بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام في ما ذكره صاحب القوانين من جواب الاشكال على الاجتهاد وانه مظنة الوقوع في الهلاك ،بان نفس هذا الاشكال يقال في التقليد وانه مظنة الوقوع في الهلاك لأن مآل التقليد اما الى التسلسل او الى الاجتهاد فيعود الاشكال
وذكرنا انه قد يشكل على كلام القوانين بانه يمكن ان ينقطع التسلسل بالانتهاء الى المعصوم عليه السلام
وتقدم انه يمكن رد الاشكال بوجوه ثلاث كان اولها ان كثيراً من الشبهات مستجدة ولا تصل الى المعصوم عليه السلام او تنتهي ولكن لم تصل لنا حولهارواية وكان ثانيها ان الكثير من الشبهات التي تطرق لها المعصوم عليه السلام بقيت في دائرة الاجتهاد بمعنى ان الحلقة الاولى الرابطة بيننا وبين الامام عليه السلام ايضا هي عبارة عن مجتهد في كلام المعصوم عليه السلام ، هذا ما مضى
الجواب الثالث:ان في القضايا العقلية الصرفة لا بد من الاستناد فيها للعقل لا الى النقل مثل ابطال التسلسل وابطال الدور وغيرها والا لزم الدور او سائر المحاذير التي تقدمت الاشارة اليها
نقول:يمكن ان يدافع عن المستشكل ببيان آخر(وسيكون هو وما يليه مما يوضح الصورة اكثر ويقربنا الى التعاطي بواقعية اكثر من هذه المسألة اي يقربنا من النتيجة النهائية ) وهو ان المستشكل الذي يرى ان الاجتهاد مظنة الوقوع في الهلاك يمكن ان يقول: تحريمي للاجتهاد لكونه مظنة الوقوع في الهلاك انما هو بنحو القضية الخارجية لا القضية الحقيقية بمعنى اني الاحظ المقلد لمجتهد محق ، اي اخاطب الشيعة او المسلمين مثلا فاخاطب المسلمين في القضايا العامة والشيعة في القضايا الاخص فاخاطب من افترضت انهم على حق فاقول:اياك قف ،واحذ ر عن الخوض في الشبهات .
توضيح ذلك :هذا المقلد الذي هو على حق نقول له لا تجتهد لأنك الان على حق وتستند الى ركن وثيق اما لو خضت لجج بحار الشبهات فقد تعصف بك امواج عملاقة ،و كما نخاطب المجتهد الذي هو على الحق ونقول له حتى الان سلمت عن الاخطار ولكن لو توغلت في الشبهات بشكل أعمق فلعل واحدة منها تعصف بك فيجب عليك الحذر عقلاً، وذلك مثل بطل عملاق يقتحم مخاطر الغابات لكن هذه الغابة خطرة جدا فاقول له احذر منها وكذلك غابات وصحاري الشبهات .
اذن فالقضية خارجية ، وفي المقابل عندما يوجب الفقيه الاجتهاد في اصول الدين، فان طرف خطابه هو المعسكر الاخر "الكافر والمخالف"فحيث نراه على ضلال نقول له اجتهد وتدبر
والحاصل ان : هذا هو الاجتهاد أولئك واجب على هؤلاء ومحرم على اولئك لأننا درسنا الحالة "حالة المكلف"على ضوء المعطيات الخارجية ولم نلاحظها كقضية تجريدية فالقضية خارجية وليست حقيقية
وبهذا البيان قد يقع الصلح بين الفريقين ممن يحرم الاجتهاد في أصول الدين ومن يوجب الاجتهاد في أصول الدين فكلاهما قد نظر بمنظار واقعي للقضية لا بمنظار تجريدي ، أي بنحو القضية الخارجية تحدث من تحدث محرّما حيث نظر إلى هؤلاء ، وموجِبا حيث كان نظره إلى أولئك حيث لاحظ المتدين والمجتهد الذي هو على الحق فاحتمل ان ينحرف فحرّمه ، وحيث لاحظ المنحرف وانه لو نظر لاهتدى فاوجب عليه الاجتهاد.فهل هذا الصلح القهري تام او لا؟ وهل هذا الكلام تام ام لا؟
سيأتي تحقيقه في الاجابة السابعة والى الان نزلنا من عالم التجريد الى عالم الواقع ودراسة نوعي العينات الخارجية وعلى ضوءها كان إصدار الفتوى فليتأمل
الجواب السابع: كان الاشكال هو ان الاجتهاد مظنة الوقوع في الهلاك ,فنقول:ينبغي أن نلاحظ أمرين:
الاول:ان مظنة الهلاك تعارض بمظنة النجاة وذلك من فريقين:
الفريق الاول:من تقدمت الإشارة إليه وهو فريق الكفار والضالين والمنحرفين وما اشبه
الفريق الثاني:من هو في داخل الدائرة وهو المتدين بالفعل الذي هو على الحق ومع ذلك نخاطبه بوجوب الاجتهاد لأن فيه مظنة النجاة ذلك لأن الذي يدخل في الشبهات وينظر فيها سوف يتمتع بحصانة لا توجد عند الإنسان الساذج البسيط ، مثله مثل التطعيم من الأمراض في البدن ، وكذلك الروح والعقل ، فان التطعيم هو زرق بعض الفيروسات الضعيفة في البدن كي تتنشط مناعة الجسم فيكون قادرا على تصدي لأمراض والمكروبات الأخطر ، وهذه هي فلسفة التطعيم ، وكذلك في العقل والعقليات فان الدخول في الشبهات مظنة النجاة في هذا المؤمن المتدين من هذه الجهة ، لكن ينبغي أن يكون الدخول في غمار الشبهات بالتدريج فلا يصح ان يعطى شحنة قوية من الشبهات اذ لعله ينهار أمامها
إذن صحيح ان الدخول في الشبهات مظنة الوقوع في الهلاك في البعض لكن من هم في مظنة النجاة من داخل الدائرة وخارجها هم اكثر
الامر الثاني:حيث ان المشرع او العقل المدرك أو الحاكم يرى ان الاجتهاد مظنة الهلاك وفي المقابل يرى انه مظنة النجاة في داخل الدائرة وخارجها ، فما الذي يصنعه المشرع أو العقل عندئذ ؟ انه حينئذ و بنحو القضية الحقيقية يوجب الاجتهاد لأنه لاحظ انه من حيث المجموع فأن من ينجو أكثر ممن يقع في الهلاك ، كما هو المشاهد خارجا، فان من الملاحظ ان في داخل دائرة الحق سيسقط الف انسان مثلاً مما(ينظر) في الشبهات لكن سينجو الفا انسان مثلاً وفي خارج الدائرة سيهتدي عشرة آلاف انسان مثلا وعلى ذلك فان المشرع يوجب بنحو القضية الحقيقية الاجتهاد ، و هذا هو شأن المشرع وما يحكم به العقل ، ثم نفكك بعد ذلك بين وظيفة المشرع والحاكم ووظيفة المكلف إذا نزلنا إلى ارض الواقع وعالم التطبيق الخارجي فان وظيفة المكلف ستكون أن يرى ويتأمل ويتدبر انه من أي قبيل هو؟ فهل هو ممن لو دخل الشبهات عصفت به وأزلت قدمه أو هو ممن لو دخل فيها لازداد تثبتا وقوة ؟هنا يأتي دور المكلف وتبدأ معادلة القضية الخارجية ,فإثبات الحكم الكلي بما هو كلي عمل الشارع أو العقل(حكماً أو إدراكاً) اما التشخيص المصداق و من يقع او ينجو ؟ فانه وظيفة المكلف فعليه ان لا يقصر في استفراغ الوسع في اصل المعادلة وهل إني لو دخلت لوقعت فيجب ان يحجم ويتوقف أو هو ممن ينجو فيقتحم ,
وهذا بيان مبدئي للموضوع لكن البيان الدقيق يحتاج للتأمل وهو لم يعط حقه مع انه شديد الابتلاء ،فننتقل في الجواب السابع الى بيان اكثر دقة واكثر تحقيقاً فنقول:
ان المشرع او العقل المدرك عندما يلاحظ العناوين الأولية كالاجتهاد والتقليد من حيث ترتب الأحكام عليها فانه يجد أمامه حالات أو صوراً ثلاثاً في مرحلة الثبوت: الصورة الأولى:ان يرى ان هذا العنوان بحد ذاته غالب الإيصال إلى المطلوب وان كان قد يخطئ سالكه فيشرّع وجوب سلوك هذا الطريق ، مثل خبر الثقة حيث إن العقلاء أو الشارع لاحظ ان خبر الثقة يوصل للواقع غالباً فيشرع حجيته اي يتمم كاشفيته بناءا على الكاشفية أو يعتبره منجزا ومعذرا
الصورة الثانية:ان يرى ان غالبية ذاك الامر عدم الإيصال للواقع والمطلوب (كالأحلام والعرافين والقافة) وما أشبه فيرى غالبيتهم لا يوصل للمطلوب رغم وجود نسبة معينة من الإيصال إلى الواقع ، فالعقل حينئذٍ يحكم بالتحريم (أو يدركه) حيث يلاحظ المجموع وان غالبه عدم الإيصال
الصورة الثالثة:ان يلاحظ المشرع أو العقل تساوي احتمالي الإيصال والخطأ فيرى التخيير عقلا وشرعا على المنصور كما في الخبرين المتعارضين(يأتي عنكم الخبران المتعارضان )فإذا فقدت المرجحات كلها يتخير (فايها أخذت من باب التسليم وسعك) ومثاله الآخر من غير الطرق: العناوين الحسنة والقبيحة كالكذب ، فالكذب اعتبره الشارع حراما واستثنى ما كان منه في الإصلاح لأن الأصل فيه ذلك،وعكس الكذب الصوم في شهر رمضان حيث جعله واجبا واستثنى المضر منه ،أي كان الأصل الوجوب فالصورة الثالثة ان يلاحظ المولى أو المدرك أن الحسن والقبح في هذا العنوان متزاحمان متكافئان,
نقول: عليه ان يحكم عندئذٍ بأنه يجب الاجتهاد لمن لم يكن مظنة الوقوع في الهلاك ويحرم الاجتهاد على من كان مظنة الوقوع في الهلاك ,أي أن يشرع حكمين بنحو القضية الحقيقية
هذا ثبوتا وإنما علينا من الخارج إثباتا أن نكتشف بأن الواقع الخارجي ما هو؟ هل الهلاك أكثر أو النجاة أكثر
و على ذلك فللفقيه الفقيه في رسالته العملية أن يفتي (يحرم الاجتهاد في أصول الدين ويستثني منه من يحرز نجاته رغم خوض الشبهات) ويترك عهدة ذلك على المكلف ان رائ انه من الصورة الأولى ، او يكتب في رسالته العملية على العكس وانه(يجب الاجتهاد في أصول الدين ويحرم ذلك على من كان الاجتهاد منه مظنة الهلاك) إن رائ العكس أو يقول لو رأى التساوي : (يتخير المكلف بين الاجتهاد وبين التقليد في أصول الدين )وعلى المكلف تقع عهدة أن يشخص حالته ,والحديث له تتمة ! بإذن الله تعالى
وسيأتي جواب هام جدا وسيال وسيوضح وجها جديدا لوقوع الكثير في مصيدة الشبهات ، اما ما ذكره بعض الأخوة من الشبهات والإشكالات فسنجيب عنها في مطاوي البحوث إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.... |