• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 457- جواب الشيخ على نقوض كاشف الغطاء: - العقد الفاسد موجب لضمان البدل الواقعي - العقد المركب وتبعض الصفقة .

457- جواب الشيخ على نقوض كاشف الغطاء: - العقد الفاسد موجب لضمان البدل الواقعي - العقد المركب وتبعض الصفقة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(457)

 

الشيخ: تخلّف العقد عن مقصود المتبايعين كثير

كما أورد الشيخ على استبعاد كاشف الغطاء لإفادة المعاطاة الإباحة مع قصد المتعاطيين التمليك، استناداً إلى ان ذلك مستلزم لتأسيس قواعد جديدة منها ان لا تكون العقود تابعة للقصود، مع انه لا شك في هذه القاعدة (العقود تتبع القصود) بقوله: (ثانياً: أنّ تخلّف العقد عن مقصود المتابعين كثير)([1]) ثم أورد نقوضاً خمسة على كلية القاعدة كما سيأتي، لكن كلامه هذا مبني على مقدمة مطوية وهي ان هذه قاعدة عقلائية وليست آية أو رواية، ووجه الابتناء انه لا وجه للنقض إذا كانت آية أو رواية فان العام حجة وإن خُصِّص واستثني منه ما استثني، فلو كانت هذه جملة واردة من الشارع لكانت النقوض غير ضارة بحجية عمومها إذ غاية الأمر ان تكون استثناء ويبقى عموم القاعدة حجة ومرجعاً كما هو الأصل المسلّم لديهم في كل الظواهر، نعم إنما تجدي النقوض إذا كانت قاعدة عقلائية (كما هي كذلك) إذ تفيد هذه النقوض ان الأمر تابع لبناء العقلاء في كل مورد مورد فيجب ان يلاحظ كل مورد بحياله إذ بناء العقلاء لبّي، وعليه: لا يصح الإشكال على المعاطاة بتخلف العقد عن القصد، وانه كيف يكون ذلك مع ان العقود تتبع القصود؟

ثم ذكر الشيخ نقوضه الخمسة:

 

أ- المعاملة الفاسدة تؤثر في ضمان القيمة الواقعية

النقض الأول: ان المعاملة الفاسدة تؤثر في ضمان كل منهما البدل الواقعي أي القيمة الواقعية، دون المسمى، عكس المعاملة الصحيحة التي تفيد الضمان بالمسمى أي بما حدّداه في العقد سواء أكان أقل أم أكثر من القيمة الواقعية، فلو اشترى الطعام بألف وكانت قيمته ألفان، فان كانت المعاملة صحيحة ضمن الألف نفسها وهي المسمى، وإن كانت باطلة ضمن القيمة الواقعية وهي الألفين، فالمعاوضة الفاسدة أثرت في ضمانٍ آخر غير الضمان الذي تؤثر فيه المعاوضة الصحيحة.

قال الشيخ: (فإنّهم أطبقوا على أنّ عقد المعاوضة إذا كان فاسداً يؤثّر في ضمان كلٍّ من العوضين القيمة؛ لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه، مع أنّهما لم يقصدا إلّا ضمان كلٍّ منهما بالآخر.

وتوهّم: أنّ دليلهم على ذلك "قاعدة اليد"، مدفوع: بأنّه لم يذكر هذا الوجه إلّا بعضهم معطوفاً على الوجه الأوّل، و هو إقدامهما على الضمان، فلاحظ المسالك)([2]).

 

الوجوه في ضمان القيمة الواقعية في العقد الفاسد

وتوضيح كلامه: ان المحتملات في سبب ضمان القيمة الواقعية (لا المسماة) إذا ظهر كون العقد فاسداً، ثلاثة:

 

1- العقد الفاسد بنفسه هو السبب

الأول: ان العقد الفاسد بنفسه سبب لضمانها، وهو ظاهر الباء في قاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) وبناء على هذا يتم نقض كاشف الغطاء إذ لم يتبع العقد القصد؛ فانه قصد ضمان المسمى لكن الذي يحصل هو ضمان القيمة الواقعية، بهذا العقد الذي قصد به ضمان كل عوض بالآخر المسمى.

 

2- اليد هي السبب

الثاني: ان العقد الفاسد ليس سبب الضمان، بل هو لغو وجوده كالعدم، بل سبب الضمان قاعدة (اليد) إذ ((عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ))([3]) وقد أخذ المشتري المثمن (كالطعام) وحيث ظهر ان المعاملة فاسدة فعليه ان يرجعه فإذا كان قد اتلفه فعليه قيمته الواقعية بمقتضى ((عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ)) فان ((مَا أَخَذَتْ)) عينه أو بدله الواقعي إن لم يمكن إرجاع العين.

 

3- الإقدام هو السبب

الثالث: ان سبب الضمان ليس هو العقد الفاسد ولا على اليد، بل هو الإقدام، أي لأنه أقدم على ضمانه فهو ضامن، إذ لم يكن إقدامه مجانياً بل أقدم على ضمانه بالعوض المسمى إن كانت المعاملة صحيحة، وبالعوض الواقعي إن ظهرت فاسدة، وذلك حسب الارتكاز العقلائي فيما لم يكن مبنياً على المجّانية وإن لم يكن ملتفتاً لذلك.

فهذه وجوه ثلاثة حسبما بنى عليها المسالك، وهو ظاهر الشيخ أيضاً.

 

إشكال: الإقدام متمم لليد وليس وجهاً مستقلاً

لكن بعض الأعلام أشكل على عدها وجوهاً ثلاثة، بل جعلها وجهين إذ اعتبر ان الثاني متمم للثاني وتوضيحه:

ان الإقدام اما مبني على المجانية أو على الضمان أو على العدوانية فان كان على الضمان ضمن (كالبيع وغيره) وان كان عدوانياً، كالغاصب، ضمن أيضاً إذ انه أقدم عدواناً على ملك الغير واتلفه فهو ضامن له بحكم الشارع وإن لم يقصد هو بنفسه الإقدام على الضمان، وإن كان الإقدام مبنياً على المجانية كما في الضيف إذ يقوم بأكل طعام الغير وإتلافه مبنياً على المجانية فانه لا يضمن، والإقدام على المجانية اما بإذن المالك أو بإذن الشارع وهو مالك الملوك وذلك كما في التقاص وكما في أخذ الزكاة من الممتنع على وجهٍ.

وحينئذٍ فان المشتري قد وضع يده على المثمن وهو ملك الغير، ولم يكن إقدامه مبنياً على المجانية بل كان مبنياً على الضمان، فسبب ضمانه إذا كان العقد صحيحاً العقد الصحيح والإقدام على الضمان بالمسمى، وسبب ضمانه إذا كان العقد فاسداً اليد والإقدام على الضمان أيضاً إذ لم يكن وضعه يده، على أية تقدير، إقداماً على المجانية، نعم تحديده بكونه ضماناً للقيمة الواقعية عائد للارتكاز.

قال الشهيدي قدس سره تعليقاً على قول الشيخ (وتوهم ان دليله...): (ستعرف إن شاء الله عند التكلم في مدرك قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده أنّ هذا ليس بتوهّم، بل هو الحق، وأنّ المقتضي للضمان في تلك القاعدة هو اليد والقبض. وما في كلمات شيخ الطائفة قدس سره من تعليل الضمان في البيع الفاسد والإجارة الفاسدة بالإقدام على الضمان إنما هو من باب بيان عدم المانع من تأثير اليد والقبض في الضمان، وهو الإقدام على المجانية وتعليل الشيء به، لا من باب بيان المقتضي له وتعليله به، وأنّ جعل هذا دليلاً مستقلاً في عرض اليد غفلة صدرت عن المسالك، فانتظر. فإذن لا يرد النقض بالعقود الفاسدة بالنسبة إلى الضمان بالقيمة الواقعية الغير المقصود بها، لأنّه مسبّب عن اليد لا العقد الفاسد)([4]).

وعلى أي فهذا الخلاف([5]) لا يضر بأصل النقض أو جوابه أبداً، ولهذا النقض تتمة تأتي بإذن الله تعالى.

 

ب- بيع ما لا يملك وما لا يملك صحيح

النقض الثاني([6]): (ان بيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكل) كما قال الشيخ كما لو باع هذا الكلب وهذه الشاة في صفقة واحدة بألف دينار([7])، فمع انه قصد بيع الكل (الكلب والشاة مثلاً) إلا ان العقد لم يتبع القصد إذ يكون بيعه الكلب باطلاً (لأنه من الأعيان النجسة على المشهور من بطلان بيعها وهي مما لا تملك، والمنصور ان كل ما له منفعة محللة مقصود فيصح بيعه) ويكون بيع الشاة خاصة صحيحاً.

 

الجواب: البيع منحل إلى بيعين

وقد أجيب عن نقض الشيخ بان البيع منحل حينئذٍ إلى بيعين حقيقة أحدهما باطل والآخر صحيح فلم يتخلف العقد عن القصد إذ بيع الشاة صحيح وقد قصده، وبيع الكلب باطل فليس ببيع (على الصحيحي) كي يقال كيف لم يتبع عقد البيع القصد فانه من السالبة بانتفاء الموضوع، والحاصل: انه ضَمّ معاملةً إلى أخرى وأنشأهما بلفظ واحد، وكون احداهما صحيحة بإمضاء الشارع والأخرى باطلة لا يعني انه امضى المعاملتين على خلاف ما قصده المتعاملان بل امضى قصداً وعقداً وأبطل قصداً وعقداً.

وقد يردّ هذا الجواب بما سيأتي، فانتظر.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((الدُّنْيَا طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْهَا وَمَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى تُوَفِّيَهُ رِزْقَهُ)) (من لا يحضره الفقيه: ج4 ص409).

 

 

---------------------------------------

([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم: ج3 ص47.

([2]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم: ج3 ص47.

([3]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام ـ قم: ج1 ص224.

([4]) كتاب المكاسب مع حواشي هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، الميرزا فتاح الشهيدي التبريزي، مؤسسة البلاغ ـ بيروت: ج2 ص72.

([5]) انهما وجهان أو وجه واحد.

([6]) وهو ثالث الشيخ.

([7]) بان قال بعتك هذين بألف، مثلاً.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3786
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 25 جمادي الاولى 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29