• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 445- هل يعقل دخول العوض في ملك من لم يخرج المعوض منه - الاشكال على الملك الآنا مائي بانه بلا سبب والجواب .

445- هل يعقل دخول العوض في ملك من لم يخرج المعوض منه - الاشكال على الملك الآنا مائي بانه بلا سبب والجواب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(445)

 

إستحالة دخول المعوض في ملكِ غير من خرج منه العوض

سبق: (والتأمل لأكثر من وجه، واحدها: الوجه الآخر الذي ذكره جمع من الأعلام لبرهنة الملازمة العقلية بينهما وهو: ان البيع متقوّم بالعوض والمعوض، مما يسمى بالثمن والمثمن، ومن المستحيل ان يخرج المعوض من ملكِ مَن لا يدخل العوض فيه أو يدخل العوض في ملك غير من خرج المعوّض منه؛ إذ لا يكون عوضاً ومعوضاً حينئذٍ هذا خلف. بعبارة أخرى: الجمع بين القول بان المثمن معوض والثمن عوض وبين القول بان المثمن يخرج من ملك أحدهم لكن الثمن يدخل في ملك غيره (أي الثالث) تناقض إذ لو دخل في ملك الثالث لما كان عوض ما اخرج عن ملك الأول)([1]).

 

الأجوبة

ويمكن الجواب عنه بوجوه:

 

المدار صدق البيع لا العوض والمعوض، وهو صادق

الأول: ان المدار على صدق البيع وعدمه فانه المتعلق في الآية الشريفة (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أو صدق التجارة (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) وليس المدار صدق خصوص عنوان العوض والمعوض ولا نشك انه لا يشترط لدى العرف في صدق عنوانهما دخول المثمن في كيس من خرج منه الثمن وبالعكس، ولذا يصدق، بالحمل الشائع، حقيقةً انه باعه له وإن دفع الثمن غيره (من غير ان يملِّكه إياه من قبل البيع).

ويتفرع على ذلك: تصحيح كون مثل ما لو اعطى الأب أو الغني مالاً لصاحب المكتبة أو السيارة ليعطيها إلى ابنه أو إلى الفقير، بيعاً وعقداً واحداً، فقد اشكل بعض على صحة العقد وكونه بيعاً (أو حتى صلحاً أو غيره) فيما لو ابقيت المسألة على ظاهرها من خروج الثمن من ملك الأب أو الغني ودخول المثمن (السيارة أو الكتاب) في ملك الفقير أو ابنه أو صديقه، وقالوا بانه لا بد لتصحيح المعاملة من تخريجها بنحو ينطبق على تلك القاعدة بان نقول بدخول المثمن في ملك الأب والغني أولاً ثم هبته – ولو معاطاتياً – لابنه أو الفقير، أو شبه ذلك، ولكن على ما ذهبنا إليه فلا مشكلة إذ العرف يجد صدق عنوان البيع على مثل هذا المثلث الأطراف.

اللهم إلا ان يقال بانه مع فرض استحالة دخول المعوّض في ملك غير من خرج منه العوض، فان العرف لا يقاوم الاستحالة أي انه ليس مما به ترتفع استحالة المحالات! فينبغي توجيه فهمهم أو عرفهم بما لا يصطدم بالمحال فإن لم يوجّه حَكَمْنا ببطلانه وخطأه.

وقد يجاب: بان ارتكازهم لو كان على أمر فانه كاشف عن عدم الاستحالة ثبوتاً وان هنالك غلطاً أو مغالطة في القول الاستحالة. فتدبر وتأمل، وسيأتي جواب قولهم بالاستحالة.

 

والعوض والمعوّض صادقان عرفاً والعرف المدار لا الدقة

الثاني: انه لو فرض ان لفظ العوض والمعوض وردا في الروايات واعتبرا مقوماً لصدق البيع، فان الجواب الجواب إذ العوض والمعوض حينئذٍ عرفيان، وهما صادقان نظير الجواب السابق (عن صدق عنوان البيع فانه عرفي فكذا بصدق عنوانهما فانه عرفي) والحاصل: ان العوض والمعوّض الدقيّان ليسا مدار الأحكام الشرعية بل العرفيان وهما متحققان وإن لم يتحقق الأولان.

 

والاستحالة ممنوعة

الثالث: ان الاستحالة ممنوعة، والظاهر ان الشبهة ههنا نشأت من شبهة فلسفية حول إعادة المعدوم.

 

الجواب عن شبهة استحالة إعادة المعدوم

قال في المنظومة:

إعادة المعدوم مما امتنعا          وبعضهم فيه الضرورة ادعى‌([2])

 

ووجه قولهم بالاستحالة: إن الزمان وغيره هو من المشخصات الفردية المتقوم بها الشيء والداخلة في حقيقته ويمتنع إعادة الشيء بكل مشخصاته الفردية ومنها الزمان لأن الزمن الماضي تستحيل إعادته بل يستحيل تكرره بنفسه مطلقاً، فيستحيل إعادة ما هو مقوّم له([3]).

والجواب واضح وهو: ان الزمان كالمكان ظرف وليس شرطاً فكيف بكونه مقوماً للجوهر والماهية وإعادته بإعادته دون إعادة ظرفه، بعبارة أخرى: الأمر على اصالة الماهية واضح فان تلك الأمور (الزمان، المكان، والأعراض التسع) ليست جزء الماهية فإعادتها بإعادتها نفسها وإن تعرّت عن تلك الخصوصيات؛ ألا ترى ان زيداً إذا كان أبيض فصار اسمر فان ذاته لم تتغير بل تغيرت صفة عارضة له فكذلك إذا تغير زمانه فان زيداً اليوم هو نفس زيد الذي كان بالأمس وإنما تغير زمانه.

وكذلك الأمر على أصالة الوجود فان الزمان والمكان والأعراض عوارض مفارقة ولا تنتفي حقيقة الوجود بانتفاء بعض عوارضه ولا تتغير بتغير بعضها أو كلها، وتوهم عينية وجود زيد لعوارضه المشخصة واضح البطلان.

وليست الحركة الجوهرية بالمعنى الصدرائي إلا وهماً شاعرياً لا دليل عليه، بل الدليل على عدمه ظاهر سواء أطبق على الماهية أم على الوجود.

 

الجواب: التبادل بين الملكيتين لا بين المالكين

وفي المقام: فان التوهم نشأ من ان التبادل في البيع إنما هو بين (المالكيتين) مع انه تبادل بين المِلكيتين، وقد حلّ هذا الملك محل ذاك وإن لم يحلّ كل مالك محل الآخر (إذ حل ثالث محل أحدهما).

بعبارة أخرى: (المعوض وهو المثمن) انتسابه إلى مالكه البائع ليس مقوّماً لذاته ولا لكونه معوّضاً وكذا (العوض) فان انتسابه إلى مالكه (المشتري) ليس مقوّماً لذاته، ولو كان كذلك لامتنع انتقال المعوض إلا إلى ملك من دخل العوض فيه وبالعكس، بل الانتساب عَرَض مفارق، غاية الأمر انه شرط([4]) ولا ينتفي المشروط بانتفاء الشرط. فتدبر وتأمل([5]).

 

الشيخ: القول بالملك الآنامائي لا يليق بالمتفقه

ثم ان الشيخ أشكل على دعوى حصول الملك الآنامائي عند التصرف بانه مما لا يقول به متفقه فكيف بالفقيه! والمتفقه من يتظاهر بالفقه أو يتجلبب به وليس بفقيه أو ينسب نفسه إليه (كالمتحلم والحليم) هذا مع ان بعض أعاظم الأصحاب قال به كما فيما نقله هو عن الشهيد الثاني (قدس سرهما)، فالعبارة ربما لا تخلو من قسوة.

قال الشيخ قدس سره: (هذا، مع أنّ ما ذكر: من أنّ للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرّف المتوقّف عليه، مما لا يليق بالمتفقّه فضلًا عن الفقيه! [دعوى كاشف الغطاء أن القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة])([6]).

 

لأنه بلا سبب أصلاً

وأوضحه السيد الوالد بقوله: ("لا يليق بالمتفقّه فضلاً عن الفقيه" إذ يكون الملك حينئذٍ بلا سبب ولا دليل، أمّا عدم الدليل فواضح، وأمّا عدم السبب فإن كان السبب التعاطي فاللازم أن يكون الملك حال التعاطي، وإن كان السبب التصرف فالمفروض أنّ الملك قبل التصرف، والمتأخر لا يؤثر في المتقدّم)([7]) ولا بد من ان نضيف إليه شقاً ثالثاً ذكره كاشف الغطاء وهو ان يقال بان السبب (الإرادة) لا (التعاطى) ولا (التصرف) أي ان المتعاطي إذا أراد بيع ما أخذه بالمعاطاة، فانه يدخل في ملكه حينئذٍ ثم إذا باعه خرج من ملكه ودخل في ملك الآخر، لكن مملكية الإرادة غريبة إذ لم يعهد في الشريعة ولا في مختلف الملل والنحل ان تكون الإرادة، بدون إنشاء، ناقلة لملك أو موجبة لعقد أو إيقاع.

جواب الشهيدي بوجود شق رابع

وقد أجاب الشهيدي عن هذا الإشكال بوجود شقٍ رابع وهو ان السبب (المعاطاة) لكن بشرط التصرف فالمعاطاة سبب لانتقال الملكية والتصرف شرط ولذا تأخر تأثيرها إذ تأخر الشرط فحدث الملك الآنامائي عند حدوث الشرط.

قال: (إنّما يرد لو كان مراد القائل بالإباحة لغوية([8]) المعاطاة بالنسبة إلى الملكية، بمعنى أنّها لا تستند إليهاً أصلاً، وإنّما هي في زمان وجودها مستندة إلى شيء آخر غيرها. وأمّا لو كان مراده استناد الملك إليها فيما بعدها في وقت وجودها كزمان التصرّف والتلف، وأن المؤثّر في الملك هو المعاطاة غاية الأمر بشرط التصرف مثلاً كالقبض في الصرف، فلا يلزم عليه جملة من الأمور المذكورة، مثل مملّكيّة التصرف الذي منه الإيصاء بما أخذه بالمعاطاة وأمثال ذلك، بل إنّما هو من قبيل الشرط في تأثير المعاطاة في الملك. ومنه يعلم حال الشفعة والربا، إذ يكفي فيهما البيع العرفي الموقوف صحّته شرعاً على أمر لم يحصل بعد، كالقبض في الصرف والتصرف في المقام، فتأمل)([9]). وسيأتي الجواب عنه بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ‏)) (نهج البلاغة: الحكمة 219)

 

 

-----------------------------------

([1]) الدرس (444).

([2]) الملا هادي السبزواري، شرح المنظومة ج2 ص194.

([3]) وهناك وجه آخر لبيان الاستحالة، ذكرناه في موضع آخر مع جوابه.

([4]) شرط الصحة مثلاً. فتأمل

([5]) إذ قد يقال انه حتى مع مقوّمية المالكيتين فانه لا استحالة في تثليث الأطراف لا لمجرد انها أمور اعتبارية وهي خفيفة المؤونة وأمرها بيد المعتبر، بل لأن كونها عوضاً ومعوضاً يكفي فيه التقابل الجنسي أو النوعي دون الفردي أو الصنفي، فتأمل وتدبر.

([6]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم ج3 ص43.

([7]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، إيصال الطالب إلى المكاسب، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر ـ بيروت: ج5 ص90.

([8]) الأولى ان يعبّر بـ(أجنبية).

([9]) كتاب المكاسب مع حواشي هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، مؤسسة البلاغ ـ بيروت: ج2 ص64.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3747
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 3 جمادي الاولى 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29