• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 114 ـ الجواب الثالث عن(الدور) ـ هل الاستدلال ب(النقل) في (اصول المعارف) لغو؟ .

114 ـ الجواب الثالث عن(الدور) ـ هل الاستدلال ب(النقل) في (اصول المعارف) لغو؟

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 
كان البحث حول وجوب النظر والاستدلال اي الاجتهاد في اصول المعارف وذكرنا انه لو اعتمدنا في وجوب النظر على الايات والروايات فقد يستشكل على ذلك بلزوم الدور ببيان (ان وجوب النظر يتوقف على النقل) لأن الفرض هو ذلك كوننا استفدنا وجوب النظر من الايات والروايات اي بالنقل فوجوب النظر موقوف على النقل (وبالعكس اي النقل يتوقف على وجوب النظر ) فان ثبوت الايات والروايات يكون بالنظر اذ بالاستدلال والاجتهاد والبحث والنظر نصل الى ثبوت وحجية الرواية والي حجية ظواهر الكتاب 
وذكرنا ان الدور مندفع بوجوه وصلنا الى الوجه الثالث فنقول ان الكبرى ليست بصحيحة فان (النقل موقوف على وجوب النظر ) مناقش فيها ، اذ ليس النقل موقوفا على وجوب النظر بل النقل موقوف على نفس النظر لأنه لا يعقل ان نقول ان النقل موقوف على وجوب النظر لأن النقل امر ثبوتي سواء فسرناه بوجود الرواية ام حجية الرواية اذ هما امران ثبوتيان لا يعقل ان يتفرعا على (الوجوب) فان (الوجوب) من عالم الاعتبار ووجود الرواية من عالم الحقيقة (اي من مقولة الفعل)فكيف يتفرع ما هو من مقولة الفعل على ما هو من مقولة الاعتبار ومن عالم الانشاء ؟ نعم الحجية امر اعتباري لكن حجية الرواية لا تتفرع على وجوب النظر والاستدلال اذ سواء وجب الاجتهاد والاستدلال والنظر ام لم يجب فالرواية قد تكون حجة وقد لا تكون فان الرواية تكون حجة ان استجمعت شرائط الحجية بان رواها الثقة مثلا فهي حجة سواء وجب الاجتهاد ام كفاني التقليد ام لم يجب احدهما ,اذن حجية الرواية غير متوقفة على الحكم الشرعي بوجوب الاجتهاد ووجوب النظر كما هو واضح, اذن الكبرى مخدوشة , فالصحيح ان تكون الكبرى في القياس الذي شكلناه هكذا:وجوب النظر موقوف على النقل والنقل موقوف النظر فتكون النتيجة ان وجوب النظر موقوف على النظر فلو نظرت وتأملت واجتهدت لوصلت الى وجوب النظر وهذا لا اشكال فيه وذلك كما انك لواجتهدت ووصلت الى واجبات كثيرة ومحرمات كثيرة ، و من الواجبات وجوب النظر 
لكن قد يشكل بان هذا التفصي من الدور يوقعنا محذور اخر هو في تحصيل الحاصل لأن النتيجة تكون هكذا: (وجوب النظر موقوف على النظر) اي لو نظرت واجتهدت لوجب علي النظر والاجتهاد وهو طلب الحاصل وهذا لا يعقل فانه اذا كان المأمور به متحققا فكيف يؤمر به؟ وهل الا طلب الحاصل؟ هذا هو اشكال تحصيل الحاصل(وجوب النظر اجمالا او تفصيلا متوقف على النظر اجمالا او تفصيلاً كذلك) 
والجواب:نقول انه قد حصل خلط في هذا القياس في الاصغر من الصغرى (وجوب النظر موقوف على النقل) اذ نقول ما هو المقصود بوجوب النظر ؟ هل المقصود (العلم بوجوب النظر) ام المقصود (وجوب النظر) ثبوتا ؟ 
فان وجوب النظر وهو المنشأ من الشارع ، قد اعلمه وقد لا اعلمه ، هذا الوجوب هل يُقصد منه ان نفس الوجوب موقوف على النقل ؟ او المقصود ان العلم به موقوف على النقل؟فان كان الجواب ان المقصود هو العلم به فلا تحصيل للحاصل لأن القياس هكذا يكون : العلم بوجوب النظر موقوف على النظر فلو نظرت (لعلمت بوجوبه) لا (لوجب عليك) ، وهذا هو منشأ الخلط ، فان المستشكل تصور ان النظر يتفرع عليه وجوب النظر لكن الصحيح ان النظر يتفرع عليه العلم بوجوب النظر وليس وجوبه . 
وببيان مبسط: ان من لا يعلم بوجوب النظر وعدمه في شؤون العقائد فانه لو اجتهد في البجث في الايات والروايات فلو استظهر وجوب النظر لعلم من هذا النظر وجوب النظر وهذا لا مشكلة فيه ولا يلزم منه تحصيل الحاصل فانه بالاجتهاد وصل الى وجوب النظر كما وصل بالاجتهاد الى استحباب صلاة الليل فلا محذور . 
اذاً حول الشق الاول نقول : ان المراد بالاصغر في الصغرى(وجوب النظر) هو (العلم بوجوب النظر) وهو موقوف على النظر من غير لزوم تحصيل للحاصل لأن الاجتهاد والنظر من شأنه ان يولد لك العلم بالمؤدى 
واما الشق الثاني : فلو قلنا ان المراد (وجوب النظر) هو نفس الوجوب وليس العلم بالوجوب فيكون القياس هكذا: وجوب النظر نفسه موقوف على النقل والنقل موقوف على النظر فوجوب النظر اي نفسه موقوفا على النظر فيلزم تحصيل الحاصل وقلنا هنا خلط فان الصحيح في الصغرى هو:ان وجوب النظر موقوف على (الجعل) وليس موقوفا على النقل , توضيحه:ان الشارع لو انشأ وجوب النظر لوجب النظر فوجوب النظر موقوف على جعل الشارع اي انشائه الوجوب ولم يتوقف على النقل وانما النقل حاكي فالرواية الناقلة حاكية وغير منشئة فوجوب النظر توقف في مرحلة الثبوت على جعل الشارع له ثم علمنا بالوجوب توقف على النقل . 
وبعبارة اخرى : حدث خلط بين اربعة مطالب في عالمي الثبوت والاثبات:فوجوب النظر ثبوتا موقوف على جعل الشارع لهذا الوجوب ثم علمي (اثباتا) بوجوب النظر موقوف على نقل الشارع اي ان الشارع ( أ- جعل ب- فنقل ج- فوجب د- فعلمت ) اي من الشارع امران : جعل ونقل ، ومن قبلي امران وجوب وعلم بذلك الوجوب فهذه الاربعة اختلطت فتوهم (الدور) , وبهذا البيان ظهر ان هذا الجواب الثالث ليس نفس جواب الفصول , والنتيجة انه لا دور بالمرة . 
الاشكال الثاني (اشكال اللغويه): وانه كيف يستدل بالنقل على من لا يعتقد به فكيف استدل بالقران على من لا يعتقد به فهو لغو وغير مفيد وذلك لا يصدر من الحكيم؟ والجواب من اربع وجوه ، وعدد منها بحسب مبنى الفيلسوف ايضا تام ويجب عليه ان يقبله: 
الوجه الاول:ان هذا الاستدلال اخص من المدعى بكثير فهو عليل لأنا نقول: 
اولاً: ليس كل نقل متمحض في كونه صرف نقل بل ان الكثير من الايات والروايات متضمنة للاستدلال العقلي فنحن نستدل على الخصم بالنقل ظاهرا لكن في الحقيقة هو استدلال بالعقل وانما النقل لوحظ طريقا للاستدلال العقلي وهذا غير مضر قطعا اذ الفيلسوف يريد الاحتكام الى العقل،فليكن كلام المعصوم عليه السلام منقولا الى جوار رأي افلاطون ، وكونه متضمنا للاستدلال العقلي وليطرح للنقاش العلمي –على اقل فروض- وكما ينقل الفيلسوف اراء الفلاسفة في المسالة فليكن احد الاقوال اية قرانية او قول المعصوم عليه السلام لتضمنه الاستدلال العقلي 
ومما يوضح ذلك ان صاحب المنظومة في مبحث الوجود الذهني ينقل ست اقوال لفلاسفة مشهورين اومغمورين فكيف صح نقل رأي هذا وذاك على تناقضها و ضعف بعضها بل بداهة بطلانه ولا ينقل كلام المعصوم او القران الكريم ؟ اذن الجواب الاول هو ان الكثير من الادلة النقلية متضمنة للاستدلال العقلي فيجب –عقلا- نقلها في الكتب الفلسفية الاستدلالية ونذكر كشاهد على ذلك و للتبرك مثالين: 
الاول: قوله تعالى(لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا) فلماذا لا يذكر في العديد من الكتب كدليل على الوحدانية ؟ 
الثاني: قول امير المؤمنين عليه السلام (واعلم يا بني انه لو كان لربك شريك)ثم يذكر ثلاث ادلة عقلية (لأتتك رسله)وحيث لم تأتِ رسله فإذاً لا شريك وهذا برهان عقلي مبني على افتراض قبول الحكمة في المرحلة السابقة الحكمة (ولرأيت اثار ملكه وسلطانه) فنحن نرى اثار ملك ربنا واين علائم سلطانه فاين اثار شريكه لو كان وسلطانه وهذا استلال عقلي يشير فيما يشير الى برهان (النظم) فنحن نرى نظما واحدا يحكم الكون كله وهذا النظم يكشف عن اله خالق واحد عظيم (ولعرفت افعاله وصفاته)فربنا والهنا نعرف افعاله وانه خلق الجنه والنار مثلا ونعرف صفاته وانها عين ذاته مثلا فهذا الشريك المدعى ما هي افعاله؟ وما صفاته وهل هي عين ذاته ام لا؟ الى اخر ما يتفرع على هذا البحث من الاستدلال ، اذن هذه الايات والروايات وامثالها مثال لـ(النقل ) المتضمن للاستدلال العلمي المعمق ، فلم تهمل ؟ 
والحاصل ان الجواب الاول هو ان النقل يتضمن الكثير من الادلة العقلية بل وادلة الادلة الفطرية وهذا مفتاح لجواب لاحق يشير له قوله تعالى (..أفي الله شك فاطر السموت والارض ) فهذا دليل فطري مقابل الذين يشككون (وانا لفي شك مما تدعوننا اليه مريب)والجواب(..افي الله شك..) فهذا استدلال فطري لا عقلي وتاتي التتمة ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=374
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 22 جمادي الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23