• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 17- تتمه هامة لمبحث حجية القراءات ـ النسبة بين يُضِل ويَضِل ـ هل سبيل الله خاص بالقران؟ ـ استدلال (الفقه) بآية (اجتنبوا قول الزور) .

17- تتمه هامة لمبحث حجية القراءات ـ النسبة بين يُضِل ويَضِل ـ هل سبيل الله خاص بالقران؟ ـ استدلال (الفقه) بآية (اجتنبوا قول الزور)

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان البحث حول الاستدلال بقوله تعالى:(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) 
ووصلنا الى المبحث الاخير فيها , وهو ان القراءة المشهورة فيها هي (لِيُضِلَّ) أي بالضم ومن باب الافعال و وقلنا ان في قبال ذلك قراءة ثلاثة من القرّاء العشرة حيث يقرأون الكلمة بالفتح من باب الثلاثي المجرد أي : ليَضل . وتحدثنا في كبرى البحث عن مدى حجية القراءة غير المشهورة . هذا ما مضى 
اعادة صياغة البحث مع اضافات هامة : 
ونعيد صياغة ما مضى مع اضافات هامة فنقول : ان لدينا ثلاث نقاط هنا في النقاش مع الذين يقرأون بالقراءة لثانية, أي :بالثلاثي المجرد . 
المبحث الاول : ان القران لم ينزل على سبعة احرف, بل نزل على حرف واحد ثبوتا, وعلى هذا فان كل قراءة بغير تلك القراءة الوحيدة التي نزل بها جبرائيل الامين على النبي الاكرم ص هي باطلة وغير صحيحة ثبوتا . 
المبحث الثاني : وننتقل في هذا المبحث الى عالم الاثبات, فانه بعد الفراغ عن تقرير مسلك الطائفة وما اجمعوا وصاروا اليه من البطلان الثبوتي لتعدد القراءات , حيث انه وجه من وجوه تفسير نزول القران على سبعة احرف – كما فسر – انه بعد الفراغ من ذلك, 
نقول : انه ومن الناحية الظاهرية هل اجاز الشارع المقدس لنا ان نقرأ بهذه القراءات اثباتا وان كانت باطلة ثبوتا ؟ 
وفي الجواب نقول : ان الائمة (عليهم الصلاة والسلام) لم يجوزا لنا ذلك حتى ظاهرا, بل ان ذلك محرم بناءا على رأي مجموعة من الفقهاء منهم السيد الوالد والواجب فتوى أو احتياطاً الاقتصار على اختيار المتعارف الذي جرت عليه السيرة ، خلافاً للمشهور 
المبحث الثالث : وفيه : انا لو تنزلنا وسلمنا بان هذه القراءات هي مجازة ظاهريا – واثباتا وهو ما عليه المشهور - , الا ان ذلك لا يستلزم صحة الاستدلال بها , حيث ان تجويز القراءة امر وصحة الاستدلال امر اخر. هذه هي رؤوس المباحث الثلاثة ونحن سوف نوجز الكلام فيها بما يتلاءم ومقام البحث 
اما المبحث الاول : وهو ان هذه القرءات المتعددة باطلة ثبوتا , فانه قد ورد في ذلك روايات صحاح وننقل بعضها , ومنها صحيحة زرارة عن الباقر ع حيث قال : " ان القرآن واحد نزل من عند واحد لكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة " , وهي رواية صحيحة وصريحة في الدلالة على المراد , 
واما الرواية الثانية فهي اشد صراحة من الاولى حيث ان الفضيل بن يسار يقول : سألت ابا عبد الله ع: ان الناس يقولون – أي العامة – ان القرآن نزل على سبعة احرف ؟ فقال ابو عبد الله ع : كذبوا - اعداء الله - ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد" , وهذه الروايات ونظائرها عليها اجماع الطائفة ولا كلام في ذلك. 
المبحث الثاني: واما الكلام في المبحث والمطلب الثاني : فهو عالم الاثبات، فإننا نختلف هنا مع المشهور فهم يرون – ونحن كذلك – ان القراءة ثبوتا هي واحدة , إلا انه في مرحلة الاثبات هم يقولون ان الائمة ع قد اجازوا ظاهريا ان نقرأ كما يقرأ الناس, 
وعمدة استدلالهم على ذلك بدليلين وهما : 
1- الروايات, فان الامام ع قد قال : (أقرأوا كما يقرأ الناس ) , وكذلك ورد في رواية اخرى : (اقرأوا كما عُلِّمتم). 
2- واما الدليل الثاني فان هذه القراءات كانت متداولة في زمن المعصومين عليهم من الله صلوات المصلين ولم يردعوا عنها ,ولو كان لبان , وعدم الردع دال على الامضاء. 
ونضيف لهم: ان مقتضى الجمع بين الدليل الثاني وروايات الدليل الاول هو ان الدليل الثاني يشير الى الحكم الظاهري واما تلك الروايات فانها تشير الى الأمر والحال الواقعي . 
ردّ كلا الدليلين : 
ونقول في مقام الرد على كلا الدليلين : اما الدليل الثاني وهو ان الائمة (عليهم السلام) قد امضوا هذه القراءات المتعددة فنقول : انه لا يعلم ذلك ؛ فان هذه القرءات هي اجتهادات من القراء السبعة او العشرة او الاكثر , وهذه الاجتهادات هي متاخرة زمانا عن نزول القران الكريم بعشرات السنين , ومعه كيف يدعى تواترها وشهرتها بين الصحابة؟ ولعلها لم تكن كذلك حتى بين التابعين, بل هي قد جاءت عن تابعي التابعين , 
وعليه فلا يعلم - على الاقل – ان هذه القراءات كانت مشتهرة في زمن الائمة المعصومين (عليهم السلام), بحيث كانت هي قراءات عامة للناس, 
بل نقول : ان هذه القراءة المتداولة حاليا كانت هي المعتمدة في تلك الازمان , ويدل على ذلك ان هذه القراءات المتعددة رغم أنه قد صرح بها اهل السنة في كل تفاسيرهم, إلا ان القرآن نفسه واحد وبشكل واحد وتلك القراءات مذكورة في التفسير أو الحواشي. 
وهذا الحال هو نفس ما كان في زمن المعصومين (عليهم السلام) فالقراءة كانت واحدة ووجود اجتهادات لا يعلم شهرتها، بل الأظهر شذوذها، لا يفيد امضاء المعصوم لها . 
رواية دقيقة :بل نقول : ان كلام الامام ع - كما جاء في الرواية- دقيق فانه يقول : (اقرأوا كما يقرأ الناس) والمستفاد منها هو اقرأوا كما هو في القران الموجود بين يديكم الذي يقرأهُ الناس, وليس الكلام حول تلك القراءات الموجودة في الحواشي , وعليه فانه حتى هذه الرواية لا تدل على ان الامام ع قد اعطى الشرعية للقراءات الاخرى , بل هو قد امر وامضى ما هو مشهور من القراءة التي عليها الناس وعليها المعول سابقا ولاحقا هذا هو المبحث الثاني وبايجاز . 
المبحث الثالث : واما المبحث الثالث فنقول: سلمنا بان الامام ع قد جوز القراءة في مرحلة الظاهر والاثبات , إلا انه لم يجوز الاستدلال بها وهو موطن كلامنا ؛ فانه ع قد قال: (اقرأوا كما يقرأ الناس) ولم يقل (استدلوا على الأحكام الشرعية بما يقرؤه الناس) ولا تلازم بين الأمرين. . 
اضافة في المقام :ونضيف بايجاز: انه لم يعهد من علماء الطائفة الحقة زمن المعصومين (عليهم السلام) انهم استدلوا بالقراءات الأخرى على الأحكام الشرعية وانما كان الاستدلال بالقراءة المشهورة فقط . ان قلت : ان المخالفين قد استدلوا بهذه القراءات؟ قلنا: ان قاعدة الامضاء للعمل من الامام ع لا تجري في المقام, أي: في عمل العامة . 
استثناء من البحث ونستثني من ذلك – وهو استثناء مهم – موردا وحيدا وهو ذلك المورد الذي جاءت فيه روايات من طرقنا حول القراءة الثانية في آيات الولاية , كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (في علي) وهذه الراويات خاصة بهذا البحث وهذا الموضوع (أي موضوع الولاية) وليست بشكل عام في ايات الاحكام ومنها ايتنا مورد البحث (ليضل) مضافا الى ذلك فان مشهور الفقهاء – ومنهم السيد الوالد - قد ارتأى ان هذه الروايات لم تكن قراءة بل كانت تفسيراً ببيان شأن النزول كما هو الحال في التفسير المزجي, او تأويلاً ونكتفي بهذا المقدار من الكلام في المقام 
البحث الاخير : الفرق بين( لَيضل ) و( ليِضل ) قد اسلفنا ان هناك قراءتين في هذه الكلمة, 
ونضيف ونقول : ان النسبة بينهما 
1- اما ان تكون هي التباين وذلك لو قيل بان باب الافعال ظاهره التعدي للغير , فيكون المعنى ليضل غيره , وعليه سيكون المعنى مباينا بالكامل عن المعنى المفاد من يضل من الثلاثي المجرد, ولكن بحسب مبنى تعدد القراءات وصحة الاستدلال بها فكل منهما ستكون مرادة وعليه سيكون اضلال الغير – وكذا اضلال النفس – بنص الاية حراماً. 
اما لو لم نقل بذلك , أي بمذهب تعدد القراءات لا ثبوتا ولا استدلالاً, فان احدى القراءتين – وهي المشهورة – ستكون صحيحة , 
والاية ستكون ساكتة عن المعنى والمفاد الاخر 
2- وأما أن تكون هي العموم والخصوص المطلق وذلك إذا قلنا بان باب الافعال يدل على الاعم فيشمل النفس ايضا وبلا تجوز 
وعليه فبناء على مسلك تعدد القرءات والاستدلال بها فانه سيكون كل من القراءتين حجة, فباب الإفعال اعم والاخيرة اخص , ولا تعارض بين الحجتين ؛لان العام والخاص مثبتان فلا يقيد احدهما الاخر , وانما التخصيص لو تخالفا. 
المراد بـ(سبيل الله) استظهر صاحب الميزان في الاية الكريمة ان المراد من (سبيل الله) هو القران وبقرينة السياق , 
لكن نقول : ان هذا الاستظهار غير تام وهو على خلاف مبنى الفقهاء – ولعله على خلاف مبناه ايضا – في الاستدلات القرانية أي: الاستدلال بالكتاب, من عدم مقيدية السياق للمطلقات إضافة إلى أنه لو فتحنا الباب لمثل هذه الاستدلال لانقطع طريق الاحتجاج بالكثير من الايات االقرانية ولترتب على ذلك الغاء الاطلاق او العموم في هذه الايات , وهذا مما يرفضه عامة الفقهاء والاصوليون. 
توضيح ذلك : ان كلمة (سبيل الله) هي كلمة عامة تشمل القران وحديث الرسول وروايات المعصومين (عليهم السلام), فـ(يضل عن سبيل الله) في الاية أعم من الاضلال عن القران أو عن ما جاء به الرسول الاكرم ص أو الائمة الأطهار، وذلك لأن المورد لا يخصص الوارد والسياق لا يخصصه ايضا , 
الاية الثانية : قال تعالى: ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) 
وهذه الاية قد استدل بها الشيخ الانصاري في مكاسبه وكذا صاحب الجواهر وآخرون , وهنا نقاش شديد بين الاعلام فان البعض قد اعتمدها ويرى دلالتها تامة على حفظ حرمة كتب الضلال , بل الاعم من مختلف التقلبات فيها ومسبباتها , واما البعض االاخر فانه قد انكر ذلك. 
كلام السيد الوالد في مكاسب الفقه : ونبدأ بقل كلام السيد الوالد في كتاب الفقه (المكاسب المحرمة) ؛ لانه اكثر من فصل الاستدلال بهذه الاية يقول : 
ان قوله تعالى: ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) هو الباطل ومنه التزوير، ولذا فسر بالكذب والغناء "وهذا هو تنقيح موضوعي منه لمعنى قول الزور فهو يستدل على ان المراد من قول الزور هو الاعم بتفسير الروايات له بالكذب والغناء مما يدل على إرادة الجامع – وهو الباطل – من (قول الزور) 
ثم بعد ذلك يقول : والاجتنباب اعم الحفظ والبيع وغيرها " وهذا هو تنقيح حكمي منه وهو ما يرفضه مشهور المحشين , 
ويستند في التعميم الى قرينة السياق حيث يقول : " ان ذلك يفهم من اجتنبوا الرجس من الاوثان " 
ثم يستشهد بدليل اخر (ألا ترى أن من حفظ كتب الكذب او اشرطته او ما اشبه فيما كان يحتمل الوقوع فيه بنفسه او اولاده، يصح ان يقال فيه انه لم يجتنب قول الزور" واعتماده هنا هو على صحة الحمل وعدم صحة السلب 
وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين...

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=39
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 20 ذي القعدة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23