• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 293- النائيني: المنّة في لا ضرر تفيد عدم - وجوب دفعه ولا رفعه عن الغير - المناقشات .

293- النائيني: المنّة في لا ضرر تفيد عدم - وجوب دفعه ولا رفعه عن الغير - المناقشات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(293)

 

السبزواري: لا يجوز الإضرار بالجار ضرراً فاحشاً

سبق: (واما الفاضل السبزواري فقد نقل قول المشهور في الحريم في المدن، بانها متعارضة، ثم أشكل على إطلاق المشهور جواز تصرف أصحاب الملّاك في أملاكهم وإن أضّر بالجيران تضرراً فاحشاً)([1]) وقال: (و يشكل هذا الحكم في صورة تضرّر الجار تضرّراً فاحشاً، نظراً إلى ما تضمّن الأخبار المذكورة عن قريب من نفي الضرر و الإضرار، و هو الحديث المعمول بين الخاصّة و العامّة المستفيض بينهم، خصوصاً ما تضمّن الأخبار المذكورة من نفي الإضرار الواقع في ملك المضارّ. و في المسالك)([2]).

 

الحق: ان المدار (المتعارف) أو (المتواضَع عليه)

وقد اتضح مما سبق عدم تمامية إطلاق كلامه باستثناء تضرر الجار تضرراً فاحشاً مطلقاً، إذ اتضح ان المدار في جواز تصرف مالك الدار بما يضر بالجار، هو اما (التعارف) أو (التواضع) فإذا قلنا بان المدار هو المتعارف فهو المرجع: فإن كان الضرر الفاحش متعارفاً جاز؛ لنفس أدلة مرجعية المتعارف، وإن كان الضرر القليل غير متعارف لم يجز، فان لا ضرر شامل لهما فلا وجه لإخراج غير الفاحش منه إلا الانصراف، ولكن المتعارف فاحشاً كان أو غيره، ينصرف عنه لا ضرر، وغير المتعارف فاحشاً كان أو قليلاً يشمله لا ضرر ولا ينصرف عنه.

وكذلك الحال في (المتواضع عليه) إذ قد يتواضعان على ان لكل منهما الحق في الإضرار بملك الآخر ضرراً فاحشاً، فيجوز لأن الحق لا يعدوهما وإتلاف الملك أو السماح للغير بإتلافه مما يدخل في سلطنة المالك اللهم إلا إذا انطبق عنوان آخر عليه كالإسراف، لكنه غير منطبق فيما كان تصرف المالك في داره لغرض عقلائي وإن أضر بجاره ضرراً بالغاً مادام معه عقلائياً. هذا

وبذلك انتهينا من البحث عن كلام الشيخ قدس سره في الرسائل وفي قاعدة لا ضرر([3]) وكلام الجواهر قدس سره وكلام السبزواري قدس سره، ولننتقل الآن إلى كلام الميرزا النائيني قدس سره في قاعدة لا ضرر قال:

 

النائيني: لا يجب تحمّل الضرر لدفعه عن الغير

(التنبيه السادس: في أنه لا يجب تحمّل الضرر لدفعه عن الغير

مقتضى ورود الحديث في مقام المنّة، عدم وجوب تحمّل الإنسان الضّرر المتوجه إلى الغير، لدفعه عنه؛ ولا وجوب تدارك الضَّرر الوارد عليه، أي لا يجب رفعه عن الغير، كما لا يجب دفعه عنه. وهكذا لا يجوز توجيه الضَّرر الوارد إليه إلى الغير، فلو توجه السّيل إلى داره، فله دفعه، لا توجيهه إلى دار غيره. وذلك لتعارض الضَّررين وعدم المرجّح في البين)([4]).

أقول: كلامنا كان عن تصرف المالك في ملكه بما يضر بجاره، واما كلامه ففي فروع أخرى، سيأتي الكلام عنها مفصلاً، إنما بيت القصيد مناقشة استدلاله بمقام المنّة، ولكن لنوضحه أولاً بأمثلة مبتلى بها: وذلك كما لو رأى جداراً يريد ان ينقض على زيد، فتنكسر يده أو رأسه مثلاً، فانه لا يجب عليه ان يقف قدّامه مثلاً أو يدفعه بما يسبب وقوع الجدار عليه هو وكسر يده مثلاً، وكذا لو طارد ظالم شخصاً ليسجنه فانه لا يجب عليه ان يحول بينهما بما يؤدي إلى سجنه هو، فهذا مورد كلامه وانه لا يجب الدفع ولا الرفع، نعم يحرم في بعض الصور الدفع أو الرفع بما يوجّه إليه الضرر وذلك كما لو أراد الزنا بجارتها فانه لا يجوز لها ان تقدم نفسها ليزني بها ليندفع الزنا عن الجارة، وكذلك ما ربما يقال في القتل فانه لا يجوز له ان يقدم نفسه ليقتل بدلاً عن جاره، نعم استدل بعضهم بدليل الإيثار (وسيأتي بحثه) لكنه([5]) على أية حال لا يجري في الزنا أصلاً.

 

المناقشات

وعلى أي فان كلامه قد يناقش بوجوه سبق بعضها في مناقشة الشيخ وغيره:

 

1- الباب باب التزاحم، فالأهم منهما مقدم

الأول: ان الباب باب التزاحم وليس باب التعارض، لوضوح ان باب التعارض هو: تكاذب الدليلين في مرحلة الجعل بحيث لا يكون أحدهما صادراً من الشارع([6]) ولا يكون ثمّتَ ملاك لأحدهما اما بالعلم بذلك أو استناداً إلى عدم حكم للشارع في احدهما كي يكشف من حكمه وجود ملاك له، اما التزاحم فهو التدافع في مرحلة الامتثال دون مرحلة الجعل، وذلك بان يكون لكل منهما الملاك ويكون الشارع قد حكم في كل منهما بحكم، إلا ان المكلف، لضيق قدرته عجز عن امتثالهما كما في الغريقين أو تزاحم الصلاة أول الوقت مع إزالة النجاسة عن المسجد، ومن الواضح انه في المسائل التي طرحها قدس سره (عدم وجوب تحمل الإنسان الضرر المتوجه إلى الغير لدفعه عنه) كل من الطرفين له ملاك وهو دفع الضرر والتوقي منه وان الشارع نهى عن كل ضرر وإضرار بالغير، لكن الضررين تزاحما بما لم يمكن للمكلف الجمع بين دفعهما فاما ان يتضرر هو أو ان يتضرر صاحبه، فمانعية الجمع بين دفعهما إنما هي في مقام الامتثال لا الجعل وتدافعهما في مرتبة المجعول والامتثال لا الجعل.

وعليه فإذا اندرجا في باب التزاحم كان اللازم ملاحظة الأهم منهما فإذا كان الظالم الذي يريد قطع يد زيد ورجله مثلاً يندفع بتدخل عمرو بما يؤدي إلى ضربه فقط فانه يجب عليه ذلك وعكسه عكسه، ولا يخفى ان الكلام الآن في ان لا ضرر غير رافع لهذا الحكم (وجوب الدفاع) لأنه امتناني على الطرفين، فيترجّح مادام هو الأهم منها، واما الدليل على لزوم الدفاع عن المؤمن، بما لا يضر به ضرراً أكبر أو مساوياً، فسيأتي.

 

2- سلّمنا، لكن الامتنان على المتضرر أكثر، خاصة

الثاني: سلّمنا انه باب التعارض، لكن يرد عليه ما سبق بأدنى تصرف:

 

(الجواب: على الرأيين، لا تشمل أدلة التقية مرجوح الضررين

إذ يقال: كلا، فانه حتى لو كان الامتنان في أحاديث التقية إنحلالياً أفرادياً فانه لا تشمل إطلاقات التقية أو الإكراه تلك الصورة قطعاً، والوجه فيه: القرينة القطعية الحافّة وهي كون المشرِّع حكيماً ورحيماً فانه عندما شرّع جواز التقية (ورفع حرمة ما أكره عليه و...)، فاما ان يقال بان العمومات لا تشمل صورة تعارض الامتنانين أو تزاحمهما([7]) أو تشمل...)([8]) فراجعه مع تغيير العنوان ومواضع الضمائر بما ينطبق على المقام.

كما سبق في الإضرار بالجار والإكراه الكلام الآتي وسنضيف له بين قوسين ما يجعله منطبقاً على المقام

(المناقشة: وقد ظهر الجواب عن هذا التفصيل في الاضرار مما ذكرناه في نفي التفصيل في التقية (ونظير ذلك يقال في الإكراه)؛ فانه لا يعقل من الحكيم ان يشرّع جواز الإكراه الامتناني للشخص الذي ضرره مرجوح لدى تعارضه (لدى الآخوند، وتزاحمه لدينا) مع ضرر أكبر لشخص آخر، (ونضيف هنا: وكذلك لا يعقل من الحكيم، إذا لاحظنا دليل لا ضرر وحده وكونه امتنانياً، ان يشرّع جواز ترك الغير يتضرر تضرراً بالغاً مع انه يمكن دفعه عنه بأدنى تضرر يصيب المدافع) فلا بد اما ان لا يشرّع الشارع بأدلة الضرر أو الإكراه شيئاً منهما وذلك بان تكون أدلة الضرر والإكراه منصرفة عن صورة التعارض، (وفي المقام: بين تضرره هو وبين تضرر من توجه إليه الضرر) أو ان يشرّع جواز فعل المكرَه عليه في خصوص ما إذا كان ما توعّد عليه أشدّ مما أُكرِه عليه، ويكون منصرفاً عما لو كان العكس أو جواز التصرف في داره بخصوص ما إذا لم يكن إضراره بجاره أشد.

والحاصل: ان الدليل([9]) لأنه انحلالي بنحو القضية الحقيقية شامل للمكره وللمضر بجاره الذي ضرره راجح (ولدافع الضرر عن غيره الذي يتضرر بدفع الضرر عن غيره أكثر مما يتضرر المدفوع عنه لو توجه الضرر إليه) دون المكره والمضر بجاره الذي ضرره مرجوح (ودون المدفوع عنه الذي ضرره مرجوح) لما سبق من امتناع شمول الدليل لهما معاً وشموله للمرجوح قبيح عقلاً فهو شامل للراجح فقط.

وعليه: يكون دليل الإكراه الامتناني ودليل الضرر الامتناني دليلاً لنا على عدم جواز تصرف المالك في ملكه إذا كان الضرر اللاحق بجاره من تصرفه عظيماً وكان الضرر اللاحق به من عدم تصرفه خفيفاً (كما يكون دليلاً على عدم وجوب دفع الضرر عن من توجه إليهم الضرر إذا كان الضرر الذي يصيبه بالدفاع أعظم من الضرر الذي سيصيبهم لو لم يدفعه عنهم، واما العكس فانه يجب عليه الدفاع)([10]).

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الكاظم عليه السلام لبعض ولده: ((يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ فِي مَعْصِيَةٍ نَهَاكَ عَنْهَا وَإِيَّاكَ أَنْ يَفْقِدَكَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ طَاعَةٍ أَمَرَكَ بِهَا وَعَلَيْكَ بِالْجِدِّ وَلَا تُخْرِجَنَّ نَفْسَكَ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ)) (تحف العقول: ص409).

 

 

 

---------------------------------------------------------

([1]) الدرس (291).

([2]) المحقق السبزواري، كفاية الأحكام، مؤسسة النشر الإسلامي: ج2 ص556.

([3]) نعم له ملحقات ستأتي بإذن الله تعالى.

([4]) قاعدة لا ضرر، ص194.

([5]) دليل الإيثار.

([6]) أو يكون بمنزلة غير الصادر، كالصادر هزلاً أو امتحاناً أو ما أشبه.

([7]) الترديد لأن المختار التزاحم وعندهم التعارض.

([8]) الدرس (288).

([9]) دليل رفع الإكراه ونفي الضرر.

([10]) الدرس (288).


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3785
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 25 جمادي الاولى 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29