• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 262- تفصيل الضابط الثالث - هل هناك جامع بين معاني لاضرر .

262- تفصيل الضابط الثالث - هل هناك جامع بين معاني لاضرر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(262)

 

سبق (ضابطٌ ثالث: التعليل بأمر فطري أو عقلي أو عقلائي

وموجزه: ان التعليل تارة يكون بأمر فطري وأخرى بأمر عقلي وثالثة بأمر عقلائي، وقد حققنا في محله ان هذه الثلاثة لا مانعة جمع بينها ... فهذه مجموعةٌ من التعاليل.

وقد يكون التعليل بأمر مبهمٍ تارةً وبأمر مجملٍ أخرى، وبأمر أعم ثالثة، وبأمر نسبته مع المعلل له من وجه رابعة، فهذه مجموعة ثانية.

و(لا ضرر) في رواية سمرة وفي رواية الشفعة وفضل الماء هي من قبيل المجموعة الأولى فهو علة لا حِكمة ولكن مع فذلكة في روايات الشفعة وفضل الماء.. وسيأتي التفصيل بإذن الله تعالى)

وفرق هذا الضابط عن سابقيه ان الأول يبتني على ظهور متن الحديث والثاني يبتني على أظهرية العلة من المعلَّل له، وأما هذا فيبتني على حكم العقل والفطرة أو إدراكهما، لا الظهور القائم باللفظ، أي يبتني على كون ما ورد في الدليل حكماً عقلياً أو فطريا أوعقلائياً

ومحل الكلام هو الثلاثة الأولى ولكننا سوف نذكر – اشارةً -  امثلةً من الروايات كشواهد على الاربعة الاخيرة، تتميماً للبحث واكمالاً للصورة لا لتوقف البحث عليه.

 

التعليل بالمبهم أو المجمل أو الأعم مطلقاً أو من وجه

ويمكن التمثيل للصور الأربعة الاخيرة كلها، بما ورد في مقطعٍ من خطبة الصديقة الكبرى عليها السلام في المسجد والمتضمن بياناً لِحِكَمِ الأحكام أو عللها، وهذا بعض كلامها صلوات الله عليها:

 (فَجَعَلَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَ الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الْكِبْرِ)[1] والكِبر قد يقال إنه مجمل من حيث انه هل المراد به الكبر على عبادة الله تعالى؟ أو الكبر على خلق الله؟ أو الإثنين معاً ؟ والأول محرم والثاني مكروه أو بين محرم ومكروه، فهو مجمل ، وإن اريد به الأعم  فهو أعم فلا يمكن الاستدلال بوجود هذه العلة (الكِبر) في أمر آخر على تحرمه، وعلى الأول يمكن لأنه علة.

(وَالزَّكَاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ، وَ نَمَاءً فِي الرِّزْقِ)[2] فقد عللت عليها السلام تشريع الزكاة بكونها تزكية النفس وهي انواع ودرجات تتراوح بين واجب ومستحب، أما نماء الرزق فمستحب، فقد عللت عليها السلام الواجب بالمستحب، فكيف يمكن التسرية والتعدية؟ فلا مناص الا من كونهما حكمة.

(وَالصِّيَامَ تَثْبِيتاً لِلْإِخْلَاصِ)[3]أو (تبييناً) حسب بعض النسخ، والنسبة بينهما من وجه اذ بعض الصيام ليس كذلك[4] وبعض الاخلاص يتحقق بغيره.

(والْحَجَّ تَشْيِيداً لِلدِّينِ)[5] وهو أعم فان بعض غيره كالجهاد يتحقق به تشييده، وهو مجمل من حيث انه اريد حجّ كلِّ فردٍ فهو لا مناصة اقتضائيٌّ او حج المجموع فهو فعلي.

(وَالْعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلْقُلُوبِ)[6] وفي نسخة (مسكاً) وفي نسخة (نُسكاً) وهي بين مبهم أو مجمل او اعم، كما ان لكل ما سبق درجات ومراتب يختلف حكمها.

وعلى ذلك فقس سائر كلامها صلوات الله عليها كــ(وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجَابِ الْأَجْرِ)[7](وَصِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ)[8] (... وَالْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضاً لِلْمَغْفِرَةِ ...)[9].

اذا اتضح ذلك فنقول: ان المدار، كما سبق، انما هو على الثلاثة الأولى لكونها علة حينئذٍ دون الأربعة الاخيرة اللهم الا اذا كان ما نسبته من وجه مع المعلل له او كان اعم، من دائرة الثلاثة الاولى فان له حينئذٍ حكمها . فهذا كله كبرى، وأما الصغرى فبيانها:

 

لا ضرر، عقليٌ فهو علة

ان دفع الضرر المحتمل فكيف بالمعلوم، واجب، وهو من المستقلات العقلية، وقوله صلى الله عليه واله وسلم: في روايات الشفعة وروايات فضل الأمر، كرواية سمرة، (لا ضرر ولا ضرار)[10] إنما هو استناد الى هذا الذي يحكم به العقل والفطرة والعقلاء، فهو علة إذاً.

 

إشكال: لا ضرر في الشفعة نوعي تعبدي

لا يقال: لكنه  صلى الله عليه واله وسلم علَّل به الشفعة، والشفعة ليست دائرة مدار الضرر، كما ظهر من اشتراط الشروط الثمانية الآنفة، فقد يكون الضرر متحققاً ولا شفعة، كما لو كان الشركاء اكثر من اثنين، وقد لا يكون متحققاً وتكون الشفعة كما لو كانا اثنين لكن من دون تضرر الشريك ببيع شريكه حصته لثالث، اذاً هو تعليل بأمر تعبدي.

 

الجواب: اصله تعقّليٌ وخصوصياته تعبّدية

اذ يقال: كلا، وذلك مما يتضح بملاحظة ان هناك قاعدتين:

 الأولى: ان الأصل قد يُعلّل بعلةٍ وتُعلّل خصوصياتُه بعلة أخرى

 والثانية: انه قد تكون علة الأصل تعقلية وتكون الخصوصية تعبدية، ولكل، حكمه:

 والأول مثل ما لو امر الأبُ إبنه بالسفر الى بلدة معينة ليتاجر بها ولكنه الزمه بالسفر بالطائرة خاصة دون السيارة وكانت علة اصل السفر التجارة وعلة إلزامه بكونه بالطائرة كونها ءأمن او لوجود صُحبةٍ صالحةٍ له فيها او شبه ذلك

 والثاني كالمقام - وهو محل الشاهد – فان اصل تعليل الشفعة بلا ضرر، تعقلي، لكن خصوصياتها، يجعلها دائرةً مدار النوع لا الشخص وبوجودها مع ارتفاع الضرر وعدمها رغم وجوده، تعبدية، ولكلٍّ حُكْمُهُ:

 فحيث ان اصله تعقلي فإنه يسري الحكم الى سائر الموارد مما تحقق فيه الضرر الشخصي، وحيث ان الخصوصية تعبدية فلا يصح تجاوزها.

والحاصل: ان التعبد خلاف الأصل فيقتصر فيه على ما احرز كونه كذلك، ولا شك ان (الضرر) مما يحكم العقل بدفعه فاذا كان تطبيقه تعبديا التزم فيه بالتعبد وتبقى الكبرى وسائر التطبيقات على الأصل هذا. وستأتي تتمة كلمات المحقق النائيني مع مناقشاته بإذن الله تعالى..  

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ فِي نَهْجِ الْبَلَاغَةِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: ((أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ))[11]

 

 

-----------------------------------------

[1] - بحار الأنوار: ج 29 ، ص223

[2] - المصدر نفسه.

[3] - المصدر نفسه.

[4] - اللهم الا لو اريد الاقتضاء، فالنسبة حينئذٍ العموم المطلق.

[5] - بحار الأنوار: ج 29 ، ص223.

[6] - المصدر نفسه.

[7] - المصدر نفسه.

[8] - المصدر نفسه.

[9] - المصدر نفسه.

[10] - الكافي : ج 5، ص 280 - باب الشفعة.

[11] - بحار الأنوار: ج 73 ، ص 154

 

 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3702
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 11 ربيع الاخر 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29