• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 008-تتمة المبحث السابق / العراقي: اختلاف الظن عن القطع في جهتين .

008-تتمة المبحث السابق / العراقي: اختلاف الظن عن القطع في جهتين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(8)

للشارع الردع عن الحجج الاقتضائية ومنح الحجية لما يقتضي عدمها

وبعبارة أخرى: كما ان ما يقتضي الحجية، يمكن للشارع أو لأي مولى حكيم آخر، ان لا يعتبره حجة، بعدم جعل حجيته أو بعدم إمضائها، فكذلك ما يقتضي عدمها فانه يمكن للشارع وغيره ممن بيده الاعتبار ان يعتبره حجة، والجامع: ان المقتضِي ليس عِلّة تامة لمقتضَاه سواء أكان([1]) الوجود أم العدم فيمكن إيجاد المانع عنه، بل انه مع قطع النظر عن المانع وجوداً وعدماً لا يمكن ان يوجَد به مقتضاه إذ الشيء ما لم يجب لم يوجد والشيء لا يجب بالمقتضِي وحده فلا بد من ضم سدِّ أبواب العدم بنفي المانع، ولو كان طريق إحرازه عدم الوصول.

ومثال الأول: الشهرة([2])، فان مقتضي الحجية فيها موجود لكن الشارع، على رأي مشهور، ردع عنه: أما الأول: فلأن العقلاء يرون الشهرة حجة إلا إذا عارضها دليل آخر، فهي كخبر الثقة حجة ما لم يعارضه خبر آخر مساوٍ أو أقوى وإلا تساقطا على المشهور أو تخير بينها على المنصور؛ ألا ترى انهم يرون رأي مشهور الأطباء والمهندسين والمحامين حجة ويعملون على ضوئه ويعاتبون المخالف إلا لو كان له اجتهاد مخالف؟ وأما الثاني فلردع الشارع عنه، بحسبهم، بمثل قوله: ((بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ))([3]) و((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))([4]) و((وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))([5]) و((وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنينَ))([6]) و((وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ))([7]) و((وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ))([8]) وغيرها، على انّا ناقشنا فيها باختصاصها بأصول الدين ظاهراً وبغير ذلك([9]).

بل ويمكن التمثيل بالقياس فان العقلاء يرونه مقتضياً للحجية بل ويسيرون على ضوئه في شؤونهم، إلا ان الشارع ردع عنه في أحكامه.

ومثال الثاني: وَهْم الوسواس ورأي الشكّاك كما سبق.

الحجية إما اعتبارية أو انتزاعية

وقال السيد البروجردي: (والحاصل: انّ الحجية لـمّا كانت من الأمور الاعتبارية الانتزاعية، فتارة تنتزع من الذات من دون ملاحظة أمر خارج أو جعل جاعل كما هو كذلك بالإضافة إلى القطع، فانّ حجّيته منتزعة عن ذاته. وأخرى تنتزع بملاحظة أمر خارج كجعل الشارع كون الشيء كذلك، كما هو كذلك بالإضافة إلى الظن، فانّ حجيته باعتبار جعل الشارع)([10])

أقول: لا يمكن وصف شيء، الحجية أو غيرها، بانه من الأمور الاعتبارية الانتزاعية، لأن الانتزاعي هو ما ينتزع من حاق ذات الشيء وهو لازم للمنتزَع منه وليس مرتهناً باعتبار معتبر وعدمه، وذلك كالإمكان للممكن والزوجية للأربعة مما ليس له ما بإزاء في الخارج ولكن له منشأ انتزاع، وإنما يمكن رفعه برفع (إعدام) منشأ انتزاعه وأما مع وجوده فلا، أما الاعتباري فان أمره بيد المعتبر وأما الذات (أي المتعلَّق) فهي لا بشرط عنه وعن قسيمه أو قسائمه، كالملكية والزوجية والرقية والحرية والقضاوة، أي منصبها والولاية ونظائرها فالحجية اما انتزاعية أو اعتبارية وحيث بنى قدس سره على انتزاعيتها في مجمل كلامه فان التعبير بالاعتبارية لعله من سهو القلم أو اشتباه المقرر هذا.

ولكن التحقيق: ان الحجية على بعض تفسيراتها انتزاعية وعلى بعض تفسيراتها الأخرى اعتبارية، فإذا فسرناها بالكاشفية فلا شك في كونها انتزاعية من مثل العلم بناءً على انها ليست عينه، وبنحو الاقتضاء من مثل خبر الثقة وحتى مطلق الظن فيما نرى، أي ان كاشفيتها الناقصة انتزاعية لا يمكن سلبها عنها، وكذا إذا فسرناها بما يصح به احتجاج المولى على العبد أو العكس أو النظير على النظير، فان صحة الاحتجاج لازم للعلم، وللقطع بنظرهم، كما هو لازمٌ اقتضائيٌ لكل ما له كشف ناقص، أي ان الكاشف غير التام يُنتزع منه اقتضاءً صحةُ الاحتجاج به.

وأما إذا فسرنا الحجية بلزوم الإتباع فهي أمر اعتباري مجعول إذ لزوم الإتباع حكم شرعي أو مولوي أمره بيد الشارع فله، في غير العلم، ان لا يلزم بالإتباع، وأما فيه فان عدم إلزامه غير معقول بالنظر للحكمة، لا بذاته ومن حيث انه([11]) فعل للمولى، وذلك بناءً على الطريقية المحضة، نعم له ان يرفع اليد عن أصل حكمه وأما مع وجود حكمه (بالوجوب) وقيام العلم عليه فكيف لا يلزمه بإتباعه، والحاصل: ان لزوم الإتباع ليس منتزعاً من حاق ذات العلم، بل هو حكم مجعول له وإن كان جعله على الحكيم لا بدّياً. وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك.

وأما إذا فسرنا الحجية بالمنجزية والمعذرية، فانهما لازم الكاشفية فحكمها حكمها إذ استحقاق العقاب مقتضَى ذات مخالفة الحجة، نعم فعليته بيد المولى فله ان يعاقب وله ان يغفر ويعفو، كما انهما لازم لزوم الإتباع فمعه فان المنجزية والمعذرية قهرية وليست اعتبارية فتأمل. هذا

وأما المحقق العراقي فقد أختار مسلك المشهور في عدم حجية الظن المطلق، ولكن بوجه آخر وخلاصة كلامه: ان الظن يختلف عن القطع في ان القطع يترتب عليه أمران: لزوم الإطاعة ولزوم المتابعة، وأما الظن فلا يترتب عليه أي منهما، وارتأى ان العقل هو الحاكم بلزوم الإطاعة، بينما الحاكم بلزوم المتابعة هو الجِبِلّة أو الفطرة، وسيأتي تفصيل كلامه بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

قال الإمام الباقر عليه السلام: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَخْرُجُ إِلَى أَخِيهِ يَزُورُهُ فَيُوَكِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَلَكاً فَيَضَعُ جَنَاحاً فِي الْأَرْضِ وَجَنَاحاً فِي السَّمَاءِ يُظِلُّهُ فَإِذَا دَخَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ نَادَى الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُعَظِّمُ لِحَقِّي الْمُتَّبِعُ لآِثَارِ نَبِيِّي حَقٌّ عَلَيَّ إِعْظَامُكَ؛ سَلْنِي أُعْطِكَ، ادْعُنِي أُجِبْكَ، اسْكُتْ أَبْتَدِئْكَ‏) (الكافي: ج2 ص178).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) أي المقتضَى.

([2]) وكذا الإجماع المنقول، وشهادة المرأة في غير ما أجازه الشارع مما لا يعرف إلا من قبلهنّ.

([3]) سورة الزخرف: الآية 22.

([4]) سورة النجم: الآية 28.

([5]) سورة يونس: الآية 36.

([6]) سورة يوسف: الآية 103.

([7]) سورة الأنعام: الآية 37.

([8]) سورة المائدة: الآية 103.

([9]) يراجع (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية – دراسة فقهية أصولية).

([10]) السيد البروجردي، الحاشية على كفاية الأصول، مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر ـ قم. ج2 ص48.

([11]) لأن الحكم بلزوم الإتباع من أفعال المولى.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3913
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 19 ربيع الأول 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15