• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 435- تفصيل ان الاستثناء المتفصل هو لُباًّ متصل لذا يفيد الحصر .

435- تفصيل ان الاستثناء المتفصل هو لُباًّ متصل لذا يفيد الحصر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(435)

 

الاستثناء المنفصل: انفصال في اتصال

وبعبارة أخرى: ان النكتة في الاستثناء المنفصل هي أنه انفصالٌ في اتصال واتصالٌ في انفصال، فمن حيث المستثنى منه المذكور منفصل وبه سمي المنفصل منفصلاً، ومن حيث المستثنى منه الواقعي المقدَّر، متصل وهو المصحِّح لاعتباره استثناء، فبقولنا استثناء أشرنا إلى جهة الاتصال وبقولنا منفصل أشرنا إلى جهة الانفصال.

وليس المقصود مما ذكر ان المستثنى منه المذكور يُتجوّز به عن الأعم منه أو يكون عن كناية عنه؛ لأنه لو أريد ذلك كان من المتصل حقيقةً، بل المقصود انه يلاحظ مع المذكور مقدَّر أعم فيكون الاستثناء ظاهراً من المذكور وباطناً من الأعم المقدر.

 

شواهد وأمثلة قرآنية

ويمكن الاستشهاد لذلك بأمثلة عديدة يتضح بها وجه المقصود وبرهانه بشكل أجلى:

قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ...)[1] فان الاستثناء متصل بناء على ان إبليس من الملائكة، لكن المشهور المنصور انه من الجن، قال تعالى في تتمة الآية السابقة: (...كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) وعليه فالاستثناء منفصل، لكنه وجهه هو ما سبق من وجود مقدر أعم من المستثنى منه وهو المصحِّح لِعدّه استثناءً لا استدراكاً، كأنّه قيل: فسجد الملائكة ومَن في صفوفهم أو من معهم إلا إبليس، ويمكن ان يُعدّ (إِلاَّ إِبْليسَ) استثناء من الأعم المتوهم أي حيث توهم الملائكة انه منهم أو توهم الناس انه من الملائكة أو توهموا انه سجد معهم، قيل (إِلاَّ إِبْليسَ).

وقال تعالى: (طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏ * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى)[2] فانه بناء على القول بانفصال الاستثناء، فان التحقيق انه منفصل ظاهراً متصل واقعاً؛ لكونه – لُبّاً – استثناءً من المقدَّر وهو: (ما أنزلنا عليك القرآن لأي غرض من أغراض إنزال الوحي إلا تذكرةً لمن يخشى) وقد خصص (لِتَشْقى‏) من بين الأغراض المحتملة، بالذكر، لعنايةٍ به، أي لمزيد العناية بنفيه إذ قد يتوهم انه حيث كان نبياً فان إنزال القرآن عليه يقتضي منه، مزيداً من الشكر بالمزيد الـمُجهِد الـمُتعِب من العبادة.

وقال تعالى: (لا يَسْمَعُونَ فيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً)[3] كأنه قيل لا يسمعون فيها كلاماً إلا سلاماً؛ وذلك لأن الكلام أقسام: فإما سلام وإما لغو وإما غيرهما، بينهما، مما لا هو هذا ولا هو ذاك؛ فان السلام إيجابي مفيد، واللغو سلبي مضر، وقد يكون الكلام حياداً فلا هو بالنافع كالوعظ للعباد والذكر والإرشاد، ولا هو بالضار كالغيبة والتهمة والنميمة، وذلك كأغلب الكلام في العاديات، وعليه فالمستثنى منه المقدَّر هو (لا يسمعون فيها كلاماً) وإنما ذكر (لغواً) لأنه الأهم الأولى بان ينفى لأنه الآلم للإنسان فنفيه أكثر إفراحاً له وأوضح امتناناً عليه.

 

شواهد من اللغة العربية

ومن الأمثلة على ذلك:

قولهم: (لا عيب في زيد إلا طِيبة قلبه)، ووجه الاستثناء انه كأنه تُوهِّم أنّ طيبة القلب فيه عيب، فكأنه قيل إن كان فيه عيب فهو طيبة قلبه، وبعبارة أخرى: لا يوجد فيه عيب حقيقي أو متوهم إلا طيبة قلبه.

وقولهم: (لا يخطب في الحرب خطيبٌ إلا ألسن النيران) برفع ألسن على البدلية وبنصبها على الاستثناء، فان المقدر هو لا يخطب في الحرب خطيب حقيقي ولا مجازي إلا ألسن اللهب.

ثم انه لا يصح قولهم (جاء القوم إلا حماراً) إذ لا يجوز استثناء النكرة التي لم تخصص (المسماة بالنكرة غير المفيدة) من المعرفة، والصحيح ان يقال: (جاء القوم إلا حماراً لهم أو إلا الحمار أو إلا حمارهم) فهذا لفظياً، واما معنوياً، فانه إذا لم تلاحظ أية مناسبة بين مجيء القوم والحمار لكان الاستثناء غلطاً، بل حيث لوحظ، إرتكازاً، أن القوم عندما يجيئون تجيء أحمرتهم وما شابهها مما يرافقهم عادة، صح الاستثناء من المقدر الذي جرت العادة به أو فقل من المقدر المتوهم.

 

لا ترادف بين (إلا) و(لكن وبل) ولا في اللغة مطلقاً

ويؤكد ما ذكرناه من عدم دقة تفسير (إلا) في الاستثناء المنفصل بـ(لكن) و(بل) وانه مسامحي، وانه غير نافٍ لما ذكرناه من وجود مستثنى منه مقدّر أعم، بل ما نقوله مكمل له، انه لا يوجد، لدى الدقة، ترادف في لغة العرب حقيقة، بل كلما تُوُهِّم مرادفاً فهو بالدقة مختلف عن مرادفه: فالحائط والجدار مثلاً قد يُتوهِّم كونهما مترادفين مع ان اللحاظ فيهما مختلف وإن كان المشار إليه فيهما، مآلاً، واحداً، فان الحائط سمي حائطاً لإحاطته بالدار أو البستان عكس الجدار، وسمي الأسد به وبليث وغَضَنْفَر وهِزبر وحيدرة وعَرَنْدَس وعَبُوس وحَطُوم وهِرْمَاس ورَاصِد وخَطَّار وبَهِيْم وشَرَنْبَث وخَثْعَم وأَشْهَب وفَدَوْكَس ودِرْبَاس ومُجَهْجَه وخُنَافِس وهَصور وقَسْوَرَة وأَخْنَس ودِلْهَام وغيرها كما يكنّي بأبي الحارث وأبي الزعفران.. وغيرها، وذلك باعتبار حالاته المختلفة من رابض وقائم ومهاجم ومسالم وغير ذلك حتى قال بعضهم ان للاسد ثلاثمائة اسم وعن ابن خالوية ان له خمسمائة أسماً، وكذلك الأسماء السبعون للكلب فانها بلحاظات شتى.

وفي المقام فان إلّا في الاستثناء المنقطع لا ترادف بل ولا لكن، بل انها إنما جيء بها للنكتة التي ذكرناها. والله العالم وللبحث صلة بإذن الله تعالى.          

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

روي عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: ((لِأَنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَلَا فَاقَةَ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ، وَالْحَقُّ مَعَنَا فَلَنْ يُوحِشَنَا مَنْ قَعَدَ عَنَّا، وَنَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا وَالْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعِنَا)) (الاحتجاج: ج2 ص466).

 

 

-------------------------------------

[1] سورة الكهف: آية 50.

[2] سورة طه: آية 1-3.

[3] سورة مريم: آية 62.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3714
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 17 ربيع الاخر 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18