• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 138- الاشكال على وجوب شكر النعمة بأنه أـ ان كان لالفائدة فهو عبث أو... والجواب : 1ـ ان عدم الفائدة اعم من العبث ، فقد يكون الفضل للاستحقاق 2ـ لادليل على امتناع العبث وتفصيله .

138- الاشكال على وجوب شكر النعمة بأنه أـ ان كان لالفائدة فهو عبث أو... والجواب : 1ـ ان عدم الفائدة اعم من العبث ، فقد يكون الفضل للاستحقاق 2ـ لادليل على امتناع العبث وتفصيله

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول وجوب معرفة الله وما يرتبط بشؤون المبدأ والمعاد عن نظر واجتهاد وذلك استنادا الى وجوب دفع الضرر المحتمل اولا ووجوب ازالة الخوف ثانيا ووجوب شكر النعمة ثالثا فان شكر النعمة واجب ومصداقه معرفة الله والمصداق الاجلى لمعرفة الله هو المعرفة عن نظر وقد تقدم تفصيل ذلك اما مبحث اليوم فهو انه قد استشكل على هذه الكبرى الكلية(وجوب شكر النعمة) وعلى تطبيقها في المقام بهذا البيان: 
انه لم نشكر نعمة الله هل لا لفائدة ام لفائدة ؟ وكلا الشقين غير صحيح ، لأنك ان قلت انا نشكر النعمة لا لفائدة عائدة اليه –اي الى المنعم وهو الله تعالى- اوالينا فهو-اي هذا الشكر- عبث ولغو والعبث غير جائز عقلا اما الشق الاخر وهو ان نشكر النعمة لفائدة فنسأل هذه الفائدة تعود اليه تعالى ام الينا؟ فأن قلت انها تعود اليه فأنه تعالى عن ان يحتاج الى المخلوقين فانه الغني بالذات وهو واجب الوجود ولو احتاج لما كان واجبا بل كان ممكنا وهو خلف , واما ان تكون الفائدة عائدة الينا فسأل: هذه الفائدة دنيوية ام اخروية ؟ فأن قلت انها دنيوية ,قيل :ليس في معرفة الله او معرفته عن نظر الا المشقة بلا فائدة وكذلك في عبادته وطاعته لا توجد الا المشقة بلا حظ ولا فائدة ، وان قيل ان الفائدة اخروية فنقول ان العقل لا استقلال له بشؤون الاخرة ! هذا الاشكال طرحه البعض وذكره القوانين وغيره واجابوا عنه بجواب او جوابين ، وسنتوقف عنده لنحلله ونضيف بعض الاجوبة وسنجيب على كل الشقوق وعلى كل التقادير 
اما الشق الاول من كلامه(ان كان شكر المنعم لا لفائدة عائدة لنا ولا له تعالى فهذا عبث والعبث غير جائز عقلا) فنشكل عليه صغرى وكبرى 
اما الصغرى فنقول: قولك (كلما لم تكن للفعل فائدة كان الفعل عبثا) فنقول هذه الكبرى -والتي هي صغرى المقام- غير تامة اذ لا تلازم فقد لا تكون للفعل فائدة ولا يكون عبثا فهذا التلازم المتوهم من اين؟ وتقع على المدعى عهدة اقامة الدليل ، بل نقول ان الدليل قائم على العكس و سنذكر موردا بينا جليا لا فائدة فيه او لم تلحظ فيه الفائدة ، مع انه ليس عبثا قطعا ، بل نترقى ونقول ان هذا المورد الفائدة في طوله وليس في عرض الفائدة وبعبارة اخرى :ما الذي يخرج الفعل الاختياري عن العبث؟ والجواب ان الموجود في الاذهان هو : الفائدة اي الغرض ، لكن نقول ان الذي يخرج الفعل الاختياري عن العبث وان صح انه الفائدة لكن يوجد قبل الفائدة امر مقدم عليها رتبة وهو الذي يخرج الافعال عن العبثية بالدرجة الاولى فان لم يكن ننتقل الى الدرجة الثانية او المرتبة الثانية وهي الفائدة وهذا الامر هو ما سبق من القسيم الرابع لملاكات الوجوب العقلي وهي (دفع الضرر البالغ المحتمل وشكر النعمة الجسيمة وجلب المنفعة البالغة) والامر الرابع هو الاستحقاق والجواب الذي ذكرناه هناك ينفع في المقام فنقول: 
الفعل يخرج عن العبثية اذا كان لاستحقاق وان لم تكن هناك اية فائدة مثلا عبادة الله تعالى تخرج عن العبثية وان لم تكن فرضا هناك فائدة او كانت ولم تلحظ لأن العبد الكامل كالمعصوم عليه السلام حيث وجد ان الله تعالى اهل للعبادة فانه يعبده اذن استحقاق هذه الحقيقة لأن يقوم العاقل تجاهها بهذا الفعل هو المخرج لهذا الفعل عن العبثية وبذلك يظهر ان التفكير الذي يدور مدار الفائدة هو تفكير ضيق بل هناك وجه حُسنٍ هو اعلى من الفائدة وهو الاستحقاق وهذا بحث جدير ان تكتب حوله كتب لكن كاشارة نقول ان فائدة هذا البحث تتجلى في موارد نذكر منها: 
هناك سؤال يطرحه كثيرون و هو : ماهي فائدة الامام الغائب عجل الله فرجه الشريف لنا ؟ وهناك اجوبة كثيرة ذكرت للجواب عنه ولكن الجواب المتقدم عليها رتبة وهو ان هذا السؤال خطأ والسؤال الصحيح ماهي فائدتنا له لا العكس ؟فان الادنى خلق للاعلى وليس العكس و مثاله : (النباتات) لو سألت –بلسان الحال او بلسان الشعور- ماهي فائدة الانسان لنا ؟فالجواب ان الله خلق هذه النباتات للبشر ولم يخلق البشر للنبات فالسؤال الصحيح ما هي فائدة هذه النباتات للبشر لا العكس والحاصل : ان التفكير بهذه الصورة وكأننا نحن محور الكون وانه ما فائدة الامام لنا تفكير غير صحيح لأن الواقع ان الاعلى يعلل به من دونه وليس العكس 
هذا الجواب الاول وهو ان نقول بأننا ننتخب الشق الاول ونقول(ليست المعرفة عن نظر لفائدة ، لا له ولا لنا) ولكن لا يستلزم ذلك العبثية اذ هذه المعرفة انما هي لاستحقاقه ولا يلزم ان تكون هناك فائدة وراء الاستحقاق الذاتي 
اما الاشكال الثاني على كبرى كلامهم (الفعل بلا فائدة عبث ، وكل عبث غير جائزعقلا ):نقول ما الدليل على ان العبث غير جائز عقلا ؟ ويمكن ان نناقش في ذلك في الخالق والمخلوقين ، وهذا الجواب يحتاج للتأمل لأن المشهور بل لعل اطباق الفلاسفة والمتكلمين –الاشاعرة- عليه وان العبث غير جائز عقلا فنقول : قد يقال ان العبث في حد ذاته جائز لأن العبث من مصاديق المباح فالمباح له فردان : 
(الاول) :ما تساوى فيه الطرفان اي المصلحة والمفسدة (الثاني ): ما لم تكن فيه مصلحة ولا مفسدة بالمرة فلا رجحان لاحد الطرفين على الاخر للحكم عليه بالوجوب او الاستحباب وكذا لا وجه للحكم عليه بالمحرم او المكروه , اذن في المباح فردان فهل في ارتكاب المباح قبح عقلا؟ 
والجواب:كلا بل هو جائز عقلا ولذا شرعه الله تعالى وهذا مما لا شك فيه في كل الاديان ، والحاصل انه لا شك في ان المباح يجوز اقتحامه كما يجوز الاحجام عنه والاديان كلها وبناء العقلاء على ذلك ، اذ كما توجد واجبات ومحرمات ومستحبات ومكروهات وكذا توجد مباحات بالمعنى الاخص اي ما تساوى فيه الطرفان بلا رجحان والعبث (اي فعل ما لا فائدة فيه) مصداق للمباح فلا اشكال فيه 
ان قلت:ذلك مخالف للحكمة ؟ قلت:نجيب في كلا البعدين المخلوق والخالق اما بالنسبة للمخلوق فنقول:لا شك في ان تخيير هذا المخلوق بين طرفي المباح هو وفق الحكمة ،وخلافه خلاف الحكمة ،(المباح ) يعني ان فعله لا فائدة منه وتركه لا فائدة به لأنا فرضنا انه مباح اي لا فائدة ولا مضرة في فعله وتركه بالمرة ، فيكون كل مما فعله وتركه عقلائيا غير قبيح بدعى كونه عبثا لا فائدة فيه 
اما بالنسبة للخالق فنقول:اننا لا نستطيع ان نحكم على الخالق بمثل ذلك الا بما ورد الينا من السمع ,توضيح ذلك: 
ان المتوهم ان العبث هو (اداء فعل لا فائدة فيه) ,لكن نقول ليس العبث ذلك بل هناك قيد اخر مغفول عنه ، فالعبث هو (القيام بفعل من غير توخي فائدة مما يستدعي جهدا او اذا استدعى بذل جهد) فهذا هو العبث القبيح عقلا ومثاله شخص يحفر بئرا ثم يقوم بردمها ثم يعود لحفرها ثم يردمها وهكذا بلا فائدة لكنه مع بذل جهد لكنه اذا لم يبذل جهدا فليس بعبث قبيح والامر من الله سبحانه كذلك (ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة) (انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون) فالمولى عز وجل عنده الفعل كالترك سيان من حيث بذل الجهد وعدمه فما هي اولوية ان يبقيه على العدم من ان يوجده 
وبتعبير اخر :لماذا كان الايجاد عبثا دون الترك ؟ مع ان نسبة ايجاد الفعل والترك للقادر متساوية فالقادر هو من تساوى اليه الفعل والترك واذا كان كذلك فما ارجحية ان يتركه على ان يفعله ؟ ولماذا لم يكن في الترك العبثية وكان في الفعل العبثية ؟مع كونهما سيان من هذه الجهة ! واما بالنسبة لنا فيطلق (العبث) لأني بذلت جهدا واضعت طاقه في لا شيء اما لو لم يكن في حفر البئر وردمها بذل اي طاقة لا فكرية ولا بدنية -كما في فعل الله تعالى - فما وجه قبح ذلك وما كون هذا الفعل خلاف الحكمة مع لحاظ ان هذا الفعل يساوي الترك فكيف كان الترك وفق الحكمة دون الفعل فليتدبر 
نعم نقول:ان الله تعالى له ان يلزم نفسه بما يرد الينا عن طريق السماع كما ذكر في كتابه ان لا لعب ولا لهو ولا باطل (وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا"سورة ص)(وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لا عبين"الانبياء16) فننفي ذلك بالسماع ولكن العقل لا يدل على امتناع العبث بهذا المعنى الذي ذكرناه , فتامل . وللكلام صلة تأتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=398
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 4 رجب 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23