• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 013-طوائف الآيات في (الظن) والجواب عن إشكالات .

013-طوائف الآيات في (الظن) والجواب عن إشكالات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(13)

الجامع بين ظنين وضنين في الاشتقاق الأكبر

تتمة: سبق ان ((بِضَنينٍ)) بالضاد فسرت بالبخيل كما فسرت بالمتهم أيضاً، مع ان معنى (ظنين) بالظاء هو المتهم، ومن المفيد الاستطراد هنا بذكر القاعدة العامة في المشتقات والمتقاربات لفظاً بما ينقّح حال تفسير احدى الكلمتين بمعنى الكلمة الأخرى المقاربة لها، فنقول:

الاشتقاق على أنواع: الصغير والكبير والأكبر:

الاشتقاق الصغير: ما توافق فيه المشتق مع المشتق منه في الحروف والترتيب بمعنى ان لا تنقص حروفه عن حروف المشتق منه، وإن زاد حرف أو أكثر ولكن من دون ان يخل بترتيب الحروف الأصلية وذلك هو المشتقات السبع المعروفة وهي: اسم الفاعل، اسم المفعول، اسم الزمان، اسم المكان، اسم الآلة، أفعل التفضيل والصفة المشبهة.

الاشتقاق الكبير: ما توافقت حروفهما ولكن مع تغيير ترتيب الحروف وذلك مثل: جذب وجبذ / مال ولام فان الجامع هو ان في (لام) ميلاً نحو الملوم لكن بالقدح فيه / حمد ومدح / جرّ ورجّ فان الجامع التحريك مع نوع شدة أو لا / سمّ ومسّ.. وهكذا.

الاشتقاق الأكبر: ما اختلف فيه أحدهما عن الآخر في بعض حروف: مثل هديل وهدير فان الهديل صوت الحَمَام أو الهدهد خاصة، والهدير صوت الرعد والمحرك والماء / نهق ونعق، والأول صوت الحمار والثاني صوت الغراب والبوم / ثلم وثلب، والثلمة في الماديات كالجدار والثلم في المعنويات والجامع إيراد نقص / سقر وصقر / هذر وهذى فان الجامع الكلام الزائد والفضول منه مع فرق ان الهذيان ما صدر بلا قصد والهذر في المهذار يكون مع القصد، وكذلك صراط، سراط، زراط.

والمقام من القسم الثالث: فان ظنين مع ضنين يجمعهما الاشتقاق الأكبر، والمعنى المشترك واحد، وهو المتّهم.

تنبيه: الاشتقاق بأنواعه خاصة الثاني وبالأخص الثالث، دليل قوي على ان واضع لغة العرب حكيم من أحكم الحكماء، بل قد يدعى انه لا يمكن ان يكون إلا الله جل اسمه عبر نبي من أنبيائه؛ إذ الالتفات إلى المعنى المشترك القريب أو المتوسط أو البعيد بين كافة الألفاظ من القسم الثاني والثالث أشبه بالمحال للبشر.

إشكال: (الظن) من قوم، تُعمّمه روايات الجَرْي

سبق في قوله تعالى: ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ‏))([1]) ان اللام في الظن للعهد الحضوري أو الشبيه بالذهني وان الكلام عن قوم محددين والذم موجه إليهم لإتباعهم ذلك النوع من الظن، ونضيف: ان مرجع الضمير في ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ)) هو أولئك القوم الذين مضى عنهم الحديث في الآيات السابقة وهم نفس المخاطبون بالشطر الأول من الآية ((إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ‏)) فهي قضية خبرية بقوة القضية الخارجية ولا تستفاد منها كبرى كلية لتكون بوِزان القضية الحقيقية، والدليل ليس المورد والسياق بل الضمير المستتر في ((يَتَّبِعُونَ)).

ولكن اعترض بعض الحضور من الأفاضل: بان الآية تجري كما يجري الشمس والقمر، مما يفيد عمومها وكون كل قضية خارجية قرآنية قضية حقيقية؟

أقول: إيضاح الاعتراض مع مزيد بيانٍ، هو انه ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: ((إِنَّ الْقُرْآنَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، وَإِنَّهُ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَكَمَا تَجْرِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَيَجْرِي عَلَى آخِرِنَا كَمَا يَجْرِي عَلَى أَوَّلِنَا))([2]) وورد ((يَكُونُ عَلَى الْأَمْوَاتِ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْأَحْيَاء))([3]).

وما ورد في تفسير العياشي أيضاً بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام: ((وَلَوْ أَنَّ الْآيَةَ إِذَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ ثُمَّ مَاتَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ مَاتَتِ الْآيَةُ لَمَا بَقِيَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْ‏ءٌ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ يَجْرِي أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ آيَةٌ يَتْلُونَهَا [و] هُمْ مِنْهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ))([4]) وبمضمونها روايات متعددة.

وعليه: فالآية الكريمة وإن كانت تتحدث عن قوم معينين أو عن شخص معين كفرعون وهامان، إلا ان هذه الروايات حاكمة عليها بالتوسعة فتفيد تعميم حكمها لسائر الأقوام أو الأفراد، وذلك بنحو التنزيل، كمطلق موارد الحكومة بالتوسعة كـ((الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ))([5]).

وبذلك يظهر الفرق بين التأويل وبين هذه الحكومة؛ إذ الحكومة التنزيلية ليست من التأويل بل هي من التفسير؛ ألا ترى ان الحاكم، كالامارات على الأصول، ليس تأويلاً له بل هو تفسير وحكومة للامارة على ظاهر الأصل فتدبر.

الجواب: التعدي من قوم إلى غيرهم لا من موضوع إلى آخر

ولكن هذا الاعتراض غير وارد؛ إذ غاية ما يفيده التعدي من قوم إلى غيرهم ومن شخص إلى آخر، وفي المقام: التعدي من ظن أولئك القوم إلى ظن سائر الأقوام اللاحقة، من دون ان يفيد التعدي من (الظن في الشؤون الاعتقادية) إلى (الظن في غيرها) فانه تنقيح مناط وقياس، وبعبارة أخرى: روايات الجري تفيد توسعة الأحكام في الشمول لسائر الأقوام لا توسعة معاني الأحكام أو موضوعاتها إلى موضوعات أخرى، أي انها، مثلاً، لا تفيد تحويل لام العهد إلى لام الجنس إذ ليس موضوعها ومصبها ذلك، بل ان موضوعها مترتب على ما للظن من معنى مراد، أي مهما كان معنى اللام عهداً أو جنساً فانه جارٍ في سائر الأقوام.

وقد يعترض: بان هذه الآية (الـ23 من سورة النجم) وإن أمكن الاعتراض على الاستدلال بها نظراً لأنها لا تتضمن كبرى كلية تفيد قدح الظن، لكن الآية (28 من السورة نفسها) تتضمن الكبرى الكلية بوضوح إذ ورد ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )) فلئن كان ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ‏)) خبرياً والضمير يعود لقوم محددين فان ((إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)) لا شك في انها كبرى كلية فتفيد ان الظن بطبعه كذلك. وسيأتي الجواب عن ذلك بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين


قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (أُمِرْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أُمِرْتُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ‏‏).(تحف العقول: 48).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سورة النجم: الآيات 19-23.

([2]) محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي، المطبعة العلمية ـ طهران، ج2 ص203. وعنه بحار الأنوار، ج35 ص403.

([3]) محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، بصائر الدرجات، مكتبة آية الله المرعشي ـ قم، ص196. وعنه بحار الأنوار: ج23 ص197.

([4]) محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي، المطبعة العلمية ـ طهران، ج1 ص10.

([5]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام ـ قم، ج1 ص214، وج2 ص167.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3923
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 26 ربيع الأول 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16