• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 469- النقض بانقلاب النكاح المنقطع الى دائم - مناقشة رأي الميرزا النائيني .

469- النقض بانقلاب النكاح المنقطع الى دائم - مناقشة رأي الميرزا النائيني

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(469)

 

انقلاب المنقطع دائماً إذا لم يذكر الأجل

النقض الخامس: وقد نقض الشيخ على قاعدة تبعية العقود للقصود بانقلاب العقد المنقطع دائماً إذا لم يذكر الأجل، مستدلاً بذلك على ان عدم تبعية العقد للقصد في (المعاطاة) لا يلزم منه تأسيس قاعدة جديدة، إذ لعدم التبعية موارد عديدة مسلّمة، منها هذه النقوض الخمسة، فلتكن المعاطاة سادسها، والحاصل: ان قاعدة التبعية عام وتخصيص العمومات ليس بعزيز ولا يلزم من تخصيص العام تأسيس قاعدة جديدة.

وأجاب عنه المحقق النائيني والسيد الحكيم تبعاً للجواهر، وآخرون بوجوه، نذكرها مع قد يناقش فيها:

 

النائيني: الانقلاب متوقف على كونهما حقيقة واحدة، وأحد القصدين واقع

قال المحقق النائيني: (وأما الخامس وهو أن ترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع موجب لانقلابه دائماً عند جملة من الأصحاب مع أنه خلاف المقصود (ففيه) أن القول بالانقلاب متوقف على الالتزام بكون الدوام والانقطاع حقيقة واحدة لا نوعين متغايرين، غاية الأمر انه إذا ذكر الأجل كان متعة وإذا لم يذكر كان دواماً، ففي مثله أيضاً يتعدد القصد وهو القصد الى ايقاع طبيعة النكاح وقصد خصوصية الانقطاع، وعدم وقوع المقصود الأخير لأجل ترك ذكر الأجل لا يستلزم تخلف العقد عن القصد بعد كون حقيقة العقد أيضاً مقصوداً)([1]) ووجه قوله (متوقف...) هو انهما لو كانا حقيقتين ونوعين متغايرين لوجب القول بالبطلان لا الانقلاب.

أقول: قد يناقش بوجهين، ولكن لا بد من تمهيد مقدمة هامة يتضح بها المختار ووجه عدم تمامية بعض الكلمات والإشكالات الآتية وهي: ان المحتملات في المنقطع والدائم ثلاثة:

الأول: ان يكونا حقيقة واحدة والاختلاف بالشخص فهما كفردي حقيقة واحدة.

الثاني: ان يكونا مختلفي الحقيقة بالنوع كأن يكون الدوام كالبيع والمنقطع كالإجارة نظير اختلاف الأسد عن الإنسان.

الثالث: ان يكونا مختلفين بالصنف مع كونهما حقيقتهما واحدة نظير اختلاف أنواع البيوع الأربعة: النقد، السلف، النسيئة، والكالي بالكالي، وكما يصح التعبير بالانقلاب في الصورة الثانية يصح التعبير بالانقلاب في الصورة الثالثة كما لو انقلب السَلَم نسيئة أو العكس فانه يصدق عليه الانقلاب، لغةً وعرفاً، حقيقةً، وكما لو انقلب الافريقي أوروبياً أو العكس أو الشجاع جباناً وهكذا.

 

المناقشات:

واما المناقشات فهي:

 

1- لا يتوقف الانقلاب على كونهما حقيقة واحدة، بل على الدليل

أولاً: ان انقلاب المتعة دواماً لا يتوقف على كونهما حقيقة واحدة (ذات فردين أو صنفين) بل انه لا يتوقف إلا على الدليل على الانقلاب، فلو قلنا بانهما حقيقتان كالبيع والإجارة صح الانقلاب إن قام عليه الدليل كما لو انشأ الانقلاب مَن بيده الاعتبار وهو مولى الموالي أو حتى المشرِّع العادي، ولو قلنا بانهما حقيقة واحدة ولكن الاختلاف بالصنف أو الفرد لم يقع الانقلاب إذا لم يدل عليه دليل، فالأمر منوط بالدليل وليس بان حقيقة هذا مع ذاك الآخر متغايرة بالجنس أو النوع والفصل أو الصنف أو الشخص أو لا. فهذا كله في عالم الثبوت.

وأما في عالم الإثبات فيكفي دليلاً على الانقلاب إطلاق الرواية التالية وهي: موثق عبد الله بن بكير، قال: قال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: ((مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ قَبْلَ النِّكَاحِ هَدَمَهُ النِّكَاحُ وَمَا كَانَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ إِنْ سُمِّيَ الْأَجَلُ فَهُوَ مُتْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ الْأَجَلُ فَهُوَ نِكَاحٌ بَاتٌّ))([2]) فانه سواء أقلنا بانهما حقيقتان أم حقيقة واحدة فان إطلاق الرواية دليل على الانقلاب، اللهم إلا ان يقال بالانصراف، وهو عَوْد إلى الدليل، والحاصل: انه عليه السلام أطلق ((وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ الْأَجَلُ فَهُوَ نِكَاحٌ بَاتٌّ)) من غير فرق بين القول بكونهما حقيقتين أو حقيقة واحدة، إلا ان يدعى ان حكمه عليه السلام ليس تعبدياً بل هو على القاعدة العقلائية وانهم يرون الانقلاب إذا كانت حقيقتهما واحدة ولا يرونه إذا عدّتا حقيقتين، أي ان الميرزا قدس سره لم يكن نظره إلى الروايات، بل إلى مقتضى القاعدة، وفيه تأمل من وجوه، ومنها: ان الشق الثاني صحيح، اما الأول فمناقش فيه بما سيأتي من التفصيل بين كونه داعياً أو شرطاً أو قيداً، مصرحاً به أو مبيناً عليه العقد أو لا، فتأمل.

 

2- تخلف بعض القصد، كاف لنقض القاعدة

ثانياً: ان قوله: (لا يستلزم تخلف العقد عن القصد بعد كون حقيقة العقد أيضاً مقصوداً) ظاهر الإشكال؛ إذ المراد بـ(تبعية العقود للقصود) ليس تبعيتها لبعض القصود أو تبعيتها لها مثلاً بنسبة النصف أو الربع ليصح جوابه، بل المراد تبعيتها لها كاملاً مائة بالمائة، ولم يتحقق ذلك ههنا، إذ انها قصدت أمرين كما صرح به (إيقاع طبيعة النكاح، وقصد خصوصية الانقطاع) ولم يقع القصد الثاني وإن وقع الأول. والحاصل: انهم لم يقولوا (العقود تتبع بعض القصود) حتى يصح جوابه، بل قالوا: (تتبع القصود).

بعبارة أخرى: ان (كون حقيقة العقد أيضاً مقصوداً) ليس الإشكال من جهته ليقال انه لم يتخلف العقد عن القصد بل جهة انها (قصدت خصوصية الانقطاع) ولم يقع فلم يتبع العقد القصد في هذه الجهة.

 

الجواهر: الأجل شرط خارج عن معنى النكاح

وأما صاحب الجواهر فقد استدل للانقلاب وعدم تخلف العقد عن القصد بـ: (بأن اعتبار الأجل في المتعة على جهة الشرطيةِ الخارجةِ عن معنى النكاح، فمع فرض عدم الذكر لا يؤثر بناء على أن المقدر لا يجرى عليه حكم المذكور، بل هو حينئذ كعدم وجوده، فلا يؤثر بطلانا للعقد لو كان باطلا مثلاً، فقصد النكاحية حينئذ بحاله،، نعم لو قلنا : المعتبر في الدائم قصد الدوام اتجه حينئذ الفساد، ضرورة عدم قصد ذلك‌ في الفرض، لكنه واضح المنع، ومضمر سماعة بعد الغض عما في سنده وقطعه يمكن إرادة أصل العقد من الاشتراط فيه أو المتعة من لفظ الإيجاب على الوجه الذي ستعرفه)([3]) وحيث ان كلام الجواهر يبدو غريباً (أي قوله: اعتبار الأجل في المتعة إنما هو على وجه الشرطية الخارجة عن معنى النكاح) مع ان (الأجل) في نظر الزوجة التي تريد التمتع كثيراً ما يكون قيداً بل قد يكون العقد منصباً على المنقطع بحيث ترى الدائم حقيقة مباينة أو أمراً لا تريده بوجه أبداً فلا يتم إطلاق كلامه، بل حتى لو كان شرطاً فانه وإن خرج عن ماهية النكاح لكنها حيث اشترطت ارتهن وجوده به في قصدها فلا يضر خروج الشرط عن حقيقة (النكاح) حينئذٍ بتخلف العقد عن القصد([4]) فتأمل. لذلك لجأ السيد الحكيم في النهج إلى توجيه كلامه([5]) بما يأتي.. بل سيأتي توجيه كلام الجواهر بما هو ظاهره من غير حاجة إلى توجيه السيد الحكيم الذي يبدو ان الجواهر لم يقصده.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ... عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ)) (نهج البلاغة: : خطبة 192).

 

 

 

-------------------------------------------

([1]) الشيخ محمد تقي الاملي، تقرير بحث الميرزا النائيني، كتاب المكاسب والبيعن مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: ج1 ص146.

([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص456.

([3]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج30 ص173.

([4]) أي العقد متخلف عن القصد وإن قلنا ان هذا الشرط (للأجل) خارج عن حقيقة النكاح.

([5]) أو توضيحه.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3826
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 27 جمادي الاخرة 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28