• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 303- رأي المحقق الرشتي والسيد الوالد في تزاحم الضررين .

303- رأي المحقق الرشتي والسيد الوالد في تزاحم الضررين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(303)

 

احتمالات ثلاث للمحقق الرشتي

وقد ذهب المحقق الرشتي إلى ان في المسألة احتمالات ثم اختار ثالثها، قال، فيما نقله عنه السيد الوالد (الفقه): (وإن استلزم إتلافاً في العين أو في صفتها، فالأمر يدور حينئذ بين احتمالات:

 

1- المدار أقل الضررين مطلقاً

أحدها: أن يلاحظ ضرر الطالب على تقدير عدم التخليص وضرر المطلوب منه على تقدير التخليص، بتقديم أقل الضررين، لما أشرنا في الأمر الثاني قبل هذا الالتقاط من تقديم أقل الضررين، ومع التساوي فالقرعة.

 

2- عدم ملاحظة تضرر الطالب، أبداً

والثاني: عدم السلطنة رأساً، وإن أفضى إلى تعطيل ماله من جانب المطلوب منه؛ لاستلزام التخليص التصرف في مال الغير المنهي عنه المنافي لقاعدة السلطنة.

 

3- للطالب المطالبة وعليه الأرش

والثالث: سلطنته على التخليص مع دفع القيمة أو الأرش.

والأقرب بمقتضى القاعدة على ما يقتضيه النظر هو الأخير، لأن فيه جمعاً بين الحقين، والأصل في ذلك أنه متى دار الأمر بين فوات أصل المال وبين فوات خصوصيته العينية مع محافظة ماليتها، فالثاني أولى ارتكاباً لأقل الضررين، فيتحمل الطالب للتخلص خسارة التلف المترتب عليه توصلاً إلى عين ماله، ويتحمل تجاوز المطلوب منه عن عين ماله بأخذ بدله قيمةً أو أرشاً.

هذا إذا كان الطالب أحدهما، وإن كان كل منهما مريداً لخلاص ماله فمع التشاح تتعين القرعة)([1])([2]).

 

وجوه الاحتمالات الثلاث

أقول: كلامه ظاهراً([3]) في مسائل إخراج رأس الدابة من القدر المملوكة للغير، أو الدينار الملقى في محبرة الغير وشبه ذلك، والظاهر ان كلامه في صورة ما لم يكن أحدهما معتدياً بل كان بسب قضاءٍ وقدرٍ من غير تفريط من أحدهما أو كان بفعلِ صبي غير مميز أو بفعل ثالث غاصب (ويحتمل ان يريد صورة تعدي أحدهما وسنبحثها مستقلاً) فعلى فرض كون الكلام في هذه الصورة فالاحتمالات الثلاثة مع وجوهها، هي:

الأول: تقديم أقل الضررين، ووجهه ان الأمر دائر بين تضرر صاحب الدار بهدم جداره وبين تضرر صاحب الدابة بذبحها مثلاً، والمفروض انه ليس أحدٌ منهما بمعتدي، فيرجح تضرر الأقل تضرراً وإلا كان من ترجيح المرجوح.

الثاني: ان الطالب يتضرر، إذ لا سلطنة له على مال الغير، فلو ان صاحب الدينار طلب كسر محبرة الغير ليسترجع ديناره فليس له وإن كانت المحبرة أقل قيمةً من الدينار بكثير، وذلك لأن التصرف في مال الغير منهي عنه محرم فلا يمكن أخذه طريقاً لإنقاذ ماله، وهذا ما هو ما طرحناه بعنوان المقدمية، فان إنقاذ ماله وإن كان في حد ذاته جائزاً، بل حتى لو فرض انه واجب، لكنه لا يصحّ عبر المقدمة المحرمة فان المقدمة المحرمة لا تكون جائزة في الماليات، لمجرد وقوعها في طريقِ جائزٍ أو واجبٍ كما سبق.

الثالث: الجمع بين الحقين، بان يكون لصاحب الدينار استنقاذ ديناره شرط ان يعطي خسارة كسر المحبرة لصاحبها، فان هذا موافق للعدل والإنصاف وهو بين تفريط الاحتمال الأول بحق المبتلى بضرر أقل بان يضيع حقه كاملاً، وبين إفراط الرأي الثاني القائل بان الطالب لا شيء له مطلقاً، فهذا الثالث يعطي لكل منهما حقاً.

 

الاحتمال الرابع:

ولكن الأصح احتمال رابع هو الثالث مع تطويره إلى توزيع الضرر عليهما؛ فان هذا هو الموافق للعدل والإنصاف.

 

مؤيدات للاحتمال الرابع

وقد يؤيد هذا الرابع بان فيه رفعاً لليد عن دليل سلطنتهما بقدر الضرورة والتدافع، لا أكثر، إذ لا وجه للأول فانه يرفع دليل سلطنة المتضرر الأقل، كاملاً، ولا للثاني لأنه يرفع سلطنة الطالب كاملاً، كما قد يؤيد بان مقتضى قاعدة الاحترام السابقة، ذلك أيضاً، واما ذو المقدمة المحرم فانه يحدث بينه وبين المقدمة الكسر والانكسار عقلائياً، ولا تعلم حرمة المقدمة إذا كانت متدافعة مع سلطنة شخص آخر أهم من المقدمة. فتأمل([4]).

وربما قيل في مثال الكُرَةِ الآنف الذكر: ان المتعارف هو المرجع أولاً، ثم تجري الأقوال الأخرى بمعنى انه ما تعارف من لعب الصبيان بالكرة وفي الحدود المتعارف سقوطها في دار الجار، لهم ذلك، وعلى الجار إذا سقطت في بيته ان يرجعها ولا يتعلّل: بانه مسلط على داره فله ان لا يسمح لأحد بان يدخل لاسترجاع متاعه (كُرَته) أو يتعلّل بانه حرّ ولا سلطنة لأحد عليه ليجبره، شرعاً، على إرجاعها هو بنفسه.

وقد يقال: بان التواضع بين الجيران على ذلك وأشباهه (ان يعيد كل منهم حاجة صاحبه إليه إذا سقطت في داره) فتأمل([5]).

 بعبارة ثالثة: أدلة السلطنة منصرفة عن مثل ذلك أي عما تعارف من الجيران فعله مما يستلزم نوع تصرف في داره فعليه إرجاعه بنفسه أو الإذن للجار بالدخول، وليس له ان يأخذ أجرةً على ذلك، اما للتواضع أو لكونه المتعارف، وقد يقال بان التعارف يفيد التفصيل ففي مثل ما لو كانت وحدها في الدار وكان دخولهم لأخذ كرتهم أو حاجتهم حرجاً عليها جداً أو خطراً فلها ان تمتنع عنه بل وحتى عن إعطائها الحاجة أو الكُرَة لهم إذا كان ذلك أيضاً يشكل مساساً عرفاً بعرضها، وقد سبق تفصيلهما والنسبة بينهما والأرجح منهما.

 

قيود ثلاثة:

نعم في الزائد على المتعارف قد يقال بان له أخذ الأجرة على دخولهم داره بمقدار لبثهم فيها وتصرفهم، أو على تعطيله عن عمله وخدمته لهم بمقدار استغراق ذلك من وقته وتعطيله عن عمله عرفاً. فتأمل هذا.

 

ثالثها: ان لا يكون حرجياً عليه

وقد زاد السيد الوالد قدس سره أمراً ثالثاً إضافة إلى ما سبق نقله عنه (من ان الضرر محدد بحد الإسراف وبحد ان يكون عقلائياً) مما له المدخلية في الحكم الشرعي في أمثال المقام وهو ما ذكره بقوله: (وقد تقدمت الإشارة إلى أنه يلزم أيضاً ملاحظة الصعوبة والحرج دون الضرر فقط، إذ ربما يكون هدم الدار حرجاً وضرراً، والمالك للدابة مستعد لإعطاء الضرر، لكن يبقى الحرج على صاحب الدار بهدم داره وإعادتها، مما يسبب صعوبة له)([6]).

أقول: وهو على القاعدة، وحاصله ان يلاحظ دليل لا حرج أيضاً لا لا ضرر فقط فإذا كان تضرر مالك الدار بقدر عشرة دنانير بهدم جداره، وكان تضرر مالك الدابة بقدر عشرين ديناراً بذبحها، فانه لا يصح ان يلاحظ الضرران فقط فيرجّح الضرر الأقل فتهدم جداره، بل يلاحظ انه يوقعه في حرج أو لا؟ كما تلاحظ درجته، فربما كان مجموع حرجه وضرره أرجح من ضرر صاحب الدابة فيقدم عليه، وذلك كما لو كان هدم جداره يوقعه في حرج انكشاف أهله للبنّائين فترة انشغالهم بالهدم ثم البناء لأسبوع مثلاً ولم يكن له بديل آخر، أو كان له بديل آخر ولكن كان يوقعه في حرج الانتقال هذه الفترة إلى بيت جار أو قريب أو يوقعه في حرج شديد مع صاحب تلك الدار فمقتضى القاعدة ملاحظة دليل الحرج أيضاً.

ولكن قد يناقش بانه لا إطلاق له إذ دليل الحرج قد يكون مع هذا الطرف أيضاً، فيجب ملاحظة مجموع الحرجين والضررين حينئذٍ، فتدبر جيداً.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَقَدْ بَلَّغْتُ إِنَّكُمْ سَتَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأَسْأَلُكُمْ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الثَّقَلَيْنِ، وَالثَّقَلَانِ كِتَابُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَأَهْلُ بَيْتِي فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَهْلِكُوا وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ)) (الكافي: ج1 ص293).

 

 

 

----------------------------------------------------------------------

([1]) الميرزا حبيب الله الرشتي، كتاب الغصب: ص139.

([2]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه/ كتاب الغصب، دار العلوم للطباعة والنشر ـ بيروت: ج78 ص412-413.

([3]) إذ لم ينقل عن صدر كلامه.

([4]) إذ فيها تفصيل.

([5]) إذ لا إطلاق لذلك.

([6]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه/ كتاب الغصب، دار العلوم للطباعة والنشر ـ بيروت: ج78 ص406.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3813
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 17 جمادي الاخرة 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29