصيص الأكثر، وما ذكر من خروجه تخصيصاً إنما هو خارج تخصّصاً وموضوعاً كالوقف، فإنّ التملّك الحاصل منهما غير اختياري وخارج عن موضوع الآية، ولا تندرج الملكية الحاصلة منهما في الآية حتى يلزم التخصيص، فهي خارجة تخصّصاً، وكذلك الوصيّة والهبة فإنهما داخلان في عنوان المستثنى ـ أي تجارة عن تراضٍ ـ فلم يلزم التخصيص عند عدم اشتراطهما بالقبول)([6]).

 

الجواب: روايات القمار تفيد عموم الآية للتمليك، فالخروج تخصيصي

وقد أجاب العِقد عنه بان (تَأْكُلُوا) يعمّ التمليك (ولا يخص التملّك) وفي كافة الأمثلة المتقدمة المنقوض كـ(الوقف وشبهه) فان التمليك فيها اختياري وإن كان التملك قهرياً، فكلها داخل في المستثنى منه في الآية الشريفة وعليه يلزم خروج الأكثر من استثناء خصوص التجارة دون الوقف واخواته.

واستدل على عمومها للتمليك بروايات القمار أيضاً لأن المحرّم ليس التملك بالقمار بل التمليك به أيضاً، أي كلاهما قد فعل محرّماً وأكل المال بالباطل، حسب الرواية.

قال (قلنا: استدل بهذه الآية في بعض الروايات للاستشهاد بها على التمليك والتملّك، لا خصوص التملك الاختياري حتى يستلزم خروج غيره تخصّصاً، وعليه فعدّ الاستثناء متصلاً يستلزم الخروج المستهجن، ومن تلك الأخبار:

1ـ ما رواه زياد بن عيسى بسنده، قال: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) فَقَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَامِرُ الرَّجُلَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ))([7])

ومعلوم أنّ المقامرة ليس مجرّد التملّك، بل تمليك وتملّك، والإمام عليه السلام طبّق الآية عليهما لا على خصوص التملّك.

2ـ ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في "نوادره" قال: ((قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) قَالَ: ذَلِكَ الْقِمَارُ))([8]).

فالمستفاد من تطبيقات الإمام عليه السلام في هذه الأخبار وأضرابها، أنّ المنهيّ عنه مطلق التمليك والتملّك، لا خصوص التملّك غير الاختياري كالوصية والوقف مع عدم اشتراطهما بالقبول)([9]).

 

جواب آخر: إطلاق (تَأْكُلُوا) يشمل صوراً خمسة

أقول: لا يتوقف الاستدلال (وتعميم الآية للتمليك) على وجود تلك الروايات، إذ يكفي الإطلاق في الآية الشريفة، توضيحه ان (تَأْكُلُوا) في قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) يمكن ان يفسر بأحد أربعة أنحاء ثالثها المختار إن أريد به الأعم وإلا فالرابع:

1ـ ان (لا تَأْكُلُوا) كناية عن لا تتملَّكوا، وهو الذي قال به جمع من الأعلام، وهذا هو المحتاج إلى الاستعانة بالروايات لتعميمه للتمليك.

2ـ (لا تَأْكُلُوا) أي لا تُملِّكوا، وهو ما احتاج إلى روايات المقامرة لتعميمه إليه، لكنه خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بقريبه إذ الآية (لا تَأْكُلُوا) وليست (لا تُؤكِلوا) والتمليك إيكال للغير والتملّك أكل، وعلى أي فتخصيص (لا تَأْكُلُوا) بـ(تؤكلوا) والتمليك لا وجه له، واما تعميمه إليه مع انه خلاف ظاهره فإنما هو بمعونة رواية القمار.

3ـ ان (لا تَأْكُلُوا) كناية عن (لا تتصرفوا) والتمليك تصرّف (أي تصرف اعتباري في عالم الإنشاء) والتملّك تصرف، والأكل بعدهما بمختلف أنواعه مِن أكلٍ بالفم ومن نقلٍ وجلوس في الدار و... تصرُّف، والأكل بدونهما تصرف، كما لو سرقه أو غصبه أو غير ذلك.

أقول: لو قلنا بان ظاهر (لا تَأْكُلُوا...) هو لا تتصرفوا فيشمل 1ـ الإيجاب، 2ـ والقبول؛ فانهما من مقولة الإنشاء وهما تصرف في الشيء في عالم الاعتبار بنقله اعتباراً من ملك غيره إلى ملك نفسه أو إلى ثالث، 3ـ4ـ والتمليك والتملّك وهما مسبَّب توليدي عن الإيجاب والقبول إذ يقال التمليك بالبيع والشراء مثلاً، 5ـ ومطلق التصرف الخارجي.

فان قيل بعموم التصرف لكل ذلك، كان هو المختار؛ للإطلاق فيها والصدق عرفاً، وإن قيل ان التصرف لا يطلق عادة على نفس البيع والشراء أي على الإنشاء قلنا:

4ـ ان المراد بـ(لا تَأْكُلُوا) معنى رابع هو الأعم منها جميعاً أو فقل التصرف بالمعنى الأعم، وقد يدعى انه المرتكز في الأذهان من سماع مثل تلك الجملة. فتأمل

وعلى أي فان الإطلاق يفيد عموم تأكلوا لكل الأمور الخمسة السابقة، فيكون الوقف وشبهه داخلاً في المستثنى منه، فإذا قيل بان الاستثناء متصل لزم خروج الأكثر كما قيل وكما مضى بمناقشاته. فتدبر جداً.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)([10]) (نهج البلاغة: حكمة: 88).

 

 

---------------------------------------------------------

([1]) راجع الدرس (423).

([2]) إذ قال: (ومعلوم ان المقامرة ليس مجرد التملّك بل تمليك وتملّك) فتأمل.

([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص122.

([4]) والمراد بالتقامر المراهنة على مبلغ أو شبهه للفائز.

([5]) كما ان البضاعة في البيع ليست بيعاً بل هي المبيع والمثمن.

([6]) الشيخ محمد رضا الانصاري القمي، العقد النضيد، دار التفسيرـ قم: ج1 ص259.

([7]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص122.

([8]) أحمد بن محمد الأشعري، النوادر، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ قم: ص162.

([9]) الشيخ محمد رضا الانصاري القمي، العقد النضيد، دار التفسيرـ قم: ج1 ص259ـ260.

([10]) سورة الأنفال: آية 33.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3676
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 21 ربيع الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29