• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 463- مناقشة مع المحقق اليزدي - بحث عن فرق الداعي والشرط والقيد والعنوان وغيرها .

463- مناقشة مع المحقق اليزدي - بحث عن فرق الداعي والشرط والقيد والعنوان وغيرها

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(463)

 

التحقيق: الداعي والشرط والقيد والجزء والعنوان

مزيد تحقيق: ومزيد التحقيق بما يظهر به وجه الخلط لدى الكثير من الناس ولدى بعض الأعلام أيضاً: ان ما له مدخلية بنحوٍ ما في العقود أو العبادات، على أنحاء: فقد تكون مدخليته على نحو الداعوية، وقد تكون مدخليته على نحو الشرطية وقد تكون على نحو القيدية، وقد تكون على نحو الجزئية، وقد تكون على نحو العنوانية، ثم ان ما كانت مدخليته على نحو الشرطية قد يكون مطلوباً ثانوياً وقد يكون مطلوباً أولياً بينما يكون العقد مطلوباً ثانوياً وقد يكون كلاهما مطلوباً أولياً بحيث يكون كل منهما باستقلاله علّة تامة لو انفرد عن قسيمه، أو فقل يكون ملحوظاً علّة تامة على سبيل البدل لإجراء العقد.

ولنمثل له أولاً بالعبادات ثم نثنّي بالعقود التي هي مورد البحث:

ففي الصلاة مثلاً: (الداعي) هو الثواب والحصول على النعيم، أو الفرار من العقاب وعذاب الجحيم، وذلك غير مخلّ بقصد القربة، فانه في طوله أي انه قد وقع في سلسلة علله الإعدادية، فداعي الثواب أو التحرز من العقاب يدفعه إلى الصلاة بقصد القربة المحضة، فلم يكن من الشرك في النية إذ هو لو كانا في عرض واحد لا في طول الآخر.

و(الجزء): الركوع والسجود والتشهد وغيرها.

و(الشرط): إباحة المكان والاستقرار.

و(القيد): كونه على طهر، أو فقل الوضوء، والأول المعنى الاسم مصدري والثاني المعنى المصدري، وكالنية للصلاة، فتأمل.

والفرق بين القيد والشرط ان القيد ينتفي المقيد بانتفائه عكس الشرط فانه التزام في التزام، وبوجه آخر: القيد، يكون التقيد فيه جزءً والقيد خارجاً اما الشرط فكلاهما خارج وإنما هو ارتباط بين أمرين.

قال في المنظومة:

 

والحصّةُ الكلّي مقيّداً يجي‌     تقيّدٌ جزءٌ وقيدٌ خارجي‌([1])

 

والحاصل: ان الشرط خارج قيداً وتقيداً، والجزء داخل مطلقاً، والقيد بينهما: داخلٌ تقيّداً خارج قيداً، فتأمل.

و(العنوان): مصب الحكم نفسه، كالصلاة نفسها التي لها أجزاء وشروط وقيود ودواعي وآثار وأحكام ... الخ. فهذا في المعاملات.

واما (العقود) فـ(الداعي) في النكاح مثلاً هو التناسل أو هو خدمتها في شؤون المنزل أو كلاهما معاً، ومن خصائص الداعي انه إذا تخلف لم يؤثر في العقد أصلاً، فلا يورث الخيار ولا الغرامة والارش ولا غيرهما، واما (الداعي) في شرائه هذه الدار فهو ان ترتفع قيمتها مثلاً ليبيعها بسعر أغلى، فإذا لم ترتفع قيمتها لم يكن له الخيار ولا غيره.

و(الشرط) هو التنجيز أو القدرة على التسليم أو العربية على رأي.

و(القيد) كونه متمولاً، ذا ماليةٍ، فلا يصح بيع ما لا مالية له لِخِسّته أو لِقِلّته كحبّةِ حنطة مع انها مملوكة له.

و(الجزء) للإنشاء أي للصيغة الإنشائية: القبول مثلاً، وللـمُنشَأ([2]) الثمن والمثمن إذ هما ركنا العقد، وفي النكاح الزوجان.

و(العنوان) البيع نفسه أو الإجارة نفسها في مقابل الصلح فان لكل منهما أحكاماً ليست للصلح وإن أفاد الصلح فائدته على المشهور من ان الصلح عقد مستقل وإن أفاد في كل مورد فائدة ذلك العقد الآخر، خلافاً للشيخ إذ ذهب إلى ان الصلح كلما أفاد فائدة عقد فهو هو فإن أفاد نقل المنفعة فقط فهو إجارة أو نقل الملكية بعوض فهو بيع.. وهكذا

ثم ان (الشرط) قد يكون مطلوباً ثانوياً، وقد يكون هو المطلوب الأولي دون العقد نفسه، وقد يكونان مطلوبين أوليين، وكل ذلك بحسب القصد الذي قد يكون مبرزاً أيضاً، ومثاله ما لو باعه داره التي تسوى مائة مليون بخمسين مليوناً أو أقل على ان يدير شركته لمدة سنة مثلاً، فتارة يكون مطلوبه الأصلي بيع داره (إذ يريد الانتقال حتماً) ومطلوبه الثانوي إدارة المشتري لشركته (مع ان له بدائل من مدراء آخرين جيدين) وأخرى يكون العكس بان يكون مطلوبه الأصلي ان يتقبل المشتري إدارة شركته ويكون البيع ذريعةً إلى ذلك مع عدم كونه مطلوباً أساسياً له بحيث لولا ذلك الغرض لما باعه، وأخرى يكون كلاهما مطلوباً أصلياً بحيث لو انفردا لحرّكة كل منهما نحو إيجاد سببه.

وعلى كل التقادير الثلاثة فان (الشرط) شرط وبتخلف الطرف الآخر عنه، يكون له حق الخيار، سواء أكان مطلوباً ثانوياً أم على نحو الاشتراك؛ وذلك لأن العِبرة بكيفية الإنشاء وانه انشأ هذا عقداً وذاك شرطاً، ولذلك فان الربا يجري في القرض الذي جرّ نفعاً ولا يجري في البيع الذي جرّ قرضاً ونفعاً حتى وإن اتخذه ذريعةً إلى الانتفاع بالقرض فلو اقرضه مبلغاً على ان يرده بنفسه ولكن بشرط ان يبيعه الشيء الكذائي كان ربا باطلاً وهو كما لو اقرضه بشرط ان يردّ عليه الأكثر منه، واما لو باعه الشيء الكذائي بشرط ان يقرضه مبلغ كذا كان صحيحاً، وإن كان مطلوبه الواقعي تحصيل القرض واتخذ البيع ذريعة له. وعليه فلو باعه سيارته بنصف قيمتها بشرط ان يقرضه مبلغاً يرده إليه بنفسه صح وإن أفاد فائدة الربا القرضي (إذ المقرض ربح نصف قيمة السيارة في البيع المحاباتي).

 

مناقشة مع المحقق اليزدي

إذا ظهر ذلك ظهر التأمل في كلام المحقق اليزدي إذ قال: (وأمَّا المورد الثاني، وهو حكمهم بصحة العقد مع فساد الشرط، مع أن المقصود مقترن به فوجه عدم الافساد أنه من باب تعدد المطلوب، لا التقييد ولا العنوانية، فلا دخل له بما نحن فيه؛ إذ ليس من باب التخلّف الا بالنسبة الى المطلوب الثانوي؛ ولذا قلنا: إنه مثبت للخيار كما في تخلّف الشرط الصحيح)([3]).

إذ يرد عليه: أولاً: ان الداعي مقترن بالعقد، اما الشرط فليس صِرف مقصودٍ مقترن بالعقد بل هو ربط خاص يعبر عنه بالشرط، ولذا فان تخلف الداعي لا يضر لأنه مجرد مقارِن اما تخلف الشرط فيضر اما بأصل العقد واما بلزومه أو شبه ذلك.

وثانياً: - وهو العمدة – انه وإن كان تخلف الشرط من باب تخلف المطلوب الثانوي، إلا انه مادام شرطاً: فإن كان شرطاً لأصل العقد فسد العقد كما سبق ولم يحكموا بصحة العقد مع فساد الشرط حينئذٍ، وإن كان شرطاً لدوامه كان له الخيار، فإذا كان فاسداً ذلك الشرط أفسد العقد إن علق أصله عليه، لأن التنجيز شرط في صحة العقد وقد علقه ففسد، سواء أكان الشرط صحيحاً في حد ذاته أم فاسداً، وإن كان شرطاً للزومه فانه حتى إذا كان مطلوباً ثانوياً فانه يفيد الخيار، لكنه إذا كان فاسداً وكان بفساده عالماً فلا وجه لإفادته الخيار كما سبق. هذا على ان في كلامه H خلطاً بين شرط الصحة وشرط اللزوم أي الشرط الذي علق عليه أصل العقد وبين الشرط الذي علق عليه لزومه. فتأمل.

وبعبارة أخرى: الشرط إن كان من باب تعدد المطلوب بلا ربط بينهما بل مجرد الاقتران فلا وجه لإفادته الخيار، إضافة إلى تناقض دعوى انه شرط وانه مقترن فقط) وإن كان من بابه مع ربط بينهما بنحو الشرطية لِلّزوم، مقابل الجواز والتزلزل فلا يفسد أصل العقد لأن أصل العقد غير معلق عليه، ويفسد اللزوم لأن اللزوم معلق عليه فإن كان هو فاسداً كان كالعدم فكيف يفسد اللازم؟ فتأمل

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((طَلَبَةُ الْعِلْمِ ثَلَاثَةٌ فَاعْرِفْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ:

صِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلِاسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْفِقْهِ وَالْعَقْلِ،

فَصَاحِبُ الْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ مُوذٍ مُمَارٍ مُتَعَرِّضٌ لِلْمَقَالِ فِي أَنْدِيَةِ الرِّجَالِ بِتَذَاكُرِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الْحِلْمِ قَدْ تَسَرْبَلَ بِالْخُشُوعِ وَتَخَلَّى مِنَ الْوَرَعِ فَدَقَّ اللَّهُ مِنْ هَذَا خَيْشُومَهُ وَقَطَعَ مِنْهُ حَيْزُومَهُ‏،

وَصَاحِبُ الِاسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ ذُو خِبٍ‏ وَمَلَقٍ يَسْتَطِيلُ عَلَى مِثْلِهِ مِنْ أَشْبَاهِهِ وَيَتَوَاضَعُ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ دُونِهِ فَهُوَ لِحَلْوَائِهِمْ هَاضِمٌ وَلِدِينِهِ حَاطِمٌ فَأَعْمَى اللَّهُ عَلَى هَذَا خُبْرَهُ وَقَطَعَ مِنْ آثَارِ الْعُلَمَاءِ أَثَرَهُ،

وَصَاحِبُ الْفِقْهِ وَالْعَقْلِ ذُو كَآبَةٍ وَحَزَنٍ وَسَهَرٍ قَدْ تَحَنَّكَ فِي بُرْنُسِهِ‏ وَقَامَ اللَّيْلَ فِي حِنْدِسِهِ يَعْمَلُ وَيَخْشَى وَجِلًا دَاعِياً مُشْفِقاً مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ عَارِفاً بِأَهْلِ زَمَانِهِ مُسْتَوْحِشاً مِنْ أَوْثَقِ إِخْوَانِهِ فَشَدَّ اللَّهُ مِنْ هَذَا أَرْكَانَهُ وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَانَهُ))

(الكافي: ج1 ص49).

 

 

 

---------------------------------------------------------

([1]) منظومه ملا هادي سبزواري: ج2 ص104.

([2]) أو للمتعلَّق.

([3]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية كتاب المكاسب، مؤسسة طيبة لإحياء التراث ـ قم: ج1 ص349.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3807
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 15 جمادي الاخرة1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28