• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 011-الآيات الناهية عن اتباع الظن خاصة باصول الدين .

011-الآيات الناهية عن اتباع الظن خاصة باصول الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(11)

الآية إما مُرشدة أو مؤسِّسة

سبق الإشكال على مبنى حجية الظن اقتضاءً بقول مطلق، بقوله تعالى: ((إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))([1]) وسبق الجواب: ان هذه الآية ونظائرها ظاهرة في الإشارة إلى أمر ارتكازي عقلائي فتكون الظنون الخاصة والظن المطلق على المبنى، خارجة تخصصاً إذ يراد حينئذٍ ان الظن غير العقلائي لا يغني وكلاهما([2]) عقلائي، ونضيف: ان المنفصلة الحقيقية الآتية شاهد صدق على هذا المبنى إذ الآية الشريفة إما أن تكون مرشدةً إلى الارتكاز العقلائي بعدم إغناء الظن عن الحق شيئاً، فالجواب ما سبق.

الآية على التعبدية مؤكدة لحجية الظن اقتضاءً

وإما ان تكون تعبدية تأسيسية، والظاهر وإن كان الأول كما سبق، لكن الثاني (التعبدي) على فرض القول به لا يضر بمبنانا وذلك لأنها تؤكد كون مقتضى الظن بطبعه الحجية، فان ذلك هو مقتضى التعبد بعدم الحجية، لأن معناه تدخل الشارع وتعبده إيانا بـ(انني أنا أعتبر الظن غير حجة وغير مغنٍ) وهذا لا يعقل إلا مع كونه مغنياً وحجة بطبعه وإلا لكان تعبده بعدم الحجية لغواً بل من تحصيل الحاصل أي لو كان الظن غير مغنٍ عن الحق بطبعه فلا حاجة بل لا معنى لأن يجعله الشارع كذلك ويؤسسه من جديد، واما إن أريد الإمضاء فقد سبق انه على العكس إذا سبق انه عندهم مقتضٍ. فتدبر.

2- الآيات ناهية عن الظنون الاعتقادية خاصة

الثاني: ان قوله تعالى: ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ))([3]) ونظائره خاص بالأمور الاعتقادية واصول الدين، وليس عاماً لكل الظنون، والدليل على ذلك ليس قرينة المورد وحده ليقال انه لا يخصص الوارد ولا السياق ليقال انه مؤيد ليس دليلاً على المشهور، بل هما معاً إضافة إلى ان الاستقراء التام في الآيات الكريمة أفادنا بوقوعها بأجمعها في سياق تقريع المشركين على إتباعهم الظن في الشؤون الاعتقادية / أو الغيبية، كما سيجيء، فلئن لم يكن السياق حجة بنفسه إلا ان تعاضد السياقات وعدم وجود مورد واحد من الآيات الكثيرة الناهية عن إتباع الظن أو الذامّة لمن يتبعه، خارجاً عن هذا السياق، يفيد الاطمئنان عادة باختصاصها بالأمور الاعتقادية، ولئن شك في ذلك أو شكّك فانه لا مجال يبقى للشك مع ضم ذلك كله إلى قيام الاعتبار على ذلك أيضاً، وذلك لأن أمور العقائد خطيرة جداً فمن الطبيعي ان لا يكون الظن فيها حجة، عكس غيرها([4])، ولذا نجد ان ما كاد ان يكون إجماعاً انعقد على اشتراط العلم في الشؤون الاعتقادية، والشيخ قدس سره في الرسائل وإن نقل أقوالاً ستة إلا ان ما عدا الاشتراط شاذ، عكس غيرها إذ الشهرة إن لم تكن الإجماع على حجية الظنون الخاصة منها، فذلك مما يعضد اختصاص الآيات بالاعتقاديات.

بل نضيف: انه قد يقال: ان عدم إغناء الظن عن الحق شيئاً في أصول الدين، كوجوده تعالى ووحدانيته وضرورة إرسال الرسل ونصب الخلفاء والمعاد، من المستقلات العقلية وذلك لاستقلال العقل بالحكم فيها، ومع كونها من المستقلات العقلية التي يقطع بها الإنسان بأدنى التفات، كيف يمكن التعويل على الظن؟ ولذا كان من البديهي ان لا يكون (الظن) مغنياً عن الحق فيها، عكس غيرها مما ليست من المستقلات فان هناك وجهاً وجيهاً لإغناء الظن عن الحق فيها، لعدم كونها خطيرة مع كونها بطبعها مما لا يتيسر للإنسان الحصول على القطع فيها بل([5]) لبناء العقلاء عليها.

والحاصل: ان مجموع هذه الخمسة: موارد الآيات، وسياقاتها، واعتضاد السياقات ببعضها، والاعتبار، وكون عدم إغناء الظن في الأصول الاعتقادية من المستقلات، دون غيرها، تشرف الأصولي والفقيه والمفسر على القطع باختصاص الآيات الناهية بالظنون بأصول الدين أو الغيبيات. والله العالم.

استقراء الآيات 1- اللام في (الظن) للعهد

ولا بد من استقراء سريع للآيات الكريمة ليتضح ذلك أكثر:

1- قال تعالى: ((أَ فَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى‏ * أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى‏ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى‏ * إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى‏))([6]) فالكلام عن الظن الحاصل لهم بوجود شركاء لله تعالى، بل نقول: ان الظاهر ان اللام لام العهد في الظن، خاصة بلحاظ ان الكلام في الآية الكريمة عن قومه الذين انكروا فلاحظ قوله تعالى: ((ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى‏))([7]) ((أَفَتُمارُونَهُ عَلى‏ ما يَرى))([8]) ((أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى))([9]) ((إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ))([10]) فالكلام عن قوم محددين وانهم ما يتبعون إلا الظن، فالظاهر العهد ولا أقل من الإجمال وتردد اللام بين كونها للجنس أو العهد، فلا يستفاد من (الظن) التعميم خاصة مع كون السياق الواضح الأكيد من محتمل القرينية المتصل. فتأمل.

والذم علّق على أمرين لا على الظن خاصة

ونضيف: ان الذم والتقريع في الآية الكريمة عُلِّق على أمرين: (( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ)) وكما يحتمل ان يكون كل واحد منهما (كونه إتباعاً للظن وكونه إتباعاً لما تهوى الأنفس) سبباً مستقلاً للذم يحتمل كون المجموع هو السبب، ومع وجود الاحتمالين وعدم وجود مرجع في البين، فانه لا يتم الدليل على ذم إتباع الظن بما هو هو مع تجرده عن كونه إتباعاً للهوى. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

قال الإمام علي الهادي عليه السلام: ((لَوْ لَا مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيْبَةِ قَائِمِنَا عليه السلام مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّاعِينَ إِلَيْهِ وَالدَّالِّينَ عَلَيْهِ وَالذَّابِّينَ عَنْ دِينِهِ بِحُجَجِ اللَّهِ وَالْمُنْقِذِينَ لِضُعَفَاءِ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ شِبَاكِ إِبْلِيسَ وَمَرَدَتِهِ وَمِنْ فِخَاخِ النَّوَاصِبِ لَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُمْسِكُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الشِّيعَةِ كَمَا يُمْسِكُ صَاحِبُ السَّفِينَةِ سُكَّانَهَا أُولَئِكَ هُمُ الْأَفْضَلُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏‏)) (الاحتجاج: ج1 ص18).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سورة يونس: الآية 36.

([2]) الظنون الخاصة، والظن المطلق مادام يقع في مقابل الوهم فان إتباعه عقلائي، بل مطلقاً ما لم يعارضه ظن أقوى.

([3]) سورة النجم: الآية 23.

([4]) ولئن وجد ما كان خطيراً جداً، كالشؤون العامة مثلاً، كان حكمه حكمها (الاعتقاديات)، ولذا نجد ان العقلاء لا يعتمدون في الشؤون الخطيرة كالحرب والسلم على خبر الثقة الواحد.

([5]) الاضراب، لدفع دخل لزوم تحصيل العلم متى أمكن، وان اللجوء إلى الظنون الخاصة، والظن المطلق على مبنانا، إنما يكون لدى انسداد باب العلم، فقط، وذلك لضميمة كاشفية الظن الناقصة مع مصلحة التسهيل، مما لا يجري في المستقلات.

([6]) سورة النجم: الآيات 19-23.

([7]) سورة النجم: الآية 2.

([8]) سورة النجم: الآية 12.

([9]) سورة النجم: الآية 19.

([10]) سورة النجم: الآية 23.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3918
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 24 ربيع الأول 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15