• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 427- تتمة البحث السابق: هل (تأكلو) تتملكوا او اعم من تَملِكوا .

427- تتمة البحث السابق: هل (تأكلو) تتملكوا او اعم من تَملِكوا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(427)

 

الملخص، ورواية القمار تعمّم (لا تَأْكُلُوا) للتمليك

سبق ان ظاهر قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا) إن كان هو (التملّك) المطلق فيلزم من استثناء (تِجارَةً) فقط استثناء الأكثر لأن التملك بالوقف وشبهه ليس تجارة مع انه جائز، وأجيب: بان المراد به (التملّك الاختياري) لوقوعه منهياً عنه، والاختياري فقط هو الذي يمكن ان يُنهى عنه، فلا يلزم تخصيص الأكثر لأن التملّك بالوقف ليس اختيارياً فليس داخلاً في المستثنى منه وخروجه تخصصي، وأجاب في العقد النضيد عن الأخير، بان ظاهر (لا تَأْكُلُوا) وإن كان التملك الاختياري لكن روايات القمار المفسرة للآية عمّمت (لا تَأْكُلُوا) للتمليك أيضاً، والتمليك في الوقف اختياري فقد دخل الوقف وأشباهه في المستثنى منه (ولم يكن خروجه تخصصاً) فيلزم من إخراج التجارة فقط تخصيص الأكثر القبيح، قال: (قلنا: استدل بهذه الآية في بعض الروايات للاستشهاد بها على التمليك والتملّك، لا خصوص التملك الاختياري حتى يستلزم خروج غيره تخصّصاً، وعليه فعدّ الاستثناء متصلاً يستلزم الخروج المستهجن، ومن تلك الأخبار:

1ـ ما رواه زياد بن عيسى بسنده، قال: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) فَقَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَامِرُ الرَّجُلَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ))([1]).

ومعلوم أنّ المقامرة ليس مجرّد التملّك، بل تمليك وتملّك، والإمام عليه السلام طبّق الآية عليهما لا على خصوص التملّك.

2ـ ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في "نوادره" قال: ((قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) قَالَ: ذَلِكَ الْقِمَارُ))([2]).

فالمستفاد من تطبيقات الإمام عليه السلام في هذه الأخبار وأضرابها، أنّ المنهيّ عنه مطلق التمليك والتملّك، لا خصوص التملّك غير الاختياري([3]) كالوصية والوقف مع عدم اشتراطهما بالقبول)([4]).

 

الجواب: بل رواية القمار خاصة بالتملّك، كالآية

ولكن قد يورد عليه: ان القمار وإن كان أعم إذ يشمل الطرفين فان كلّاً منهما مقامر وكلاهما فاعل للحرام، ولكن مصبّ الروايات ومرمى نظرها آكل القمار (أي الفائز الذي يحصل بيده المال) فانه وإن ورد في بعض الروايات (القمار) فقط تفسيراً للآية لكن ورد في بعض الآخر (( كَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَامِرُ الرَّجُلَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ)) وهو ظاهر في الآكل للربا دون المؤكِل، بل حتى لو لم ترد إلا رواية القمار فان الظاهر ان المراد بها آكل القمار، ويدل عليه ان الروايات من باب التفسير بالمصداق وذكر شأن النزول، وظاهر الآية في التخصيص بالتملّك وأكل الربا أقوى من الرواية في التعميم إلى الإيكال والتمليك، ويؤكده ما جمع فيه من الروايات بين الأمرين كما في (المروي عن محمد بن علي، عن أبي عبد الله عليه السلام: ((فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) قَالَ نَهَى عَنِ الْقِمَارِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُقَامِرُ الرَّجُلَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ))([5]) فان ظاهره ان محطّ النظر ومصبّ النهي أكل أموال الغير وأهله بالقمار وان ذكره القمار يراد به هذا الأكل لا ذاك الطرف المعطي وإن كان مسلّماً حرمة فعله إلا ان الكلام في ظهور الرواية والأكثر في ان الكلام عن غير هذا([6]).

 

دفع توهم التناقض بين كلامي (العِقد)

ثم انه قد يتوهم التناقض بين كلاميه (قلنا: استدل بهذه الآية في بعض الروايات للاستشهاد بها على التمليك والتملّك، لا خصوص التملّك الاختياري حتى يستلزم خروج غيره تخصّصاً)([7]) و(ومعلوم أنّ المقامرة ليس مجرّد التملّك، بل تمليك وتملّك، والإمام عليه السلام طبّق الآية عليهما لا على خصوص التملّك...

فالمستفاد من تطبيقات الإمام عليه السلام في هذه الأخبار وأضرابها، أنّ المنهيّ عنه مطلق التمليك والتملّك، لا خصوص التملّك الاختياري...)([8]) وقوله بعد ذلك بمائة صفحة: (وفيه: إنّ هذه المحاولة غير مجدية، لمنافاتها مع استدلال الإمام عليه السلام بالآية الكريمة في موارد لا تعدّ من التملّكات المعاوضيّة، ومنه نستكشف عموم الموضوع، والأخبار الدالّة على استدلال الإمام بها عديدة، منها)([9]) و(فظهر ممّا ذكرنا من الأخبار، أنّ ما استدلّ به المحقّق الاصفهاني ممنوع، وأنّ المراد من قوله تعالى: (أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ) ليس المعاوضة والأخذ والعطاء، بل كلّ ما يتبادل بين الطرفين، فنعود إلى الظهور الأوّلي المستفاد من الآية وهو يخالف الاستثناء المتصل)([10]).

وفيه انه لا تناقض إذ انه ينكر كون القمار تملكاً معاوضياً ولا ينفي ذلك وجود تمليك وتملّك فيه فان كل إيقاع يوجد فيه تمليك وتملّك لكنه ليس بمعاوضة. هذا

 

كلام المحقق اليزدي في اتصال الاستثناء في الآية والمناقشة

ثم ان مبنى اتصال الاستثناء في الآية الكريمة الذي نقلناه من السيد الخوئي، ربما يكون قد أخذه عن صاحب العروة ولكن حيث ان له زيادة ننقل كلامه مع ما قد يناقش به قال: (والتّحقيق أنّ الاستدلال إنّما يتمّ بمجموع الجملتين، وحاصل المراد من الآية لا تأكلوا أموال النّاس؛ فإنّه باطل إلّا أن تكون على وجه التجارة، وعلى هذا فيمكن أن يكون المستثنى متّصلاً، ويكون المستثنى منه الأموال، ويكون قوله تعالى (بِالْبٰاطِلِ) قيدا توضيحياً، وذكره لبيان علّة الحكم لا احترازيّاً، فكأنّه قال لا تأكلوا أموال النّاس إلّا أن تكون تجارة، فإنّ كلّ أكل باطل، نظير قولك "لا تعبد غير اللّٰه شركاً" أي لا تعبد غير اللّٰه فإنّه شرك)([11])

ويرد عليه: ما سبق من انه لم يرد في اللغة كون مثل (بالباطل) تعليلياً، ولا ان العرف يخطر ببالهم ذلك ولو خطر لاستنكروه فراجع ما سبق، إضافة إلى لزوم التناقض من كون المستثنى منه أعم من الحق والباطل وتعليله مع ذلك بـ(فانه باطل) فهذا إن أريد من المستثنى منه الأعم، وإن أريد به الحصة الأخص لزم ان يكون الاستثناء منفصلاً فيتهافت المبنيان فراجع ما سبق أيضاً.

ونضيف: ان قوله (فإنّ كلّ أكل باطل، نظير قولك "لا تعبد غير اللّٰه شركاً" أي لا تعبد غير اللّٰه فإنّه شرك) قياس مع الفارق فان الأخير صحيح([12]) دون الأول لأن (عبادة غير الله) الواقعة متعلقاً للنهي كلها باطلة فصح النهي عنها مطلقاً عكس (لا تأكلوا...) بناء على أعميته فان بعضه باطل.

إن قلت: ان عبادة غير الله قسمان: شرك وغير شرك إذ بعضها كفر.

قلت: فالمنهي عنه هنا على الحالية هو تلك الحصة([13]) دون الحصة الأخرى([14]) ولو أراد التعميم لكان مسامحة مجازاً وكان ينبغي ان يقول حينئذٍ (لا تعبد غير الله شركاً كان أو كفراً) وقد أمكن المجاز للمسانخة بينهما دون الأكل بالباطل والحق. فتدبر. هذا. إضافة إلى ان تفسير الحال بكونه علّة غريب غير معهود ألا ترى عدم صحة تفسير (جاء زيد راكباً) بـ فانه راكب! ولا (أكرم زيداً راكباً) بـ(فانه راكب)!.                                    

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((لِأَهْلِ الْإِيمَانِ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ: وَجْهٌ مُنْبَسِطٌ، وَلِسَانٌ لَطِيفٌ، وَقَلْبٌ رَحِيمٌ، وَيَدٌ مُعْطِيَةٌ)) (الاختصاص: ص335).

 

 

------------------------------------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص122.

([2]) أحمد بن محمد الأشعري، النوادر، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ قم: ص162.

([3]) الصحيح (لا خصوص التملك الاختياري "كي تخرج الوصية والوقف لأنهما تملّك غير اختياري مع عدم اشتراطهما بالقبول).

([4]) الشيخ محمد رضا الانصاري القمي، العقد النضيد، دار التفسيرـ قم: ج1 ص259ـ260.

([5]) محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل ‏الشيعة، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) ـ قم: ج17 ص166.

([6]) فعل المعطِي.

([7]) الشيخ محمد رضا الانصاري القمي، العقد النضيد، دار التفسيرـ قم: ج1 ص259.

([8]) المصدر نفسه: ص259ـ260.

([9]) المصدر نفسه: ص358.

([10]) المصدر نفسه: ص359.

([11]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية المكاسب، مؤسسة إسماعليان ـ قم: ج1 ص74.

([12]) سيأتي عدم صحته.

([13]) حصة الشرك.

([14]) حصة الكفر بعبارة الصنم فقط دون ضم عبارة الله تعالى إليه.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3681
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 25 ربيع الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16