• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 462- مناقشة مع المحققين النائيني والخوئي .

462- مناقشة مع المحققين النائيني والخوئي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(462)

 

أنواع الشروط أربعة:

والتحقيق: ان الشروط، بحسب المقصود منها، على أربعة أنواع:

 

أ- شرطٌ لأصل العقد

النوع الأول: أن تُعتبر شرطاً لأصل العقد معلقاً أصله عليه، وهذا الشرط فاسد مفسد؛ فان التنجيز من شروط صحة العقد، وإن كان الشرط في حد ذاته صحيحاً أي غير مخالف للكتاب والسنة لكنه حيث أورث تعليق العقد والإنشاء أفسده.

 

ب- شرط للزوم العقد

النوع الثاني: ان يعتبره الشارط شرطاً للزوم العقد، فإن لم يكن هذا الشرط فاسداً في نفسه لوجه من الوجوه، ككونه شرطاً مخالفاً للكتاب والسنة أو كونه مجهولاً أدى إلى جهالة أحد العوضين، فان العقد ينعقد متزلزلاً فإن عمل المشترَط عليه بالشرط فالعقد لازم لا يصح فسخه وإن لم يعمل فللمشروط له الخيار فإن شاء فسخ العقد وإلا أبقاه.

ولا شك حينئذٍ، كما سبق، ان هذا الشرط إذا كان فاسداً، وقلنا بان العقد لازم حينئذٍ لأن الشرط الفاسد غير مؤثر بوجه، فانه لا يكون العقد تابعاً للقصد حينئذٍ، إذ انه قصد جوازه إذا تخلف الشرط، لكن الشارع حكم بلزومه حتى إذا تخلف هذا الشرط (لأنه فاسد بنظره) فلم يتبع العقدُ القصدَ.

 

وليس العقد مطلقاً حينئذٍ

والقول بانه وقع مطلقاً، غير تام كما سبق، إذ (الشرط) كيفية للعقد، أو فقل انه مصنِّف له إلى صنفين، وكل صنف غير الآخر، إن لم نقل بانه منوِّع له إلى نوعين سلمنا([1])، لكنه لا ريب انه([2])يربط العقد به فقد قصد العقد مشروطاً (بهذا) الشرط فصارا ارتباطيين ولم يقصد وقوعه (معه) ليكونا استقلاليين، بل مفهوم الشرط يأبى عن القول بمجرد الاقتران بينهما والمعية والعِندية، إذ الشرط شرط وليس ظرفاً ولا مجرد مقارن، ويوضحه ان من البديهي الفرق بين الواجب المطلق والمشروط فانه ليس شرطا مقترناً به ليكون مطلقاً كالمطلق فتدبر.

 

ولا تجدي دعوى النائيني تعدد المطلوب

إذا عرفت ذلك ظهر لك ما في قول المحقق النائيني من (ففيه: أن الوجه في صحة المعاملة (ح) عند القائلين بها إنما هو الإلتزام بتعدد المطلوب بدعوى أن أصل المعاملة كان مطلوباً واقترانها بالشرط مطلوب آخر، وعدم تحقق الأخير لا يستلزم عدم وقوع المطلوب الأول، ومع كونه مطلوباً مستقلاً لا يكون تخلف في البين اصلاً)([3]).

 

لكونهما ارتباطيين حينئذٍ

لبداهة ان المطلوب وإن كان متعدداً لكن أحدهما مرتبط بالآخر، وفرق بين باعه كذا بشرط كذا وباعه كذا مقترناً بيعُه بكذا، وبين (بعت كذا بشرط ان تفعل كذا) و(بعت كذا مقترناً بفعلك كذا أو عنده أو معه) إن لم يربطه به كما هو ظاهر اللفظ([4]).

والظاهر ان وجه دعوى التنقيح (لأنّ العقد المقصود حينئذ مطلق وقد وقع مطلقاً)([5]) هو تعدد المطلوب الذي ذكره المحقق النائيني أو هو ان الشرط (التزام في التزام) بتوهم ان (في) تفيد مجرد الظرفية مع ان المراد الشرطية، نعم (في) قاصرة عن إفادتها لكن (الشرط) منطوقُهُ ارتباطيتهما لا مجرد كون هذا في هذا.

وبعبارة أخرى: العقد إن كان مطلقاً فهو مطلق حدوثاً لا بقاء أي ان أصله غير معلق عليه، اما دوامه وبقاؤه ولزومه فهو معلق عليه.

 

الشرط الفاسد غير مورث للخيار

ب- كما يرد على قوله (وفي كلا الشرطين الصحيح والفاسد يثبت الخيار عند تخلّفه على المختار كما سيأتي وإن كان في ثبوت الخيار مع تخلّف الشرط الفاسد خلاف)([6]) انه خلاف القاعدة، كما سيأتي بيانها، نعم من التزم به (بان الشرط الفاسد مورِث للخيار عند تخلفه) فانه لا يرد عليه بان العقد لم يتبع القصد لأنه تَبِعَهُ إذ انه قصد جوازه وقد وقع جائزاً على هذا الرأي.

 

والحق التفصيل إلى صور ثلاث

والقاعدة هي التفصيل: فإن أدّى الشرط الفاسد إلى جهالة أحد العوضين، فسد العقد نفسه، وإن لم يؤدِّ إلى جهالته لم يفسد العقد وحينئذٍ فإن كان عالماً بان هذا الشرط فاسد فلا شيء له والعقد لازم، نعم شرطه، حسب تعبير الشيخ، مجرد وعيد، وحينئذٍ يلزم النقض بان العقد تخلف عن الشرط، وإن كان جاهلاً بفساد الشرط، فان له الخيار للغرر والغبن، لا للشرط لفرض ان الشرط فاسد شرعاً، وحينئذٍ لم يتخلف العقد عن القصد وإن كان لا للوجه الذي رامه (وهو الشرط، إذ كان لأجل الغرر) وعلى أيٍّ فالنقض وارد في صورة علمه بفساد الشرط، ويستبعد قول السيد الخوئي بثبوت الخيار حتى في هذه الصورة وحينئذٍ يتم النقض.

 

ج- شرطً لِيُلزمه بالأرش

النوع الثالث: ان يشترط عليه شيئاً، ليأخذ الأرش منه إن لم يلتزم، وهذا متداول عند كثير من المتعاملين، فانه قد يريد إنفاذ المعاملة بكل صورة ولا يريد جوازها أو فسخها مطلقاً حتى لو لم يعمل الطرف الآخر بالشرط، لكنه يريد تعويضه بشيء إذا أخلّ الطرف الآخر بالشرط، وحينئذٍ فان ظهر الشرط فاسداً، فلا عوض له، فهنا وفي النوع الآتي قد يتوهم صحة كلام الميرزا النائيني من عدم تخلف العقد عن القصد نظراً لتعدد المطلوب، وفيه: ان هذا الشرط أيضاً كيفية للعقد، أو انه أمر ارتبط به العقد بوجهٍ (ليولّد العوض أو الإلزام دون الجواز) فلو كان فاسداً فلم يوجِب العوضَ أو الإلزام لَتَخلَّفَ العقدُ عن القصد.

 

د- شرطً لمجرد الزامه بأمرٍ

النوع الرابع: ان يشترط عليه لمجرد إلزامه بفعل ما اشترطه عليه دون ان يريد تعليق أصله ولا الجواز ولا الارش، وهذا أيضاً كثير، كأن يبيعه داره التي تسوى مائة مليون بخمسين مشترطاً عليه ان يذهب للحوزة أو الجامعة أو للوظيفة، ليلزمه به، من غير ان يجعله شرط اللزوم أو الأرش.

فهذه أنواع ما يقصده المتشارطان، واما إمضاء الشارع لبعضها وإبطاله بعضها فأمر آخر، لا يضرّ بإشكال عدم تبعية العقد للقصد حينئذٍ (حين إذ تخلف الشرط، والشارع اعتبره فاسداً) بل يؤكده فتأمل وتدبر جيداً.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((إِنَّ رُوَاةَ الْكِتَابِ كَثِيرٌ، وَإِنَّ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ، وَكَمْ مِنْ مُسْتَنْصِحٍ لِلْحَدِيثِ مُسْتَغِشٍّ لِلْكِتَابِ، فَالْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُ الرِّعَايَةِ، وَالْجُهَّالُ يَحْزُنُهُمْ حِفْظُ الرِّوَايَةِ، فَرَاعٍ يَرْعَى حَيَاتَهُ وَرَاعٍ يَرْعَى هَلَكَتَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الرَّاعِيَانِ وَتَغَايَرَ الْفَرِيقَانِ)) (الكافي: ج1 ص48).

 

 

 

----------------------------------------

([1]) انه ليس كيفية للعقد.

([2]) أي الشرط.

([3]) الشيخ محمد تقي الاملي، تقرير بحث الميرزا النائيني، كتاب المكاسب والبيع، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: ج1  ص145.

([4]) فيكون (مقترناً ...) اخباراً، ولو جعله إنشاء لكان شرطاً أي بشرط اقترانه فالاقتران شرط وليس مقارناً حينئذٍ فقط فتدبر.

([5]) الشيخ ميرزا علي الغروي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج1 ص86.

([6]) المصدر نفسه.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3806
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 14 جمادي الاخرة1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29