• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 443- مناقشات في الملك الآنا مائي .

443- مناقشات في الملك الآنا مائي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(443)

 

تلخيص وإضافات ومحتمل آخر في المعاطاة

وملخص القول في المعاطاة: أنه إما ان يقال بان المعاطاة تفيد الملك من حين وقوعها، كالصيغة تماماً، وهذا قول مشهور المعاصرين خلافاً لمشهور المتقدمين.

وإما ان يقال: بانها لا تفيد الملك أصلاً حتى الآنا مائي قبل التصرفات الناقلة، ولم نعلم به في استقراء ناقص قائلاً وإن طرح كاحتمال.

وإما ان يقال: بانها تفيد جواز التصرفات لكن غير الناقلة.

وإما ان يقال: بانها تفيد جواز حتى التصرفات الناقلة، وهنا يقول الشيخ تبعاً للشهيد في المسالك بان هذا يستلزم القول بالملك الآنامائي وانه لا مناص منه. قال قدس سره: (وصرّح في المسالك: بأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرّفات، غاية الأمر أنّه لا بدّ من التزامهم بأنّ التصرّف المتوقّف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آناً ما؛ فإنّ الجمع بين إباحة هذه التصرّفات وبين توقّفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار. ولا يتوقّف على الالتزام بالملك من أوّل الأمر ليقال: إنّ مرجع هذه الإباحة أيضاً إلى التمليك)([1]).

واما ان يقال: بإفادتها الجواز المطلق ولكن من دون القول بالملك الآنامائي، وهذا ما طرحه الميرزا النائيني([2]) مستنداً إلى انه لا تلازم بين الأمرين([3]) وانه لا يتوقف تصحيح القول بإفادة المعاطاة جواز حتى التصرفات الناقلة على الالتزام بالملك الآنامائي، بل انه:

 

أدلة المعاطاة مخصصة للا عتق إلا في ملك و...

يمكن القول بان أدلة المعاطاة كالآيتين الكريمتين مخصصتان لأدلة ((لَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ))([4]) و((لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ))([5]) وما أشبه بمعنى ان كلّاً من لا عتق إلا ولا بيع إلا و... مطلق يفيد عدم صحة البيع إلا في الملك ولكن يستثنى منه (المعاطاة) فانها حيث كانت مشمولة للآيتين (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أفادت الآيتان جواز كل التصرفات بالبيع المعاطاتي (لأنه صغرى البيع والتجارة) بما فيها الناقلة كالبيع فيجوز له البيع (بيع ما اشتراه بالمعاطاة) وإن لم يكن المثمن ملكاً له.

والحاصل: ان المنفصلة ليست حقيقية بان نقول: ان المعاطاة تفيد الملك المطلق أو تفيد الملك الآنامائي، بناء على جواز حتى التصرفات الناقلة بل نقول لا تفيد أياً منهما وإنما تفيد جواز كل التصرفات حتى المتوقفة على الملك لكن نخصص الدليل الدال على توقف مثل البيع والعتق على الملك، بأدلة صحة المعاطاة وجواز التصرفات كلها بها، كالآيتين الكريمتين.

قال قدس سره: (ثم يرد عليه: أنه لو لم نقل بدلالة الآيتين على حصول الملكية، بل على جواز التصرفات فكما يمكن الالتزام بالملك آنا ما كذلك يمكن تخصيص الأدلة الدالة على عدم جواز البيع والوطئ والعتق في غير الملك.

وبعبارة أخرى: الالتزام بالملك آنا ما بلا موجب، لأنه يمكن أن تكون الآيتان مخصصتين لقواعد أخرى)([6]).

 

إشكال: عدم التلازم يخالف مبنى الشيخ بانتزاع الوضعي من التكليفي

ثم ان الميرزا التبريزي أشكل على الشيخ بقوله: (أقول: التزامه رحمه الله بأنّ إباحة جميع التصرفات لا تلازم بنفسها الملكية وإن كانت صحيحةً إلا أنها تنافي ما بنى عليه قدس سره من انتزاع الحكم الوضعي كالملكية من الحكم التكليفي، حيث إنّ نفي الملازمة بين إباحة جميع التصرفات وبين الملكية معناه عدم انتزاع الثاني من الأول كما لا يخفى)([7]).

 

الجواب: كلامه قدس سره عن عدم التلازم لدى المشهور

ولكن الظاهر عدم ورود هذا الإشكال على الشيخ إذ انه قدس سره في مقام كلام المشهور وانه قد يورد على استدلالهم بالآيتين، بانهما([8]) وإن أفادتا جواز كل التصرفات حتى الناقلة، بالمعاطاة، لكنهما لا تفيدان الملكية، إذ لا تلازم على رأي المشهور، وليس كلامه مبنياً على رأيه من ان الحكم الوضعي منتزع من الحكم التكليفي (كما هو صريح احدى عباراته) أو ان الحكم الوضعي عبارة أخرى عن الحكم التكليفي أي ليس هناك منتزَع منه ومنتزَع وانتزاع، بل ان مثل الملكية اسم آخر لجواز المباشرة وشبهها على ما يستفاد من بعض كلماته الأخرى، كما حققناه سابقاً ونقلنا كلماته فراجع) نعم لو بنى على رأيه لما ورد ما ذكره بقوله (اللهم...)

 

الاستدلال بآية التجارة بالدلالة العرفية

ثم ان الاستدلال بآية التجارة على حصول الملك، تامّ بوجوه سبقت، ومنها الدلالة الالتزامية العرفية فان تجويز كافة التصرفات حتى الناقلة والمالكية، بالمعاطاة، ظاهر عرفاً في اعتبارها مملِّكة وقد مضى نقل كلام السيد الوالد، وقال بنظيره السيد الخوئي: (ويمكن تقريب دلالة الآية بوجه آخر يمكن جعله تصحيحاً أو تتميماً لتقريب شيخنا الأنصاري قدس سره وحاصله الاستدلال بالدلالة التزامية العرفية، فإنّ الحكم بجواز جميع التصرفات في الثمن أو المثمن تكليفاً ظاهر عرفاً في إمضاء البيع كما أنّ المنع عنها ظاهر عرفاً في فساده، كما استظهرناه من قوله عليه السلام: ((ثمن العذرة سحت)) ووجه هذه الدلالة أنّ هذا الجواز جواز تصرّف مالكي وبعنوان المالكية وهو عبارة اُخرى عن إمضاء الملك، وقد رتّب في الآية على البيع، فيكون ظاهراً في إمضاء البيع وإفادته الملك. ومنه يظهر أنّ قياس هذا الجواز للتصرفات بغيره ممّا لم يكن بعنوان المالكية فاسد، فإنّ جواز التصرّف لا بعنوان المالكية لا يدلّ على الملك بخلافه بذاك العنوان)([9])

 

الاستدلال بالآية بالدلالة الالتزامية العقلية

ومنها: الاستدلال بالدلالة الالتزامية العقلية قال في التنقيح (وأمّا الاستدلال بالدلالة الالتزامية العقلية بدعوى أنّ جواز جميع التصرفات حتّى التصرفات المتوقّفة على الملك يستلزم عقلا ثبوت الملك، ففيه...)([10])

أقول: من الواضح انه لا تلازم عقلاً بين إباحة جميع التصرفات وبين الملك، لانها من الأمور الاعتبارية التي أمرها بيد المعتبر لذا له ان يفكك، اللهم إلا ان يوجه بكونها من الآثار الخارجية التكوينية للملك وكونها على نحو المعلولية، وهو باطل في نفسه، وإن احتملناه على بُعد، كما انه قدس سره لا يلتزمه.

 

توجيه هذا الاستدلال

والظاهر ان (الدلالة الالتزامية العقلية) مبنية على مقدمة مطوية وهي انه بناء على ان التصرفات الناقلة مما لا يمكن شرعاً إلا ان تكون في الملك، فبعد البناء على هذا فان دلالة آية التجارة على القول بدلالتها على إباحة كل التصرفات، على حصول الملك، تكون دلالة عقلية قهرية حينئذٍ، أي انه يندرج في (غير المستقلات العقلية) فتأمل.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((مَنْ يَمُوتُ بِالذُّنُوبِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَمُوتُ بِالْآجَالِ، وَمَنْ يَعِيشُ بِالْإِحْسَانِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعِيشُ بِالْأَعْمَارِ‏)) (الأمالي للطوسي: ص305).

 

 

--------------------------------------------------------

([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، ط تراث الشيخ الأعظم ج3 ص42.

([2]) ومن قبلُ السيد اليزدي في حاشيته على المكاسب.

([3]) القول بجواز حتى التصرفات الناقلة والقول بالملك الآنامائي.

([4]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران: ج6 ص179.

([5]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام ـ قم: ج2 ص247.

([6]) الشيخ الخوانساري، تقرير بحث الميرزا النائيني، منية الطالب، مؤسسة النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين بقم المشرفة: ج1 ص126-127.

([7]) الشيخ ميرزا جواد التبريزي، إرشاد الطالب في شرح المكاسب، دار الصديقة الشهيدة عليها السلام قم المقدسة: ج2 ص354.

([8]) بيان للايراد

([9]) الشيخ ميرزا علي الغروي، تقرير أبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج1 ص77-78.

([10]) المصدر نفسه.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3741
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 1 جمادي الاولى 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19