• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 298- مناقشة نسبية الضرر - المدار أشدية الضرر أم اهمية المتضرر .

298- مناقشة نسبية الضرر - المدار أشدية الضرر أم اهمية المتضرر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(298)

 

العدل والإنصاف ثم القرعة

وقال الشيخ قدس سره: (ومع التساوي فالرجوع إلى العمومات الأخر، ومع عدمها فالقرعة).

ولكن ينبغي القول انه ومع عدمها فقاعدة العدل والإنصاف فإن لم يمكن إجراؤها فالقرعة فان الضررين المتزاحمين قد يمكن توزيعهما على الطرفين كما إذا كانا استقلاليين وقد لا يمكن كما إذا كانا ارتباطيين ففي الأول تجري قاعدة العدل والإنصاف وفي الثاني القرعة، ومثاله مما لا يصعب تحصيله([1]).

 

الشيخ: الضرر نسبي

وقال الشيخ: (لكن مقتضى هذا، ملاحظة الضررين الشخصيين المختلفين باختلاف الخصوصيّات الموجودة في كلٍ منهما من حيث المقدار و من حيث الشخص، فقد يدور الأمر بين ضرر درهم وضرر دينار مع كون ضرر الدرهم أعظم بالنسبة إلى صاحبه من ضرر الدينار بالنسبة إلى صاحبه، وقد يعكس حال الشخصين في وقتٍ آخر)([2]).

وقد سبق توجيهه، لكن تنبغي الإشارة إلى إيضاح انه قدس سره يقصد (الضرر منسوباً إلى الشخصين) كما هو صريح كلامه ولا يقصد الشخصين من حيث أهميتهما بما هما هما كما لو كان أحدهما عالماً متقياً والآخر جاهلاً فاسقاً؛ وإلا لناقض قوله السابق من (لأن العباد كلهم متساوون في نظر الشارع) المراد به من حيث الحقوق والواجبات كما سبق.

 

الفرق بين (الضرر الأشد) و(المتضرر الأهم)

وتحقيقه وتنقيحه: ان المدار في (لا ضرر) على الضرر الأكبر أو الأشد، والضرر الأشد مداره بما هو منسوب إلى هذا الشخص أو ذاك لا بما هو هو، فهذا ما ذكره وبنى عليه، لكن كون (الضرر أشد) أمر وكون (المتضرر أعظم وأهم) أمر آخر فقد يكون الضرر بما هو منسوب إلى هذا الشخص (الجاهل الفاسق) مثلاً أشد بالنسبة له من الضرر بما هو منسوب إلى شخص آخر، مع كون الشخص الآخر هو الأهم، ككونه عالماً متقياً لكنه كان ذلك الصفع بالنسبة له عادياً خفيفاً غير موجب لتألمه جداً وذلك كما لو كان الجاهل إذا صفع صفعة يتألم منها جداً ويصاب بالكآبة مثلاً إلى أشهر ولكن الآخر الأهم شخصيةً وهو العالم المتقي يكون صفعه على وجهه أقل إيلاماً له من ذاك الجاهل؛ نظراً لقوة إيمانه مثلاً وتسامحه وانه يرى مثل ذلك ترفيعاً لدرجة أو كفارةً لذنب أو لكون نفسه قوية فلا يصاب بالكآبة وغيرها، فإذا كان الملاك الشخص الأهم (المتضرر الأهم) فالعالم العادل أهم فيرجّح ضرب ذلك الجاهل الفاسق على ضربه لدى الدوران وإذا كان الملاك الضرر الأشد منسوباً للشخص فحيث ان الجاهل الفاسق أشد تضرراً فيرجّح ضرب العالم، لو دار الأمر بينهما، وذلك كما لو وجد ظالم جائر خيّرهما بين ضرب أحدهما مثلاً.

لا يقال: قد يدلّ دليل على ترجيح جانب العالم المتقي؟

إذ يقال: لو دلّ فهو دليل آخر، كأدلة حرمة العالم المتقي مثلاً، فهو أمر آخر، والكلام إنما هو عن (لا ضرر) لو لوحظ بنفسه بما هو هو فانه مع فرض تضرر الجاهل أكثر يكون إلى جانب دفع الضرر عن الجاهل لأنه أشد تضرراً، بعبارة أخرى (لا ضرر) بنفسه أجنبي عن الترجيح بجهة كونه عالماً وشبهه، والمرجح لو كان فهو غيره.

 

وإطلاق الشيخ قدس سره غير عرفي

ويرد على الشيخ ان إطلاقه غير عرفي فان كلامه صحيح في نظائر ما لو دار الأمر بين تضرر زيد بدرهم وتضرر عمرو بدينار وكان زيد يتضرر بفقد درهمه أكثر لكونه فقيراً معدماً مثلاً عكس عمرو الغني، فذلك وأمثاله الأمر فيه كما قاله، ولكنه مقيد بغير ما كان لا ضرر عرفاً منصرفاً عنه، كما لو دار الأمر بين إتلاف درهم من زيد أو مائة مليون دينار من عمرو أو عدة بساتين منه، فانه حتى إذا كان الغني لا يهمه ذلك وكان لا يتضرر به لكثرة ممتلكاته بقدر تضرر الفقير بفقد الدرهم، لكن الظاهر انه لا يقول عاقل بترجيح إتلاف مائة مليون على إتلاف درهم لمجرد ان تضرر صاحب الدرهم يكون أكثر، غاية الأمر ان يكون على بيت المال بذل الدرهم لذلك الفقير، إن أتلف. فتأمل.

 

فرع مشكل

وهناك فروع مشكلة، على مبنى الشيخ من نسبية الضرر، ومنها: ما لو دار الأمر مثلاً بين جرح يد زيد وبين قطع يدِ عمرو، وكان جرح يد زيد بالنسبة له أشد وآلم وأكثر ضرراً من قطع يد عمرو، فان من المشكل القول بإطلاق ما قاله الشيخ.

 

لو غصب ديناراً فأوقعه في محبرة الغير

ثم ان الشيخ قدس سره نقل أقوال العلماء في المسألة وقال: (وما عثرنا عليه في كلمات الفقهاء في هذا المقام لا يخلو عن اضطراب: قال في التذكرة: لو غصب دينارا فوقع في محبرة الغير - بفعل الغاصب أو بغير فعله - كسرت لردّه، وعلى الغاصب ضمان المحبرة، لأنه السبب في كسرها. وإن كان كسرها أكثر ضررا من تبقية الواقع [فيها]، ضمنه الغاصب ولم تكسر.([3])

(انتهى). وظاهره أنّه يكسر المحبرة مع تساوي الضررين، إلّا أن يحمل على الغالب من كثرة ضرر الدينار لو ضمنه.

وفي الدروس: لو أدخل دينارا في محبرته وكانت قيمتها أكثر ولم يمكن كسره، لم يكسر المحبرة وضمن صاحبها الدينار مع عدم تفريط مالكه (انتهى)([4]).)([5]).

 

صور المسألة ستة

أقول: التحقيق يقتضي التفصيل حسب صور المسألة وهي ستة أو أكثر:

 

1- لو بنى داراً على أرض الغير غصباً

الصورة الأولى: ما لو أدخل ديناره الذي يملكه في محبرة الغير بدون رضاه، ونظيره ما لو بنى بيتاً فخماً على أرض الغير بدون إذنه، فقد يقال بانه يلاحظ الأهم منهما أي الأكثر قيمة، فلو كانت قيمة الأرض مثلاً عشرة ملايين وقيمة القصر مليار دينار، فلا يُلزم صاحب القصر بهدمه لأنه تضييع للأكثر الأهم، بل عليه ان يعوّض صاحب الأرض عن أرضه بأرض أخرى مثلاً أو بمبلغ مساوٍ لها، فان تعاسرا أوقع الحاكم الصلح قهراً بينهما.

 

فالحكم هدمها ولو كانت أغلى من الأرض

لكن المشهور المنصور عدم ملاحظة الأكثر تضرراً منها في حد ذاته، بل يراعي جانب المغصوب منه، ففي المثال يُهدم قصره بالغاً ما بلغت قيمته، وتُرجع الأرض إلى صاحبها وإن كانت ضئيلة القيمة جداً.

ويمكن الاستدلال على ذلك بأدلة بأربعة أدلة أو أكثر:

 

أ- لأن الغاصب يؤخذ بأشد الأحوال

الدليل الأول: ان الغاصب يؤخذ بأشد الأحوال وأشقّها.

وفيه: ان هذه ليست رواية بل هي قاعدة مصطيدة وهي دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن، ولا يعلم بناء العقلاء على ذلك على إطلاقه أي على الشمول لمثل ذلك بل قد يعدونه غير عقلائي. فتأمل. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((إِذَا قَامَ الْعَبْدُ مِنْ لَذِيذِ مَضْجَعِهِ وَالنُّعَاسُ فِي عَيْنَيْهِ لِيُرْضِيَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِصَلَاةِ لَيْلِة بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ فَقَالَ: أَمَا تَرَوْنَ عَبْدِي هَذَا قَدْ قَامَ مِنْ [لَذِيذِ] مَضْجَعِهِ إِلَى صَلَاةٍ لَمْ أَفْرِضْهَا عَلَيْهِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ)) (عدة الداعي: ص51).

 

 

 

-------------------------------------------------

([1]) كما لو أراد غاصب أو سارق سرقة مائة دينار اما من هذا أو من ذاك وكان ممن تهمّه المائة سواء من هذا أو من ذاك أو بالتوزيع.

([2]) الشيخ مرتضى الانصاري، رسائل فقهية، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ص125.

([3]) التذكرة 2: 391، و الظاهر أنّ ما في المتن تلخيص لما في المصدر.

([4]) الدروس: 308.

([5]) الشيخ مرتضى الانصاري، رسائل فقهية، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ص126.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3799
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 10 جمادي الاخرة 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29